ترجمة حفصة جودة
في يوم 26 من مارس طالب رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح الرئيس بوتفليقه بإعلان “عدم صلاحيته” للحكم، وذلك في تعبير لطيف بضرورة تنحيه عن السلطة، كان الرئيس قد أعلن يوم 11 من مارس لمواجهة المظاهرات المستمرة أنه لن يتقدم لولاية خامسة كما أنه سيؤجل الانتخابات الرئاسية.
كان هذا الإعلان بمثابة انتصار للمتظاهرين لكنه لم يكن كافيًا لإرضائهم فواصلوا الاحتجاج في الشوارع، لذا يبدو أن إعلان صالح الأخير يقول إن الجيش قرر الوقوف في صف المتظاهرين بدعوته الرئيس للتخلي عن السلطة.
الربيع العربي
أثارت الأحداث في الجزائر مقارنات بأحداث الربيع العربي قبل 8 سنوات، وتساؤلات إذا كانت قوات الأمن والجيش الجزائري ستلجأ للقمع والعنف أم لا، يشبه الجيش الجزائري جيش مصر وتونس كثيرًا، فقد رأى قادته أن قوتهم ستظل كما هي حتى لو تغيرت القيادة، يحدث عكس ذلك في ليبيا والبحرين وسوريا حيث يتم اختيار الضباط العسكريين بشكل طائفي وقبلي، مما دفعهم في 2011 لانتهاج العنف والدفاع عن نخبتهم ضد تهديد المتظاهرين.
والجزائر اليوم مثل مصر وتونس في 2011، لم تشهد انتشار قواتها العسكرية ضد المتظاهرين، وما بقي الآن هو كيف سيحاول الجيش الجزائري الحفاظ على قوته في مواجهة الاحتجاجات المستمرة والمستقبل الغامض.
رغم إطلاق الغاز المسيل للدموع، فإن قوات الأمن لم تلجأ إلى قمع المتظاهرين هذه المرة
تتساءل وسائل الإعلام عن كيفية تعامل الجيش الجزائري مع الاحتجاجات، فشبح الحرب الأهلية الوحشية في التسعينيات يظهر في الخلفية، ومن ذلك الحين فإن المتظاهرين عادة ما يتم قمعهم من قوات الأمن الجزائرية وقوات الاستخبارات، لكن في النهاية ورغم إطلاق الغاز المسيل للدموع، فإن قوات الأمن لم تلجأ إلى قمع المتظاهرين هذه المرة.
والإجابة عن سؤال: لماذا لم يستخدم الجيش الجزائري القوة وتخلى عن بوتفليقة، قد نجده في مقارنة هيكلة الجيش بالعلاقات المدنية العسكرية في المنطقة.
دعم الشعب
عندما اندلعت المظاهرات في تونس 2010-2011 رفض الجيش التونسي التدخل بعنف لتفريق المتظاهرين، وفي يناير 2011 رفض الجيش المصري تفريق الحشود في ميدان التحرير.
في كلتا الحالتين تحدد بنية الضباط في القوات المسلحة ومجنديهم إذا كان الجيش سيحتشد خلف النخبة أم الشعب في لحظة الأزمة، عندما يكون لدى الضباط إحساس بهوية مميزة فإنهم يقدرون جيدًا أن القوة العسكرية كمؤسسة ستبقى كما هي حتى لو تغيرت القيادة العليا في البلاد.
بالنسبة للضباط ذوي الرتب العالية في الجيش المصري والتونسي والجزائري فإنهم يفضلون التضحية برؤساء بلادهم الموجودين طول حياتهم – زين العابدين بن علي وحسني مبارك وبوتفليقة – لكنهم لا يضحون بالجيش.
بالإضافة إلى ذلك فالمجتمعات في مصر متجانسة نسبيًا رغم وجود نسبة من البربر في سكان الجزائر وتونس وجزء صغير في مصر، ونتيجة لذلك فإن الجيش في تلك الدول لم ينقسم انقسامات قبلية وطائفية.
