عندما يدور الحديث عن الأمور المالية، فإن قلة ممن يشاركون آرائهم قد تصيب معلوماتهم، خاصةً فيما يتعلق بالانضباط والإدارة، وهما شرطان أساسيان في بناء مواقف ناجحة مع عالم المال وما يحتويه من اضطرابات وأزمات مثل الالتزامات المادية المتزايدة وتراكم الديون والبطالة والاستهلاك المفرط.
إذ يعتقد خبراء الاقتصاد أن تجاوز هذه العقبات أو التعثر بها يعتمد بشكل أساسي على خلفية الفرد الاجتماعية إضافة إلى خبرته وحكمته المالية التي من المفترض أنها واحدة من أهم المهارات التي ينبغي على الأفراد امتلاكها في القرن الواحد والعشرين.
وبناءً على هذه الأهمية، يرى الاقتصاديون أن افتقار الأجيال الناشئة إلى المبادئ المالية الأساسية يهدد استقرارهم المادي ويمنعهم من قيادة حياة شخصية ومهنية مستقرة، كما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات مالية خاطئة قد تكون في بعض الأحيان تكلفتها ثقيلة، وبالتالي تخلق علاقة مزعجة بينهم وبين المال.
ما أهمية تعليم المسؤولية المالية للأطفال؟
تعليم الطفل عد النقود منذ الصغر
وفقًا لما ورد في استطلاع الرأي السنوي التاسع لشركة T. Rowe، فإن أكثر من ثلثي الآباء لا يزالون يشعرون ببعض التردد في الحديث عن المال، وكثير منهم يتحدثون عنه فقط عندما يسأل أولادهم عنه، كما كشف البحث نفسه أن الآباء الذين يتحدثون مع أطفالهم مرة واحدة في الأسبوع حول المال هم أكثر ذكاءً من الناحية الاقتصادية مقارنة مع غيرهم.
لذلك يوصي الخبراء بضرورة تعريف الأطفال بالأسس الأولوية لعالم المال بأساليب مختلفة لا تخلو من الأنشطة والفعاليات التي تناسب عمرهم وقدراتهم العقلية، فكلما سارع الآباء في تعليم أطفالهم مفاهيم أساسية مثل الادخار والميزانية في سن مبكرة كلما تطورت عاداتهم المالية الصحية بشكل أكبر.
مع العلم أن هذه المهارات لا تفيدهم فقط على المستوى المادي، بل تنمي شخصيتهم بشكل عام وتعزز ثقتهم بنفسهم من خلال المسؤولية والاستقلالية التي سيتمتعون بها، والتي تؤثر بدورها على جودة قراراتهم في جميع جوانب الحياة المستقبلية.
تحملهم عواقب قراراتهم وأخطائهم المالية يساعدهم على تشكيل صورة واضحة الملامح حول هذا العالم المتأرجح والمليء بالمخاطر، فعلى سبيل المثال إذا أراد طفلك أن ينفق جميع أمواله لشراء سلعة معينة، دعه يتخذ هذا القرار ويختبر نتيجة تصرفاته بنفسه
في هذا الشأن، تقول جانيت بودنار مؤلفة كتاب “Dollars and Sense for kids” بأن “المال جزء من مجموعة القيم التي يجب تعليمها للأطفال، فإذا كان الشباب يتعلمون كيفية الإنفاق بحكمة ويكبحون رغباتهم في الإنفاق، فإنهم سيطورون قدرتهم على الصبر والتخطيط في جوانب أخرى من الحياة.
كما أن تحملهم عواقب قراراتهم وأخطائهم المالية يساعدهم على تشكيل صورة واضحة الملامح حول هذا العالم المتأرجح والمليء بالمخاطر، فعلى سبيل المثال إذا أراد طفلك أن ينفق جميع أمواله لشراء سلعة معينة، دعه يتخذ هذا القرار ويختبر نتيجة تصرفاته بنفسه، لأن هذا الخطأ سيعلمه أهمية التخطيط المالي وصعوبة الإفلاس، وهي عثرات تنذر بسلوكياته المستقبلية.
فعلى الأرجح قد يدفعه هذا الخطأ إلى الاقتراض والتكاسل عن الادخار، أو على النقيض تمامًا قد يعطيه درسًا جيدًا حول التخطيط وإدارة مشترياته والتقيد بميزانية محدودة، وهي استراتيجيات يمكن أن تنمي مهارات أكثر جدية في المستقبل مثل استعداده للتخطيط في سن التقاعد واتخاذ قرارات استثمارية معقولة لتحقيق هذا الهدف وتجنب أي فراغات أو مخاطر اقتصادية.
كيف تُعرف الطفل بقيمة المال؟
الحديث مع الأطفال عن المال كنشاط يومي
يبدأ الأطفال من عمر السادسة بتطوير المهارات المعرفية اللازمة لاستيعاب بعض المفاهيم المالية البسيطة مثل تحديد العملات المعدنية وحسابها ومطابقة ما يملكون منها مع الأشياء التي يرغبون في شرائها، لكن هذه العمليات الأساسية ليست كافية في تعليم الطفل أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ولتحقيق هذه الغاية هناك استراتيجيات يمكنها اتباعها، ومنها:
أولاً: اشرح لطفلك أنه ليس هناك مطبعة جاهزة لتوفير المال الذي يحتاجه، بل أنك تحظى فقط بمبلغ معين كل شهر، ولذلك لا يمكنك شراء ما تريد في أي وقت دون أن تفكر في خياراتك وكيفية تناسب قرارات الإنفاق مع بقية التزاماتك وخططك الأخرى.
