في قلب جبال الهيمالايا، بين وسط آسيا وجنوبها، وتحديدًا في شمال غرب شبه القارة الهندية، تقع كشمير، المعروفة أيضًا باسم “تاج الهند” أو “جنة الأرض”، لكنها بؤرة ممزقة بصراع لم يُحسم منذ عشرات السنين.
على مدار ما يقرب من 8 عقود، لم تستقر الحياة في هذه المنطقة الجغرافية الساحرة، التي تحوّلت إلى واحدة من أكثر مناطق الحشد العسكري في العالم، وساحة سباق لجمع الأسلحة بين الهند وباكستان.
ظهرت كشمير كنزاع على الساحة الدولية عام 1947، إلا أن النظر إلى قضيتها من هذا المنظور حصرًا، يغفل تاريخها السياسي الذي يعجّ بتفاعل معقّد ومتقلّب بين القوى الخارجية والصراعات الداخلية.
في هذه السطور، واستمراراً لملف “كشمير وخطوط الدم”، نتجاوز حدود عام 1947 التي رسمها الاستعمار البريطاني على عجل، لنسلّط الضوء على تاريخ كشمير البعيد، ووصول الإسلام إلى هناك منذ مئات السنين، ووضع الكشميريين قبل تقسيم شبه القارة الهندية، وكيف يتنفّسون الإسلام في ظلّ الهندوسيّة الطاغية في الهند، ونتتبّع الأحداث الرئيسية التي شكّلت السيرة الذاتية السياسية الكشميرية، ونقدّم رؤية شاملة لأسباب استمرار النزاع وتداعياته الاجتماعية والجيوسياسية.
لعنة الجغرافيا
يحتلّ إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين وسط وجنوب آسيا، حيث يشترك في الحدود مع 4 دول، من بينها 3 دول نووية، وهي: الهند، وباكستان، والصين، بالإضافة إلى وقوع أجزاء منه في أفغانستان، وتبلغ مساحته الكلية 86,023 كيلومترًا مربعًا.
الإقليم الذي يسكنه حوالي 13.5 مليون نسمة، موزّعون بواقع 8.5 مليون نسمة في الشطر الذي تسيطر عليه الهند، و2.5 مليون نسمة في الشطر الذي تسيطر عليه باكستان، فيما يتوزّع 2.5 مليون نسمة في كلا البلدين أو يعيشون في الخارج، ما يمثّل أهمية استراتيجية للدول التي تتصارع عليه.
تبلغ مساحة ما بات يُعرف بالشطر الهندي من إقليم كشمير 53,665 كيلومترًا مربعًا، ويُسمّى جامو وكشمير، في حين يُعرف الشطر الذي تسيطر عليه باكستان باسم ولاية “آزاد كشمير” أو “كشمير الحرّة”، وتبلغ مساحته 32,358 كيلومترًا مربعًا.
بالنسبة للهند ذات الأقليّة المسلمة الكبيرة العدد، تُمثّل كشمير رمزًا للعلمانية القومية، فهي الإقليم الوحيد بأغلبيّة مسلمة في دولة يغلب عليها الهندوس، كما تُمثّل عمقًا أمنيًا واستراتيجيًا هامًا أمام الخصمين التاريخيين: الصين وباكستان. وتخشى انتقال عدوى النزاعات الانفصالية إلى الكثير من الولايات الهندية، اعتمادًا على العِرق أو الدين لأقاليم أخرى.
أمّا باكستان، فتراها جزءًا طبيعيًا من جمهوريتها الإسلامية، وخطًا أحمر لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه. وتخشى من سيطرة الهند على 3 أنهار هامّة للزراعة تقع في الإقليم، وتهديد أمنها المائي، فضلًا عن طرق التجارة الحيوية، وشبكة السكك الحديدية في سرحد وشمالي شرقي البنجاب، بموازاة كشمير.
وبالنسبة للصين، فإن الجزء الذي تحتلّه من الإقليم مكّنها من إقامة طريق يربط إقليم التبت بإقليم شينغ يانغ (تركستان الشرقية)، ما يساعدها في مواجهة الحركات الانفصالية فيهما.
تاريخ من التوتر
قبل قرون من صراع الدول الثلاث (باكستان والهند والصين)، كانت كشمير ساحة للصراعات الدينية والاجتماعية والفتن الطائفية، والتي غالبًا ما كانت تشتعل بسبب الخلافات السياسية أو الدينية، لا سيّما بين البوذيين والبراهمة الذين يُمثّلون الطبقة العليا في نظام الطبقات الهندوسي.
