ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدأ الرئيس ترامب زيارته إلى السعودية يوم الثلاثاء حاملًا معه قائمة أمنيات تشمل استثمارات في الولايات المتحدة تبلغ قيمتها تريليون دولار، وهو المبلغ الذي يعادل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة السنة الماضية. وفي المقابل، يعرض ولي العهد السعودي 600 مليار دولار خلال فترة رئاسة ترامب. ومع ذلك، يرى الاقتصاديون أن كلا الرقمين غير واقعيين.
ومع وجود قائمة طويلة من المشروعات الضخمة التي يتعين على السعودية تنفيذها، ومع انخفاض أسعار النفط إلى أقل من المستوى المطلوب لتمويل إنفاقها، تواجه السعودية عجزًا في الميزانية قد يتفاقم ليصل إلى أكثر من 70 مليار دولار هذه السنة. وأصبحت المملكة بشكل متزايد تلجأ إلى اقتراض الأموال بدلاً من إقراضها.
ولكن ذلك لم يمنع ولي العهد محمد بن سلمان، القائد الفعلي للنظام الملكي السعودي الاستبدادي، من التعهد في يناير/ كانون الثاني باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة ترامب. وبعد ذلك بفترة وجيزة، وصفه ترامب بأنه “رجل رائع”.
ثم قال الرئيس إنه سيطلب من ولي العهد زيادة ذلك الرقم إلى تريليون دولار، وخفض سعر النفط – المصدر الرئيسي لثروة المملكة – أيضًا، وأضاف: “لقد كنا جيدين جدًا معهم”.
وقال الاقتصاديون إن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة من المحتمل أن تزيد خلال إدارة ترامب، لكنها من غير المرجح أن تقترب حتى من تريليون دولار.
ويتجاوز الرقم الذي يسعى إليه ترامب قيمة جميع الأصول في صندوق الثروة السيادية الضخم للمملكة، والذي تبلغ قيمته حوالي 925 مليار دولار أمريكي وهو مرتبط إلى حد كبير بالأصول المحلية.
وقال تيم كالين، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لبعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية: “لا أرى كيف يمكنهم الوصول إلى ما يقرب من 600 مليار دولار، ناهيك عن تريليون دولار”.
في الواقع، قال ياسر الرميان، رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في منتدى الاستثمارات الرئيسي لولي العهد في أكتوبر/ تشرين الأول، إنه يهدف إلى تقليص نسبة أصول الصندوق المستثمرة في الخارج.
وقال: “نحن نركز أكثر على الاقتصاد المحلي”، واصفًا ذلك بأنه “نقلة نوعية كبيرة”.
ولكن بالنسبة لترامب وولي العهد محمد بن سلمان، فإن هذه التفاصيل الدقيقة ليست بالضرورة هي القضية الأساسية. فقد قال كالين إنهما يتحدثان نفس اللغة، واصفًا إياهما بـ “شخصين يحبّان تداول الأرقام الكبيرة جدًا”.
لقد أقام الرئيس ترامب علاقات تجارية قوية مع السعودية. فخلال فترة رئاسته الأولى، طور صهره ومستشاره جاريد كوشنر علاقة وثيقة مع الأمير محمد بن سلمان، حيث تبادل الاثنان نفس العقلية القائمة على المعاملات.
ويتمتع كل من الرئيس ترامب وولي العهد السعودي بشغف بالتصريحات الصادمة، مما يترك الأسئلة المتعلقة بإمكانية التنفيذ ليقوم مرؤوسيهم بحلها.
وفي بعض الحالات، أتت تصريحات الأمير محمد الكبرى ثمارها. فقد قام بسرعة بتخفيف القيود الاجتماعية في المملكة التي كانت تُعتبر شديدة المحافظة، مما سمح للنساء بالانخراط في سوق العمل وللمراهقين بالرقص في الحفلات الصاخبة في الصحراء. ومع ذلك، تم تجاهل بعض الخطط الأخرى، مثل مشروع الطاقة الشمسية بقيمة 200 مليار دولار الذي كان من المفترض أن يكون الأكبر في العالم.
وقد ادعى ترامب أنه خلال زيارته للسعودية في سنة 2017، تمكن من تأمين استثمارات بقيمة 450 مليار دولار في الولايات المتحدة. ومع ذلك، قال كالن إنه قام بتحليل البيانات العامة وتوصل إلى أن هذا المبلغ لم يتحقق بالكامل.
ووجد كالن أن إجمالي صادرات السلع والخدمات الأمريكية إلى السعودية خلال فترة رئاسة ترامب من 2017 إلى 2020 بلغت 92 مليار دولار، وهو أقل من الإجمالي خلال ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية التي انتهت في 2017.
وعند سؤاله عن هذا التباين وعن هدف الرئيس ترامب في تأمين تريليون دولار من الاستثمارات خلال الزيارة المقبلة، قال مدير الاتصالات في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ إن الرئيس “قد تمكن بالفعل من تأمين أكثر من 5 تريليونات دولار من الاستثمارات الجديدة في الاقتصاد الأمريكي، مما يعزز التصنيع ويزيد الإنتاج ويخلق وظائف ذات رواتب مرتفعة.”
وقال ترامب إنّ احتمال ضخ استثمارات بمئات المليارات من الدولارات هو ما دفعه لإعطاء الأولوية للسعودية لبدء أول جولة خارجية كبرى له في ولايته الحالية، كما فعل في سنة 2017 خلال ولايته الأولى.
