ازدادت حدة التوترات بين أديس أبابا من جانب والقاهرة ومقديشو من الجانب الآخر، إثر إرسال مصر طائرات تحمل شحنات عسكرية إلى الصومال، والإعلان عن إرسال ما يقرب من 10 آلاف جندي مصري إلى البلد الواقع في شرق إفريقيا، تنفيذًا لاتفاقية دفاعية تم توقيعها مطلع العام الحالي.
التوترات بين مصر وإثيوبيا ليست جديدة، فقد بدأت منذ عام 2011 عندما وضع رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ملس زيناوي، حجر الأساس لمشروع سد النهضة الذي أطلق عليه حينها اسم “سد الألفية”، حيث تعده القاهرة مهددًا لأمنها القومي بسبب اقتطاعه جزءًا من مياه النيل.
ورغم طول المدة التي ظلّت فيها العلاقات متوترة بين البلدين، فإنّ صراعهما حول السد اقتصر على حرب كلامية بين المسؤولين، إضافة إلى التنافس على الساحة الإقليمية والدولية كقاعات الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض سردية كل منهما.
لكن الأحداث تسارعت مطلع العام الحالي في أعقاب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم “أرض الصومال” تقضي بتمكين الأولى من تحقيق حلمها في الوصول إلى البحر عن طريق الإقليم الانفصالي مقابل الاعتراف باستقلاله.
وأدى الاتفاق إلى تأجيج التوترات في واحدة من أكثر مناطق العالم “تقلبًا”، وفق تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، حيث طرد الصومال السفير الإثيوبي وأغلق قنصلياته، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، وهدد بمعاقبة الشركات التي تعامل أرض الصومال كدولة مستقلة.
تاريخ النزاع الصومالي الإثيوبي
الأزمة الأخيرة المتفاقمة بين الصومال وإثيوبيا تعيد إلى الأذهان تاريخ عقود من الصراع بين البلدين، ففي الربع الثاني من القرن الـ16 غزا الصوماليون (سلطنة عدل آنذاك) بقيادة الإمام أحمد بن إبراهيم أرض الحبشة، ردًا على الحملات الصليبية ضد المسلمين في المنطقة، وكاد الصوماليون يفرضون سيطرتهم الكاملة على الإمبراطورية الحبشية، لولا الدعم الذي تلقاه الأحباش من القوات البرتغالية بقيادة كريستوفاو دا جاما.
وفي القرن التاسع عشر، غزا الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني أجزاءً من الصومال وسيطر على إقليم أوغادين، فاستمرّت الحروب في القرنين العشرين والحادي والعشرين بين الصومال وإثيوبيا، تمثلت في حرب الحدود عام 1964، وحرب أوغادين بين عامي 1977 و1978، وحرب أغسطس/آب 1982، ثم الحرب التي استمرت مدة عامين بين 1998-2000، ثم تلا ذلك تدخل الجيش الإثيوبي نهاية العام 2006 لمساندة الحكومة الصومالية المؤقتة في حربها ضد قوات المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، قبل أن تنسحب القوات الإثيوبية عام 2009 خوفًا من الوقوع في المستنقع الصومالي، غير أن إثيوبيا ظلّت تحتفظ بسيطرتها على إقليم “أوغادين” الذي اقتطعته بريطانيا من الصومال، وأهدته للإمبراطور منليك الثاني أواخر القرن التاسع عشر.
موقع إستراتيجي
الناظر إلى موقع الصومال يجد أنه ربما كان السبب الرئيس وراء مطامع القوى الاستعمارية الغربية، فضلًا عن مطامع قوى إقليمية مثل إثيوبيا، فالصومال يمثل نقطة التقاء البحر الأحمر مع المحيط الهندي وخليج عدن، كما أنه يقع في شرق إفريقيا على مقربة من مضيق باب المندب الذي يعد ملتقى قارتي إفريقيا وآسيا ويتحكم في حركة التجارة البحرية الدولية بين القارات الثلاثة “إفريقيا وأوروبا وآسيا”، بجانب تمتعه بسواحل تمتد على مسافة 3333 كيلومترًا كأطول ساحل بالقارة السمراء.