وباستثناء الفترات القصيرة التي كانت فيها جزءًا من الإمبراطوريتين البوذيتين: موريّا تحت حكم الإمبراطور أشوكا (حوالي ٣٠٠ قبل الميلاد)، وكوشان تحت حكم الملك كانيشكا (حوالي ١٣٠ ميلاديًا)، حافظت المنطقة على استقلالها إلى حدٍّ ما في ظل سلسلة من السلالات الإقليمية، بما في ذلك سلالة كاركوتا الهندوسيّة التي كانت متسامحة مع البوذيّة، وسلالة شاه مير المسلمة التي حكمت كشمير خلال الفترة من 1339 إلى 1561، وعملت على نشر الإسلام، وأسّست أول سلطنة مسلمة عام 1339.
وأدّت قرون من التفاعل المعقّد بين السكان الأصليين في كشمير والمستوطنين الآريين (الهنود الإيرانيين الذين استقرّوا في شبه القارة الهندية)، ثم الدعاة اللاحقين من جنوب الهند وآسيا الوسطى وإيران، إلى اعتناق جماعي للبوذيّة والشيڤاويّة (واحدة من الطرائق الأساسيّة ضمن الهندوسيّة)، قبل أن يبدأ التحوّل الديني الكبير نحو الإسلام في القرن الرابع عشر، بعدما أسلم حاكمها البوذي رينشان شاه، المعروف أيضًا باسم صدر الدين شاه، وأسلم معه أيضًا عددٌ كبير من الكشميريين، وأسس سلطنة كشمير.
أصبح الإسلام الدين الجديد للكشميريين على مدى قرابة 5 قرون (1320-1819)، انقسم خلالها حكم المسلمين إلى 3 فترات مختلفة: فترة حكم السلاطين الكشميريين (1320-1586)، وفترة حكم المغول المسلمين (1586-1753)، وفترة حكم الأفغان (1753-1819).
خلال هذه الفترة الطويلة من الحكم الإسلامي، انتشرت ثقافة التسامح الديني والمساواة بين الأفراد، خاصّة في عهد السلطان زين العابدين (1420-1470)، وعرفت المنطقة الاستقرار والتعايش بين جميع الطوائف الدينية والعرقية والثقافية رغم اختلافها، وازدهرت الصناعات والحِرَف اليدويّة، وأبرزها الغزل والنسيج.
لكن كل هذا تغيّر بعد وصول الاستعمار البريطاني إلى شبه القارة الهندية، حيث باع المستعمرون البريطانيون إقليم كشمير، الذي كان خاضعًا آنذاك لحكم إمبراطورية السيخ القادمين من لاهور، إلى عائلة دوغرا الهندوسيّة الراجبوتيّة عام 1846، مقابل 7.5 ملايين روبية، واحتفظت تلك العائلة بحكم الإقليم قرابة 100 عام.
تم إضفاء الطابع الرسمي على بيع الإقليم وسكانه بموجب معاهدة أمريتسار، التي وُقّعت في 9 مارس/ آذار 1846، وكان هذا بمثابة مكافأة – نوعًا ما – لغولاب سينغ، من قبيلة دوغرا، الذي شغل منصب حاكم جامو في إمبراطورية السيخ، وخان حُكّامه السيخ، واختار الوقوف إلى جانب البريطانيين في الحروب الأنجلو-سيخيّة، التي دارت بين شركة الهند الشرقية البريطانية وإمبراطورية السيخ في الهند في أربعينيّات القرن التاسع عشر.
المعاهدة دفعت إمام الدين، الحاكم المسلم لكشمير الذي عيّنه السيخ،إلى القيام بثورة قصيرة الأمد واجهتها السلطات الهندوسيّة بالقمع، وسمحت لسينغ بالمطالبة بلقب مهراجا ولاية جامو وكشمير، مقابل موافقته على خدمة المصالح البريطانية ضد روسيا القيصرية في المقام الأول، وإرساله جنودًا كشميريين للانضمام إلى الحملات البريطانية عند الحاجة.
أدّى حكم سلالة دوغرا فعليًا إلى تأسيس أول دولة هندوسيّة حديثة في كشمير، رغم أن معظم سكانها مسلمون، وتمتّع حُكّام الإقليم الهندوس بسيادة شبه كاملة على الإقليم، باستثناء الفترة من عامي 1889 إلى 1905، عندما قلّص البريطانيون بعض سلطات سلالة دوغرا. واتّسم حكمهم بالقمع، والعمل القسري، والضرائب الباهظة، وواجهوا العديد من ثورات الحرفيين بالقوّة.
