يُنادي السيسي منذ ظهوره على الساحة السياسية المصرية بوحدة الصف المصري من أجل مواجهة الأخطار، وربما مشى معه الجميع ظنًا منهم بأن هدفهم واحد، ولكن بعد قليل وجد الأغلبية من الشعب المصري أن طلب وحدة الصف لخدمة أهداف مختلفة عن أهدافهم.
لقد كان المصريون يأملون بعد ثورة 25 يناير أن ينهوا حكم الطبقة الحاكمة المسيطرة على الثروة والحكم، الاقتصاد والسياسة، تلك الطبقة التي بدأت مع محمد علي وظلت قائمة حتى قيام ثورة يوليو 1952.
ثم عادت من جديد بوجه مختلف مع تولي الثورة المضادة بقيادة السادات وظلت تلك الطبقة الحاكمة المالكة مستمرة من يومها تنمو وتكبر وتتوغل وتتوحش لتتحول من إقطاعيات الباشوات في عهد الملكية إلى القطط السمان في عهد الرئيس المؤمن! حتى نموا في عهد مبارك ليصبحوا تايكونات وديناصورات لا يستطيع أحد إيقافهم، وهم اليوم مع السيسي ينتشرون ويكبرون ويظلمون ويتجبرون ويتحكمون ويتوحشون أكثر وأكثر، وذلك موضوع صعب وطريق شاق وطويل وقصة تفاصيلها مأساوية ومؤلمة ومزعجة ومحزنة.
لقد كانت مصر قبل الثورة تحت حكم الطبقة الواحدة وتحت حكم الأقلية التي تملك وحدها الثروة والسلطة، حين كان نصف في المائة من السكان يحصلون وحدهم على نصف الدخل القومي كله.
التفاعلات الثورية المتصلة في مصر منذ سنة 1948 وحتى 1952 أتت بثورة يوليو، واستطاعت الثورة إسقاط حكم الطبقة الواحدة واستردت منها الأرض والمصانع والشركات المالية والمراكز الحساسة في الاقتصاد
ولقد أقامت الطبقة الواحدة تنظيماتها السياسية التي كانت تصل بها إلى الحكم لتضمن مصالحـها، وكانت الأحزاب السياسية القديمة هي هذه التنظيمات.
لقد كانت القوة المالية الرئيسية والموجهة في هذه الأحزاب، هي كبار ملاك الأراضي وكبار أصحاب المصالح، وكان التعاون بينهم وبين المصالح الدخيلة، مصالح الاستعمار المباشر، أو مصالح الأجانب المحتكرين للمراكز الحساسة في اقتصادنا الوطني، تعاونًا وثيقًا ومتصلًا.
والذي حدث أن التفاعلات الثورية المتصلة في مصر منذ سنة 1948 وحتى 1952 أتت بثورة يوليو، واستطاعت الثورة إسقاط حكم الطبقة الواحدة، واستردت منها الأرض والمصانع والشركات المالية والمراكز الحساسة في الاقتصاد، ثم حطمت تنظيماتها الحزبية التي كانت تحقق لها السيطرة على سلطة الدولة وسلطان القرار.
وحينما توفي عبد الناصر وجاء السادات برؤية واتجاه مختلف، وحسب ما كشفه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه “مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان”، فإن هنري كيسنجر بعد مقابلته الأولى للسادات في 1974 قال: “الرئيس السادات توصل إلى قناعات نهائية في قراءته لشكل المستقبل في مصر وهو مقتنع كل الاقتناع بموجباتها وقد طرح وجهة نظره فيها بطريقة قاطعة”.
1- إن المستقبل لأمريكا، وهو يريد أن تكون مصر في هذا المستقبل مع أمريكا وليس مع غيرها.
2- ترتيبًا على ذلك فسوف يتخذ في سياساته الدولية والعربية منهجًا يختلف عما جرت عليه السياسة المصرية من قبل.
3- ثم إنه وبمقتضى اختياراته بعد حرب أكتوبر على استعداد من الآن للتحرك نحو سياساته الجديدة وحده، دون انتظار بقية العالم العربي، وسوف يصطف مع الولايات المتحدة في مواجهة السوفييت.
