تحيا الساحة العربية منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقترحه العنصري لتهجير فلسطيني غزة إلى مصر والأردن، حالة من الارتباك، دفعتها إلى أن تسابق الزمن للبحث عن خطة بديلة لليوم التالي للحرب، بما يحول دون تهجير سكان القطاع خارج أراضيهم، وتصفية القضية الفلسطينية.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قد ألقى الكرة في الملعب العربي حين أشار في تصريحات له الخميس 13 شباط/ فبراير الجاري إلى أنّه: “في الوقت الحالي، الخطة الوحيدة هي خطة ترامب، هي لا تعجبهم ولكنها الخطة الوحيدة، لذا إذا كانت لديهم خطة أفضل، فهذا هو الوقت المناسب لتقديمها”.
ويخيم القلق على الأجواء بشأن مدى التوافق العربي على أي مقترح بشأن الوضع في غزة، خاصة بعد التصريحات الكارثية الصادرة عن السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، والتي ألمح فيها بشكل ضمني إلى قبول مقترح ترامب العنصري، بزعم عدم وجود بديل له، الأمر الذي زاد من وتيرة التكهنات خلال الساعات الماضية حول عدد من المقترحات المقدمة كبديل لمقترح التهجير.
عاجل | وزير الخارجية الأمريكي: سنمنح البلدان العربية فرصة لتقديم خطة حول غزة وأعتقد أنهم يعملون بحسن نية pic.twitter.com/aOEwYYeRTs
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 13, 2025
مقترح مصري يتصدر المشهد
تتصاعد التخمينات خلال الآونة الأخيرة حول خطة تعتزم القاهرة تقديمها كبديل لمقترح ترامب، وهي الخطة التي كان العاهل الأردني، عبدالله الثاني، قد أشار إليها خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس الأمريكي الذي عُقد في البيت الأبيض، الثلاثاء 11 شباط/ فبراير 2025. وبحسب مصادر خاصة لـ”العربي الجديد”، تتمحور تلك الخطة في التالي:
- تشكيل لجنة فلسطينية تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية تتولى مسؤولية إعادة إعمار القطاع.
- استبعاد حركة حماس وبقية فصائل المقاومة من أي دور في اليوم التالي للحرب.
- تتولى شركات مصرية إلى جانب شركات أخرى تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
- إمكانية توفير قوات عربية أو دولية لتأمين عمل تلك الشركات.
إلا أن تلك الخطة تواجه عددًا من التحديات والنقاط الخلافية، أبرزها:
- مسألة تواجد قوات عربية أو دولية في القطاع، فقد ترفض بعض الدول التورط العسكري المباشر في غزة بسبب ما قد تواجهه من مقاومة داخلية هناك.
- احتمالية نشوب إشكاليات سياسية وأمنية مع فصائل المقاومة، خاصة وأن عملية إعادة الإعمار ستتداخل مع الأنفاق والبنى التحتية التابعة للمقاومة، وهي النقطة الحساسة التي من الصعب حسمها وفق الخطة المقدمة بتلك الكيفية.
- رفض الكيان المحتل لمشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، وتحفظه على مشروعات إعادة الإعمار، بما يعيد تأهيل المقاومة مجددًا.
4 مقترحات عربية
لم تكن الخطة المصرية هي الوحيدة المقدمة في هذا الشأن، إذ قالت وكالة “رويترز” إنها تحدثت مع 15 مصدر من السعودية ومصر والأردن وأماكن أخرى، من أجل تكوين صورة عامة للجهود العربية المبذولة لتوحيد الرؤى والمواقف بهدف التوصل إلى مقترح عروبي واحد يتم تقديمه للإدارة الأمريكية، فيما أشار 10 من تلك المصادر إلى قيادة الرياض لتلك الجهود لمواجهة طموح ترامب لإخلاء غزة من سكانها.