ويشير المؤرّخ الهندي خالد بشير في كتابه “كشمير: كشف الأسطورة وراء الرواية”، إلى أن وصول حكم دوغرا رافقه تركيب صور وأصنام باهظة الثمن في معابد الإقليم ذي الأغلبيّة المسلمة، واعتبر سينغ الحفاظ على الهندوسيّة والارتقاء بها هدفًا أساسيًا لحُكمه، فدُمّرت أماكن عبادة المسلمين، وتجسّد قمع الحياة الجماعية للمسلمين في تدمير مسجد الجامع، أبرز مساجد كشمير.
على غرار ما حدث في عهد السيخ في كشمير، صادرت الدولة الهندوسيّة الأراضي المملوكة للمساجد والأضرحة، بينما حُوِّلت بعض المساجد نفسها إلى مخازن وإسطبلات ومخازن حبوب، وحُظِر اعتناق الإسلام، وعُوقب بالسجن والتعذيب ومصادرة الممتلكات، وبينما كان التبشير بأي شكل من أشكال الإسلام محظورًا، لم يكن للتبشير بالهندوسيّة والتحوّل إليها أي عواقب.
ووفقًا لبشير، صعّدت ولاية دوغرا تجريم ذبح الأبقار، وفرضت عقوبات متنوّعة مثل حرق الشعر، وقطع الأنف والأذن، والشنق العلني، وكانت إحدى العقوبات الشائعة هي إحراق المنازل مع حبس عائلة المتهم داخلها. وكان الاشتباه في “نية” مسلم إيذاء بقرة بأي شكل من الأشكال كافيًا للعقاب، أمّا إيذاؤها فعليًا، فكان يؤدي إلى السجن مدى الحياة، واتّخذ رانبير سينغ، الحاكم الذي خلَف غولاب، إجراءات أكثر صرامة لضمان ترجمة العقوبة إلى الإعدام.
مع ترسيخ نظام دوغرا لسلطته في كشمير، ركّز مسؤولية إدارة كشمير في أيدي أقليّة من الهندوس البراهمة الكشميريين، المعروفين أيضًا باسم “البانديت الكشميريين”، الذين حظوا بامتيازات لكونهم هندوسًا، واعتبروا هيمنتهم على مسلمي كشمير حقًا دينيًا مكتسبًا، وشغلوا جميع المناصب المهمّة في إدارة الدولة، بما في ذلك إدارة الإيرادات.
لم ينجُ أي جانب من جوانب حياة مسلمي كشمير — من الطعام، إلى الرعاية الصحية، إلى الزواج، وحتى الطلاق — من نظام الضرائب الباهظة. فكانت الأراضي التي يزرعها المسلمون، والحيوانات التي يملكونها أو يتاجرون بها، والسلع التي يبيعونها، جميعها خاضعة لضرائب باهظة. وبلغ القمع الاقتصادي من القسوة حدًّا فُرضت فيه الضرائب حتى على حفّاري القبور لدفنهم إخوانهم المسلمين.
وحتى مع إغلاق المساجد، وحظر الأذان في كثير من الأحيان، أُجبر المسلمون على دفع ضرائب للحفاظ على المعابد الهندوسيّة وإعالة الكهنة الهندوس، وكانت هذه الضرائب مُلزِمة للمسلمين فقط. بمعنى آخر، أُعفي الهندوس من دفع الضرائب التي تدعم حياتهم الدينيّة، بينما أُجبر المسلمون على الالتزام بها، واستُحدثت أساليب تعذيب مبتكرة لإجبارهم على دفعها.
في كتابها “أرض الرغبة“، تُعدّد الباحثة الأدبية الهندية أنانيا جهانارا كبير بعض التناقضات التي وضعها المستشرقون، بما في ذلك مقارنة السير جيمس نولوز بين “البانديت المتعلّم” و”المسلم الجاهل” عام 1894، وتحذير السير جورج غريرسون من تلويث المسلمين الكشميريين لـ”نقاء” خطاب البانديت.
الإقليم المتنازع عليه
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تُركت بريطانيا غارقة بالديون، وعاجزة عن السيطرة على المستعمرات التي احتلّتها خلال توسعة إمبراطوريتها، فاضطرت للخروج من شبه القارة الهندية في منتصف أغسطس/ آب 1947، بعد تقسيمها على أسس دينية إلى الهند ذات الأغلبيّة الهندوسيّة والبوذيّة، وباكستان ذات الأغلبيّة المسلمة.
