لا تخلو رحلات السفر والسياحة من المتعة والإثارة والاستجمام، خاصة لو كانت الوجهة ذات تاريخ مليء بالحقائق المدهشة والمثيرة للفضول، مثل الأماكن التي كانت يومًا ما سجنًا معتمًا للمجرمين والمظلومين، ومن ثم تحولت إلى مناطق سياحية عالمية يقصدها السياح بحثًا عن مغامرة في زواياها وحجرها القديمة.
مع تغير الأزمنة، لم تعد غالبية هذه الأماكن تشبه نفسها، فهناك سجون تحولت إلى فنادق ومتاحف أزيلت عنها أي ملمح من ذاك الماضي، وأصبحت ذات هوية جديدة وعصرية لا يمكن مقارنتها بما مضى عليها، لذلك في رحلتك القادمة حاول أن تقرأ قليلًا عن تاريخ وجهتك أو مكان إقامتك فقد يكون من حولك إحدى هذه السجون التي نزعت عن نفسها ملامح الماضي، ومن أشهرها:
الجزر الساحلية
نبدأ أولًا من مناطق النفي والعزل التي أصبحت موقعًا تاريخيًا ونافذة على تاريخ البلد السياسي، كما أنها تعبر عن وجهات نظر الحكام حول حقوق الإنسان والجريمة والعقاب والأساليب السلطوية الأخرى التي تحكمت بحرية المنفيين أو المسجونين.
١- جزيرة روبن في جنوب أفريقيا
تقع هذه الجزيرة مقابل سواحل كيب تاون وجاءت شهرتها من كونها منفى للسياسيين المتمردين على الاستيطان الهولندي وسياساته القمعية أمثال نيلسون مانديلا الذي اعتقل فيها عام 1964 وقضى فيها 18 عامًا في سجون الفصل العنصري في زنزانة لا تتعدى مساحتها تتراوح بين مترين إلى 3 أمتار وتحمل رقم 64، وتحولت بعد خروج آخر المساجين السياسيين منها عام 1991 إلى مقصد سياحي يلهم البعض بقصته التي باتت رمزًا للإرادة والانتصار على التمييز العنصري لا سيما أن مانديلا خرج منها رئيسًا لجنوب أفريقيا.
الجزيرة استخدمت ما بين القرن السابع عشر والعشرين كسجن لجميع من رفضوا الانحناء للحكم الاستعماري وكمشفى للأورام والأمراض المعدية والمستعصية
إلى جانب ذلك، يوجد هناك منزل روبرت سويوكيه، مؤسس حزب المؤتمر الأفريقي، والذي سجن لمدة 9 سنوات في حبسٍ انفرادي، لكن ليست هذه عوامل الجذب السياحي الوحيدة في الجزيرة، فالتنوع الطبيعي الخلاب من الحيوانات والطيور والنباتات جعل الجولة السياحية بداخلها أكثر متعة للفكر والعين.
جدير بالذكر أنها استخدمت ما بين القرن السابع عشر والعشرين كسجن لجميع من رفضوا الانحناء للحكم الاستعماري وكمشفى للأورام والأمراض المعدية والمستعصية عام 1846، كما استخدمت كقاعدة عسكرية حتى أدرجت كموقع للتراث العالمي عام 1999 من قبل اليونسكو لينتهي تاريخها الكئيب.
٢- جزر الأمراء في تركيا
يختصر لقبها حكايتها، فهي واحدة من أقدم المنافي التي استخدمت خلال فترة حكم الدولة البيزنطية لنفي الأمراء والبطاركة والأباطرة، حيث استقر فيها أيضًا الإمبراطور جاستن الثاني وبنى لنفسه قصر ودير وأطلق عليها اسم “برينكيبو” باليونانية القديمة أو الأمراء.
كمت استخدمت في زمن الإمبراطورية العثمانية أيضًا لنفي بعض أفراد عائلات السلاطين العثمانيين، وبعد ذلك نمت المنطقة بسلام مع تزايد عدد السكان فيها، حيث عاش فيها الأتراك واليونانيين، وفي عام 1908 خلال فترة حكم عبد الحميد الثاني أمر السلطان بعض المسؤولين الحكوميين ببناء وتطوير الجزيرة “الكبرى”، إلى أن تحولت إلى منتجعٍ صيفي في القرن التاسع عشر لأثرياء إسطنبول في أثناء حكم الجمهوريين.