4- وبالتوازي مع ذلك يعتبر أن حرب أكتوبر 1973 ضد “إسرائيل”، هي آخر حروب مصر معها، ولذلك سوف يجرى اعتماده وإعلانه تأكيدًا نهائيًا للسياسات الجديدة.
5- وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصوره للتطور الاجتماعي المصري سوف يختلف عن تصورات سلفه، عن يقين لديه بأن متغيرات العالم تثبت أن المستقبل للرأسمالية.
ولأول وهلة تبدَّى لكيسنجر أن تلك سياسات تتجاوز الحقائق الراهنة في مصر، وربما تتصادم معها، وساوره الشك في قدرة الرئيس السادات عليها، وعرض كيسنجر في هذا الاجتماع الثاني على الرئيس السادات خطة أمن وتأمين يتم تنفيذها على ثلاثة محاور:
الأول: الأمن الشخصي للرئيس، وهو يقتضى إعادة تنظيم حراسة أماكن إقامته في أي مكان وأي وقت.
الثاني: الأمن الإقليمي للدولة في حركتها على الخطوط الاستراتيجية الجديدة، وهي تشمل عنصرين:
أن يكون “البلد” THE COUNTRY تحت مظلة منظومة الدفاع الإقليمي الذي تشرف عليه القيادة المركزية الأمريكية المكلفة بالدفاع عن الشرق الأوسط.
أن تتواكب مع هذه المظلة العسكرية، مظلة أمنية هي شبكة المخابرات الكبرى في المنطقة، التي تتلاقى في إطارها جهود الوكالتين الرئيسيتين وهما:
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية العاملة مع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
عندما قامت ثورة 25 يناير في مصر والثورة التونسية قبلها لاح للبعض أن المستقبل المصري والعربي، يبرُز من بين أنقاض الماضي الصعب الأليم، وظن البعض أن المستقبل المشرق يُقبل بكل ما يمثله من معاني الحرية السياسية
ثم وكالة الأمن الوطني العاملة في إطاره وزارة الدفاع الأمريكية وهي وكالة N.S.A NATIONAL SECURITY AGENCY، وكذلك يكون الغطاء شاملاً مدنيًا وعسكريًا عابرًا للحدود بين الدول، نافذًا إلى العمق داخل هذه الدول!
الثالث: وبعد الأمن الشخصي للرئيس والأمن الإقليمي للدولة يأتي الدور ثالثًا في خطة كيسنجر على الأمن الاجتماعي للنظام، وهو الآن يقتضى إعادة الهندسة الاجتماعية وخلق طبقات جديدة تسند التوجهات الجديدة بأسرع ما يمكن.
كانت تفاصيل ذلك البند في خطة الأمن والتأمين اجتماعيًا واقتصاديًا، وكذلك فكريًا وثقافيًا.
والحقيقة أن الظروف كانت تفتح الأبواب واسعة لهذا البند، ذلك أنه على الطريق إلى أكتوبر وكذلك بعد المعركة بدا واضحًا أن هناك مستجدات وضرورات لا بد على نحو ما من التوافق معها، وكانت هذه المستجدات علمية واقتصادية واجتماعية هبت رياحها على مصر، وتوافقت معها فوائض ثروات من قفزة أسعار البترول أشاعت جوًا من التوقعات تفاعلت بين المستجدات والتطلعات، ونشأ بالتالي مناخًا مستعدًا ومهيأ لكل شيء وأي شيء، ولأن الظروف تستدعي الرجال، فقد كانت تلك هي اللحظة التي ظهر فيها رجال مثل المهندس عثمان أحمد عثمان بالقُرب من الرئيس السادات، مبشرين بالمنطق العملي والواقعي دون أحلام أو خيالات!(انتهى الاقتباس)
وظل مبارك من بعد السادات يسير على الخط المرسوم أمريكيًا سلفًا دون مواربة.
فصنع طبقته المالية المتحكمة أمثال حسين سالم وياسين منصور وصفوان ثابت وساويرس وغيرهم كُثر.
