يرى مراقبون للشأن الأردني، أن التطورات الأخيرة المتعلقة بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ستترك تداعيات مباشرة على تحالفات الأردن داخل المشهد الإقليمي العام.
فالأردن يقف على مفترق طرق، في ظل خيارات قليلة ومحصورة بالنسبة لعلاقاته الإقليمية، فهو كما يبدو لا يحبذ التنصل ومغادرة محور دول الاعتدال الذي تمثله السعودية، في الوقت الذي يرى فيه أن محور الممانعة الذي تتزعمه إيران، يعمل على استهدافه واختراق أمنه واستقراره الوطني.
لكن في ظل العلاقة مع “السعودية الجديدة”، فإن السياسة الأردنية باتت تخضع لاعتبارات مختلفة ومعايير مغايرة، لما كان عليه الحال خلال العقود السابقة، في مقدمتها أنه لا منح سعودية متوقعة، علاوة على انتشار الضباب الكثيف على طريق عمان الرياض، إلى جانب روايات واختلافات جوهرية خاصة على صعيد ملف القدس.
يقف الأردن على مفترق طرق، في ظل خيارات قليلة ومحصورة بالنسبة لعلاقاته الإقليمية
إزاء ذلك، نجد بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأردني بدأت تدفع باتجاه الخيار الإيراني، وسط تنامي الحديث عن الخلاف الأردني السعودي، أو بتوصيف أقل حدة وجود تباين في وجهات النظر بين البلدين، وإن كان على سبيل المناورة السياسية مع السعودية.
الأردن يعيد بناء تحالفاته
بحسب أستاذ علم الحكومات الدكتور أنيس الخصاونة، فإن “الأردن فيما يبدو خلص إلى أن العلاقات مع السعودية تغيرت كثيرا، في ضوء اختلافات جوهرية في الرؤية بين الطرفين، اللذان يعملان على إخفائها للحفاظ على المصالح المتبادلة، مقابل دعوات ومطالبات أردنية للتقارب والانفتاح على إيران”.
وقال الخصاونة لـ”أردن الإخبارية” إنه “بالتزامن مع هذه المتغيرات فإن الأردن أمام إعادة رسم تحالفاته وتبني استراتيجية جديدة مع دول الإقليم، خاصة مع إيران وسوريا في ظل تقليل الخسائر مع دول الاعتدال، مع الالتزام الدقيق والعميق بالحسابات الاستراتيجية لتلك الدول”.
الخصاونة: “صانع القرار يأخذ هذه المتغيرات بالحسبان، وهو يضع أوزان المعادلة الجديدة، التي تعني للأردن ربما مفتاحا استراتيجيا للخروج من عنق الزجاجة”
واعتبر الكاتب الصحفي أن “لقاء رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بالسفير الإيراني في عمان محبتي فردوس، وإعلانه المشاركة بمؤتمر بشأن القدس في طهران، يحمل دلالات عميقة خاصة أنها تزامنت مع انفتاح أردني حذر على النظام السوري”.
ولم يستبعد الخصاونة أن “يكون لقاء الطراونة مع السفير الإيراني والقائم بأعمال السفارة السورية أيمن علوش، الذي ما كان ليحصل لولا وجود ضوء أخضر من القصر الملكي، يهدف إلى إرسال رسالة لمحور دول الاعتدال العربي”.
اكد رئيس #مجلس النواب المهندس عاطف الطراونه مشاركة المجلس عبر وفد برلماني سيترأسه باعمال الدورة 13 لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي و الذي سيعقد في #طهران مطلع الشهر المقبل .
وذلك لدى لقائه السفير الايراني لدى المملكة محبتي فردوس. pic.twitter.com/JkBeUV4T4g
— مجلس النواب الأردني (@Parliament_Jo) December 20, 2017
انفتاح على نظام الأسد برعاية روسية
وحسب صحيفة “رأي اليوم” نقلا عن مصادر مطلعة، فقد بدأت تحضيرات على مستوى رفيع في الأردن، لإجراء اتصالات مع النظام السوري لكن بعيدا عن الأضواء وبدون التطرق للتفاصيل.