خلال رسم الحدود على استعجال، وتحويل الدولة إلى اثنتين، كان لحكّام الولايات الأميرية فرصة اختيار الانضمام إمّا إلى الهند أو إلى باكستان، بناءً على التواصل الجغرافي والتركيبة السكانية الدينيّة. وغالبًا ما انضمّ الحكّام إلى الدولة التي يحكمون أغلبيّتها، فالولايات ذات الأغلبيّة الهندوسيّة والبوذيّة انضمّت إلى الهند، والولايات ذات الأغلبيّة المسلمة انضمّت إلى باكستان.
لكن 3 أقاليم لم تتخذ قرارًا بالانضمام إلى أيٍّ منهما، هي: حيدر أباد وجوناغاد، اللتان يُشكّل فيهما الهندوس الأغلبيّة السكانيّة، وكشمير ذات الأغلبيّة المسلمة الساحقة.
في البداية، أراد حاكم حيدر أباد المسلم الاستقلال بالإقليم، لكن الأغلبيّة الهندوسيّة أرغمته على الانضمام إلى الهند. ومن ثم أراد حاكم جوناغاد المسلم الانضمام إلى باكستان، وهو ما رفضته الأغلبيّة الهندوسيّة كذلك، لتنضم هي الأخرى إلى الهند بعد استفتاء السكّان.
وفقًا لمنطق التقسيم هذا، كان ينبغي أن تذهب كشمير إلى باكستان، حيث يبلغ عدد سكّان الولاية من المسلمين ما يقرب من 77%، لكن حدث العكس. فرغم أن حاكمها الهندوسي آنذاك، هاري سينغ، كان يملك خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، إلا أنه لم يحسم موقفه، ووقّع مع باكستان اتفاق تجميد مؤقّت، ثم ماطل لرغبته بالبقاء حاكمًا مستقلًا عن الدولتين. لكن أحلامه تحطّمت مع بداية ثورة أشعلها المسلمون خوفًا من الانضمام إلى الهند ذات الأغلبيّة الهندوسيّة.
وما إن انتشرت أنباء الثورة في المنطقة، حتى انضمّت إليها قبائل مسلمة سافرت من باكستان للقتال في كشمير. فسارع الحاكم الهندوسي إلى طلب المساعدة من الهند، إلا أن نيودلهي اشترطت توقيع وثيقة الانضمام إلى سلطتها، وهذا ما قام به فعلاً دون التأكّد من إرادة السكّان المسلمين.
عند هذه النقطة، كانت باكستان تعتبر كشمير امتدادًا طبيعيًا لأكثريّتها المسلمة، وتصرّ باكستان على أن الهند اجتاحت الإقليم أوّلًا، وأن المهراجا فقد شرعيّته بمخالفته الاتفاق المؤقّت. أمّا الهند، فكانت تجدها تابعة لسلطتها، بدليل اعتراف الحاكم بتبعيّته لها، وتؤكّد أن التوقيع تم قبل إرسال قوّاتها، لتندلع أوّل حرب بينهما بعد شهرين فقط على نشأة الدولتين، لكنها لم تنتهِ حتى اليوم.
النزاع الأبدي
البداية من حرب عام 1947، عندما اندلع نزاع مسلّح بين الكشميريين والقوّات الهنديّة، استمر لأكثر من عام، وتسبّب بمقتل الآلاف، وأسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، بينما سيطرت باكستان على الثلث الآخر، قبل أن تتدخّل الأمم المتحدة في النزاع لوقف الحرب، وأصدر مجلس الأمن قرارًا في 13 أغسطس/ آب عام 1948، ينصّ على وقف إطلاق النار، وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
ومنذ ذلك الحين، باتت قناعة المجتمع الدولي تترسّخ رويدًا رويدًا بأن الحلّ الوحيد للقضية الكشميريّة قائم على اقتسام الأرض بين الهند وباكستان. فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضمّ إلى باكستان الأجزاء التي فيها أغلبيّة مسلمة، خاصّة أنها تشترك مع باكستان بحدود واحدة تُقدَّر بحوالي 1000 كيلومتر، وانضمام الأجزاء الأخرى ذات الأغلبيّة الهندوسيّة، ولها حدود مشتركة مع الهند على طول 300 كيلومتر، للسيادة الهنديّة. لكن هذا القرار ظلّ حبرًا على ورق، ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.
شهدت السنوات التالية حروبًا دامية لاحقة بين الهند وباكستان، ودخلت الصين على خطّ الأزمة في عام 1962، عندما سيطرت بالقوّة على جزء من الإقليم (أكساي تشين)، اعتبرته تابعًا لها خلال الحرب الصينيّة الهنديّة. ورغم إظهارها الحياد في النزاع، إلا أن وجودها حوّل الأزمة إلى صراع آسيوي معقّد.