الآلاف يشاركون في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الجزائر
لذا عند تجنيد صفوف الجيش من مجتمعات متجانسة فإن الجنود سيواجهون مشكلة في إطلاق النار على المتظاهرين لأنهم يرون أنهم إخوانهم في الوطن، وعليه فمن الأسهل أن يدعي الجيش في تونس ومصر والجزائر أنه متضامن مع المحتجين ويصور نفسه أنه “جيش الشعب”.
الانقسامات القبلية والطائفية
لم يكن هذا هو الوضع في دول الربيع العربي الأخرى مثل البحرين وليبيا وسوريا وحتى اليمن، فعندما بدأ الربيع العربي في ليبيا قامت الرتب العليا في القوات المسلحة لمعمر القذافي التي يهيمن عليها تحالف عربي سني قبلي من غرب ليبيا، بقمع الاحتجاجات في بنغازي الشرقية.
وفي البحرين وسوريا يتشكل الجيش من أقلية ديموغرافية طائفية تدافع عن النخبة الطائفية ضد التهديد المتصور من الأغلبية، ففي سوريا حشدت النخبة العلوية العلويين في القوات المسلحة لقمع ما اعتبروه تمردًا سنيًا، وفي البحرين قمعت النخبة السنية الأغلبية الشيعية، أما اليمن فهو يجمع بين الانقسامات القبلية والطائفية مع انهيار الجيش بالكامل.
في حالة البحرين وليبيا وسوريا واليمن، تصطف القوات المسلحة في المجتمعات المنقسمة خلف النخبة التي تتشارك معها الانتماء القبلي أو الطائفي، وتنشر تلك القوات المسلحة العنف ضد مجتمعاتها استنادًا إلى حسابتها التي تقول إن وضعها داخل الجماعة سوف ينتهي إذا سقط النظام السياسي.
رغم أن الجيش الجزائري حتى الآن لم يستخدم العنف المباشر تجاه شعبه في المظاهرات الحاليّة، فإنه بلا شك يسعى إلى ممارسة السلطة خلف الستار للحد من خسائره
هذه الحسابات أدت إلى حرب أهلية في سوريا واليمن وانهيار ليبيا، بينما دعت البحرين القوات السعودية إلى قمع الاحتجاجات مع استمرار القمع في جزيرة الخليج حتى اليوم.
شبكة الامتياز
على مر التاريخ لم يكن الجيش التونسي بنفس قوة الجيش المصري والجزائري، لذا لم يعق انتقال الدولة إلى الديموقراطية، أما في حالة مصر فهو يوضح بشكل أفضل ما يحدث في الجزائر، فالقوات المسلحة المصرية في 2011 مثلت الدولة العميقة، فهي مؤسسة عسكرية مستقلة منفصلة عن السلطة التنفيذية التي نجحت في الإبقاء على قوتها بعد تنحي مبارك، وعليه فقد كان الجيش الذي أجبره على التنحي وليس الشعب والمتظاهرون.
لقد حكم الجيش مصر في الفترة ما بين تنحي مبارك وحتى تولي محمد مرسي السلطة في يونيو 2012، والجيش هو من أزاح محمد مرسي عن السلطة في يوليو 2013.
يطلق الجزائريون على دولتهم العكسرية العميقة لفظ “le pouvoir” (القوة) التي تتضمن أيضًا شبكة من الأقلية الثرية المرتبطة بالنظام، وهكذا فرغم أن الجيش الجزائري حتى الآن لم يستخدم العنف المباشر تجاه شعبه في المظاهرات الحاليّة، فإنه بلا شك يسعى إلى ممارسة السلطة خلف الستار للحد من خسائره والحفاظ على شبكة امتيازاته.
أعلنت وسائل الإعلام أن المتظاهرين حققوا نصرًا تاريخيًا وهو ما حدث أيضًا مع المتظاهرين المصريين، فقد كانت شجاعة وصمود المتظاهرين في مصر والجزئر في 2011 و2019 لافتة للنظر، لكن النخبة العسكرية في كلتا الدولتين ما زالت مستمرة، وستواصل ما تفعله من أجل التمسك بالسلطة.
المصدر: ميدل إيست آي