ترجمة وتحرير: نون بوست
في محاولة منه لشرح حجم المشروع الضخم الذي يشرف عليه في الرياض، يشير جيري إنزيريلو من خلال نافذة مكتبه إلى مساحة شاسعة تحتوي على عدد كبير من الرافعات الشاهقة في موقع البناء.
ويقول إنزيريلو إن عدد الرافعات يبلغ الآن نحو 80 رافعة، لكن “سيكون لدينا 275 رافعة بحلول سنة 2027″، مضيفًا: “في السنة الماضية، صببنا 500 ألف متر مكعب من الخرسانة”.
وُيعَد ذلك الرجل النيويوركي، وهو من المخضرمين في مجال الضيافة، الآن الرئيس التنفيذي لمشروع بوابة الدرعية الذي تبلغ تكلفته 65 مليار دولار، وهو مشروع سكني وتجاري وثقافي راقي بدأ يتشكل على مشارف عاصمة المملكة. ففي النهاية، ستتجاور الفيلات الفاخرة والمطاعم الحائزة على نجوم ميشلان مع بقايا قرية قديمة من البيوت الطينية التي كانت موطن العائلة الحاكمة آل سعود على مر القرون.
الدرعية هي واحدة من خمسة مشاريع يطلق عليها اسم “المشاريع العملاقة”، والتي يتم تطويرها بواسطة صندوق الاستثمارات العامة، وهي تُعتبر ضرورية لتحقيق رؤية ولي العهد محمد بن سلمان في إطار “رؤية 2030” لتحديث المملكة، وتقليل اعتمادها على عائدات النفط، وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية.
كانت هذه المشاريع في صميم نشاط محموم قاده صندوق الاستثمارات العامة، مما حوّل المملكة، التي كانت محافظة سابقًا، إلى واحدة من أكبر مواقع البناء في العالم وجاذبة للمستشارين والمقاولين الدوليين. وفي الوقت نفسه، كان صندوق الاستثمارات العامة ينفق بشكل مكثف على المستوى العالمي، حيث تحول من شركة استثمار حكومية شبه خاملة إلى أحد أبرز وأكبر صناديق الثروة السيادية في الخليج الغني بالنفط، بإدارة أصول تبلغ 925 مليار دولار.
لكن بعد ما يقرب من عقد من النشاط المحموم، تدخل السعودية مرحلة جديدة – يصفها من أجريت معهم المقابلات بأنها “إعادة ضبط” أو “إعادة ترتيب الأولويات”، حيث يتجلى الشعور بالواقعية والبراغماتية. وقد تم توجيه الإدارات الحكومية لخفض الإنفاق على الاستشاريين، بينما تُجبر الكيانات المرتبطة بالدولة على تقليل نفقاتها؛ حيث تم تقليص بعض المشاريع أو جدولتها على مدى فترة زمنية أطول.
ويحاول المسؤولون جاهدين القول بأن طموحات المملكة لم تتراجع، وأن المشاريع الرئيسية، مثل مشروع الدرعية، لا تزال على المسار الصحيح. ولا تزال عشرات المليارات من الدولارات تُضخ في مشاريع وصناعات جديدة؛ ففي تموز/ يوليو الماضي، منحت الدرعية عقود بناء بقيمة 4.2 مليارات دولار لمقاولين سعوديين وصينيين.
ولكن هناك تحول ملموس في السرد بعد ثماني سنوات من النشاط الهائل والتبذير غير المسبوق في الإنفاق، مع تزايد الحديث عن الحاجة إلى التعقل.
ويقول إنزريلو: “الآن الأمير ولي العهد في مرحلة جديدة، والتي تتلخص في “نحن في وضع جيد، لكن يجب أن نكون حذرين جدًا في كيفية الإنفاق، تحسبًا لأي طارئ”. لذا لا يوجد أي شيء قريب من برنامج تقشف، ولكن فيما يتعلق بمؤشرات الأداء الرئيسية والنتائج المرجوة، لا توجد هوامش للخطأ الآن. ويجب علينا أن ننفق أموال المملكة بشكل مسؤول”.
لقد تضافرت مجموعة من العوامل لتحريك يد الحكومة، وكان من بين هذه العوامل الانخفاض في إيرادات النفط، حيث تراجعت الأسعار بعد ارتفاعها المستمر لسنوات عقب غزو روسيا لأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، قامت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بخفض إنتاجها بمقدار 2 مليون برميل يوميًا في محاولة لدعم الأسعار.
