ترجمة وتحرير: نون بوست
بالنسبة للكثيرين، تبدو أزمة اللاجئين السوريين بعيدة عن الأنظار، ونتاج حرب لا يشاهدون أهوالها إلا من خلال شاشة التلفزيون. لكن الأمر مختلف بالنسبة للطالبة سارة الزعبي، التي ترى أن محنة اللاجئين ومعاناتهم حقيقية، وتتخذ ركنا لها في ولاية أوهايو الأمريكية. لقد وضعت هذه الشابة على عاتقها مسؤولية مد يد العون لعائلات اللاجئين السوريين، لمساعدتهم على الاستقرار بعد أن تحملوا مشقة السفر عبر المحيط، والتمسوا الأمان داخل الأراضي الأمريكية.
ولدت سارة، الطالبة المتخصصة في إدارة الموارد البشرية، في منغوليا، إلا أنها ترعرعت في الأردن بين سن السنتين والثماني سنوات، وهي كبرى أشقائها الثلاث. ولأنهما يدركان محدودية الفرص المتاحة للمرأة في الشرق الأوسط، قرر والداها شد الرحال نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
في البداية، انتهى المطاف بعائلتها في إنديانابوليس، ثم ارتأت التوجه نحو ليكسينغتون قبل الاستقرار في مدينة سينسيناتي. وكان لهذا التنقل المستمر وقع في نفس سارة التي عانت بسبب هذه التغييرات الصعبة في حياتها. تعلمت سارة اللغة الإنجليزية أسرع من أي شخص في عائلتها، مما أدى إلى اضطلاعها بدور أبوي داخل أسرتها. وفي الوقت الحالي، وخلال مكوثها في الولايات المتحدة، ساهمت بعض جوانبها الشخصية التي لم تتساءل عنها يوما في فصلها عن الثقافة الأوسع نطاقا.
على الرغم من الاختلاف متعدد النواحي بين الهجرة واللجوء، اكتسبت سارة بفضل الخبرة المشتركة الناجمة عن التكيف مع الصدمة الثقافية والتغلب على الحاجز اللغوي، طريقة فعالة للتواصل مع العائلات السورية النازحة التي تعمل معها، خاصة عندما تكون على اتصال مباشر معهم باعتماد برنامج “ريفيوجي كونكت” الخاص بمدينة سينسيناتي. ولا يطمح هذا البرنامج لجلب اللاجئين إلى البلاد فقط، بل إلى إدماجهم أيضا في المجتمع الذي يعتبرهم ضمن قائمة أولوياته.
في أغلب الأحيان، تمتنع العائلات المستقرة حديثا عن إبداء ثقتها في سارة وزملائها من الناشطين عندما يقابلونهم للمرة الأولى
حيال هذا الشأن، أقرت سارة بأنها أدركت أن كل ما فعلته خلال طفولتها كان موجها لخدمة والديها، واضطرت لحمل العديد من المسؤوليات على عاتقها. وقد قللت هذه الطالبة من أهمية ما تقوم به قائلة “جل ما قمت به هو تغيير والداي باللاجئين السوريين”.
في أغلب الأحيان، تمتنع العائلات المستقرة حديثا عن إبداء ثقتها في سارة وزملائها من الناشطين عندما يقابلونهم للمرة الأولى، ولكن يتسنى للطرفين إنشاء علاقة وطيدة فيما بينهم من خلال فهمهم المشترك لمدى صعوبة البدء من جديد. ومن جهتها، أكدت سارة أنها لا ترى هذه العائلات مجرد أشخاص تعمل معهم، بل تعتبرهم من أفراد عائلتها.
مقارنة بالآخرين، لدى سارة فكرة أفضل عندما يتعلق الأمر بفهم أهوال العالم الذي يحاول اللاجئون الفرار منه. ومنذ هجرتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، اعتادت عائلتها زيارة الأردن بين الفينة والأخرى، وكانت آخر سفرة لهم منذ سنتين.
