حتى صباح اليوم، بدأت تظهر ملامح عملية الفرز في انتخابات البرلمان الموريتاني الأكثر جدلًا وسخونة في التاريخ النيابي للبلاد، التي تجري في ظل غياب الرقابة الدولية التي ألحت عليها المعارضة، لضمان العدالة وعدم تغول السلطة وتدخلها في مجريات الانتخابات، خاصة بعد التصريحات الانتقامية للرئيس محمد ولد عبد العزيز وطعنه في وطنية وأهلية أحزاب الإسلام السياسي، وتحذيره للناخبين من التصويت لهم باعتبارهم متطرفين وقتلة، على حد زعمه.
نتائج الانتخابات.. الجميع على خطوة واحدة
تصريحات ولد عبد الله والأجواء المشحونة تلك، يبدو أنها لم تؤثر جيدًا على قناعات الناخبين وفق النتائج شبه النهائية التي تابعها “نون بوست” من وسائل إعلام موريتانية موضوعية وغير منحازة، للوصول إلى النتائج الحقيقية لما يجري على أرض الواقع، بعيدًا عن حرب تسطيح المعلومات وقوالب الدعائيات التي استخدمت طوال الأيام الماضية في تغطية الحدث من المؤسسات الإعلامية الكبرى في المنطقة.
ووفقًا للنتائج تتجه الانتخابات إلى إجراء مرحلة ثانية في جميع بلديات العاصمة نواكشوط بين الحزب الحاكم وتحالف المعارضة، بعد فرز نحو 98% من الأصوات الخاصة بالانتخابات البلدية التي تصدر فيها حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم بمشاركة أحزاب منتدى المعارضة في أغلب بلديات العاصمة نواكشوط، دون أن يحقق أحد المتنافسين أغلبية حتى الآن.
حزب التجمع اﻟوطﻧﻲ ﻟﻺﺻﻼح واﻟﺗﻧﻣﯾﺔ “ﺗواﺻل” المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين شكل من جانبه لجانًا للوصول إلى نتائج استباقية للانتخابات، وأكد في عدة بيانات متتالية ننقلها عن موقعه الرسمي على موقع الإنترنت، أن نوابه يتفوقون خصوصًا في نواكشوط العاصمة
وبحسب اللجنة المستقلة للانتخابات يتقدم حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم يليه حزب “تواصل” الإسلامي ثم حزب “تكتل القوى الديمقراطية” المعارض، وفي اللائحة الوطنية للنساء واختار هؤلاء نحو 1.4 مليون موريتاني، ليضمن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم فوز القطط السمان وكبار معاونية بعضوية البرلمان، على رأسهم حمادي ولد أميمو وزير الخارجية السابق، كما تحافظ أم كلثوم بنت اليسع على مقعدها لدورة جديدة بالإضافة إلى الشيخ النعمة ولد أحمد، بجانب الناشط السياسي المثير للجدل محمد ولد التراد الذي نادى خلال جلسات الحوار الوطني وعلى الهواء مباشرة بتحويل موريتانيا إلى مملكة ومبايعة محمد ولد عبد العزيز ملكًا دائمًا لها.
حزب التجمع اﻟوطﻧﻲ ﻟﻺﺻﻼح واﻟﺗﻧﻣﯾﺔ “ﺗواﺻل” المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين شكل من جانبه لجانًا للوصول إلى نتائج استباقية للانتخابات، وأكد في عدة بيانات متتالية ننقلها عن موقعه الرسمي على موقع الإنترنت، أن نوابه يتفوقون خصوصًا في نواكشوط العاصمة على الحزب الذي يقدم نفسه على أنه حزب الدولة ويستخدم وسائلها، في إشارة إلى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
وقال “تواصل” إن مجموع الصناديق التي تم فرزها بلغت 551 من أصل 655 صندوقًا، أكدت وصول التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” إلى 15431 أي نسبة 13%، بينما حصل الاتحاد من أجل الجمهورية على 15258 صوتًا بنسبة 12.85%، وحاز تكتل القوى الديمقراطية 5376 صوتًا بنسبة 4.53% فيما فاز اتحاد قوى التقدم بـ4422 صوتًا أي نسبة 3.72%، فيما حصل حزب الصواب على 3653 صوتًا أي نسبة 3.07%، والتحالف الشعبي التقدمي على 3105 أي نسبة 2.61%.