لكن هناك أيضًا مخاوف من أن يتسبب الحجم الكبير للبناء في احتقان الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، هناك ببساطة حجم الالتزامات المالية التي تتحملها الرياض وصندوق الاستثمارات العامة.
وتمت أيضًا إضافة عدد من المواعيد النهائية الصعبة إلى خطط رؤية 2030 الطموحة التي تم وضعها في سنة 2016، بما في ذلك استضافة كأس آسيا لكرة القدم في 2027، وألعاب آسيا الشتوية في 2029، ومعرض إكسبو 2030، كما أنها المرشح الوحيد لاستضافة كأس العالم 2034.
والآن، يتعرض الصندوق، الذي التزم بإنفاق ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً في المملكة، لضغوط من الحكومة لإظهار العوائد، كما يقول أحد المطلعين على شؤون صندوق الاستثمارات العامة.
ويقول المصدر: “ليس لدينا أموال غير محدودة. ونحتاج إلى ضبط إنفاقنا بشكل أكثر دقة. وفي النهاية، نحن واثقون أن رؤية 2030 تسير على المسار الصحيح، لكننا بحاجة إلى تحسين الأمور قليلاً. وهذا ليس مفاجئًا نظرًا للطبيعة الاستثنائية لهذا التحول الهيكلي”.
تم إطلاق ”الرؤية“ وسط ضجة كبيرة في الديوان الملكي في نيسان/ أبريل 2016، بعد أكثر من سنة بقليل من اعتلاء الملك سلمان العرش وتعيين ابنه المفضل الأمير محمد لرئاسة صندوق الاستثمارات العامة ورئاسة هيئة تنمية اقتصادية جديدة قوية.
ووُضعت مجموعة من الأهداف الجريئة، بما في ذلك الحد من البطالة، وزيادة الإيرادات غير النفطية من خلال إنشاء صناعات جديدة وجذب مبالغ ضخمة من الاستثمارات الأجنبية. وقال الأمير محمد في ذلك الوقت: “لدينا اعتماد كبير على النفط … وهذا أمر خطير”.
وكلف صندوق الاستثمارات العامة، الذي يشرف عليه مساعده الموثوق ياسر الرميان، بقيادة المشاريع المحلية التي تهدف إلى إحداث تغيير في المملكة التي تعاني من الخمول، مع زيادة انكشافها الدولي بسرعة في الوقت الذي أظهرت فيه الرياض شهية لم تكن متصورة من قبل للمخاطرة.
على مدى الأشهر الثمانية عشر التالية، أعلن الصندوق عن نفسه للمستثمرين العالميين، حيث استحوذ على حصة بقيمة 3.7 مليارات دولار في أوبر، وضخ 45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك، والتزم بمبلغ 20 مليار دولار لصندوق بلاكستون للبنية التحتية. أما في المملكة، فقد كشف الأمير محمد، الذي عُيّن وليًا للعهد في سنة 2017، عن مشروعه المحلي الأبرز في المملكة، وهو مشروع مستقبلي يقوده صندوق الاستثمارات العامة بقيمة 500 مليار دولار على طول ساحل البحر الأحمر يُعرف باسم نيوم.
وتم الإعلان أيضًا عن عدد لا يحصى من المشاريع الأخرى المتعلقة بالسياحة والرياضة والعقارات والترفيه. وقالت شركة نايت فرانك في تقرير لها الشهر الماضي إنه منذ سنة 2016، أعلنت الرياض عن مشاريع عقارية بقيمة إجمالية تبلغ 1.3 تريليون دولار، ومنحت عقودًا بقيمة 164 مليار دولار في هذا القطاع.
وبالتزامن مع ذلك، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة 93 شركة محلية، من شركة قهوة سعودية إلى شركات الرهن العقاري وإعادة تدوير النفايات وشركات الألعاب، في إطار السعي لإنشاء صناعات جديدة وتنويع الاقتصاد وإبراز المملكة كمركز إقليمي.
ومنذ البداية، قاد الأمير محمد بن سلمان العملية بقوة، حيث وضع أهدافًا صارمة للمديرين التنفيذيين والوزراء ودقق في تقدمهم بلا هوادة، فهو الرئيس العملي لمجالس إدارة جميع المشاريع العملاقة، بالإضافة إلى العديد من الشركات التي أنشأها صندوق الاستثمارات العامة.