وبعد السعودية، سيزور الرئيس حليفين خليجيين ثريين آخرين من حلفائه في هذه الجولة، وهما قطر والإمارات.
ومن المتوقع أن تكون زيارته الرسمية للسعودية هذا الأسبوع حدثًا رائعًا مليئًا بالعروض الاستعراضية التي تتناقض بشكل حاد مع زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة في سنة 2022، والتي كانت باردة نسبيًا.
وخلال زيارته الأولى للسعودية، تم استقبال ترامب برقص السيوف التقليدي، وتم عرض صورة وجهه على واجهة فندق ريتز كارلتون الفخم في العاصمة الرياض.
كما فعلوا في المرة السابقة، يخطط المسؤولون السعوديون للإعلان عن سلسلة من الصفقات بعد وصول الرئيس.
وتستضيف الحكومة منتدى استثماري يوم الثلاثاء بحضور مجموعة كبيرة من قادة الأعمال الأمريكيين، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيين لشركات “آي بي إم” و”بلاك روك” و”سيتي غروب”. ولدى العديد منهم بالفعل علاقات مع السعودية.
وفي هذا الشهر، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها وافقت على بيع محتمل لصواريخ جو-جو بقيمة 3.5 مليارات دولار للسعودية. ومن المتوقع أيضًا إبرام مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن التعدين والموارد المعدنية.
وقد تكون بعض الصفقات اتفاقات مبدئية لا تتحقق أبدًا. بينما قد يعاد تجميع صفقات سابقة، وهو ما قد يساعد في زيادة الرقم الإجمالي للاستثمارات التي يمكن لترامب أن يقول إنه حصل عليها.
ولا تزال السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم؛ حيث تجني مئات المليارات من الدولارات سنويًا. كما أن استثماراتها في الولايات المتحدةواسعة، وتشمل أكثر من 100 مليار دولار من حيازة السندات الأمريكية و2 مليار دولار في صندوق تديره زوج ابنة ترامب، جاريد كوشنر.
وبشكل عام، أفاد صندوق الثروة السيادي السعودي بأنه استثمر 110 مليارات دولار في الولايات المتحدة منذ سنة 2017، بالإضافة إلى 58 مليار دولار أخرى في شكل إنفاق على المشتريات. ولم يرد الصندوق على أسئلة تتعلق بتوسيع استثماراته في البلاد، كما أن وزارة المالية السعودية لم ترد على طلب للتعليق حول هذا الموضوع.
وتنفق الدولة السعودية الكثير من إيراداتها على رواتب القطاع العام. وفي عهد الأمير محمد، استثمرت في عدد متزايد من المشاريع المحلية العملاقة. وتتوقع الحكومة عجزًا في الميزانية حتى سنة 2027 على الأقل.
ويعد المشروع العملاق الأكثر تكلفة هو مشروع نيوم، مشروع الأمير الأبرز. وهو عبارة عن منطقة جديدة كاملة يسعى إلى بنائها في الجزء الشمالي الغربي النائي من المملكة، مع مدينة تزلج جبلية وناطحة سحاب تمتد أفقيًا لمسافة 100 ميل.
عندما أعلن عن مشروع نيوم في عام 2017، وصفه بأنه مشروع بقيمة 500 مليار دولار. لكن تقديرات تكلفته المحتملة ارتفعت منذ ذلك الحين إلى التريليونات، وقد تم بالفعل إنفاق 50 مليار دولار على البنية التحتية الأساسية وحدها.
من المتوقع الآن أن تكلف بوابة الدرعية، وهي مركز ثقافي وسياحي ضخم في الرياض، أكثر من 60 مليار دولار، وهو رقم تضخم من التقديرات الأولية التي بلغت 20 مليار دولار. وقد تكلف مشروع سياحي فاخر على البحر الأحمر بالفعل أكثر من 20 مليار دولار.
وتخطط المملكة أيضًا لاستضافة معرض إكسبو الدولي في عام 2030 وكأس العالم لكرة القدم للرجال في عام 2034، وكلا الحدثين سيتطلبان إنفاقاً ضخماً على البنية التحتية.
وقال زياد داوود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبرغ إن السعودية تحتاج إلى أسعار النفط عند حوالي 108 دولار للبرميل حتى تتمكن الدولة من تحقيق التعادل ببساطة. يحوم سعر خام برنت حالياً فوق 60 دولاراً للبرميل.
وقال داوود إن المسؤولين السعوديين يمكنهم استثمار مبالغ كبيرة في الولايات المتحدة، لكنهم سيحتاجون إلى الاقتراض للقيام بذلك، وأضاف: “وتريليون دولار أمر بعيد المنال”.
وقال داوود إن الكثير من الناس يفكرون في السعودية كدولة “تقدم المنح والقروض والاستثمارات”، ولكن هذا قد تغير.
وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في بنك جولدمان ساكس، إن المسؤولين السعوديين قد يعيدون التوازن إلى محفظتهم الاستثمارية، ربما عن طريق بيع أصول في بلدان أخرى، ولكن من غير المحتمل أن يتمكنوا من تحرير تريليون دولار.
وقدر سوسة إجمالي أصول المملكة في الخارج بحوالي 1.4 تريليون دولار، معظمها موجود بالفعل في الولايات المتحدة، وقال: “ما هو المبلغ المتاح لتحويله إلى الولايات المتحدة هو تخمين أي شخص”.
المصدر: نيويورك تايمز