في 22 أبريل/ نيسان 2025، وفي ظهيرة يوم مشمس في مرج بايساران بالقرب من باهالغام بمنطقة جامو وكشمير الخاضعة للإدارة الهندية، شنَّ مسلحون هجومًا ببنادق آلية على سيَّاح قُتل منهم 26 على الأقل، وجُرح أكثر من 12 آخرين،، لتتصاعد بعده التوترات بين إسلام آباد ونيودلهي اللتين تتنافسان على السيادة في إقليم كشمير المضطرب الواقع في جبال الهيمالايا التي لم تعرف هضابها وسهولها السلم منذ الاستقلال عن بريطانيا في خمسينات القرن الماضي.
مع توارد أنباء الهجوم الأعنف من نوعه في الهند منذ هجمات مومباي عام 2008، على منصات التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون، ظهرت رسالة على محادثات “تيليجرام” أعلنت عبرها جماعة مسلَّحة غير معروفة تُدعى “جبهة المقاومة” مسؤوليتها عن الهجوم، حتى مع بقاء المهاجمين المسلحين الذين خرجوا من غابة قريبة ونفَّذوا عمليات القتل طلقاء.
كان المسلحون الذين يقاتلون من أجل انفصال كشمير عن الهند، قد تجنبوا إلى حد كبير هجماتهم على السيَّاح في السنوات الأخيرة، لكن هجوم باهالغام الأخير غيَّر ذلك، وأعاد إلى الواجهة الحديث عن الجماعات الانفصالية المسلحة النشطة في كشمير، التي تدعي الهند دعم باكستان لها، والتي تعارض السيطرة الهندية على الجزء الأكبر من كشمير، والتي حملت السلاح ضد ما يعتبرونه احتلالاً هنديًا لبلادهم يجب مقاومته.
وفي خضم الصراع الدائر بين الخصمين النوويين حول كشمير، نتابع في سلسلة من المقالات تسليط الضوء على هذه الجماعة المسلحة والهجمات الرئيسية التي أعلنت مسؤوليتها عنها أو أُلقي عليها باللوم فيها، ونتطرق إلى الجماعات المسلحة الأخرى التي تنشط على شطري كشمير، وسبل معارضتها للسيطرة الهندية على كشمير، ودورها في تأجيج التوتر والصراع بين الدولتين الجارتين.
جذور التمرد المسلح
شكّل التمرد في منطقة كشمير المتنازع عليها مصدرًا رئيسيًا للخلاف بين الهند وباكستان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت الهجمات في المنطقة تتزايد نطاقًا وكثافةً في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان، عندما تدفق المتمردون الأجانب إلى المنطقة للانضمام إلى “المجاهدين الأفغان”.
ويمكن تصنيف ظهور الجماعات المسلحة في كشمير إلى فترتين متمايزتين: فترة ظهور السخط على حكم دلهي في الثمانينيات، مما أدَّى إلى صعود جماعات مدعومة من باكستان منذ أوائل التسعينيات، وفترة الانخفاض التدريجي، وإن كان ملحوظًا، في العنف في الإقليم في السنوات الأخيرة.
وبشكل أكثر وضوحًا، ترتبط جذور التمرد المسلح بنزاع حول الحكم الذاتي المحلي في كشمير التي كانت لعقود أرضًا خصبة للطموحات الانفصالية، فقد كان التطور الديمقراطي محدودًا في كشمير حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين، وبحلول عام 1988، انعكست العديد من الإصلاحات الديمقراطية التي قدَّمتها الحكومة الهندية، وأصبحت قنوات التعبير عن السخط محدودة، مما تسبب في زيادة كبيرة في دعم المسلحين الذين يدعون إلى الانفصال العنيف عن الهند.