وسعى أيضًا إلى السيطرة على السرد، حيث تم اعتقال العشرات من المنتقدين والنشطاء ورجال الدين وأفراد العائلة المالكة، ولم يترك سوى القليل من النقاش العام حول إيجابيات وسلبيات المشاريع والإنفاق الذي تم القيام به.
وعلى الصعيد الخاص، أعرب بعض السعوديين منذ فترة طويلة عن شكوكهم حول قيمة المشاريع الأكثر إسرافًا، وعن مخاوفهم من أن صندوق الاستثمارات العامة يراهن على فوائض النفط في الداخل والخارج، في رهانات محفوفة بالمخاطر.
ولكن في الوقت نفسه، رحب العديد من السعوديين بالجهود المبذولة لتطوير المملكة ومجموعة من الإصلاحات الاجتماعية، على الرغم من تعمق الاستبداد والصدمة من جريمة القتل المروعة التي وقعت في سنة 2018 للصحفي المخضرم جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين. ويشير السعوديون الأصغر سنًا على وجه الخصوص إلى الحريات الاجتماعية الجديدة، بما في ذلك قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، والدفع باتجاه انخراطها في العمل، وخلق خيارات ترفيهية حيث لم يكن هناك سوى القليل منها.
وعلى مدى السنتين الماضيتين، انخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، في حين ارتفعت مشاركة المرأة في القوى العاملة متجاوزةً الهدف المحدد بنسبة 30 بالمائة لسنة 2030.
ويُعد رفع النمو غير النفطي والإيرادات غير النفطية من الأهداف الأساسية لخطط التحول، وقد أحرزت الرياض تقدمًا في بعض المجالات، لا سيما السياحة والترفيه.
ولكن رغم ارتفاع الصادرات غير النفطية، إلا أنها تظل “أقل بكثير” من النسبة المستهدفة التي تقدر بحوالي 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وذلك وفقًا لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس، كما تكافح المملكة أيضًا لجذب مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تسعى إليها، على الرغم من الجهود المبذولة لتخفيف اللوائح وجذب الشركات العالمية.
ووفقاً لكابيتال إيكونوميكس، بلغت تدفقات الاستثمار المباشر 12.3 مليار دولار السنة الماضية، وهذا الرقم بعيد للغاية عن هدف الأمير محمد بن سلمان البالغ 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.
وفي هذا السياق يقول المصدر المطلع في صندوق الاستثمارات العامة إن “التساؤلات تتزايد حول عوائد صندوق الاستثمارات العامة، خاصة مع انخفاض أسعار النفط، ولكن لا يمكننا حاليًا تحقيق عوائد جيدة نظراً لطبيعة استثماراتنا”.
ويقول المصدر المطلع إن صندوق الاستثمارات العامة يتفهم تركيز وزارة المالية على “الاستدامة المالية”، لكنه يضيف: “حجتنا الأساسية هي أننا إذا وضعنا قيودًا على استثماراتنا فإن مشاريع رؤية 2030 بأكملها قد تتعثر، ولا أحد يريد ذلك”.
ويواجه الصندوق أيضًا تساؤلات حول زيادة “سخونة” الاقتصاد من خلال إنفاقه على المشاريع، ويقول المصدر المطلع إن هناك ضغوطًا تضخمية في قطاع البناء والتشييد، لكنه يجادل بأن هذا يرجع إلى قيود من ناحية العرض بقدر ما يرجع إلى الطلب، ويضيف أن التأخيرات التاريخية في سداد المستحقات من قبل المملكة أدت إلى إحجام العديد من المقاولين الأمريكيين والأوروبيين، مما أدى إلى نقص في العمالة على وجه الخصوص.
ويستشهد إنزيريلو بتقرير استشاري صدر بعد الإعلان عن رؤية 2030، وتوقع أن تستنفد المملكة موارد سلسلة التوريد المحلية، بما في ذلك القوى العاملة، بحلول نهاية سنة 2023.