كانت الجزيرة منفى لرئيس الجمهورية التركية الثاني عدنان مندريس، وتحديدًا في جزيرة “ياصي” التي شهدت على ذكريات سياسية مؤلمة من حياته.
تمتلئ بالأديرة والكنائس الأرثوذكسية والمباني التاريخية والقصور المذهلة، وأشهرها فيلا زعيم الثورة الروسية والسياسي السوفيتي ليون تروتسكي الذي نفي في هذه الجزيرة لمدة أربع سنوات عام 1929، وهذا بالإضافة إلى كونها منفى لرئيس الجمهورية التركية الثاني عدنان مندريس، وتحديدًا في جزيرة “ياصي” التي شهدت على ذكريات سياسية مؤلمة من حياته.
بصفة عامة، تتكون هذه الجزر من 10 جزر وواحدة منها غرقت خلال هزة أرضية مرعبة عام 1010 للميلاد، واكتشفت لأول مرة في التاريخ من قبل والد الإسكندر الأكبر، ملك مقدونيا الثاني، فيليب، ولا يكف السياح عن زيارتها ولا تهدأ شهرتها أبدًا.
جزيرة ألكاتراز في الولايات المتحدة الأمريكية
تعد هذه المنطقة من أشهر المنافي التاريخية على الإطلاق، والتي بدأت كموقع رهباني وتحولت إلى قاعدة عسكرية من ثم سجن يسلب المتهمين حريتهم وإرادتهم، على الرغم من عدم نفي أي شخصيات مشهورة فيه إلا أن شهرته هزمت أي منفى آخر وذلك بسبب الأساطير الشعبية والخيالية التي نسجت باسمه، إلى جانب أساليب العقاب التي تم ممارستها على المساجين دون احترام أو تقدير لإنسانيتهم.
كما اكتسب شهرته من أفلام هوليود التي دمجت هذا السجن في الثقافة الشعبية لدى الأمريكيين، وصورته على أنه سجنًا منعزل محاط بمياه خليج سان فرانسيسكو الباردة، ما يجعل الهروب منه أمرًا مستحيلًا بطبيعة الحال. مع العلم، يتألف هذا السجن من 28 زنزانة حبس انفرادي، احتوت غالبيتها على أكثر سجناء أمريكا خطورة إلى أن أغلق عام 1963 ليصبح مزارًا سياحيًا.
المثير للاهتمام، تسمية سجن آخر في إيرلندا بنفس اللقب لجزيرة سبايك وضمها إلى جائزة السياحة العالمية لتتخطى بشهرتها برج إيفل في فرنسا وقصر بكنغهام في لندن وغيرها من الوجهات السياحية الرائجة.
في بادئ الأمر، استخدمت هذه الجزيرة كدير ثم قلعة ثم منفى تمهيدي لإرسالهم إلى أستراليا، حيث بنيت السجون فيها في خمسينيات القرن الماضي بأيد السجناء أنفسهم
في بادئ الأمر، استخدمت هذه الجزيرة كدير ثم قلعة ثم منفى تمهيدي لإرسالهم إلى أستراليا، حيث بنيت السجون فيها في خمسينيات القرن الماضي بـأيدي السجناء أنفسهم، وأغلق حتى عام 2004 ليتم إعادة تعديله وبنائه ويصبح واحد من الخيارات السياحية المتاحة. جدير بالذكر أنها شبهت السجن الأمريكي لبعد مكانها وانعزالها عن العالم الخارجي، إضافة إلى الأقاويل التي تتناقلها الأوساط العامة عن تاريخها الجحيمي.
أسوأ ما عرف عن هذا السجن من حقائق هو احتجازه أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة تم إرسالهم إلى هذه الجزيرة بعد أن ارتكبوا جرائم بسيطة مثل التشرد وسرقة الخبز، وهي أفعال حدثت نتيجة للمجاعة الكبرى التي وقعت بين عامي 1845 و1949.
