يعدّ خطاب الكراهية أداة أساسية تستخدمها الأوساط الإسرائيلية على كافة المستويات، لتكريس البروباغندا الصهيونية والدعاية التحريضية ضد الفلسطينيين، سواء حول الحرب الجارية بين أصحاب الأرض والمحتل أمّ حول أصل الصراع، وتحويله إلى صراع ديني عرقي ضد اليهود، ليسهل عليها رفع سيف تهمة معاداة السامية على أعناق خصومها، ولاستمالة الرأي العام الغربي وتزييف الحقائق. ولا يكاد يتورّع أحد عن التورّط في هذا الخطاب المشين.
في هذا السياق، أصدرت منظمة “القانون من أجل فلسطين”، قاعدة بيانات تضم مئات حالات التحريض التي تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من حقوقهم وإنسانيتهم، والدعوة إلى التهجير القسري والعقاب الجماعي، من شخصيات سياسية إسرائيلية، وبعض ضباط الجيش والإعلاميين والشخصيات المؤثرة، وأعضاء من الكنيست وصنّاع القرار وأشخاص يعملون في إنفاذ القانون.
وعليه، فإن هذا التحريض العلني والمباشر على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني (أكثر من 500 حالة تحريض مباشر على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين رصدها التقرير)، يؤكد أن خطاب الكراهية جزء من تركيبة وعقيدة وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ضد الفلسطينيين بالخصوص والعرب بالعموم.
ووفقًا للأمم المتحدة، يمسّ خطاب الكراهية العوامل المحددة للهوية الحقيقية والمتصورة لفرد أو مجموعة، بما في ذلك الدين والانتماء والعرق، وخصائص اللغة، ويتّسم بأنه تمييزي ومتحيز ومتعصّب وغير متسامح، وازدرائي للمجموعة المستهدفة، واحتقاري ومهين، ويشمل التحريض والكلام المباشر والصور والرسوم المتحركة والرموز المسيئة.
نماذج من خطاب الكراهية ضد الشعب الفلسطيني بعد “طوفان الأقصى”
يعدّ الساسة والحاخامات وصنّاع القرار في “إسرائيل”، المغذي الأول لخطاب الكراهية الموجّه من الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، فتقوم النظرة الصهيونية على تحقير العرب وشيطنة الفلسطينيين.
وتأتي على رأس تلك الخطابات العنصرية المشينة، تصريحات الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: “لا أخجل من المأساة الإنسانية في غزة”.
الرئيس الإسرائيلي: أنا لا أخجل من المأساة الإنسانية في غزة pic.twitter.com/1dDd4JzXYF
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) January 19, 2024
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال اجتماع في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك”، فيما قال رئيس حزب شاس المتطرف إيلي يشاي: “يمكن تدمير غزة كي يفهموا أنه يجب ألّا تتم إغاظتنا، يجب تسويتهم بالأرض، ولتهدم آلاف المنازل والأنفاق والصناعات”.
وفي السياق، كتبت النائبة عن الليكود، ريفيتال تالي غوتليف، في تغريدة لها بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023: “حان الوقت لصاروخ يوم القيامة، إطلاق صواريخ قوية بلا حدود، لا تسوي حيًّا واحدًا بالأرض، بل تسحق غزة كلها، وتسويها بالأرض بلا رحمة.. بلا رحمة”.
🔵 "حان الوقت لصاروخ يوم القيامة. إطلاق صواريخ قوية بلا حدود. لا تسوّي حياً بالأرض، بل تسحق #غزة وتسويها بالأرض. بلا رحمة! بلا رحمة!".
🔵 هكذا صرّحت المحامية الإسرائيلية وعضو الكنيست عن حزب الليكود "ريفيتال جوتليف" عقب أحداث السابع من أكتوبر. وذلك في مخالفة واضحة pic.twitter.com/avIK4p0OjT
— العَرَّاب الأخير (@donkorliony) January 16, 2024
وفي تغريدة على منصة إكس، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير: “لأكون واضحًا.. عندما يقال إنه يجب القضاء على حماس، فإن ذلك يعني أيضًا أولئك الذين يغنّون والذين يدعمون والذين يوزّعون الحلوى، فكلهم إرهابيون ويجب القضاء عليهم”.
في تصريحات لإذاعة “103 إف إم” الإسرائيلية، قال وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، إن “على إسرائيل إيجاد طرق مؤلمة أكثر من الموت” للفلسطينيين، بهدف حسم المعركة وكسر معنوياتهم، وأضاف: “أعتقد أنه من الممكن كسر معنوياتهم، لقد فعلنا ذلك مع النازيين في ألمانيا، وقد فعلوا ذلك في اليابان أيضًا”، ودعا إلى كسر معنويات الفلسطينيين بتدمير البيوت، وكسر حلمهم القومي في إنشاء دولة فلسطينية وتشجيع الهجرة الطوعية.
كما قال وزير المالية سموتريش: “قرية حوارة يجب أن تمحى، أعتقد أن على دولة إسرائيل أن تفعل ذلك”.