ثانيًا: حاول أن تعرف طفلك بتكلفة الأشياء التي يشتريها ومدى تناسبها مع قدرته المادية، على سبيل المثال لو كان الطفل يملك دولارين فقط وأراد أن يشتري كرة وسيارة في الوقت نفسه، في هذه الأثناء عليك أن تدعه يتحقق من سعر كل لعبة وتعرفه بأن ما يملكه من مال لا يكفي سوى لشراء غرض واحد فقط.
يتفق بعض الخبراء أنه لا ينبغي ربط المكافأت المادية بالأعمال المنزلية، لأن على الأطفال أن يساعدوا في الأعمال المنزلية على اعتبار أنهم جزءًا من العائلة وليس لأنهم يتلقون أجرًا
ثالثًا: عرض طرق مختلفة عليه لاكسابه المال، حتى يعرف الطفل أنه يمكنه زيادة مبلغ المال لديه ولكن عليه أن يعمل من أجل تحقيق ذلك، مثل إعداد قائمة بالوظائف التي عليه القيام مثل ترتيب غرفته أو مسح الغبار، لكن من جهة أخرى، يتفق بعض الخبراء أنه لا ينبغي ربط المكافأت المادية بالأعمال المنزلية، لأن على الأطفال أن يساعدوا في الأعمال المنزلية على اعتبار أنهم جزءًا من العائلة وليس لأنهم يتلقون أجرًا.
رابعًا: تعويد الطفل على الانتظار، فواحدة من الدروس المالية الأساسية تقوم فلسفتها على جعل الطفل يتحكم بذاته ورغباته، ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال تشجيعه على التفكير في مدى أهمية المنتج الذي يطلبه، وهل يجب عليه الحصول عليه الآن؟ أم يمكنه شرائه لاحقًا؟.
نمو قطاع الإعلانات التجارية مع تزايد رغبات الأطفال
دعت جمعية علم النفس الأمريكية إلى فرض قيود شديدة على الإعلانات التجارية الموجهة للأطفال، وخاصة تلك التي تزيد الرغبة لديه بالمزيد من الأشياء المادية، ولا سيما في الوقت الذي أصبحت فيه الرسائل التسويقية أكثر تطورًا وتأثيرًا؛ محاولةً أن تستغل نفوذ الأطفال في هذه الحالة على آبائهم، فلا شك أن الأطفال يتمتعون بقوة شرائية هائلة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (عن طريق التأثير على والديهم).
ففي الستينيات، لاحظ العلماء أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و14 سنة أثروا بشكل مباشر على مشتريات الوالدين بقيمة 5 مليارات دولار، أما في منتصف السبعينيات وصل الرقم إلى 20 مليار دولار ليرتفع فيما بعد إلى 50 مليار دولار بحلول عام 1984، استمر التزايد بشكل تدريجي حتى التسعينيات التي تضاعفت فيها معدلات إنفاق الأطفال بوتيرة أسرع ليصل إلى 188 مليار دولار.
إذ قامت السويد عام 1991 بحظر جميع الإعلانات التي تستهدف الأطفال لاعتقادها أن الأطفال دون سن العاشرة غير قادرين على فهم منظومة الإعلانات التجارية ولا يمكنهم استيعاب الرسائل التسويقية بشكل نقدي.
تنفق أمريكا حوالي 29.4 مليار دولار سنويًا على الألعاب، إذ أنفقت واحدة من شركاتها المحلية حوالي 837 مليون دولار على الإعلانات؛ ما يعني أن هذه الصناعة تجني الكثير من وراء السلوك المعتاد للأطفال والقائم على ثقافة “أريده الآن”.
وهذه التأثيرات مدعومة بالأبحاث التي تؤكد على تأثير الحيل التجارية، فلقد وجدت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين شاهدوا المزيد من الأفلام ولعبوا بألعاب الفيديو طلبوا المزيد من الألعاب والمأكولات والمشروبات، فهم أكثر عرضة لمشاهدة الإعلانات التجارية التي تصل إلى 40 ألف إعلان فقط موجه إلى الأطفال في كل عام. جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تنفق حوالي 29.4 مليار دولار سنويًا على الألعاب، إذ أنفقت واحدة من شركاتها المحلية حوالي 837 مليون دولار على الإعلانات؛ ما يعني أن هذه الصناعة تجني الكثير من وراء السلوك المعتاد للأطفال والقائم على ثقافة “أريده الآن”.
حيث يرى الخبراء أن هذا النمط من التربية لا يوفر جو ترفيهي لهم، بل يجعلهم وجبة شهية يتغذى عليها الإعلام وبالتالي ينمي لديهم عادات اقتصادية غير صحية، ولذلك ينبغي على الآباء أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا يريدون أن ينموا أفرادًا ناجحين أم عبيدًا مستهلكين؟