رغم الجهود المكثفة التي يبذلها جهاز المخابرات المصرية لوقف التصعيد العسكري في قطاع غزة والوصول لمرحلة “تهدئة طويلة الأمد”، فإن ليلة الثلاثاء الماضية كانت ساخنة جدًا وقريبة من قلب الطاولة، وتفتح الباب واسعًا أمام دخول الحرب الطاحنة بكل قسوتها وويلاتها.
صاروخ يزن 20 كيلوغرامًا مُحمل بمواد متفجرة كبيرة، مجهول النسب والمصدر، أطلق من قطاع غزة ليلة الثلاثاء باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وسقط على منزل لمستوطن في منطقة بئر السبع، رد الجيش الإسرائيلي بشن أكثر من 10 غارات على مناطق متفرقة من قطاع غزة، أسفرت عن شهيد وعشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين، وتدمير كبير في المنازل والبنية التحتية.
من أطلق الصاروخ؟ ولماذا بهذا التوقيت؟ ومن يسعى لجر قدم غزة للحرب وإجهاض التحرك المصري قبل ولادته؟ 3 أسئلة باتت إجاباتها الضائعة مع غبار القصف والتصعيد الإسرائيلي تُحير الفلسطينيين كثيرًا، خاصة سكان قطاع غزة، بعد أن خرجت غرفة العمليات المشتركة التابعة للمقاومة الفلسطينية، وتشمل أجنحتها العسكرية كافة، ونفت بشكل قاطع علاقتها بالصاروخ، وأكدت دعمها للدور المصري لتجنب الحرب.
ولم يسبق للمقاومة الفلسطينية نفي مسؤولياتها عن إطلاق أي صواريخ أو قذائف أو تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، لكن حساسية المرحلة الحاليّة ووعيها بخطواتها وحرصها الشديد على الجهود المبذولة من الوسطاء بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي للتوصل لاتفاق شامل يجنب غزة الحرب الرابعة، قد دفعها لهذه الخطوة الذكية.
فصائل المقاومة في غزة نفت علاقتها بسقوط الصاروخ على بئر السبع
حكمة أنقذت غزة من الحرب
التطور الأخير الذي جرى بغزة، وقربها كثيرًا من الحرب، وبيان الفصائل العسكرية الذي منع انزلاق قدم غزة نحو وحل التصعيد العسكري مع “إسرائيل”، يرى فيه الباحث والمختص الشأن العسكري رامي أبو زبيدة “تأكيدًا على وقوف المقاومة مع أبناء شعبنا في مسيرات العودة لتحقيق مطالبهم بنيل حريتهم والعودة إلى وطنهم، وأنها تتصدى لمحاولات الاحتلال لحرف المسار الجماهيري لمسيرات العودة عبر التهديد والتصعيد العسكري”.
وأوضح أبو زبيدة أن ما حدث من عملية إطلاق الصواريخ كان خارج إطار فعل المقاومة، ويسعى لحرف البوصلة عن الفعل الجماهيري الشعبي ومطالبه العادلة بالذهاب للبُعد العسكري، مشيرًا إلى أنه في حال دخل الاحتلال الإسرائيلي في حرب أو تصعيد مع المقاومة فإن المفاجآت التي جهزتها له المقاومة ستغير كل الحسابات الإسرائيلية، وستثبت فشله وأنه ليس أمامه سوى الإقرار بحقوق شعبنا وكسر الحصار عن قطاع غزة.
“المقاومة الفلسطينية تعلمت من دروسها السابقة، فأصبح لديها منظومة قيادة وسيطرة تقدر المصلحة العامة لشعبنا فتعرف متى تضرب وكيف، والقرار بشأن المبادرة بالرد لا يتخذ فقط على أساس نظرية التهديد، إنما يتأثر بتقدير أبعاد عمل العدو المتوقع على مصالح شعبنا الحيوية، وهو التقدير الذي يأخذ بالحسبان الواقع الحاليّ الذي تعيشه القضية الفلسطينية”، يضيف الخبير العسكري.
حدود قطاع غزة تشهد الآن حالة من التوتر من المتظاهرين، لتشكيل مزيد من الضغط على الاحتلال لرفع الحصار
وبيّن أبو زبيدة أن المقاومة غير معنية بالحرب، لكنها لن تقف صامتة أمام أي عدوان إسرائيلي على القطاع وسيكون فعلها الميداني ذا تأثير على العدو ومستوطنيه، لافتًا إلى أنه في ظل صعود جميع الأطراف لأعلى مستوى من المطالب، سيكون على الوسطاء العمل على إيجاد حلول وسط ترضي الجميع، يستطيع من خلالها نتنياهو وليبرمان تسويقها لدى المجتمع الإسرائيلي المقبل على انتخابات مبكرة، وبالمقابل إيجاد حلول جذرية للحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 12 عامًا، يلمسها المواطن الغزاوي بشكل فاعل.
ويتابع أبو زبيدة حديثه: “أما إن استمرت الأحداث في الاتجاه الذي تسير فيه على الأرض من خلال تمسك المقاومة بضرورة كسر الحصار مع ارتفاع حدة المسيرات، ولم يلبِ الاحتلال متطلبات الهدوء وفرضت السلطة عقوبات جديدة، فان ذلك يوحي بإمكانية نشوب موجة تصعيد جديدة لزيادة الضغط والتفاوض تحت وقع الضربات المتبادلة”، موضحًا أن نشوب موجه تصعيد جديدة قد يعزز فرص الوصول إلى اتفاق تهدئة، لعدم رغبة الطرفين للوصول والانجرار لجولة مفتوحة من التصعيد في الوقت الحاليّ.
