تتجه إيطاليا إلى تشكيل ائتلاف حكومي جديد بعد انهيار الائتلاف السابق الذي استمر 14 شهرًا بين حركة خمس نجوم الشعبوية وحزب الرابطة (يمين متطرف)، ائتلاف جديد أفرزه اتفاق سياسي أطلق عليه “معجزة روما”، نظرًا لتباين برامج الحزبين المكونين له وهما حركة خمس نجوم الشعبوية والحزب الديمقراطي (يسار وسط)، فما الذي جمعهما؟
ائتلاف جديد
في ختام المشاورات مع الرئيس سيرجيو ماتاريلا، أعلن زعيم حركة خمس نجوم لويجي دي مايو (صاحبة أكبر عدد من المقاعد البرلمانية) التوصل لهذا الاتفاق، وأوضح دي مايو أن الحكومة الجديدة ستكون برئاسة رئيس الوزراء المنتهية ولايته جوزيبي كونتي.
إلى جانب ذلك اعتبر زعيم الحزب الديمقراطي دي مايو، في أثناء خروجه من القصر الرئاسي، أنه يمكن تشكيل “حكومة تغيير” تعطي الكلمة لإيطاليا الجميلة، تلك التي يغلب فيها الأمل على الخوف، والتفهم على الأحقاد، والوفاق على الحقد.
وأعلن دي مايو، أن وفدي الحزب الديمقراطي وحركة خمس نجوم توصلا إلى وضع “إسهام سياسي أول لطرحه على الرئيس”، في إشارة إلى مسودة برنامج مشترك، وذلك بعد عدة أيام من المفاوضات تخللتها هجمات كلامية حادة وتعليق جلسات.
ويعقد الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا منذ الثلاثاء مشاورات مكثفة مع جميع الأطراف السياسية فيما تجري بالتوازي مفاوضات شاقة بين الحزب الديمقراطي وحركة خمس نجوم لتشكيل غالبية وتوزيع الحقائب الوزارية.
كانت حركة “خمس نجوم” قد حصدت 32.54% من الأصوات منفردةً ومن دون أي تحالف مع تيارات وقوى سياسية خلال الانتخابات التشريعية السابقة، ما وضعها في صدارة نتائج الاقتراع ومقدمة أحزاب البرلمان، فيما حصل “الحزب الديمقراطي” على نسبة 18.7% من الأصوات في هذه الانتخابات.
سبق أن دعا سالفيني في الـ8 من أغسطس/آب الحاليّ إلى إجراء انتخابات جديدة، كما ضغط على رئيس الوزراء ليدعو إلى اقتراع على الثقة في البرلمان
تأسست حركة “خمس نجوم” في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2009، في سياق بزوغ نجم العديد من الحركات المتمردة على الوضع السياسي العام، والرافضة للسياسات المحلية التي تعادي أيضًا الطبقة السياسية التقليدية، ولا تتردد في وصفها بـ”الفاسدة”.
فيما تأسس “الحزب الديموقراطي” ذو التوجهات الديمقراطية الاشتراكية عام 2007 نتيجة اندماج حزبي اليسار في إيطاليا، الديمقراطية هي الحرية (الديزي) وديمقراطيو اليسار، ويلعب المسيحيون اليساريون، حاملو إرث الحزب الديمقراطي المسيحي المنحل، دورًا رئيسيًا في هذا الحزب.
انحدر الحزب الديمقراطي من الحزب الشيوعي الإيطالي إلى الحزب اليساري ثم إلى الحزب الديمقراطي، وصاحب كل تغيير لاسم الحزب توجهًا جديدًا في السياسة الحزبية تتجه من اليسار إلى الوسطية.
وتعود فكرة تشكيل تحالف بين حركة خمس نجوم والحزب الديمقراطي إلى رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي (فبراير/شباط 2013- ديسمبر/كانون الأول 2016)، وذلك بهدف خفض عدد البرلمانيين ووضع موازنة لعام 2020 قادرة على تجنب رفع ضريبة القيمة المضافة المقرر السنة المقبلة ما سيؤثر كثيرًا على المستهلكين.
كونتي من جديد
من المنتظر أن يترأس أستاذ الحقوق والمحامي كونتي البالغ من العمر 54 عامًا مجددًا الحكومة، حيث يحظى بدعم كبير من حركة خمس نجوم، وكان زعيم الحركة دي مايو قد أوضح أن الحكومة الجديدة ستكون برئاسة رئيس الوزراء المنتهية ولايته جوزيبي كونتي.
كونتي المدعوم من حركة خمسة نجوم، هو أستاذ جامعي في مادة القانون الخاص بكليتي الحقوق بجامعتي فلورنسا ولويس غويدو كارلي الخاصة في روما، كما يعمل في المحاماة بمحكمة النقض، ليس له أي منصب منتخب، كما أنه لا يملك أي خبرة سياسية أو إدارية، وهو مقرب من “حركة النجوم الخمس”، وولد عام 1964 في قرية فولتورارا أبولا الصغيرة الواقعة في منطقة بوليا جنوب إيطاليا.
وبعد أن كان سياسيًا مغمورًا لا يعرفه أحد، أصبح كونتي محل إجماع عدد كبير من الإيطاليين، رغم مواقفه الضعيفة أمام سلفيني، كما حظي بدعم كبير من زعماء الاتحاد الأوروبي وقادة الدول السبعة في قمتهم الأخيرة.
رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي المنتهية ولايته
كان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي المنتهية ولايته، قد أعلن في الـ20 من شهر أغسطس/آب الحاليّ، تقديم استقالته لرئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا، وذلك بعد مطالبة وزير الداخلية ماتيو سالفيني بإجراء انتخابات مبكرة.
في خطاب أمام مجلس الشيوخ انتقد كونتي نائبه وزعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، معتبرًا “أنه خدم مصالحه الخاصة ومصالح حزبه”، وقال: “حض المواطنين على التصويت جوهر الديموقراطية، لكن طل الاقتراع منهم كل سنة غير مسؤول”، وتابع “البلاد بحاجة ملحة إلى تبني تدابير لإعطاء دفع للنمو الاقتصادي والاستثمارات”.
وقال كونتي منتقدًا سعي سالفيني للحصول على كامل السلطات: “عزيزي وزير الداخلية سمعت مطالبتك بكامل السلطات ودعوت أنصارك للنزول إلى الشارع لدعمك، هذا موقف يقلقني”، وتابع “لا نحتاج إلى صلاحيات تامة بل إلى قادة لديهم حس المؤسسات”.
مناهضة سلفيني
المتأمل لبرامج وأفكار حزبي “خمس نجوم” و”الحزب الديمقراطي” لا يرى أي جامع أو رابط بينهما إلا العداء لوزير الداخلية السابق وزعيم “الرابطة” المتطرفة المعادية للهجرة ماتيو سالفيني، ولكل طرف أسبابه الخاصة لهذا العداء.
يعتبر سالفيني واحدًا من رجال السياسة الشعبويين القوميين الديكتاتوريين الشكوكيين المتشددين والمعادين للاجئين والعولمة واليورو، وذلك تبعًا لآرائه وتوجهاته الأيديولوجية، وهو لا يخفي ذلك بل يتفاخر بهذا ويصرّ على نشره في كامل أوروبا.
نتيجة قبوله بقاء كونتي على رأس الحكومة، طلب الحزب الديمقراطي اختيار عدد من الحقائب الوزارية بينها الاقتصاد والخارجية
سبق أن دعا سالفيني في الـ8 من أغسطس/آب الحاليّ إلى إجراء انتخابات جديدة، كما ضغط على رئيس الوزراء ليدعو إلى اقتراع على الثقة في البرلمان، وقال سالفيني في بيان صدر في ختام سلسلة لقاءات بين عدد من القادة السياسيين: “لنذهب فورًا إلى البرلمان لإبلاغه بأنّه لم تعد هناك أغلبية (…) ولنعد الكلمة سريعًا إلى الناخبين”.
وأضاف وزير الداخلية الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء: “لا طائل من الذهاب إلى الأمام بلاءات وخلافات، مثلما حصل في الأسابيع الأخيرة، الإيطاليون بحاجة إلى ثبات وحكومة تعمل”، ليعلن بذلك نهاية الائتلاف القائم بينه وبين حزب الرابطة.
وبرر سالفيني انقلابه على الائتلاف الحكومي قائلاً إنه ضاق ذرعًا برفض شركائه السابقين في حركة خمس نجوم، مشاريع كبيرة مثل القطار الفائق السرعة بين ليون وتورينو خلال فترة تحالفهما التي دامت 14 شهرًا.
وأظهر استطلاع رأي نشرته صحيفة كورييري ديلا سيرا أمس الأربعاء تراجعًا كبيرًا في شعبية زعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني، حيث تقلص مستوى ثقة المواطنين فيه كزعيم سياسي من 51% إلى 36% في الأسابيع الأخيرة، ووصفت الصحيفة ذلك بـ”ثمن” فضه للائتلاف الحاكم مع حركة خمس نجوم في شهر أغسطس/آب، ذروة العطلة الصيفية، رغم أن مطالبته بانتخابات مبكرة وفي “أسرع وقت ممكن” يشاطره فيها 33% من المستطلعة آراءهم.
برنامج منتظر
هذه الحكومة المرتقبة من المنتظر أن تعلن عن برنامج عملها للفترة القادمة خلال أيام قليلة، وتعتزم حركة خمس نجوم طرح هذا البرنامج المشترك للموافقة على موقعها الإلكتروني “روسو” الذي تصفه بأنه أداة للديمقراطية المباشرة، ويضم هذا الموقع 100 ألف منتسب.
الحكومة المرتقب تشكيلها تعتبر الحكومة رقم 65 في تاريخ الجمهورية الإيطالية
من النقاط الرئيسية التي سيتضمنها البرنامج الحكومي الجديد، إعداد موازنة العام المقبل لعرضها على المفوضية الأوروبية قبل نهاية الخريف، إضافة إلى حزمة من الإصلاحات العدلية وإعادة النظر في قانون الأمن وإجراءات تنظيم الهجرة التي اعتمدتها الحكومة السابقة تحت الضغط المستمر من سالفيني وتهديداته.
نتيجة قبوله بقاء كونتي على رأس الحكومة، طلب الحزب الديمقراطي اختيار عدد من الحقائب الوزارية بينها الاقتصاد والخارجية، كما أن الحزب عبّر عن رفضه تعيين حركة خمس نجوم لأحد قادتها في منصب نائب رئيس الوزراء واعتبر أنه إذا بقي كونتي في منصبه يجب أن يكون له نائب واحد فقط، وهو من الحزب الديمقراطي، من جانبه، يسعى دي مايو للحصول على حقيبة الداخلية خلفًا لسالفيني، فيما يطرح أيضًا منصب وزير الدفاع له.