ويقول إنزيريلو إن هذا حدث فعليًا في سنة 2022، لذلك “كان علينا أن نبدأ في النظر إلى ما هو موجود في الخليج والبحر الأحمر وأماكن أخرى، لخلق فرصة للمقاولين الأجانب؛ حيث يملأ الصينيون والكوريون جميع أنحاء المملكة”.
لكن إنزيريلو يقول إن الدرعية “في حالة جيدة جداً” رغم اضطرارهم إلى إدارة الضغوط التضخمية على سلسلة التوريد الخاصة بالبناء.
لكن أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة استشارية تعمل مع الجهات الحكومية يقول إن العديد من المشاريع لا يتم تسليمها في الوقت المحدد أو في حدود الميزانية، ويقول المسؤول التنفيذي: “هناك ضرورة ملحة لإعادة تقييم المشاريع. وهذا لا يعني أي تضاؤل في الطموح، ولكن القليل من الواقعية والاعتراف بتعقيدات تنفيذها”.
وتعد الشركات الاستشارية، التي توافدت على المملكة على مدار العقد الماضي، من بين الشركات التي تشعر بالأزمة؛ حيث تستعين جميع الدوائر الحكومية أو الكيانات التابعة للدولة تقريبًا بجيش من الاستشاريين لوضع إستراتيجيات موجهة نحو تحقيق أهداف ما يسمى بـ “برامج تحقيق الرؤية”.
ويقول مسؤول تنفيذي آخر في إحدى الشركات الاستشارية: “الجميع يشد الأحزمة”، مضيفاً أن إنفاق نيوم على الاستشاريين قد انخفض بنسبة 20 إلى 30 بالمئة خلال الأشهر الستة الماضية.
ويضيف أن مسار العمل لا يزال قائمًا بقوة، لكن بعض الشركات الاستشارية الأصغر حجمًا تعاني من هذا الأمر، ويقول المدير التنفيذي: “هناك بعض الشركات التي دخلت المدينة قبل عامين وأنفقت بشكل كبير على التوظيف، لكنها تجد نفسها الآن تكافح من أجل توفير الرواتب، والحصول على المشاريع، وتكافح من أجل توفير عمل لموظفيها، كما تعاني من أزمة تسريح للموظفين”.
ويتفق الاقتصاديون على أن هناك حاجة إلى تغيير وتيرة العمل، فقد رحب صندوق النقد الدولي بما وصفه “تمرين تحليل الفضاء المالي الذي أدى إلى إعادة ترتيب أولويات المشاريع والإستراتيجيات القطاعية”، بالإضافة إلى “إعادة تقييم الإنفاق الاستثماري”.
ولكنه أشار في تقرير صدر خلال الشهر الماضي إلى عدم وضوح ما يعنيه ذلك من الناحية العملية، مضيفًا أن “الإعلان عن التأثير الرئيسي لهذه العملية على أهداف رؤية 2030 من شأنه أن يوفر وضوحًا بشأن أولويات الحكومة ويعزز توقعات المستثمرين”.
وألمح الصندوق أيضًا إلى الضغوط المالية، قائلًا إنه من المتوقع أن يتحول فائض الحساب الجاري للرياض إلى عجز بداية من السنة الحالية، محذرًا من أن انخفاض أسعار النفط والواردات القوية اللازمة لدعم المشاريع العديدة القائمة سيزيد من تفاقم الوضع الخارجي.
وألقى الصراع الجاري منذ سنة في الشرق الأوسط، والذي بدأ بهجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والهجوم الانتقامي الإسرائيلي في غزة، بظلاله على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، خاصة مع تزايد المخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة قد تمتد إلى الخليج.
وكانت أسعار النفط تتأرجح بالقرب من 70 دولارًا للبرميل قبل أن تؤدي التوترات المتصاعدة في المنطقة بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل إلى تجاوزها 80 دولارًا لفترة وجيزة، لكن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن المملكة تحتاج إلى أن يكون سعر الخام عند 96 دولارًا لضبط ميزانيتها.
وتتوقع الحكومة عجزًا متزايدًا في الميزانية على مدى السنوات الثلاث المقبلة،؛حيث سيرتفع من حوالي 27 مليار دولار في سنة 2025 إلى 37 مليار دولار، أو 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في سنة 2027، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة. وقالت وزارة المالية في بيانها التمهيدي للميزانية الشهر الماضي إن ميزانية 2025 ستكون أقل من الإنفاق المقدر هذه السنة.