وإلى جانب ذلك، يزخر الصومال بالعديد من الثروات الطبيعية مثل الأراضي الزراعية الوفيرة والثروات السمكية والحيوانية، فضلًا عن وفرة من الاحتياطات والموارد غير المستغلة، لا سيما النفط والغاز والمعادن، لهذا من غير المستغرب أن يكون الصومال الكبير ساحة للتجاذبات والتوترات وتصفية الحسابات بالوكالة.
خطاب آبي أحمد أمام البرلمان.. بداية الشرارة
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، خطابًا مطولًا أمام البرلمان، تحدَّث فيه عن ضرورة وصول دولته الحبيسة جغرافيًا إلى البحر مرة أخرى، قائلًا: “نريدُ الوصول إلى البحر بأي ثمن، بغض النظر عن العواقب”، ولحشد التأييد لقضيته استشهد في حديثه بمقولة الراس ألولا أبا نيغا، أحد أبرز القادة العسكريين الإثيوبيين، والذي قال في القرن التاسع عشر: إن “البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا”.
ولفت آبي إلى أن إثيوبيا كانت قبل استقلال إريتريا (منذ 30 سنة) تمتلك ميناءين، وتعداد سكانها نحو 46.47 مليون نسمة فقط، وناتجها المحلي الإجمالي من 10 إلى 12 مليار دولار فقط، وبعد 30 عامًا أضحت دولة حبيسة، وتعدادها يتجاوز 120 مليون نسمة، وتعتمد بشكل أساسي على ميناء جيبوتي وفق اتفاقات تجارية محددة، مؤكدًا أن ذلك “يعرّض مصالح بلاده للخطر”.
وألقى أحمد في خطابه باللائمة على القيادات السياسية التي فرطت في وصول إثيوبيا إلى البحر – في إشارة إلى رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي – الذي في عهده استقلت إريتريا عن إثيوبيا إثر استفتاء شعبي وافق عليه زيناوي، ما تسبّب في خسارة أديس أبابا لمنافذها المباشرة إلى البحر، ونظرًا إلى أراضيها غير الساحلية الواسعة، بدأت إثيوبيا بعد ذلك الاعتماد على ميناء جيبوتي بتكلفة اقتصادية عالية، حيث افتتحت عام 2016 خط سكك حديدية يربط أديس أبابا مع جيبوتي المجاورة بطول 700 كيلومتر، وتكلفة 4 مليارات دولار بتنفيذ شركتَين صينيتَين.
وكانت معضلة إثيوبيا كدولة حبيسة الشغل الشاغل لرئيس الوزراء آبي أحمد، منذ توليه الحكم قبل 6 أعوام، منذ ذلك الوقت بدأ يتحدث عن إعادة تكوين القوات البحرية الإثيوبية التي تم تفكيكها في أعقاب استقلال إريتريا.
حلم تاريخي
بعد أقل من شهرين على تنصيبه رئيسًا للوزراء، قال آبي أحمد على التلفزيون الحكومي: “بعد الجهود التي بُذلت لبناء دفاعنا الوطني، بنينا واحدة من أقوى القوات البرية والجوية في إفريقيا. علينا أن نبني قدرات قواتنا البحرية في المستقبل”، وبعد فترة وجيزة من حديث آبي أحمد، قال الجنرال برهانو جولا إن رئيس الوزراء لديه رؤية بأن إثيوبيا سوف تبني قوات بحرية مزودة بالتكنولوجيات الحديثة.
أضاف الجنرال برهانو الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس الأركان: “رغم أننا لا نملك منفذًا بحريًّا، فإننا قريبون جدًا من البحر الأحمر والمحيط الهندي”، موضحًا: “نرى العديد من البلدان أظهرت رغبة متنامية لبناء قواعد بحرية في الصومال وجيبوتي وبونتلاند وإريتريا، ويمكننا بناء أسطولنا البحري على بُعد 60 كيلومترًا من الساحل”.
وقال أيضًا: “يجب أن نُظهر نفوذنا حول البحر. هناك دول عديدة قدمت إلى المنطقة من مسافات بعيدة ولديها تأثيرها على البحر.. نحن دولة عظيمة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، لا يوجد أي سبب لأن تظل إثيوبيا دولة حبيسة”.
