ترجمة وتحرير: نون بوست
في شهر آذار/ مارس من سنة 2015 وبينما كانوا مستعدين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية تاريخية، وجد النيجيريون أنفسهم عالقين بين المطرقة والسندان أو كما يقولون بين الشيطان وبحر أزرق عميق، حيث ترشح للسباق الرئاسي كل من السياسي الفاسد وغير الكفء غودلاك جوناثان، والدكتاتور السابق المعروف بتحيزه العرقي محمد بخاري. وفي نهاية المطاف، اعتبر الناخبون أن بخاري أهون الشرّين وارتأوا اختياره رئيسا لهم، لاسيما أنه وعد بمكافحة الفساد ووصف نفسه بأنه قائد “ديمقراطي تم إصلاحه”.
عقب انتهاء الانتخابات، تنازل جوناثان عن الرئاسة بصفة طوعية ليصبح أول رئيس نيجيري يقوم بذلك في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من المؤهلات الديمقراطية الواهنة التي قدمها بخاري كأوراق اعتماد، إلا أن هذا النجاح الأولي للرئيس في مكافحة الفساد فضلا عن الانتقال السلمي للسلطة قد أقنع النيجيريين بأنهم اتخذوا القرار الصائب. ولفترة قصيرة من الزمن، اعتقد العديد من النيجيريين أنهم قد لا يجبرون على اختيار المرشح الأقل سوءًا في الانتخابات القادمة.
بعد مضي أربع سنوات، وجد النيجيريون أنفسهم يتجهون إلى مراكز الاقتراع يوم السبت وهم في وضع صعب لا يحسدون عليه. وسيُجبر الناخبون على الاختيار بين بخاري الذي لم يعمل خلال فترته الرئاسية سوى على تلميع صورته وتحسين سمعته البغيضة، ونائب الرئيس السابق أتيكو أبو بكر الذي تعرض للتنحية من منصبه بسبب الادعاءات المتكررة بالفساد. وتطرح هذه الوقائع عدة تساؤلات حول الطريق الذي سلكته أكبر دولة ديمقراطية في إفريقيا لينتهي بها الحال بما هي عليه الآن.
كيف خيب بخاري آمال النيجيريين؟
بدأ بخاري ولايته الأولى بتطلعات عالية للنيجيريين، حيث حاز على تأييد الكثير من المعجبين عقب ملاحقته واعتقاله للعديد من الموظفين الحكوميين السابقين الفاسدين. ولعل أبرز تحركاته كانت خلال شهر أيار/ مايو من سنة 2015، عندما أمر بالقبض على مستشار الأمن القومي السابق سامبو داسوكي الذي اتُّهم بإهدار مبلغ قدره 2.1 مليار دولار كان من المقرر إنفاقها على تعزيز ترسانة الجيش ضد جماعة بوكو حرام.
انحاز بخاري بشكل واضح للسياسيين الذين ينحدرون من شمال البلاد عند اختياره لأعضاء حكومته بعد ستة أشهر من اضطلاعه بمهامه
في ذلك الوقت، كان الشعب النيجيري متفائلا بشأن إمكانيات الرئيس الجديد، وكله رغبة في إعطاء الإدارة الجديدة فسحة كافية لإصلاح الأمور. بناء على ذلك، كانت الزيادة في أسعار البنزين، التي عادة ما تؤدي إلى احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، مقبولة بشكل كبير لدى النيجيريين الذين اعتبروها خطوة ضرورية للمساعدة في إنعاش اقتصاد البلاد المتعثر.
لكن سرعان ما بدأت الأمور تتخذ منحى عكسي، ولم يمض وقت طويل حتى اتضح أن حملة بخاري لمكافحة الفساد كانت تستهدف المعارضة فقط. وقد تجاهل الرئيس الجديد العناصر الفاسدة في حكومته على غرار الوزير باباشير لاوال ووزيرة المالية كيمي أديوسون والكثير من قيادات حزبه “مؤتمر جميع التقدميين”، كما واجه السياسيون الذين انشقوا عن حزبه وانضموا للمعارضة تهما بالفساد.