الجدير بالذكر أن حدود قطاع غزة تشهد الآن حالة من التوتر من المتظاهرين، لتشكيل مزيد من الضغط على الاحتلال لرفع الحصار، وسط ارتكاب الاحتلال لمزيد من الجرائم في صفوف المتظاهرين، التي كان آخرها يوم الجمعة الماضية وأدت لاستشهاد 7 فلسطينيين.
ويلات الحرب الأخيرة لم تنتهِ بعد
طبول الحرب تقترب
الصاروخ الأخير أقلق كثيرًا قادة الجيش الإسرائيلي، وبدأت التهديدات بشن حرب رابعة وطاحنة على القطاع مسألة وقت لا أكثر، ولعل أبرز التصريحات التي صدرت بهذا الخصوص حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو بعد تفقده لمكان القصف ببئر السبع، وقال “سنرد بقوة إذا لم تتوقف الهجمات“.
وأضاف نتنياهو أن “إسرائيل” تنظر بخطورة بالغة للهجمات على السياج الحدودي و”معطف” غزة وبئر السبع وكل مكان، وإذا لم تتوقف هذه الهجمات فإننا سنوقفها نحن، وأريد أن أقول لكم اليوم إن “إسرائيل” ستعمل بقوة كبيرة“.
ومع نغمة التهديد التي اعتادها سكان غزة، راحت تقديرات إسرائيلية تبحث في الجهة التي تقف خلف إطلاق الصاروخ على بئر السبع، وكشفت تقديرات أن تكون جماعات موالية لإيران في قطاع غزة من أطلقت الصاروخ بهدف قلب الطاولة على الجميع وإفشال الدور المصري الساعي للتهدئة وجر قطاع غزة نحو الحرب، بحسب ما ذكره موقع “ريشت كان” العبري.
يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي سفيان أبو زايدة: “من المستحيل أن تكون حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي فصيل آخر من الذين يمتلكون الإمكانات لقصف بئر السبع أو تل أبيب، من يقف وراء إطلاق الصاروخ“.
وعن الرسائل التي تم إيصالها من خلف الصاروخ مجهول النسب والمصدر، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون إنه “منذ البداية كان واضحًا أن الحدث عرضي وليس قرار فصائل المقاومة، بيد أن المقاومة جاهزة للتصدي لاعتداءات العدو والذهاب لأبعد مدى“.
وأضاف المدهون: “يبدو أن هناك من يريد تعطيل الإجماع والإضرار بمسار مسيرات العودة، فالمسيرة مستمرة وحالة الاشتباك الشعبي متواصلة”، مشيرًا إلى أن تطويق الحدث أهم من الدخول بمواجهة عسكرية، والحصار يجب كسره وتجاوزه لتعيش غزة بأمن وأمان.
وختم المدهون قوله: “الحصار والذل أسوأ من الحرب، والاستعداد للقتال والموت يهب النصر والعزة، فلا أحد يرغب في الحرب والمواجهة العسكرية، ولكن الحصار وإغلاق المعابر وفرض العقوبات ومنع الرواتب والتضييق المستمر هو عدوان قاس لا نطيقه“.
جر شَكل
بدوره يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي سفيان أبو زايدة إنه “من المستحيل أن تكون حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي فصيل آخر من الذين يمتلكون الإمكانات لقصف بئر السبع أو تل أبيب، من يقف وراء إطلاق الصاروخ“.
ويؤكد أبو زايدة أنه “من المستحيل أن يحدث ذلك في ظل وجود الوفد الأمني المصري الذي يبذل جهدًا جبارًا من أجل عدم الانزلاق إلى مواجهة ستدمر ما تبقى من معالم الحياة في غزة”، مشيرًا إلى أن الأمر لا يحتاج الكثير من الجهد للاعتقاد أن من قرر و أطلق الصواريخ على بئر السبع طرف غير راضٍ عن مسار المفاوضات أو الجهود للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد.
التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة كان في ظل وجود وفد أمني مصري رفيع المستوى بالقطاع، للتباحث مع حركة حماس بملف التهدئة في القطاع
أبو زايدة أشار إلى أن “صاروخ بئر السبع الذي أصاب أحد المنازل إصابة مباشرة دون أن تعترضه القبة الحديدية ودون أن تعمل صافرات الإنذار، وكذلك الصاروخ الذي كان موجهًا إلى تل أبيب وسقط في البحر على بُعد 150 مترًا من الساحل، يخدمون التوجه الداعي إلى جر “إسرائيل” لمواجهة في غزة، ويخدم في نفس الوقت التيار المتشدد في الكابينت الإسرائيلي الذي يدعو إلى الولوج في عملية عسكرية كبيرة في غزة، وتضاعف الضغط على نتنياهو و ليبرمان لاتخاذ قرار بالتصعيد“.
الجدير ذكره أن التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة كان في ظل وجود وفد أمني مصري رفيع المستوى بالقطاع، للتباحث مع حركة حماس بملف التهدئة في القطاع، ومن المقرر أن يصل خلال ساعات قليلة لغزة مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، بعد إجراء لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين في رام الله وتل أبيب على الترتيب، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تهدئة بات قريبًا في قطاع غزة.
ويشهد قطاع غزة منذ نحو 30 أسبوعًا تظاهرات مستمرة انطلقت تحت اسم “مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار”، حيث قمعت قوات الاحتلال تلك التظاهرات وقتلت نحو 200 فلسطيني، وأصابت أكثر من 22 ألفًا بجراحٍ مختلف، ويسعى الاحتلال من خلال الوسيط المصري لإبرام تهدئة بغزة توقف تلك المسيرات الشعبية.