وقالت مصادر إن “بوادر تواصل برزت خلال اليومين الماضيين بين الأردن والنظام السوري، ترعاها وتدعمها عن بعد موسكو”، مشيرة إلى أنه “فيما يبدو أن أضواء خضراء تدعم تجارب الاتصال رسميا بنظام دمشق، عبر قنوات سياسية وبرلمانية وليس عبر قنوات أمنية فقط”.
بادر القائم بأعمال السفارة السورية أيمن علوش بإطلاق تصريح قال فيه إن “العلاقة الأردنية السورية حتمية، وإن الإرادة جادة لإعادة العلاقات على أحسن ما يكون”
وطبقا لـ”رأي اليوم”، فإنه “من المرجح أن فريقا أردنيا من الموثوقين لدى دمشق، قد كلف فعلا بترتيب اتصالات مع الجانب السوري، حيث لا تزال السفارتان الأردنية في دمشق والسورية في عمان، تعملان على ذلك”.
فلقاء رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، كل من السفير الإيراني محبتي فردوس، والقائم بأعمال السفارة السورية في عمان أيمن علوش، أمر يطرح أكثر من سؤال.
1️⃣2️⃣انا لا اقول ان الاردن في المعسكر الايراني ولكن اخشى ما اخشاه ان تعتقد الاردن انه يوجد حل او عون من خلال ايران لاستعادة الوصاية الهاشمية على القدس .. فلو حصل هذا فأنها غلطة تاريخية.
— فايز الرابعة (@fbinr) December 25, 2017
فمعلوم أن العلاقة بين الأردن من جهة، والنظام السوري وإيران من جهة ثانية، يغلب عليها في السنوات الأخيرة طابع الخصومة والعداء، حيث تتهم عمان النظام السوري وإيران بالسعي لزعزعة استقرارها، في المقابل ترى دمشق أن عمان ضلع رئيسي من أضلاع تحالف يسعى لإسقاطها.
بالرغم من ذلك، أعلن السفير الإيراني دعم بلاده للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في حين بادر القائم بأعمال السفارة السورية أيمن علوش إطلاق تصريح قال فيه إن “العلاقة الأردنية السورية حتمية، وإن الإرادة جادة لإعادة العلاقات”.
رئيس لجنة فلسطين في البرلمان الأردني ثمّن دور إيران ودعمها ومؤازرتها لموقف الأردن الرافض للقرارات الأمريكية الأخيرة
وفي ضوء ما تقرر من عقد مؤتمر رؤساء مجالس الدول الأعضاء، بمنظمة التعاون الإسلامي في طهران مطلع العام المقبل، بشأن القدس ومشاركة الأردن فيه، وفيما إن كانت مشاركة المملكة بالمؤتمر يعكس تقاربا وانفتاحا على إيران، رأى رئيس لجنة فلسطين النيابية النائب يحيى السعود أن “جميع الاحتمالات ممكنة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة”، معتبرا أن “ما تمر به المنطقة من ظروف حساسة ودقيقة يتطلب الوحدة والتضامن”.
وقال السعود الذي استقبل السفير الإيراني في دار مجلس النواب لـ”أردن الإخبارية” إنه “لا بد من نبذ التفرقة والعمل على توحيد جهود الدول العربية والإسلامية”، مؤكدا على “عمق العلاقات الأردنية الإيرانية”.
وثمن السعود الذي تسلم دعوة من السفير الإيراني لحضور المؤتمر البرلماني المزمع عقده في طهران العام المقبل حول القدس، “دور إيران ودعمها ومؤازرتها لموقف الأردن الرافض للقرارات الأمريكية الأخيرة، وتفهمها للجهود والمساعي المبذولة من قبل الملك عبدالله الثاني تجاه القضية الفلسطينية”.
انفتاح اقتصادي كبير مرتقب على إيران
وبالرغم من أن العلاقة مع الرياض ليست خيارا، بل هي ضرورة تفرضها الجغرافية والتاريخ والسياسة والدين والعروبة، كما تفرضها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلا أن هناك في المقابل معطيات كثيرة يمكن مقاربتها وقراءتها بعناوين مختلفة، عند الحديث عن العلاقة بين الأردن وإيران أيضا.