التحريض الاقتصادي
ويعتبر خطاب الكراهية بشكله الاقتصادي شكلًا من أشكال العنف ضد الفلسطينيين، إذ أصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش قرارًا بوقف كل تحويلات أموال مقاصة الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وهي أموال لا تعود لـ”إسرائيل”، بل هي ملزمة بتحويلها إلى السلطة الفلسطينية، كما دعا سموتريش إلى إقامة مناطق أمنية حول المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، لإبعاد المزارعين الفلسطينيين خلال موسم حصاد الزيتون.
وطالب عضو كنيست الاحتلال الإسرائيلي، نسيم فاتوري، بإحراق كامل قطاع غزة بمن فيه دون شفقة وهدم المباني.
طالب عضو كنيست الاحتلال الإسرائيلي نسيم فاتوري، الأربعاء، بـ"إحراق كامل قطاع غزة بمن فيه دون شفقة وهدم المباني"، وذلك قبل يوم من انطلاق جلسة الاستماع الأولى في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال بتهمة الإبادة الجماعية، أمام محكمة العدل الدولية.#عربي21
— عربي21 (@Arabi21News) January 10, 2024
ولم تقتصر العبارات التحريضية ضد الفلسطينيين على السياسيين، بل تعدّت ذلك إلى المؤثرين، إذ تصدّرت أغنية راب بعنوان “شاغير” أو “الإطلاق”، تدعو إلى قتل الفلسطينيين، مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغ عدد مشاهداتها حوالي مليونين على يوتيوب، تحمل تحريضًا مباشرًا على قتل الفلسطينيين، ودعوة إلى تفجير منازلهم، والتباهي بتحويل غزة إلى مدينة ملاهي وفق تعبيرهم.
التاريخ العقائدي للتحريض عند اليهود
لم يقتصر التحريض على القادة والسياسيين، بل تجاوز ذلك للحاخامات، وهم أهم مكونات المجتمع اليهودي، ولهم دور في إدارة المجتمع والدولة وصناعة الرأي العام في “إسرائيل”، من خلال الفتاوى التي تلقى رواجًا وتأييدًا في الأوساط العامة ولدى النخب، والتي تبرر قتل الفلسطينيين، وتجعل منه عقيدة للإسرائيليين.
إلا أن الحاخام الأرثوذكسي الحنان بيك، رأى أن “الصهاينة يحاولون دائمًا الادّعاء بأن المسلمين يريدون إبادة جميع اليهود وإلقاءهم في البحر”، معتبرًا هذه المزاعم بمثابة “هراء”، ونافيًا الاتهامات الموجهة ضد المسلمين بمعاداة السامية، وأكّد أن الهجمات الإسرائيلية على غزة “أداة حقيقية للإبادة الجماعية”.
وقال الحاخام اليهودي موشيه فريدمان إن “ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة بحقوق الفلسطينيين في غزة، يمثل إبادة غير مسبوقة”.
إلا أن تاريخ الحاخامات اليهود يزخر بكثير من خطابات التحريض والكراهية ضد الفلسطينيين، إذ أصدر الحاخام تسون موتسيبي عام 2016 فتوى تبيح الإمساك برأس الفلسطيني وضربه مرارًا بالأرض حتى يتفتّت، فيما تظهر نظرة الحاخامات تجاه العرب في فتوى الحاخام أليعزر كشتئيل، بأن السادة هم اليهود والعبيد هم العرب، والأفضل بالنسبة إليهم أن يكونوا عبيدًا لليهود، فالعربي يجب أن يكون تحت الاحتلال.
كما أفتى الحاخام الأكبر والأب الروحي لحزب شاس عام 2000، بأن العرب والفلسطينيين شرّ مطلق، وأنهم يضرّون ولا ينفعون، ووصفهم بالأفاعي السامة، وبأنهم يقتلون ويغدرون ويؤذون، ودعا اليهود إلى وضع الفلسطينيين في زجاجة مغلقة، لمنع شرّهم وصدّ خطرهم، وليموتوا خنقًا، وفق وصفه.
وفي عام 2014، قال حاخام المدرسة الدينية في مستوطنة يتسهار، يتسحاق غينزبورغ، إن كل فلسطيني، صغيرًا كان أو كبيرًا، يشكّل خطرًا على مستقبل “إسرائيل”، وينبغي قتلهم جميعًا بلا رحمة، وفي عام 2017 حرّم الحاخام شموئيل إلياهو على اليهود الجلوس مع العرب، مضيفًا أن الفلسطينيين وحوش وقتلهم والانتقام منهم فريضة دينية.
توظيف خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين لقلب الحقائق
تعدّ سياسة التحريض ضد الفلسطينيين إحدى الأدوات التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة 48 واحتلال فلسطين، ويقول الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني ماهر حجازي لـ”نون بوست”، إن الهدف من هذه السياسة الترويج لرواية الاحتلال المزيفة في المحافل الدولية، وتزوير الحقائق بشأن حقيقة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من كونه صراعًا بين صاحب الأرض والمحتل إلى صراع ديني ضد اليهود، وما يصفه الاحتلال بمعاداة السامية التي يستخدمها كتهمة جاهزة ضد كل من يدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه.