ثم بعد ذلك كان لا بد من سياج قانوني يُعطي تصرفات الطبقة الشرعية ولا يتصادم مع المشروعية لكي يحميهم وزمرتهم، فتم السيطرة على مرفق القانون والعدالة والتشريع، فأصبحنا نرى الوظائف العليا تورث، فأبناء القضاة يعينون في سلك النيابة بصرف النظر عن مجموعهم وكفاءتهم، وأصبحنا نرى أعضاء البرلمان يُختارون قبل أن يُنتخبوا! وتحول البرلمان من ممثل للشعب لممثل على الشعب في دور عبثي هزلي!
وكذلك كان لابد من قوة صلبة تُحيط بالطبقة لكي تحميها فكانت وزارة الداخلية لا لتحمي الشعب بل لتوفر الأمن والحماية للطبقة الحاكمة والمالكة وظهر الجناح الأبرز والمميز داخلها “أمن الدولة” ليكون عين الطبقة على أي تغير يمكن أن يُحدث قلاقل أو يتسبب في هزات أو حتى مضايقات للطبقة الحاكمة والمالكة.
ثم بعد ذلك تطور الأمر بارتباط الساسة الحاكمين بالتجار المالكين ليس فقط عن طريق المصالح، بل زاد عن طريق النسب من خلال الأبناء والأحفاد، كما يختلط الدقيق بالبيض لصنع كعكة الوطن لاقتسامها بعد ذلك! مع العلم أن الطبقة المحلية في الداخل بفرعيها السياسي الحاكم والاقتصادي المالك مرتبطين بالطبقة الحاكمة والمالكة على مستوى العالم العربي وهم جميعًا مرتبطون بقوى الاستغلال العالمي في أمريكا وأوروبا، فالأواني مستطرقة!
عندما جاء الإخوان إلى الحكم ظن الشعب أن هؤلاء الذين يرفعون راية الإسلام سيقتلون الظلم بسيف العدل ويرجعون الحقوق لأصحابها ويقضون على حكم الطبقة البغيض
وفوق ذلك كان لا بد من تغيير النسق القيمي للشعب فاستُخدم الفن لترويج الأفكار الجديدة عن أن العدالة الاجتماعية تدخل من البشر في إرادة الله ومشيئته، وأن الفرد أهم من المجتمع والعدد يعلو على القيمة!
وبين أطلال الماضي المحطم وقصصه الصعبة الأليمة واندفاعات التطلع للمستقبل، كانت الصورة العربية عامةً والمصرية خاصةً مزيجًا غريبًا وعجيبًا ومحيرًا من متناقضات، إشعاعات الحرية وبقع الدماء، الكبت وعتمة السجون وأعواد المشانق، مظاهرات الاحتجاج وطلقات الرصاص، عطر الزهور ودخان البارود، بذخ الغنى وتوحشه، لوعة الفقر وألمه!
وعندما قامت ثورة 25 يناير في مصر والثورة التونسية قبلها لاح للبعض أن المستقبل المصري والعربي، يبرُز من بين أنقاض الماضي الصعب الأليم، وظن البعض أن المستقبل المشرق يُقبل بكل ما يمثله من معاني الحرية السياسية والعدل الاجتماعي والوحدة والقوة، والأهم التخلص من سيطرة وتحكم الطبقة الحاكمة المالكة.
وعندما جاء الإخوان إلى الحكم ظن الشعب أن هؤلاء الذين يرفعون راية الإسلام سيقتلون الظلم بسيف العدل ويرجعون الحقوق لأصحابها ويقضون على حكم الطبقة البغيض.
ولكن ما وجده الشعب المصري بعد قليل أن الظلم زاد واستفحل بدلًا من أن يقل وينمحي، والحقوق ضاعت بدلًا من أن تعود، والإخوان لا يريدون القضاء على الطبقة ولكنهم يريدون أن يكونوا الطبقة، أي إحلال الجماعة والأهل والعشيرة محل الطبقة القديمة!
ثم إن الثورة بعد ذلك فقدت قدرتها على الاندفاع ومن ثم قدرتها على الحركة، فسهل بعد ذلك تطويقها وقتلها بالخنق البطيء، ولكن الأحلام لا تموت والأفكار العظيمة لا تندثر، فالثورات قد تنتهى ولكن الأفكار العظيمة والقيم الإنسانية لا تفنى، فالثورة الفرنسية انتهت ولكن ظلت قيم الحرية والإخاء والمساواة.