في أواخر الثمانينيات، وبعد انتخابات 1987 التي أجريت في ولاية جامو وكشمير، ويُعتقد أنها زُوِّرت لصالح فاروق عبد الله الذي تولى منصب رئيس وزراء جامو وكشمير بعد وفاة والده، ووافق على التحالف مع حزب المؤتمر الوطني الهندي، اهتز إيمان الشعب الكشميري بالديمقراطية الهندية، وظهرت حركة مسلحة تتألف جزئيًا من أولئك الذين خسروا الانتخابات ظلمًا.

ولهذا يُشار إلى أن هذه الانتخابات المتنازع عليها التي شاركت فيها شخصيات بارزة في الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد الحكم الهندي كانت نقطة تحول في تاريخ كشمير، فقد أصبحت أحزاب خاسرة عديدة – مثل الجماعة الإسلامية ومؤتمر الشعب واتحاد المسلمين – جزءًا من التحالف الانفصالي الرئيسي، وخلقت حافزًا للتمرد عندما أسفرت عن قيام بعض أعضاء الجمعية التشريعية للولاية بتشكيل حركات متمردة مسلحة.
في يوليو/ تموز 1988، كانت سلسلة من المظاهرات والإضرابات والهجمات على الحكومة الهندية بمثابة بداية التمرد في جامو وكشمير، وتحوَّلت الحركات المسلحة السرية إلى نضال جماهيري تصاعد إلى ما أصبح أخطر قضية أمنية في الهند خلال التسعينيات.
وفي النصف الثاني من عام 1989، اشتدت عمليات الاغتيال المزعومة للجواسيس والمتعاونين السياسيين الهنود على يد جبهة تحرير جامو وكشمير، وعلى مدار 6 أشهر، قُتل أكثر من 100 مسؤول لشلّ الأجهزة الإدارية والاستخباراتية الحكومية.
ولكبح جماح الوضع، فُرض قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة على كشمير في سبتمبر/ أيلول 1990 لقمع التمرد من خلال منح القوات المسلحة صلاحيات القتل والاعتقال دون أمر قضائي للحفاظ على النظام العام، وهو ما أدَّى إلى النهج المتشدد للجيش الهندي.
ومع ريادة “جبهة تحرير” جامو وكشمير التي عملت بقيادة أشفق مجيد واني وياسين بهات وحميد شيخ وجاويد مير، ظهرت أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة مثل “نمور الله ورابطة الشعب والحزب الإسلامي”، ولمواجهة هذا التوجه المتنامي المؤيد لباكستان في كشمير، ربطتها وسائل الإعلام الهندية حصريًا بباكستان.
ويجادل الخبير في شؤون الأمن في جنوب آسيا بول كابور، في كتابه “الجهاد كاستراتيجية كبرى” بأن السخط الشعبي في كشمير نتج إلى حد كبير عن سوء إدارة مزمن وتجاوزات من جانب الحكومة المركزية الهندية، ولم يكن من صنع باكستان.
ومع ذلك، لطالما اتهمت الهند باكستان وجهاز مخابراتها بدعم وتزويد المسلحين بالأسلحة والتدريب في جامو وكشمير، لكن باكستان، التي خاضت مع الهند 3 حروب كبرى على المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، تقول إنها لا تقدم سوى الدعم الدبلوماسي والمعنوي للشعب الكشميري.
وتاريخيًا، اعتبرت باكستان دعم الجماعات المسلحة كوكلاء لها في كشمير وأفغانستان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي استراتيجية ناجحة، لا سيما خلال الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، ومع ذلك، تبدو الروابط الحالية أكثر غموضًا.
وابتداءً من عام 2004، بدأت باكستان في إنهاء دعمها للمتمردين في كشمير، خاصة بعد أن حاولت الجماعات المسلحة المرتبطة بكشمير اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف مرتين، وواصل خليفته، آصف علي زرداري، هذه السياسة، واصفًا المتمردين في كشمير بـ”الإرهابيين”، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت وكالة الاستخبارات الباكستانية تتبع التزام باكستان بإنهاء دعم التمرد في كشمير.