ورغم تضاعف الإيرادات غير النفطية منذ سنة 2015، إلا أن الحكومة لا تزال تعتمد على النفط في ما يقرب من ثلثي ميزانيتها وأكثر من 70 بالمائة من عائدات صادراتها.
ويقول الاقتصاديون إن الرياض لديها احتياطيات كبيرة يمكن اللجوء إليها إذا لزم الأمر؛ حيث تبلغ قيمة الاحتياطيات الأجنبية حوالي 428 مليار دولار، ويحتفظ بها صندوق الاستثمارات العامة بالعديد من الأصول، ويتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 27 بالمائة في السنة الجارية، وقد كانت المملكة أكبر مصدر للديون في الأسواق الناشئة بعد الصين هذه السنة؛ حيث جمعت حوالي 44 مليار دولار.
ويقول خبير اقتصادي مقيم في الخليج: “على المدى القصير، لديهم ميزانية عامة قوية للغاية، لذا، ورغم إنهم سيتعرضون لضربة كبيرة إذا انخفضت أسعار النفط، إلا أنهم سيتمكنون من التعامل معها، ولكن إذا اقتربت الأسعار من 60 دولارًا للبرميل بدلًا من 80 دولارًا للبرميل، فإن هذا سيُحدث فرقًا كبيرًا”.
ويقول مسؤول سعودي رفيع المستوى إن المملكة قد تغيرت “اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا” على مدى السنوات الثماني الماضية، مضيفًا أن قدرتها على تنفيذ خططها المستقبلية لا تعتمد على سعر معين للنفط.
لكنه يعترف بأن الحكومة ستقيّم أولوياتها باستمرار؛ حيث بقول: “البيئة السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية تتطور بسرعة، ولدينا مشاريع بمواعيد نهائية لم تكن موجودة في بداية رؤية 2030”.
ويبدي السعوديون الداعمون لخطط التنمية تفاؤلهم أيضًا؛ حيث ينظرون إلى التغيير في الوتيرة كخطوة طبيعية في دورة النضج.
ويقول مسؤول تنفيذي سعودي: “قد يكون المسار وعرًا بعض الشيء، لذلك أنت تفاضل بين الأولويات. لا يقدّر الناس بعض الأمور التي تحدث هنا، فأنت تقوم بتنشيط قطاعات جديدة، وتنشئ قطاعات جديدة، وهذا أمر يستغرق بعض الوقت. إذا أردت التغيير، فسيكون ذلك مؤلمًا من حيث التكلفة والوقت. لمن حقيقة أنهم قد فكروا في هذه العملية تمنحني الثقة”.
ويقول إن صندوق الاستثمارات العامة سيتعين عليه أن يعكس “ما هو صحيح وما ليس كذلك”.
ومع ذلك، لا أحد يتوقع أن يؤدي تغيير الوتيرة إلى أن يوقف الأمير محمد طموحاته؛ فبينما تستعد المملكة لإقامة الألعاب الآسيوية الشتوية، تخطط لتطوير منتجع للتزلج من الصفر في الجبال الباردة داخل نيوم، أما بالنسبة لكأس العالم لكرة القدم، فقد أعلنت عن بناء ملعب يرتفع 350 مترًا فوق سطح الأرض على قمة “ذا لاين”، وهي مدينة مستقبلية طولية بطول 170 كم يجري تطويرها في نيوم، وهناك بالفعل تكهنات حول تقديم المملكة عرضًا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية.
ويقول فاروق سوسة من بنك جولدمان ساكس، إن معضلة السعوديين تكمن في أن فصل الاقتصاد السعودي عن النفط يتطلب إنفاقًا هائلًا من دولارات النفط.
ويضيف: “إن الانتقال إلى اقتصاد أكثر تنوعًا سيكون طويل الأمد ومكلفًا ويعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. لا يزال أمامهم طريق طويل في هذا الانتقال، والخوف هو أنهم إذا أوقفوا الاستثمارات في هذه المرحلة، سينتهي بهم الأمر باقتصاد لا يختلف كثيرًا عما كان عليه قبل 20 سنة”.
ويضيف قائلاً: “إنهم في عجلة من أمرهم، ولكن الوصول إلى هذه الوجهة صعب للغاية، وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد الاستثمار للوصول إلى هناك”.
المصدر: فاينانشال تايمز