ولإثيوبيا العديد من الدوافع حول سعيها للحصول على منفذ بالبحر، نلخصها بالآتي:
– دوافع سياسية: تعدّ قضية الوصول إلى البحر الأحمر ضرورة لأمن إثيوبيا، حيث حمل خطاب آبي أحمد دلالات سياسية داخلية تقوم بالأساس على الهيمنة الإثيوبية، وذلك من خلال تعزيز أديس أبابا علاقاتها مع دول المنطقة وربطها بها لضمان ولائها ودعمها في الدفاع عن قضاياها على الصعيدين الإفريقي والدولي من خلال لعب دور الوساطة، مثلما تقوم بالانخراط الدائم في أزمات السودان وجنوب السودان.
– دوافع استراتيجية وأمنية: تكمن في عدد من المصالح، أهمها تعزيز المكانة الإقليمية لإثيوبيا في أمن البحر الأحمر، وحماية مرور التجارة الدولية والملاحة البحرية في البحر إلى جانب بناء قوة وأسطول بحري إثيوبي.
– دوافع اقتصادية: ينظر رئيس الوزراء، آبي أحمد، إلى تلك القضية على أنها مسألة وجودية لإثيوبيا تؤثر على اقتصاد البلاد، فالوصول إلى البحر الأحمر من وجهة نظره يوفر مليارات من الدولارات تدفعها حكومته لجيبوتي سنويًا مقابل استخدامها موانئ الأخيرة في حركتي الصادرات والواردات.
“أرض الصومال” ومساعي الاعتراف الدولي
كان أرض الصومال، وهو إقليم شبه صحراوي يقع على ساحل خليج عدن، محمية بريطانية ثم حصل على استقلاله منها عام 1960 واندمج مع الصومال، الذي كانت تحتله إيطاليا ليكونا معًا جمهورية الصومال، ثم انفصل إقليم أرض الصومال وأعلن استقلاله (من جانب واحد) عن جمهورية الصومال عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي الأسبق سياد بري.
وعلى الرغم من أن “أرض الصومال” غير معترف به دوليًا، فإنه يتمتع بنظام سياسي مستقر ولديه مؤسسات حكومية وقوة شرطية وعملة خاصة به، كما أنّ لديه تعاملات وتمثيل دبلوماسي محدود مع بعض الدول مثل كينيا وجيبوتي وتركيا، لكن هذه الدول وغيرها لا تعترف بـ”أرض الصومال” كدولة مستقلة، بل تعده جزءًا من الصومال الأم، رغم جهود الإقليم الحثيثة لنيل الاستقلال.
وكجزء من تلك الجهود وقّع الإقليم مذكرة التفاهم التي أشعلت الصراع مع إثيوبيا مطلع العام الحالي، والتي تنص على منح إثيوبيا إمكانية وصول إلى البحر من أجل حركة مرور سفنها التجارية عبر أحد الموانئ في البلاد.
وتسمح مذكرة التفاهم لإثيوبيا باستئجار 20 كيلومترًا حول ميناء بربرة على خليج عدن، تتيح لها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، لمدة 50 عامًا لأغراضها البحرية والتجارية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال دولة مستقلة.
وسيوفر الميناء مجالًا لإثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر وقناة السويس، ما يتيح لها الوصول إلى أوروبا، كما أفادت التقارير أيضًا بوجود جانب عسكري في الاتفاق، إذ قال إقليم أرض الصومال إنه قد يؤجر جزءًا من الساحل للبحرية الإثيوبية، وأكدت هذا أديس أبابا.
جهود دبلوماسية صومالية لإجهاض المخطط الإثيوبي
فور توقيع مذكرة التفاهم الإثيوبية مع “صوماليلاند” بذلت الدبلوماسية الصومالية جهودًا واسعة، تمثلت في جولاتٍ إقليميةٍ للرئيس حسن شيخ محمود إلى كل من إريتريا ومصر والسعودية وقطر وتركيا، ونتج عن تلك الجولات المكوكية حصول الصومال على دعم الجامعة العربية، ودعم مصري وتركي أثمر عن توقيع اتفاقات دفاعية مع كل القاهرة وأنقرة.
في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب الماضي تسارعت خطوات تنفيذ الاتفاق الصومالي المصري، حيث أرسلت القاهرة طائرتين عسكريتين من طراز (C-130) إلى مطار مقديشو، محملتين بالسلاح والذخائر، بالتزامن مع استكمال إثيوبيا الملء الخامس (والأخير) لسد النهضة، إيذانًا بدخوله مرحلتي التشغيل والإدارة، حيث أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد، الانتهاء من عملية تشييد السد بنسبة 100% في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
رغم قلق إثيوبيا
مصر لدعم الصومال عسكريا
فى تطبيق عملى لاتفاق التعاون الرسمى بين الجيشين المصري والصومالي ، رصدت وسائل اعلام صومالية، هبوط طائرتين حربيتين تابعتين للجيش المصرى ،فى مطار العاصمة الصومالية مقديشيو .