ونقلت الوكالة عن مصدر حكومي عربي -لم تسمه- قوله إن هناك 4 مقترحات على الأقل تمت صياغتها بالفعل بشأن مستقبل غزة، وأنه سيتم عرضها خلال اجتماع سيعقد في الرياض هذا الشهر لعدد من الدول من بينها السعودية ومصر والأردن والإمارات، فيما قالت خمسة من تلك المصادر إن المقترحات المتوقع تقديمها خلال هذا اللقاء قد تشمل إنشاء صندوق لإعادة الإعمار بقيادة الخليج، ربما يٌسمى بـ “صندوق ترامب”.
ورغم تقديم المقترحات الأربعة فعليًا إلا أن المقترح المصري هو الأكثر واقعية وشمولية بحسب 3 من المصادر التي تحدثت للوكالة، فيما يتوقع أن يكون لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، دورًا محوريًا في إقناع ترامب وإدارته بتلك الخطة بعد الاتفاق عليها عروبيًا نظرًا للعلاقة الجيدة التي تربطه بالرئيس الأمريكي والمصالح المشتركة بين البلدين، واحتمالية استضافة المملكة له، رفقة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إطار مباحثات إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
ووفق المقترح المصري الذي نشرته “رويترز” بناء على تصريحات مصادرها، سيتم إنشاء منطقة عازلة وحاجز مادي لوقف بناء الأنفاق عبر حدود غزة مع مصر، وبمجرد إزالة الأنقاض، سيتم إنشاء 20 منطقة كمناطق معيشة مؤقتة. وسيتم الاستعانة بحوالي 50 شركة مصرية وأجنبية أخرى لتنفيذ العمل، فيما قال مصدر إقليمي مطلع إن التمويل سيشمل أموالا دولية وخليجية.
Saudi Arabia is spearheading urgent Arab efforts to develop a plan for Gaza's future as a counter to US President Donald Trump's ambition for a 'Middle East Riviera' cleared of its Palestinian inhabitants, sources said https://t.co/0Grnx42L7I pic.twitter.com/og6shBft11
— Reuters (@Reuters) February 14, 2025
وتنطوي الخطة المقدمة حاليًا على عدد من التحديات خاصة تلك المتعلقة بشأن الحكم الداخلي للقطاع، وإدارة الأمن، والتمويل، وإعادة الإعمار، خاصة بعد رفض “إسرائيل” أي دور لحماس أو السلطة الفلسطينية في حكم غزة، أو ضمان الأمن هناك، وقالت الدول العربية والولايات المتحدة أيضًا إنها لا تريد نشر قوات على الأرض للقيام بذلك.
دول الخليج هي الأخرى بحاجة إلى ضمانات أمريكية ودولية بأن تحملها لكلفة إعادة إعمار هذه المرة لا يتم الإطاحة به من خلال تدمير الكيان المحتل لما ستبنيه مرة أخرى، وهي الضمانات التي من الصعب الحصول عليها بشكل واقعي في ظل الممارسات الإسرائيلية التي لا يمكن ضمان لجمها.
ويعول الجميع هنا على الرياض والقاهرة تحديدًا في توظيف ما لديهما من أوراق ضغط وعلاقات قوية مع واشنطن، في تمرير المقترح العربي بعد الاتفاق على كافة تفاصيله، رغم التحفظات الإسرائيلية عليه، وهو التعويل الذي يتطلب موقف عربي موحد ورؤية مشتركة تضع الإدارة الأمريكية في مأزق وتدفعها لإعادة النظر في تموضعها الراهن الذي لا يراعي بأي حال من الأحوال أي مقاربة للحلفاء في الشرق الأوسط.
إزاحة حماس عن القطاع
القاسم المشترك الأبرز في المقترحات العربية المقدمة إصرارها على إبعاد حركة حماس عن إدارة القطاع مستقبلًا، وأنه لن يكون لها أي دور في غزة خلال المرحلة المقبلة، وهي المسألة التي وصفتها المصادر التي تحدثت لـ “رويترز” بـ “المحسومة”، حتى وإن لم يتم الاتفاق بعد عن البديل الجاهز والمؤهل لإدارة القطاع في ظل رفض حكومة نتنياهو لسلطة أبو مازن.