منذ اندلاع الحرب في سوريا سنة 2011، بات الأردن يعاني الكثير من الضغوطات، فهو بلد لا تتجاوز مساحته مساحة ولاية إنديانا الأمريكية، ويكاد يخلو من الصناعات والموارد الرئيسي، إلا أن ذلك لم يمنعه من فتح ذراعيه لاستقبال حوالي مليون لاجئ سوري. في الوقت الحالي، تمتلئ المدارس ومرافق الرعاية الصحية في الأردن باللاجئين. علاوة على ذلك، يمثل السوريون غالبية السكان الذين جاوروا عائلة سارة عندما كانت تعيش في الأردن.
تدور رحى الحرب في سوريا على مقربة من الحدود الأردنية الشمالية، ولا يمكن القول أبدا إن الحرب بعيدة عنها، حيث نوهت سارة بأن “المعارك تدور بالقرب من الحدود، ويمكنك سماع دوي الانفجارات. إنها ليست ببعيدة على الإطلاق، ولا يمكن اعتبارها مجرد قصة إخبارية تعرف تفاصيلها من التلفاز، بل هي تحدث في الفناء الخلفي لمنزلك”.
في الوقت الراهن، يستقر حوالي خمسة آلاف لاجئ في ولاية أوهايو، مع تمركز عدد كبير منهم في مدينة سينسيناتي، ويتراوح عددهم بين 400 و600 شخص. في المقابل، تسببت التشريعات الصادرة عن الإدارة الرئيسية الحالية في إضفاء المزيد من الصعوبات على عملية دخول المهاجرين الولايات المتحدة، مما ساهم في تقليص تدفق المهاجرين إلى البلاد أكثر من أي وقت مضى.
أسست سارة منظمتها غير الربحية الخاصة وأطلقت عليها اسم منظمة “3سيسترز”، والتي تضع خطا هاتفيا ساخنا على ذمة الناطقين باللغة العربية لتقديم المساعدة للاجئين الذين يعانون من مشاكل نفسية
في إطار برنامج إعادة التوطين، أظهرت اللاجئة التي تعمل معها سارة إيجابية منقطعة النظير، ومرونة ومثابرة تستحقان الإشادة. وخلال عملها الدؤوب مع المهاجرين، سعت سارة إلى التركيز على تمكينهم من الحصول على رعاية صحية أفضل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية. وشاهدت عن كثب وقع المعاناة التي تنجر عن السفر من بلدان تشوبها الحروب على عائلات اللاجئين.
علاوة على ذلك، أسست سارة منظمتها غير الربحية الخاصة وأطلقت عليها اسم منظمة “3سيسترز”، والتي تضع خطا هاتفيا ساخنا على ذمة الناطقين باللغة العربية لتقديم المساعدة للاجئين الذين يعانون من مشاكل نفسية. ومع ذلك، تعتبر سارة أن أكثر ما ترسخ في ذهنها هو ما قامت به منذ سنتين في إطار عملها في منظمة “ريفيوجي كونكت”.
كان عمل سارة جزءا من برمجة المنظمة للعناية بالأطفال اللاجئين. وخلال الصيف، كانت تصطحب الأطفال الذين ينتمون لعائلة واحدة للقيام بأنشطة ممتعة، على غرار الذهاب للمسبح العمومي أو المكتبة والمنتزه. وعندما اصطحبت الأطفال إلى المكتبة لأول مرة، حاولت الحصول على بطاقات خاصة بهم، فطلب أمين المكتبة الحصول على تواريخ ميلاد الأطفال، إلا أنهم نظروا لسارة في حيرة وارتباك، لأنهم لا يعلمون تواريخ ميلادهم.