ويبدو أن هذه الخطوة التى تستهدف دعم جيش الصومال، بناء على طلب… pic.twitter.com/QgyfU0WZDa
— khaled mahmoued (@khaledmahmoued1) August 27, 2024
وما يجدر ذكره أن الحكومة المصرية لم تصدر أي بيانات رسمية عن إرسال مساعدات عسكرية إلى الصومال، التي تزداد أهميتها في ظل التوتر المتصاعد بين مصر وإثيوبيا، على خلفية ملف سد النهضة، خصوصًا مع تصاعد التوتر بين الصومال وإثيوبيا، التي دعمت انفصال إقليم “صومالي لاند” عن الصومال الأم.
بيد أن السفير الصومالي لدى القاهرة، علي عبدي أواري، أعلن – في بيان نقلته وسائل إعلام مصرية – عن وصول المعدات والقوات إلى مقديشو، مثمنًا تلك الخطوة التي عدها مهمة للتعاون الدفاعي بين البلدين، وأولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية الصومالية التي عُقدت في القاهرة، وما شهدته من توقيع اتفاق دفاعي مشترك بين مصر والصومال.
وشدد أواري على أن “اتفاقية الدفاع المشترك التي تم توقيعها بين البلدين ستمنع الفراغ الأمني في الصومال، وستتضمن التدريب ودعم المعدات والعمليات المشتركة بين قوات البلدين”.
لماذا تدخلت مصر لدعم الصومال؟
يحمل التحرك المصري العسكري غير المسبوق نحو منطقة القرن الإفريقي رسائل متعددة لإثيوبيا التي لا تزال تتبنى موقفًا رافضًا للمطالب المصرية بشأن توقيع اتفاق قانوني ملزم بتشغيل وإدارة سد النهضة ورفض التحركات الأحادية من جانب أديس أبابا في هذا الصدد.
ذلك أنّ إثيوبيا اقتربت من إنهاء تشييد السد إذ لم يتبق من إكماله سوى 3 أشهر بحسب تصريح رئيس الوزراء آبي أحمد، ويعتقد الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي أن تدخل القاهرة ودعمها للصومال أمر طبيعي نظرًا لخصوصية العلاقات بين البلدين خلال العهود السابقة، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، كان ينظر إلى منطقة القرن الإفريقي كعمق إستراتيجي لمصر.
وأضاف زمراوي في حديثه لـ”نون بوست” أن الأزمة الصومالية مع إثيوبيا تعد فرصة لا تعوض لمصر من أجل الضغط على الإثيوبيين في ظل انعدام الخيارات الأخرى وثبوت عدم جدوى اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وقال إن مصر تمارس سياسة “شد الأطراف” للضغط على إثيوبيا في ظل الوضع الداخلي المتفاقم الذي تشهده الأخيرة، لافتًا إلى سيطرة مليشيا فانو المتمردة على الجانب الإثيوبي من المعبر البري الحدودي مع السودان وإحكام سيطرتها على مدينة المتمة، ما أدى إلى إغلاق الحدود من قبل الجانب السوداني.
ومن غير المستبعد أيضًا أن يكون الدعم المصري للصومال رسالة موجهة إلى دولة الإمارات (الداعم الإقليمي الأول لكل من إثيوبيا وأرض الصومال)، فقد برزت خلافات بين القاهرة وأبو ظبي في شأن التعامل مع ملفات إقليمية أخرى مثل الأزمة السودانية حيث تدعم الإمارات بشكل علني قوات الدعم السريع بقيادة حليفها محمد حمدان دقلو، بينما تدعم مصر الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، ولا شك أن القاهرة محبطة من عدم تدخل الإمارات لصالحها في ملف سد النهضة، إذ لم تبذل أبو ظبي أي جهد لحث إثيوبيا على التجاوب – ولو جزئيًا – مع المطالب المصرية.