لم يكن هذا الأمر بالمفاجئ ولا المستغرب، حتى لدى حماس نفسها، والتي قالت في وقت سابق إنها مستعدة للتنازل عن الحكومة في غزة إلى أي لجنة وطنية يتم التشاور والتوافق بشأنها، لكنها في الوقت ذاته طالبت بأن يكون لها دورها في اختيار أعضاء تلك اللجنة، بخلاف تشديدها على عدم نشر أي قوات برية بالقطاع دون موافقتها.
قد تقبل حماس بألا يكون لها دورًا سياسيًا في حكم غزة مستقبلًا، نزولًا عند رغبة الشركاء العرب وبما يضمن إعادة الإعمار وعودة الحياة للقطاع، غير أنه من المستبعد وربما من المستحيل أن توافق على خطة تطيح بمكتسبات وجهود عقود طويلة من بناء قواتها العسكرية وترسانتها التسليحية ومنظومة خنادقها وأنفاقها.
وتلك إشكالية جديدة وتحد محوري من الصعب القفز عليه خلال مناقشة كافة الخطط والمقترحات المقدمة، ويجب أن توضع على موائد النقاش بالتفاهم والتنسيق بين قادة المقاومة والشركاء والوسطاء العرب على مائدة القمة العربية في القاهرة أو الاجتماع الاستثنائي في الرياض، بحيث يتم حسمها بشكل كامل قبل عرض الخطة النهائية على الإدارة الأمريكية خلال زيارة الرئيس المصري، المحتمل أن تكون بعد السابع والعشرين من الشهر الجاري، عقب التوصل إلى صيغة عربية مشتركة بشأن المقترح النهائي.
ضغوط ترامب.. هل تؤت أكلها؟
وضع ترامب، بمقترح التهجير المزعوم، العرب في حجر زاوية ضيق، وذلك حين هدد بإلقاء كرة اللهب في ملعب كل من مصر والأردن، والسعودية لاحقا، مما دفعها للانتفاض وتكثيف الجهود الدبلوماسية للحيلولة دون تنفيذ هذا المخطط الذي تعتبره البلدان الثلاثة تهديدًا لأمنها القومي قبل أن يكون تصفية للقضية الفلسطينية وتعظيم لثقل الكيان الإسرائيلي على حساب الحكومات العربية مجتمعة.
ونجح الرئيس الأمريكي -بقنبلته التي فجرها مؤخرًا- في جرجرة الأنظمة العربية نحو المسار الذي يريده، وبطريقة غير متوقعة بالمرة، حيث تحقيق الأهداف الإسرائيلية بأياد عربية خالصة، وتقديم سيل جارف من التنازلات التي ما كان يمكن حتى التفكير فيها قبل أقل من شهر من الآن تقريبًا.
وبعد فشل الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب بعد أكثر من 15 شهرًا من القتال، هاهو يمكنه تحقيقها اليوم بقرار عربي خالص، حيث إزاحة حماس عن السلطة وتحرير أسراه بالكامل وضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا للداخل الإسرائيلي، وهي الأهداف المُدرجة ضمنيًا داخل المقترح العربي المزمع تقديمه لترامب كبديل عن مخطط التهجير الذي أعلن عنه.
تعي المقاومة جيدًا حساسية الظرف الراهن، والتغير الواضح في موازين القوى، خاصة بعد الدعم المطلق الذي يقدمه ترامب للكيان الإسرائيلي، في مقابل الخذلان العربي الفاضح على مدار 470 يومًا من الحرب، وهي المقاربات التي من المتوقع أن تفرض نفسها على طاولة التفاهمات بين قادة المقاومة والمفاوضين العرب.
وعمومًا، أثبتت التجربة أن استمرار المقاومة، بأي شكل كان، هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على الأمن القومي العربي، والاستراتيجية المشروعة لتلجيم الاحتلال، وكبح جماح نفوذه المتصاعد إقليميًا، وأن الإطاحة بها تحت أي ذريعة أو تهديد، هو تخل عن ورقة التوت الأخيرة التي تستر العورات العربية، تلك التي عراها الخذلان والتواطؤ لغزة وأهلها، وفضحها المحتل وحليفه الأمريكي، وهو ما يجب أن يوضع في الحسبان عند دراسة أي خطة بديلة لمقترح ترامب.. فهل يعي العرب الدرس ولو مرة واحدة؟