وبحلول عام 1965، عاد التوتّر بين البلدين، وحاولت حينها باكستان دعم المقاتلين الكشميريين، لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة، لتدخل في حرب مباشرة مع الهند، لم ينجح أي من الطرفين في حسمها لصالحه. وامتدّت الاشتباكات بين الجيشين النظاميّين الهندي والباكستاني على طول الحدود في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان، واستمرّ الصراع العسكري 17 يومًا، قبل أن تنتهي الجهود الدوليّة بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين.
وفي مطلع سبعينيّات القرن العشرين، عاد القتال بين الجارتين ليتجدّد إثر اتهامات باكستان للهند بدعم انفصال باكستان الشرقيّة، ما أدخل البلدين في دوّامة من سباق التسلّح، كان الإعلان عن امتلاك كلٍّ منهما للسلاح النووي أهمّ محطّاته، خاصّة بعد أن أسفرت حرب عام 1971 عن انفصال باكستان الشرقيّة عن باكستان، لتشكّل دولة بنغلاديش.
في ذلك العام، دخل البلدان في مفاوضات سلميّة أسفرت عن توقيع اتفاقيّة أُطلق عليها “اتفاقيّة شِملا” عام 1972، وتنصّ على اعتبار خطّ وقف إطلاق النار المتّفق عليه بين الهند وباكستان في 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 1971، هو خطّ هدنة بين الدولتين. وبموجبه احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانيّة التي سيطرت عليها بعد حرب 1971 في كارغيل وتيثوال وبونش، في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب.
ثمّ أدّى سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 إلى تغيير خريطة تحالفات الهند وباكستان، كما أدّى ظهور حركات التمرّد الداخلي في الإقليم، وبروز منظمات مسلّحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند، إلى زيادة حدّة التوتّر مع بروز السباق النووي بين نيودلهي وإسلام أباد، حيث لم يُخفِ الجانبان ارتباط أسلحتهما النوويّة بما يحدث في كشمير.
وفي عام 1999، وبعدما أصبح البلدان نوويّين، وقفت الهند وباكستان على شفير حرب، عندما حاولت الأخيرة السيطرة على منطقة كارغيل الواقعة تحت السيطرة الهنديّة، قبل أن يتّفق الطرفان عام 2002 على عدم خرق خطّ الهدنة، لكن لم يتمّ الالتزام بهذا الاتفاق.
وفي أغسطس/ آب 2019، فاجأت الهند الكشميريّين عندما ألغت المادة 370 من دستورها، التي كانت تنصّ على منح الإقليم وضعًا خاصًا، أقرب ما يكون إلى الحكم الذاتي، وتمنع غير أبناء المنطقة من امتلاك أراضٍ فيها. وبدلًا من ذلك، قسّمته إلى منطقتين تحت إدارتها المباشرة، كما ظهرت خطّة لتوطين الهندوس في الإقليم، وهو ما كان ممنوعًا في السابق، وتزامن ذلك مع حشد عسكري ضخم، حوّل الإقليم إلى سجن كبير.
وبالطبع، فإن ما سبق من حروب، وما تلاها من توتّرات واشتباكات وتفجيرات وهجمات، كان آخرها هجوم باهالغام، لم تمرّ دون فاتورة بشريّة باهظة، إذ تشير الإحصاءات إلى سقوط نحو 100 ألف كشميري خلال آخر 3 عقود، بسبب حرمانهم من حقّهم في تقرير المصير، وتعرّضت 10 آلاف امرأة للاغتصاب، فضلًا عن اختفاء نحو 10 آلاف شخص، بينما قُتل 7 آلاف شخص في ظلّ حكم السلطات الهنديّة.
إلا أن كلّ هذا لن يكون شيئًا مقابل ما قد يحدث إن تحارب البلدان اليوم، حيث تتصاعد بين الفينة والأخرى أعمال العنف داخل كشمير وعمليّات مسلّحة ضد الهند، لتزيد من احتمالات وقوع الصدام مجددًا بين دولتين نوويّتين خارج معاهدة حظر الانتشار، الأمر الذي يهدّد استمراره بتفجير حرب هي الرابعة، ولكنّها الأولى بعد دخولهما النادي النووي في تسعينيّات القرن الماضي. ولذلك، فإن أهميّة ما يجري اليوم تنبع من كونه قد يصبح يومًا في دروس التاريخ… إن بقي بشر.