إثيوبيا: المساعدات العسكرية المصرية تهديد للأمن القومي
إثيوبيا ردّت على وصول القوات والمعدات المصرية ببيانٍ شديد اللهجة لوزارة الخارجية، قالت فيه إنها “تراقب عن كثب التطورات في منطقة القرن الإفريقي التي قد تهدد أمنها القومي”، مضيفةً أن إثيوبيا “تعرب عن قلقها من تحول بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) إلى بعثة دعم سلام جديدة، محفوفة بالمخاطر على المنطقة”.
وجاء في البيان أيضًا أن إثيوبيا “ستتجاهل التصريحات العدائية. ولا يمكن لإثيوبيا أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ جهات فاعلة أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة”.
وأشارت أديس أبابا إلى “مشاركة إثيوبيا في مناقشات حل الخلافات مع حكومة الصومال”، وأكدت في البيان أن “تقدمًا ملموسًا قد تحقق في هذه المحادثات، وبدلًا من مواصلة هذه الجهود من أجل السلام، تتواطأ حكومة الصومال مع جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة”، مشددةً على أن “القوى التي تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهدافها قصيرة الأمد وغير المجدية.. يجب أن تتحمل العواقب الوخيمة”، وأشار البيان إلى أن إثيوبيا “لا يمكنها التسامح مع هذه الأعمال التي تعرض المكاسب التي تحققت ضد الجماعات الإرهابية الإقليمية والدولية للخطر”.
Press Statement on the Current Situation in the Horn of Africa pic.twitter.com/VePpQ8DaZk
— The Ministry of Foreign Affairs of #Ethiopia 🇪🇹 (@mfaethiopia) August 28, 2024
كما أرودت بعض وسائل الإعلام الإثيوبية ومنصات محسوبة على المعارضة خبرًا يفيد بأن إثيوبيا نشرت معدات عسكرية وقوات كبيرة على حدودها مع الصومال، فضلًا عن وضع القوات الجوية للقيادة الشرقية الإثيوبية في حالة تأهب قصوى على طول الحدود مع الصومال.
أوضاع إقليمية معقدة
النزاع القائم منذ مطلع العام الحالي بين الصومال وإثيوبيا يأتي في سياق أوضاع معقدة، حيث لا يزال الصومال يخوض حربًا ضروسًا ضد حركة الشباب المتطرفة، بينما لم تتعاف إثيوبيا بعد من حرب إقليم تيغراي التي انتهت عام 2022 باتفاق سلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي، لكن الاتفاق تسبب في توتر علاقات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الرئيس الإريتري إسياس أفورقي، إذ شهدت الأيام الماضية أحدث حلقات تدهور العلاقات بين البلدين عندما أعلنت شركة الخطوط الجوية الإثيوبية (حكومية) عن وقف رحلاتها من وإلى العاصمة الإريترية أسمرة بقرار من حكومة أسياس أفورقي.
كانت الرحلات الجوية من إثيوبيا إلى إريتريا استؤنفت عام 2018 بعد عقدين من القطيعة، في أعقاب اتفاق للسلام بين البلدين الجارين واستعادة العلاقات الدبلوماسية وما تلا ذلك من دفء في العلاقات سمح بمنح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد جائزة نوبل للسلام عام 2019.
وقال 5 دبلوماسيين لـ”رويترز” إن تعليق الرحلات يمثل إشارة ملموسة إلى أن العلاقة بين أسمرا وأديس أبابا توترت كثيرًا، لكنهم قالوا إن خطر استئناف الصراع غير مرجح في الوقت الحالي.
وإلى جانب توتر العلاقات مع إريتريا يشهد الداخل الإثيوبي أوضاعًا معقدة أيضًا، إذ تمدد تمرد “مليشيا فانو” إلى الحدود مع السودان، فلأول مرة تحكم المليشيا السيطرة على مدينة المتمة والمنفذ الحدودي الرابط بين إثيوبيا والسودان، ما أدى إلى توقف التجارة وحركة الأفراد بين البلدين، وما يجدر ذكره أن المليشيا تسيطر على مناطق أخرى من إقليم أمهرة، كما تنشط في البلاد حركات تمرد أخرى مثل جيش تحرير أورومو الذي يشن هجمات متفرقة بين الحين والآخر على مناطق في إقليم أوروميا.