فنادق للاسترخاء ومتاحف لاسترجاع التاريخ
بعد عرض جزء بسيط من الجزر المختارة، نتجه الآن إلى الأماكن المغلقة والتي مازالت تحتوي بعضها على آثار هذه السجون وما تبقى منها من حجر ضيق وأبواب وأدوات تصور لنا التاريخ القديم.
١- متحف الإبادة الجماعية تول سلينغ في كمبوديا
كان هذا المبنى مدرسة ثانوية ومن ثم تحول إلى سجن بعد تولى “الخمير الحمر” السلطة في كمبوديا عام 1975 واعتقل وقتل فيه نحو 1.7 مليون شخص، وبعضهم من تم رميه في مقابر جماعية بالجانب من هذا السجن، إلى أن تحول إلى متحف يذكر بمعاناة وبشاعة الحروب التي مر بها الرجال والنساء في تلك الفترة، وذلك بعد سقوط النظام.
لا زال هذا المكان يحتوي على بعض أدوات التعذيب والأسرة وآثار الدماء والجماجم كمحاولة لتخليد وتوثيق الفظائع التي ارتكبها المتطرفون
اليوم تحولت حقول القتل والسجن السري إلى موقع سياحي يرمز إلى الوحشية والمأساة، حيث تعلق صور المعتقلين والسجناء على الجدران وشمل ذلك بعض اللوحات لصور ضحايا التعذيب من الرجال والنساء والأطفال.
لازال هذا المكان يحتوي على بعض أدوات التعذيب والأسرة وآثار الدماء والجماجم كمحاولة لتخليد وتوثيق الفظائع التي ارتكبها المتطرفون الذي مزقوا استقرارا البلاد.
٢- فندق “فور سيزونز” في تركيا
من بين آلاف النزلاء قد يعرف قلة أن هذا الفندق المشهور بمستواه الرفيع وطلته الخلابة على خليج البسفور كان بالفعل سجنًا يضم بعض أهم الشخصيات التركية على المستوى السياسي والأدبي، إذ كان يسمى في ذاك الوقت “منزل الجزاء أو العقاب” سلطان أحمد أي سجن سلطان أحمد.
أنشأ هذا السجن عام 1918 بجانبه محكمة قضائية، احتجز فيه النساء والرجال بداية من السبعينيات، وأشهرهم مبهري بللي الزعيم الشيوعي ومجموعة من الكتاب والسياسيين الأتراك أمثل كمال طاهر وفيدات تركالي وجان يوسيل وناظم حكمت ونسيب فاضل وأورهان كمال.
في بداية التسعينيات تحول هذا المكان إلى فندق سياحي ذات علامة تجارية شهيرة، يضم حوالي ١٥٠ غرفة كانت ٤٠ منها زنازين سابقًا
في بداية التسعينيات تحول هذا المكان إلى فندق سياحي ذات علامة تجارية شهيرة، يضم حوالي ١٥٠ غرفة وديكورات خشبية مميزة، وفي بعض الزوايا يقال أن آثار السجن لا تزال واضحة بالرغم من مرور سنوات عديدة وإجراء تعديلات مستمرة عليه.
٣- فندق “اللص” في النرويج
لا شك أنه من الصعب مجاورة اللصوص ولكن هل من السهل الاسترخاء في مكان كانوا يعيشون فيه؟، هذا السؤال يجيبه لنا فندق اللص في أوسلو الذي يقع في جزيرة “اللص” ومن هنا جاءت تسميته المريبة، إضافة إلى كونها بالفعل ملجأ للصوص والمتشردين والمجرمين في أوائل الخمسينيات إلى أن أصبح وجهة أشهر وأهم الفنانين في تلك البلاد.
إلى ذلك، هناك قلاع ومتاحف فرنسية ومدن تركية وفنادق أمريكية وكورية شتى كانت في ذاك الزمن عبارة عن سجون لأشخاص رفضهم القانون والمجتمع لتبقى حجرهم وأسرتهم موقع تذكاري لحوادث الماضي أو مكان يستغله السياح لترفيه عن أنفسهم.