واليوم مع السيسي وفي هذا المناخ المفعم بالقلق والشك والغضب المتصاعد، وشواهد العنف الكامن أو الظاهر، وبصرف النظر عن كل الأحلام أو الأوهام التي كانت لدى الأغلبية من الشعب وما زالت موجودة لدى البعض، فالظروف في البلد دقيقة وشديدة الصعوبة، لأن أحدًا لا يعرف على وجه التحديد ما يكفي من الحقائق وراء الظاهر مما يراه أمامه! ولعلني من خلال موقع المتابع المهتم وليس المُطلع على الأمور ودخائلها أو العليم ببواطنها أقول: إن الرجل رغم أحاديثه الكثيرة عن التغيير فيما يبدو خاف واستهول مواجهة الطبقة المتجذرة المسيطرة على المجتمع وحاول أن يستُر موقفه بتبريره ذلك بحجة “خوفه على إسقاط الدولة إن هو واجه تلك الطبقة”!
مصر تحتل المركز الثامن كأسوأ دول العالم في توزيع الثروة، وحسب مجلة فوربس الأمريكية لتقرير الثروة العالمي لعام 2017 فهناك 1% من المصريون يمتلكون 48.5% من ثروة المصريين
ورغم قيامه بفتح ملفات فساد عدد من رموز الطبقة فإن ذلك كان ذرًا للرماد في العيون ومحاولة لتدجين بعض رموز تلك الطبقة وليس إصلاحًا حقيقيًا.
ورغم حديث الإعلام الرسمي بشقيه العام والخاص، وتأكيدات مُحبي الرجل وتابعيه عن قيامه ونظامه بالعديد من الإصلاحات، فإن تلك لم تكن الحقـيقة، وإنما يحاول تغيير الشكل الخارجي بتزييفه ببعض الرتوش المصطنعة.
لأن الواقع المُر البغيض اليوم يقول:
إن مصر تحتل المركز الثامن كأسوأ دول العالم في توزيع الثروة، وحسب مجلة فوربس الأمريكية لتقرير الثروة العالمي لعام 2017 فهناك 1% من المصريون يمتلكون 48.5% من ثروة المصريون، وهناك سبعة مليارديرات مصريين يمتلكون 18.1 مليار دولار وهم:
ناصف ساويرس 6.5 مليار دولار .
نجيب ساويرس 3.9 مليار دولار .
محمد منصور 2.7 مليار دولار .
ياسين منصور 1.8 مليار دولار .
محمد الفايد 1.8 مليار دولار .
أنسي ساويرس 1.2 مليار دولار .
يوسف منصور 1.1 مليار دولار.
ومصر تحتل المركز 139 من 140دولة في مؤشرات التعليم، وكذلك تحتل المركز 83 في مؤشرات الحياة من 86 دولة، وتحتل كذلك المركز الثاني في الطلاق عربيًا، والمركز الثاني في الفساد عالميًا، والأرقام كثيرة وإن كان عدها جارحًا ومؤلمًا.
ولعله فات على كل هؤلاء المُحبين والمتعاطفين والمستفيدين والمهللين والمُطبلين والراقصين (سواء عن طريق الجسد أو عن طريق الفكر)، أن هذا النوع من الإصلاحات الذي يريده الشعب من الرئيس السيسي، هي إصلاحات لا يقدر الرجل عليها، لأن الطبقة الواحدة المالكة والحاكمة من حوله، ثم هو جزء لا يتجزأ منها، اتجاهًا ومصلحةً ومصيرًا وشعورًا ومنطقًا!
ووسط حالة الإحباط المتزايد والتخبط المتواصل الذي يعيشه الشعب المصري نجد أننا نعيش أيامًا، تطغي فيها شهوة التشويه والانتقام من السلطة الحاكمة على المعايير الموضوعية للحكم على الأفكار والأشخاص.