في واقع الأمر، يعود جهل الأطفال بمثل هذه الأمور إلى صعوبة الحصول على سجلات رسمية نظرا للحرب الجارية في سوريا. كما يعزى ذلك إلى أن نمط حياتهم لا يسمح لهم بالاحتفال بأعياد ميلادهم حتى يتذكروها. في هذا الصدد، صرحت سارة بأن “العديد من الأطفال يقضون معظم أوقاتهم داخل المخيمات، ولا تندرج حفلات أعياد الميلاد ضمن لائحة الأمور التي يفكرون بها. إن الأمر يتعلق بالنجاة لدرجة تجعل الطفل يتخلى عن جانب هام من طفولته”.
تخطط لمواصلة العمل على تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للاجئين، وتحاول إنشاء منحة تسمح لها بجلب المزيد من الطلاب اللاجئين إلى ميامي
في طريق عودتهم من المكتبة، ابتسمت إحدى الفتيات الصغيرات اللواتي كانت سارة تصطحبهن وسألتها عما تريد أن تفعله في حياتها.
قالت سارة مجيبة إياها: “آه، أريد أن أصبح طبيبة”
فقالت الفتاة في استغراب: “لكنك فتاة”
وهزت سارة رأسها موافقة: “أجل”
تابعت الفتاة حديثها قائلة: “هل بإمكان الفتيات أن يصبحن طبيبات؟”
فأخبرتها سارة بأن ذلك ممكن الحدوث، فما كان من الفتاة إلا أن قالت بكل عفوية: “حسنا، أنا إذن أريد أن أكون مثلك”.
من المؤكد أن مثل هذه اللحظات تجعل العمل بشكل قريب مع عائلات اللاجئين أمرا محببا إلى قلب سارة. ولعل ذلك هو أبرز الأسباب التي دفعتها إلى تأسيس منظمة “3سيسترز” والعمل مع منظمة “ريفيوجي كونكت”، فضلا عن العديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى.
إن سارة عضوة في المجلس الاستشاري للاجئين في ولاية أوهايو الأمريكية، الذي يقدم المشورة إلى إدارة خدمات الأسرة والعمل في ولاية أوهايو بشأن المسائل المتعلقة بإعادة التوطين. كما أسست سارة مشروع “سلام البريد” الذي سبق لها إطلاقه، وهو مشروع يهدف إلى تمكين الأشخاص في كامل أنحاء العالم من كتابة رسائل إلى الأطفال اللاجئين.
يبدو أن هذا الأمر ليس بالكافي بالنسبة لسارة، حيث عمدت إلى تأسيس وترأس المجلس الاستشاري للاجئين الذي تم تشكيله حديثا في ميامي، والذي يهدف إلى زيادة الوعي حول أزمة مخيمات اللاجئين. كما أن سفيرة للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، حيث تعمل على توظيف طلاب من أمريكا الشمالية من أجل ندوة تابعة للأمم المتحدة في ولاية بانكوك التايلندية.
لا تنوي سارة التوقف عند هذا الحد، فهي تخطط لمواصلة العمل على تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للاجئين، وتحاول إنشاء منحة تسمح لها بجلب المزيد من الطلاب اللاجئين إلى ميامي. وفي الآونة الأخيرة، تحصلت سارة على منحة هاري ترومان الدراسية المرموقة، التي ستمكنها من ارتياد كلية الطب وتحقيق حلمها لتغدو طبيبة ومكلفة بخدمة العموم. وتعتبر سارة الطالبة الوحيدة من ولاية أوهايو التي نالت منحة ترومان لسنة 2018، فضلا عن كونها الطالبة الأولى التي تتحصل على هذه الجائزة عن جامعة ميامي خلال 15 سنة الفارطة.
عموما، تشعر سارة بالفخر والحماس نظير حصولها على هذه الفرصة، لكنها تنفي أن تكون قد تمكنت من تحقيق هذا الإنجاز بمفردها. وحيال هذا الشأن، صرحت الطالبة الناشطة قائلة “إن كل ما فعلته لم يكن رغبة مني في الحصول على هذه الجائزة، بل رأيت حاجة هؤلاء الأشخاص للمساعدة ورأيت أنه قد يكون لدي فرصة لمساعدتهم”.
المصدر: ميامي ستودنت