ويضيف حجازي أن الاحتلال من خلال اللوبي الإسرائيلي المنتشر حول العالم، والذي يتمتّع بالنفوذ والتأثير السياسي والمالي، يستغل أدواته الإعلامية في التحريض ضد الشعب الفلسطيني، بدليل ما قامت به الماكينة الإعلامية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، من تلفيق التهم للمقاومة الفلسطينية، والتي تبنّتها وسائل الإعلام الغربية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ثبت كذبها فيما بعد.
وأوضح: “هذه السياسات التحريضية طالما ساهمت في تشكيل عقبات أمام دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، لكن هناك اختراقات واضحة في هذا المجال، وما يجري اليوم من تصاعد الحراك الشعبي الداعم لفلسطين والمندّد بالإبادة الجماعية، يؤكد أن هذه السياسة من خلال الإعلام هذه المرة لم تنجح في تعطيل التحركات الداعمة لفلسطين والمناهضة لإسرائيل”.
وفي السياق، يؤكد الصحفي والباحث السياسي الفلسطيني محمد أبو طاقية، أن التغيُّر في الرأي العام الغربي الحاصل أثناء الحرب على غزة، يؤكد أن المجتمع ينفض غبار الاحتلال الفكري والثقافي، ويرفض البروباغندا التي طالما روّجها الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقًا للاستطلاعات التي أُجريت مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من 50% من الشباب يؤيدون زوال الاحتلال الإسرائيلي وعودة دولة فلسطين، بالإضافة إلى المظاهرات في بريطانيا، مؤكدًا أن استخدام بعض العناوين التحريضية كان جديرًا بكشف الحقائق، مثل حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها الذي تصدّر الكثير من وسائل الإعلام، في حين أن “إسرائيل” دولة احتلال وليس لها الحق في ذلك.
تاريخ تحريض وخطاب الكراهية ضد الفلسطينيين ليس وليد “طوفان الأقصى”، بل هو مسار اتخذته دولة الاحتلال ومستوطنوها، إذ كتبت المستوطنة إيميلي عمروسي عام 2016 بعنوان “في اليوم الذي قررنا فيه الانتصار”، مقترحة أفعالًا عسكرية وعنصرية كي تتنصر “إسرائيل”، ومنها تغليف جثث الفلسطينيين بجلد خنزير، وهدم بيوتهم وتشريد عائلاتهم.
خطاب الكراهية في القانون
أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 يونيو/ حزيران من كل عام، يومًا دوليًّا لمكافحة خطاب الكراهية، فهي ترى أن خطاب الكراهية إنكار لقيم الأمم المتحدة وللمبادئ التي بُني عليها ميثاقها.
ورصد تقرير للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، بعنوان “مؤشر العنصرية والتحريض لعام 2023″، 10 ملايين مضمون خطاب باللغة العبرية تحمل كراهية وعنفًا ضد الفلسطينيين، فيما يُعكس وفقًا للتقرير الانتشار واسع النطاق لهذا النوع من الخطاب، الذي يترجَم إلى ضرر حقيقي على أرض الواقع.
حيث دعا إلى تطوير مصنفات فعّالة للغة العبرية وتعزيز كوادرها، لمعالجة خطاب الكراهية والتحريض على العنف وزيادة عدد مراجعي المحتويات، وإشراك المجتمع المدني في تصميم سياساتها وعملياتها المتعلقة بمواجهة المضامين السلبية.
تقول المستشارة القانونية الدكتورة رانيا أبو عليان لـ”نون بوست”، إن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1956 في مادتها رقم 4، تحظر الدعاية ونشر الأفكار عن التفوق العنصري والتمييز العنصري، بما في ذلك من السلطات والمؤسسات العامة، مؤكدة أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تمّ اعتماده عام 1998، يحمّل في مادته رقم 25 المسؤولية الجنائية، ويعاقب كل شخص يحرض الآخرين بشكل مباشر وعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
جدير بالذكر أن الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، تنصّ على حظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، التي تشكّل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، وكذلك تتضمّن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948.
كما شددت لجنة القضاء على التمييز العنصري في توصيتها رقم 35 عام 2013 على دور خطاب الكراهية والعنصرية، في العمليات التي تؤدي إلى الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية، وأكدت المادة رقم 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن من حق الناس جميعًا التمتع بالحماية من أي تمييز أو تحريض.
ولعلّنا نختم بحديث الخبير القانوني الإسرائيلي مردخاي كرمنيتسر لصحيفة “هاآرتس” العبرية، أن “مصيبة التحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في إسرائيل، جلبها على رؤوسنا بشكل واسع أشخاص يتولون 4 مناصب، بغبائهم وتعجرفهم وضعفهم الإنساني”.