ترجمة وتحرير: نون بوست
يمكن النظر إلى محاولة اغتيال محمد السنوار، القيادي البارز في حركة حماس الذي استهدفته غارة جوية إسرائيلية مؤخرًا، على أنها نجاح تكتيكي كبير لإسرائيل، لكن أهميتها على المدى الطويل لا تزال غير واضحة. صمدت الحركة لعقود رغم الاغتيالات الممنهجة التي نفذتها إسرائيل ضد قادتها.
يُعتبر محمد السنوار، الذي لا يزال مصيره غير معروف، أحد أبرز القادة العسكريين في حركة حماس في قطاع غزة. وهو الشقيق الأصغر ليحيى السنوار، أحد مهندسي الهجوم الذي شنّته الحركة على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي قتلته القوات الإسرائيلية العام الماضي. وقد خلص مسؤولون إسرائيليون وآخرون في الشرق الأوسط إلى أن محمد السنوار يُعدّ من أبرز العقبات أمام التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد في غزة، إذ يقولون إنه من بين أكثر قادة حماس معارضةً لتفكيك ترسانة الأسلحة التي تمتلكها الحركة، وهو شرط تضعه إسرائيل للموافقة على أي هدنة طويلة الأمد.
ولكن رغم نفوذه، إلا أن محمد السنوار ليس سوى واحد من بين عدة قادة عسكريين بارزين، وليس الوحيد الذي يعارض تقديم تنازلات لإسرائيل. ويقول محللون إن اغتياله سيُضعف الحركة، لكنه قد لا يُغيّر من رؤيتها الاستراتيجية أو قدراتها العملياتية، كما أنه قد لا يدفع إسرائيل إلى تخفيف موقفها المتصلّب في مفاوضات وقف إطلاق النار.
يقول مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في غزة: “إذا تأكدت وفاته، ستكون بالتأكيد ضربة كبيرة أخرى لحماس، فقد قُتل العديد من قادتها العسكريين والسياسيين البارزين، ولا تستطيع الحركة تعويض جميع هؤلاء”.
وأضاف: “لكنني لست متأكدًا مما إذا كان اغتياله سيقود إلى تسوية مع إسرائيل، بل قد يأتي بنتائج عكسية إذا كان خليفته أكثر تشددًا. حماس ليست تنظيمًا يعتمد على رجل واحد، ومفاوضاتها مع إسرائيل لا تزال تستند إلى قرار جماعي”.

من غير المرجح أن يُغيّر مقتل محمد السنوار الحسابات الإسرائيلية في ساحة المعركة. هدف إسرائيل يتجاوز مجرد قتل قادة محددين، إذ تسعى لتحقيق “النصر الكامل” على حماس، رغم أن قادتها ما زالوا يواجهون صعوبة في تحديد معنى هذا النصر بشكل دقيق.
على مدار عقود، تمكنت حركة حماس من الصمود أمام اغتيال العشرات من قادتها البارزين، مما أثبت مرارًا وتكرارًا أن بقاء الحركة لا يعتمد على فرد واحد، وقد تجلّى هذا الأمر مرة أخرى خلال هذه الحرب. بالإضافة إلى يحيى السنوار، قتلت إسرائيل قادة آخرين مثل إسماعيل هنية ومحمد الضيف، لكنها لم تتمكن من هزيمة حماس كقوة عسكرية وسلطة حاكمة.
على العكس، ازدادت حماس تعنتًا في أعقاب عمليات الاغتيال الكبرى وترددت في إظهار أي مؤشر ضعف، رغم أنها أصبحت أكثر مرونة في محادثات وقف إطلاق النار بعد عدة أشهر.