فمؤخرا بدأنا نلحظ أن هنالك انفتاحا أردنيا حذرا نحو إيران، تمثل بلقاءات سياسية اقتصادية معلنة عبر وسائل الإعلام، فالانفتاح على إيران ليس محل إجماع بين النخب السياسية، لكن اقتراح صدر من مسؤول سابق للبدء بالدبلوماسية الشعبية عبر زيارات لنواب وأعيان وغرف صناعة وتجارة، وهذا ما بدأنا نشهده بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
الكتوت: سعت إيران في السنوات الماضية إلى علاقات أقوى مع الأردن، عبر بوابة الاقتصاد والسياحة الدينية
وحسب الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت فإن هذه الدبلوماسية الشعبية تمثلت بداية بوفد رئاسة غرفة صناعة الأردن الذي ترأسه رئيس الغرفة عدنان أبو الراغب لطهران، الذي بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري، وإزالة المعيقات التي تقف أمام تطور العلاقات التجارية الأردنية الإيرانية.
وقال الكتوت لـ”أردن الإخبارية” إن “إيران سعت في السنوات الماضية إلى علاقات أقوى مع الأردن، عبر بوابة الاقتصاد والسياحة الدينية، إلا أن الأردن كان يتعامل بحذر مع هذا السعي الإيراني”.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن “التبادل التجاري بين الأردن وإيران بلغ نحو 96.5 مليون العام الماضي، منها 84 مليونا تمثل استيراد الأردن من إيران، بينما تصدير الأردن إلى إيران نحو 12 مليون دينار”.
وعن الاستثمارات الإيرانية في بورصة عمان، بين الكتوت أن “الأرقام الرسمية تبين أنه خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بلغت الاستثمارات الإيرانية 123 مليونا و395 ألفا و156 دينارا، موزعة على 16 مساهما وتحتل المرتبة 16 من إجمالي الجنسيات المستثمرة في البورصة”.
هل تدفع قضية القدس لتجاوز مساوئ إيران؟
إلى ذلك، رأى الكاتب محمد أبو رمان أن “موضوع القدس أعاد فتح ملف العلاقة مع إيران بصورة كبيرة، بخاصة أنّ القيادات الإيرانية ومن يدور في فلكها مثل حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني، يتقنون جيداً العزف على ألحان القضية الفلسطينية، وتوظيف العداء الشعبي لإسرائيل في صالحهم”.
أبو رمان: القضية الفلسطينية والتواطؤ الأمريكي، كفيلة بتوفير أرض خصبة لإيران للاستثمار في إعادة بناء رصيدها في الشارع الأردني
وقال أبو رمان في مقال تحت عنوان “نحن وإيران المحيّرة”: “أظن وأكاد أجزم، أنّنا لو أجرينا استطلاعاً جديداً لموقف الشارع الأردني من إيران، سنجد تحولاً آخر جديدا، بعدما وصل الموقف منها إلى الحضيض خلال الفترة الماضية، لكن القضية الفلسطينية وانهيار النظام الرسمي العربي والتواطؤ الأمريكي، كل هذه المدخلات كفيلة بتوفير أرض خصبة لإيران للاستثمار في إعادة بناء رصيدها في الشارع الأردني”.
وأردف أبو رمان قائلا إن “الموقف من إيران عموماً، يقع اليوم في بؤرة الاستقطاب الطائفي والأيديولوجي والسياسي في العالم العربي وفي الأردن، فهنالك تيار لا يرى في إيران إلاّ قوة طائفية ممجوجة، مسؤولة عن كوارث كبيرة في سورية والعراق واليمن ولبنان، ويزيد البعض جرعة أخرى على هذا التوصيف بربط إيران بنظرية المؤامرة الدولية، حتى في موقفها من القضية الفلسطينية”.
https://twitter.com/magsmagdy/status/944350882837254144
وأضاف أبو رمان أنه “على الجانب المقابل، هنالك طرف آخر يقفز عن كل تلك الحيثيات الكبرى، ويتجاوز سياساتها الطائفية والدموية في سوريا والعراق ودورها في الداخل اللبناني، وتشكيلها لميليشيات على هذا الأساس عابرة للحدود تهدم السلم الاجتماعي والأهلي، وينظر فقط إلى خطابها تجاه القضية الفلسطينية، بوصفها الحليف الاستراتيجي في مواجهة الخطر الصهيوني، ومركز محور الممانعة ومعها بالطبع نظام الأسد، وربما الحكومة العراقية المدعومة إيرانيا وأمريكيا”.
المصدر: أردن الإخبارية