لقد انحاز بخاري بشكل واضح للسياسيين الذين ينحدرون من شمال البلاد عند اختياره لأعضاء حكومته بعد ستة أشهر من اضطلاعه بمهامه. كما فشل الرئيس في النهوض بالاقتصاد النيجيري الهش خلال فترة وجوده في السلطة، فانخفضت قيمة النيرة النيجيرية على نحو كبير، فضلا عن إغلاق العديد من الشركات أبوابها وتفشي البطالة وارتفاع معدلاتها.
أثارت المشاكل الصحية التي عانى منها بخاري بعض التساؤلات حول مدى ملائمته للعمل المكتبي، لاسيما وأنه أمضى حوالي 103 يوم في تلقي العلاج في المملكة المتحدة. وبالنسبة للنيجيريين، كان بإمكانهم نسيان الأمر واعتباره مصيبة غير متوقعة، لكن هذا الرجل البالغ من العمر 76 سنة لا يزال عرضة للتأثيرات الصحية السلبية بفعل تقدمه في السن.
في معظم الديمقراطيات، لا يتوقع أصحاب المناصب الذين خاضوا حروبا مثل بخاري، الذي فشل على عدة مستويات، أن يحظوا بفترة حكم ثانية
نتيجة لذلك، ارتكب الرئيس النيجيري الكثير من الأخطاء بشكل مستمر مثل تقديم أعلام الحزب للمرشحين الخاطئين والخلط بين التواريخ وإعطاء تاريخ خاطئ لموعد حلوله بالسلطة، وهو ما جعله يبدو عاجزا ومرتبكا، وهو ما أكد الشكوك التي تفيد بعدم جدارته بالاستئثار بمنصب رئيس الدولة النيجيرية. وفي كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2018، أججت زوجته عائشة بخاري النيران المستعرة التي تحوم حول هذه الشكوك عن طريق الادعاء بأن ولاية زوجها على البلاد أزيلت بفعل إحدى العصابات.
في معظم الديمقراطيات، لا يتوقع أصحاب المناصب الذين خاضوا حروبا مثل بخاري، الذي فشل على عدة مستويات، أن يحظوا بفترة حكم ثانية. ومع ذلك، يبدو أن الناخبين النيجيريين يميلون نحو اختيار الشياطين الذين يعرفونهم عوضا عن الملائكة الذين يجهلونهم، وبالتالي لا يزال الرئيس الحالي المرشح الأبرز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما البديل الحقيقي الوحيد لبخاري فهو نائب الرئيس السابق أتيكو أبو بكر، الذي يعرف باسم “الشيطان المعروف” وهو شخصية مؤثرة.
مزاعم فساد تحوم حول أتيكو أبو بكر
على عكس الرئيس بخاري المثير للقلق وغير الملهم الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشخص “الخالي من الحياة”، فإن أتيكو أبو بكر هو سياسي ساحر وملهم. وعادة ما تقدم المقابلات التي يجريها بعض المقترحات المثيرة للاهتمام، مثل حل مشكلة الكهرباء الدائمة في البلاد باستخدام بقايا الفحم الخاصة بها أو زيادة كفاءة الحكومة من خلال منح الولايات والحكومات المحلية سلطة أكبر. ويعتقد الكثيرون أن أبو بكر بصفته رجل أعمال “ناجح” هو الشخص المناسب لإعادة بناء اقتصاد نيجيريا وخفض نسب البطالة.
على رأس كل هذه التهم المتعلقة بالفساد، تأتي الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية لمرشح المعارضة التي يقودها أشخاص متورطون في تهم فساد كبيرة
لكن كل هذه الصفات الإيجابية تناقضها سلسلة من مزاعم الفساد الخطيرة. فحتى أبو بكر نفسه على علم بأن سمعته كمسؤول فاسد ستشكل أكبر عقبة أمام ترشحه. وعندما سألته صحيفة “ذا كيبل” سنة 2014 عن “الانطباع الخاطئ” للناس عنه الذي قد يرغب في تغييره، اعترف أبو بكر بأنه يود تغيير “الحكم المسبق الذي يفيد بأنه قد ازداد ثراء بطرق غير قانونية خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس”. وفي حقيقة الأمر، لم يسبق أن أدين أبو بكر بالفساد لكنه عانى من مزاعم متعلقة بالفساد طوال حياته، أي منذ أيامه كضابط جمركي شاب من نيجيريا إلى حدود السنوات الأخيرة عندما واجه اتهامات حول تهربه من دفع الضرائب.