لا يبتعد الحزب الحاكم الموريتاني عن ممارسة توجيه سافر للناخبين، ويتدخل في صلب العملية الانتخابية دون مراعاة لأدنى مقومات النزاهة والشفافية
الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم حصل بدوره على 2775 أي نسبة 2.32%، وحصل حزب الغد الموريتاني 2375، 2%، كما حاز تحالف حزب الوفاء الموريتاني وحزب طلائع التغيير الموريتاني 2000 بنسبة 1.68%، فيما حصل حزب الشورى من أجل التنمية على 1893 أي نسبة 1.59%.
ماذا يفعل الحزب الحاكم في الانتخابات؟
كما هو الحال في العالم العربي، لا يبتعد الحزب الحاكم الموريتاني عن ممارسة توجيه سافر للناخبين، ويتدخل في صلب العملية الانتخابية دون مراعاة لأدنى مقومات النزاهة والشفافية، ويوسع الطريق لأحزاب عديدة تدخل ضمن نطاق ولاءاته لضمان مقاعد في البرلمان، بداية من حزب اﻻﺗﺣﺎد ﻣن أﺟل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ واﻟﺗﻘدم وحزب الكرامة، نهاية بشخصيات سياسية وحقوقية وناشطين شباب وشعراء، وأغلب هؤلاء إما لهم علاقات تاريخية مع السلطة، أو على الأقل على موقف موضوعي يقترب من الموالاة لها.
يعادي الرئيس الحاليّ بقوة حزب “تواصل” ذا المرجعية الإسلامية الذي انقلب عليه ولد عبد العزيز ووصفه في مؤتمر صحفي الخميس الماضي، قائلًا: “الذين يمارسون السياسة ويرتدون ربطات العنق، يمكن أن يحملوا السلاح إذا لم يحققوا أهدافهم عبر السياسة”، ثم انتقل من الحديث بشكل عمومي عن الإسلام السياسي، ليحدد هدفه ويحصره في جماعة الإخوان المسلمين التي هاجمها بشدة، مؤكدًا أنها تسببت في تدمير عدة بلدان عربية كانت أقوى وأغنى من موريتانيا.
التصريحات الهجومية للرئيس يبدو أنها تأتي في إطار حملة مكثفة لتوثيق التطرف على الإسلاميين، ولم يترك أحدًا له علاقة بالإسلام السياسي إلا ورماه بسهامه، سواء المنظمات الحقوقية المحسوبة على الإخوان أم رجال السياسة الكبار الذين يمتلكون علاقة واسعة وتربيطات انتخابية مع التيار الإسلامي، وهو بذلك يرد الضربات لجماعة الإخوان التي تمثل أقسى طبقات المعارضة في مواجهته.
ولد عبد العزيز – وهو قائد عسكري وصل إلى الحكم بانقلاب في 2008 ردًا على إقالته من منصب قائد الحرس الرئاسي وانتُخب في 2009 وأعيد انتخابه في 2014 – وصف قادة المعارضة باللصوص ومثيري الشغب، وهي ألفاظ دأب عليها مع تمكنه من دفة الحكم في البلاد
ويتهم الإخوان ولد عبد العزيز بتغذية أزمات الشارع الموريتاني حتى تبدو بلا حل، كما يتزعم إخوان موريتانيا صفوف المعارضة التي دعت لرفض التعديلات الدستورية في أغسطس 2017، بجانب رفضهم حل مجلس الشيوخ الموريتاني، وهي عوامل أدت إلى احتدام الصراع بين الجماعة والرئيس، ورغم قوة جماعة الإخوان الضاربة فإنه كان لافتًا أن أغلب معاركها ضد السلطة لم تنجح.
فالاستفتاء على التعديلات الدستورية التي طلبتها السلطة وعارضها الإخوان مررت وبنجاح ساحق بغض النظر عن آلية تمريرها، وبموجب التعديلات تم حل مجلس الشيوخ الذي دافع عنه الإخوان في مواجهة عبد العزيز، حتى انتهت العلاقة بينهما إلى صراع وجود، وحاليًّا ينسق الإخوان مع العديد من القوى السياسية، من أجل الوصول إلى مرشح رئاسي آخر للمنافسة خلال الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في العام 2019.