بعد أن قتلت إسرائيل إسماعيل هنية، كبير المفاوضين في حماس، في يوليو/ تموز الماضي، قال مسؤولون أمريكيون وفلسطينيون إن ذلك أثر سلبًا على محادثات الهدنة. وبعد مقتل يحيى السنوار، أعلنت حماس أن استشهاده عزز من ثباتها وتعهدت بالاستمرار على نفس المسار. وبعد مرور ثلاثة أشهر، وافقت الحركة على هدنة بعد تقديم تنازلات من كلا الطرفين.
تشير هذه التسوية إلى سبب آخر يجعل مقتل محمد السنوار ذا تأثير محدود على المدى البعيد، فمسار الحرب يعتمد على إسرائيل بقدر ما يعتمد على حماس.
تسعى إسرائيل إلى هدنة مؤقتة تُمكّنها من تحرير المزيد من الرهائن الـ60 الذين لا يزالون محتجزين في غزة، أو إلى اتفاق دائم يضمن هزيمة حماس. لكن الحركة تعارض كلا السيناريوهين، ما يعني أن الحرب مرشحة للاستمرار ما لم تخفض إسرائيل سقف مطالبها. وقد تعهّدت الحكومة الإسرائيلية بالفعل بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة بشكل كبير خلال الأيام المقبلة.
يرى البعض أن إسرائيل تُشكّل عقبة أمام وقف إطلاق النار أكبر من حماس نفسها. يقول أحمد جميل عزم، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني في جامعة قطر: “المشكلة الرئيسية في غزة ليست من يقود حماس، بل في إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب، وهذه هي المشكلة الحقيقية”.

حتى دون محمد السنوار، لا تزال حماس تمتلك قادة ميدانيين ذوي خبرة في غزة، من بينهم عز الدين الحدّاد، الذي يشرف على كتائب الحركة في شمال القطاع، ومحمد شبانة، أحد كبار القادة العسكريين في جنوب غزة.
ورغم الخسائر الكبيرة، تمكنت حماس من تعويض العناصر الميدانيين الذين قُتلوا من الرتب الدنيا. وأشارت تقييمات استخباراتية إسرائيلية حديثة إلى أن الحركة لديها أكثر من 20 ألف مقاتل تحت قيادتها، وهو نفس مستويات ما قبل الحرب تقريبًا، رغم مقتل الآلاف منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأطلقت حماس وابلًا من الصواريخ على جنوب إسرائيل مساء الثلاثاء، في واحدة من أكبر الهجمات من هذا النوع منذ أشهر. وقد أظهر هذا الهجوم أن الحركة لا تزال تحتفظ بعدد من القذائف قصيرة المدى والمنصات القادرة على إجبار الإسرائيليين على دخول الملاجئ خلال ثوانٍ قليلة.
وقال مسؤول استخباراتي رفيع المستوى من إحدى دول الشرق الأوسط، طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية القضايا الأمنية، إن حركة حماس لا تزال تحتفظ بشبكة أنفاق استراتيجية تحت أجزاء من مدينة غزة. وأضاف أن وحدة الاستخبارات العسكرية التابعة لحماس نجت من الحرب دون أضرار كبيرة، ولا تزال تؤدي دورًا محوريًا في الحفاظ على سيطرة الحركة على السلطة.
وتسعى حماس إلى تحويل الحرب نحو طريق مسدود، وأن تنجو كحركة. هذان الهدفان المتواضعان نسبيًا يتيحان لها بالصمود رغم مقتل الكثير من قادتها وعناصرها.
وفي المقابل، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى هزيمة حركة حماس بشكل كامل، إلى جانب استعادة الرهائن المحتجزين لدى الحركة، سواء كانوا أحياءً أم أمواتًا. وقد خلص قادة الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة إلى أن هذين الهدفين متعارضان.
وقال إبراهيم دلالشة، المحلل السياسي الفلسطيني، إن التناقض الاستراتيجي الإسرائيلي “يشير بقوة إلى أن هذا الأمر سيصبح مجرد هامش آخر، وليس نقطة تحول جوهرية”.
المصدر: نيويورك تايمز