لقد كان أتيكو أبو بكر شخصية رئيسية في المحاكمة المتعلقة بقبول أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي للرشوة سنة 2009. وقد صرح ممثلو الادعاء أن أبو بكر، الذي كان آنذاك نائب رئيس نيجيريا، كان المستفيد الأول من الثلاجة المليئة بالنقود التي أفاد النائب الأمريكي السابق وليام جيفرسون بأنها ستساعده على تأمين عقود اتصال لفائدة أسرته. وخلال سنة 2010، قامت لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي بإلقاء القبض على أبو بكر كشخصية بارزة في الفساد خارج البلاد بتهمة تحويل عائدات النفط النيجيرية بقيمة عشرات الملايين من الدولارات إلى حسابات أجنبية وهمية.
على رأس كل هذه التهم المتعلقة بالفساد، تأتي الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية لمرشح المعارضة التي يقودها أشخاص متورطون في تهم فساد كبيرة. ولا يزال الحاكم السابق لولاية أوغون جبينجا دانيال، وهو نائب أتيكو أبو بكر في جنوب نيجيريا، قيد المحاكمة بتهم متعلقة بالفساد. وكان رئيس مجلس الشيوخ بوكولا ساراكي، الذي كان يقف بجانب أبو بكر الشهر الماضي عندما وطئت قدمه الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 12 سنة، متورطا في رعاية عصابة سرقة سيئة السمعة في مسقط رأسه كوارا، فضلا عن مواجهة عدة تهم أخرى متعلقة بالفساد.
نيجيريا غير مستعدة لوجوه جديدة وأفكار جديدة
من الواضح أن كلا من محمد بخاري وأتيكو أبو بكر غير قادرين على تقديم أمل كبير للحشود النيجيرية التي عانت لعقود طويلة. وعلى الرغم من توفر بعض البدائل الموثوقة بما في ذلك الناشط أومويلي سووري، وخبيريْ الاقتصاد كينغسلي موغالو وتوبي فاسوا، إلا أن المتنافسين الحقيقيين في السباق الرئاسي القادم هما هذان الرجلان اللذان بلغا عقدهما السابع.
الديمقراطية في نيجيريا ستكون هي الخاسر الأكبر في الانتخابات الرئاسية التي من المزمع عقدها يوم السبت
إن إحجام الناخبين النيجيريين عن إعطاء فرصة للوجوه والأفكار الجديدة يعتبر السبب الرئيسي وراء هذه المعضلة. ومع ذلك، فإن المرشحين الذين لا يتمتعون بخبرة كافية والذين فشلوا في دخول السباق الرئاسي في الوقت المناسب ولم يتمكنوا من إقناع الحشود بأنهم يستطيعون الوقوف أمام سياسيين متمرسين مثل بخاري وأبو بكر، يقع على عاتقهم جانب من اللوم.
لكن من الواضح الآن أن الديمقراطية في نيجيريا ستكون هي الخاسر الأكبر في الانتخابات الرئاسية التي من المزمع عقدها يوم السبت. وأيا كان الفائز في هذا السباق الانتخابي، فإنه لن يحقق نصرا للشعب النيجيري بل لجيشه من السياسيين المتطفلين. ويمكن للشعب النيجيري أن يتوقع “الفوز” في الانتخابات الرئاسية إلا في حال رفض اختيار “أخف الضررين” وبدأ عملية بناء قوة سياسية بديلة وقوية. وكل ما يمكننا فعله حاليا هو أن نأمل أن الرئيس القادم، الذي سيكون “أخف الضررين”، لن يضر البلاد بشكل أكثر ويؤجل أحلامنا لتحقيق نصر ديمقراطي حقيقي في نيجيريا حتى سنة 2023.
المصدر: الجزيرة