وعليه، ربما تسعى مصر إلى الاستفادة من الأوضاع الداخلية التي تشهدها إثيوبيا لممارسة سياسة “شد الأطراف”، كما ذكر لـ”نون بوست” الباحث أحمد زمراوي، باعتبار أن إثيوبيا تستخدم سد النهضة كسلاح ضد مصر، حيث قامت مؤخرًا بحجز 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل تضاف إلى 41 مليار متر مكعب آخر تم احتجازها في مراحل الملء الأربعة السابقة للسد.
ملف سد النهضة يعد نقطة خلاف رئيسية بين مصر وإثيوبيا، وقد رأت إثيوبيا في التحركات المصرية بالصومال محاولة لتطويقها والضغط عليها في هذا الشأن، خاصة أن إرسال المساعدات العسكرية المصرية يمثل خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من 4 عقود، ما يثير الجدل حول توقيتها بالتزامن مع ما تقوم به إثيوبيا من إكمال للسد واقتراب تشغليه منفردة دون الوصول لاتفاق قانوني ملزم.
وفي تقدير أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي فإن “كل متر مكعب يخزن في إثيوبيا سيخصم من الإيراد المصري، وسوف يعود جزء منه في ما بعد مع تشغيل التوربينات، وصرف الاستخدامات اليومية كاملة للمواطن المصري خلال فترة التخزين من بحيرة ناصر، بغض النظر عن الوارد من النيلين الأبيض والأزرق”.
السيناريوهات المتوقعة
تأسيسًا على ما سبق وفي ضوء إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على تحقيق حلم الوصول إلى البحر والرفض الصومالي القاطع لمذكرة التفاهم الموقعة مع “صوماليلاند” فإنه يمكن التوصل إلى السيناريوهات الآتية:
- مزيد من التصعيد والتوترات مع وصول القوات المصرية إلى الصومال التي يقدر عددها بنحو 10 آلاف وقد يتمركز جزء منها على الحدود الصومالية مع إثيوبيا في مناطق جيدو وهيران، حيث ينتظر أن تحل محل القوات الإثيوبية المشاركة في بعثة (أتميس) التابعة للاتحاد الإفريقي، بينما يتوقع أن ترد إثيوبيا بتحشيد مماثل للقوات على الجانب المقابل من الحدود وبطبيعة الحال ستشهد المنطقة زيارات لعدد من القادة العسكريين والسياسيين الصوماليين والإثيوبيين للإدلاء بتصريحات ورسائل حادة بين الحين والآخر. وهذا السيناريو الأكثر ترجيحًا.
- نجاح الوساطة التركية في تحقيق اختراق وحل وسط، لكون أنقرة تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من مقديشو وأديس أبابا، وهذا احتمال غير مرجح حاليًا لتباعد وجهات النظر بين الجانبين، لكنه يبقى احتمالًا واردًا في المستقبل.
- بروز تكتلات إقليمية جديدة: وهو ما بدا في الآونة الأخيرة من تحالف يتشكل بين مصر والصومال وإريتريا مقابل التحالف الذي يجمع إثيوبيا مع “أرض الصومال” برعاية إماراتية، حيث تستثمر الأخيرة في إرسال شحنات السلاح والمعدات إلى إثيوبيا.
Newly acquired emirati made Calidus MCAV-20 armored personnel carriers for the Ethiopian 🇪🇹 military. https://t.co/7xbnfgsBuj pic.twitter.com/KOgdiNfx0n
— Hammer Of War (@HammerOfWar5) July 23, 2024
- اللجوء إلى المنظمات الإقليمية: قد تقوم إثيوبيا بإيداع شكوى إلى الاتحاد الإفريقي ضد التحركات المصرية، رغم أن تلك الخطوة قد تكون عديمة الجدوى، كون التحركات جرت وفقًا لاتفاقية تعاون موقعة مع دولة ذات سيادة.
أخيرًا، التحرك المصري في الصومال والرفض الإثيوبي يعد انعكاسًا للصراعات التي تختمر في المنطقة منذ فترة، وهناك حاجة ملحة لتجنب سيناريو اندلاع مواجهة عسكرية جديدة، فيمكن للأطراف الثلاث “الصومال ومصر وإثيوبيا” التوصل إلى حلول وسط من خلال الحوار والدبلوماسية بتسهيل من الشركاء الإقليميين والدوليين، أما إذا استمرت المواقف المتصلبة فإنه يُخشى أن تؤدي إلى السيناريو الذي لا يحمد عقباه.