إننا اليوم أمام وضع يختلط فيه كل شيء ويتداخل، وتتلاشى فيه الحدود وتنفصل، فنحن اليوم نرى رموزًا تهاوت، ونجومًا سقطت من عليائها لأنهم أرادوا أن ينتقلوا ويبدلوا صفوفهم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين
ورغم حديث السلطة وتابعيها من مثقفين وإعلاميين عن إنجازات تتحقق ونجاحات تتوالى واقتصاد ينمو وأسعار تنخفض ومستقبل زاهر مُقبل، فإن المشكلة أن كل هذا الذي يُقال على فرض وجوده لا تظهر له علامات ولا بشارات على واقع الناس ومعيشتهم!
والمواطنون وسط كل هذا ينظرون حولهم بمزيج من الدهشة والحزن والغضب المتصاعد إلى درجة السخط على أحوالهم السيئة وخصوصًا أن النظام عن طريق آلاته الإعلامية يُغذي خوف الناس من السير في طريق المجهول وذلك لا يسمح لهم أن يُنفسوا عن جزعهم المكتوم مما يجري لهم وحولهم.
وأخشى ما أخشاه أن يجد المصريون أن الصبر لم يعد قادرًا ولا الصمت ممكنًا ولا الملل والغضب كافيًا!
والغريب أننا اليوم أمام وضع يختلط فيه كل شيء ويتداخل وتتلاشى فيه الحدود وتنفصل، فنحن اليوم نرى رموزًا تهاوت ونجومًا سقطت من عليائها لأنهم أرادوا أن ينتقلوا ويبدلوا صفوفهم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، من الدفاع عن الفقراء المحرومين إلى التبرير للأغنياء المتخمين، من النضال في سبيل الحرية إلى التبرير لفرض الديكتاتورية، من الدفاع عن حقوق العمال إلى التبرير لسطوة وظلم أصحاب الأعمال، وذلك بحجة الخوف على الوطن من إعدائه، ولكن الحقيقة كي ينضموا للطبقة المالكة الحاكمة، وقد يكون ذلك في شق منه إنساني مقبول، وقد ينضم بالفعل بعضهم إلى الطبقة التي حاربوها ونظروا بفكرهم ضدها في الماضي، ولكن بأي ثمن وبأي وسائل؟!
ولذلك أسباب بعضها ذاتي شخصي وبعضها عملي موضوعي:
– فبعضهم يستشعر الظلم وأنه لم يأخذ ما يستحقه من تكريم على المستوى المادي والأدبي والانتقال من صفوف اليسار إلى اليمين سيضمن له ذلك.
– وبعضهم يرى نفسه أفضل من آخرين لمعوا وظهروا وأصبحوا نجومًا تتصدر صورهم الشاشات وأسماؤهم عناوين الصحف، وأنه آن الأوان ليصبحوا مثلهم، وليأخذوا حقهم وحظوظهم، وبعضهم يرى أن الوقت قد حان للاستراحة، وأفضل أنواع الاستراحة الانضمام إلى اليمين الحاكم ومباهجه ومتعه، فالفضيلة مُملة بينما الرذيلة أصعب من أن تقاوم!
– وبعضهم سئم النضال وسط طبقة فقيرة ومعدمة، وخصوصًا عندما نظر إلى الناحية الأخرى، فتجلت له الجنة وارفة الظلال مملوءة بحور العين من كل نوع وصنف ولون، فأراد أن ينجو بنفسه من عذاب النار ويلقي بنفسه إلى نعيم الجنة التي في حضن النظام.
– وبعضهم لم يكن مقتنعًا منذ البداية بما كان يردده من أفكار ومصطلحات، وما إن جاءته الفرصة ليتحول أمسك بها وعض عليها بالنواجذ.
وأخيرًا- فلا يمكن لهؤلاء المتحولين فكريًا من اليسار إلى أقصى اليمين أن يقفوا أو يمشوا، يجلسوا أو يتحركوا، المهم أن يلكوا المصطلحات في خدمة الطبقة التي يلهثون للحاق بركابها اليوم ويفعلون كما يفعل المجاذيب في حي “السيدة زينب” أو “سيدنا الحسين” في أثناء زحام ما بعد صلاة الجمعة ويقولون زاعقين: “مدد يا سيدى عبد الفتاح السيسي مدد.. حي”!