كان ولد عبد العزيز – وهو قائد عسكري وصل إلى الحكم بانقلاب في 2008 ردًا على إقالته من منصب قائد الحرس الرئاسي انتُخب في 2009 وأعيد انتخابه في 2014 – وصف قادة المعارضة باللصوص ومثيري الشغب، وهي ألفاظ دأب عليها مع تمكنه من دفة الحكم في البلاد، وهو ما استنهض المعارض التاريخي ورئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داده لشن هجوم شرس على ولد عبد العزيز والدعوة إلى إسقاطه، ونظام الديكتاتورية الذي أسسه في البلاد.
تتمتع جماعة الإخوان بقوة كبيرة في موريتانيا، ربما تعزز حربها الكلامية في مواجهة النظام الحاكم، إلا أن الخطورة في هذا الصراع أنه يصب كاملًا في صالح النظام المعمول به في موريتانيا، فالحزبية العسكرية المتجذرة في البلاد والقبلية والعنصرية جميعها أمور تدعو إلى التراجع خطوات للوراء، لتعزيز الاستقرار في موريتانيا التي تندرج في فئة الدول الهشة، بما يعني أنها في نظر الغرب تواجه تحديات أمنية خطيرة أهم بكثير من تجذير الديمقراطية، في ظل تمدد رقعة المتطرفين الذين يحتلون منطقة الساحل والصحراء، وهي ملفات كان يعتمد عليها عبد العزيز في الحصول على دعم غير مشروط من الغرب.
يجب على الإسلاميين الإبصار بما تراه الجهات الدولية الداعمة لولد عبد العزيز التي تعتبر أن فاتورة التحول التدريجي للمجتمعات الحدودية قد تكون باهظة إذا ما تم الضغط على السلطة
وقد يلجأ عبد العزيز إلى نسف الديمقراطية بالكامل، ويدعمه في ذلك إرث كبير يستطيع تسويقه للغرب، عن تمزق الجيش الذي يتكون نحو 90% منه من ضباط جيش مغاربة من أصول عربية وبربرية، بجانب طائفة الحراطين والأفارقة السود، بما قد يتسبب في انقسامات قبلية بهيكلية قيادة الجيش نفسه، بسبب انعدام التوازن العرقي والعنصري بجانب أعمال الخيانة والانشقاق التي يحفل بها التاريخ الموريتاني.
الضغط على ولد عبد العزيز، إذا ما أحسن الإسلاميون التصرف والاستفادة من تجاربهم السابقة، يجب أن ينحصر أولًا في ضرورة الانتقال بالبلاد نحو تنمية اجتماعية أكثر إنصافًا، والعمل بشكل تدريجي على تعزيز العلاقات المدنية العسكرية واحترام حقوق الإنسان، وهي مبادئ لصيقة بل ومرتبطة بإحداث نمو اقتصادي، حتى لا تصل البلاد إلى طريق مسدود في نهاية المطاف، وينتهي الحال بإخوان موريتانيا إلى حال إخوان مصر، استنادًا إلى حقائق ثابتة لدى المجتمع الدولي، وجميعها تؤكد وجود أعمال العنف في البلاد.
كما يجب على الإسلاميين الإبصار بما تراه الجهات الدولية الداعمة لولد عبد العزيز التي تعتبر أن فاتورة التحول التدريجي للمجتمعات الحدودية قد تكون باهظة إذا ما تم الضغط على السلطة لتسمح بوصول شخصيات تدعم العرقية المتطرفة والتشدد، خاصة أن القوى الدولية نفسها كانت قد شنت غارات جوية عدة وهجمات بالكوماندوز عبر الحدود لوأد الخلايا المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة عام 2010 وتصفية المتمردين الانفصاليين.
وهي الأزمات التي سارعت نواكشوط وقتها – عبر السرية وعدم إعلان المفاوضات – لحلها، خاصة أن الجيش الموريتاني لديه روابط تاريخية بالقبائل العربية والجماعات المتمردة، ودائمًا ما يستبق الأحداث ويستطيع السيطرة عليها، وهو الملف الذي نجح فيه ولد عبد العزيز الذي استطاع احتواء التهديدات العابرة للحدود التي كانت ترهق الغرب، مما دعاهم لحمايته بمنتهى القوة وتقديم دعم مفتوح له، بما يضع الإسلاميين والإخوان في رهان تاريخي، هل يستطيعون الفوز به أم لا؟ الأيام القادمة ستجيب!