وعلى الرغم من تغير طبيعة التمرد من ظاهرة مدعومة من قوى خارجية إلى حركة محلية في المقام الأول، واصلت الحكومة الهندية إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى الحدود الهندية، وشهدت كشمير احتجاجات واسعة النطاق ضد وجود الجيش الهندي.
وأدَّى الصراع بين المسلحين وقوات الأمن الهندية في كشمير إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، إذ يُقدر ائتلاف جامو وكشمير للمجتمع المدني عدد القتلى بـ70 ألفا، أغلبها ارتكبته القوات المسلحة بحق المدنيين، لكن المنظمات غير الحكومية – مثل جماعة “حريات” الموالية لباكستان – ذكرت أن عدد القتلى أعلى من ذلك، ويصل إلى 80 ألف قتيل، بمن فيهم المدنيون وقوات الأمن والمسلحون، وكانت المناطق التي شهدت أكبر عدد من حوادث القتل هي كوبوارا وبارامولا وبونش ودودا وأنانتناج وبولواما.
ووقعت الغالبية العظمى من هذه الخسائر البشرية في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، وكان هناك انخفاض مطرد في العنف وعدد الوفيات منذ عام 2004 وحتى عام 2014، لكن تقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش” عام 2006 كشف أن ما لا يقل عن 20 ألف مدني لقوا حتفهم في الصراع بحلول ذلك الوقت، وشهد الإقليم حوالي 7 آلاف حادث متعلق بالتمرد حتى مارس/ آذار 2017.
ووفقًا لوزارة الداخلية الهندية، بلغ عدد حوادث العنف في عام 2008 أدنى مستوى له منذ 20 عامًا، حيث بلغ 700 حادث، بانخفاض قدره 40% مقارنة بعدد الحوادث المُبلغ عنها في عام 2007، وأفادت بوابة جنوب آسيا للإرهاب أن عام 2008 يُمثل أيضًا أول مرة ينخفض فيها عدد الضحايا المدنيين عن 100 حادث منذ عام 1990.
ورغم اندلاع أعمال عنف على جانبي طول خط السيطرة، الذي يُشكّل الحدود الفعلية في كشمير، فقد انخفض العنف في كشمير بشكل كبير، وتراجع نفوذ بعض الجماعات المسلحة، مثل حركة “البدر”، التي انشقت عن جماعة “حزب المجاهدين”، وكانت قوية بمقاتليها المتمرسين، الذين شارك العديد منهم في القتال في أفغانستان بقيادة قلب الدين حكمتيار في منتصف التسعينيات، إلى درجة أنها لم تعد تُشكل تهديدًا.
مشهد الجماعات المسلحة في كشمير
بخلاف الأحزاب السياسية التي تنتهج وسائل المقاومة السياسية لتحقيق أهدافها، انتهجت حركات سياسية أخرى أسلوب المقاومة المسلحة لمواجهة السيطرة الهندية على جامو وكشمير، ومع ذلك، تختلف هذه الجماعات في أهدافها، ففي حين تدعم بعضها الانضمام إلى الهند، تسعى جماعات أخرى إلى اندماج المنطقة إلى باكستان، ويرى فريق ثالث في الاستقلال التام عن كلا الدولتين وسيلة للخلاص.
ويبدو من ذلك أن مشهد الجماعات المسلحة في كشمير أشبه بالفسيفساء كثيرة العدد، متباينة الأحجام، متعددة الاتجاهات، ويشهد تحولات مستمرة، حيث أعادت بعض الفصائل تسمية نفسها، بينما انقسمت أخرى إلى مجموعات أصغر، وتبدلت ولاءات فصائل أخرى باستمرار، ويتشارك بعضها في المقاتلين.
فيما يلي أبرز خيوط شبكة الجماعات المسلحة النشطة حاليًا في كشمير:
جبهة المقاومة.. الوافد الجديد على الساحة
البداية مع “جبهة المقاومة” التي تشكّلت بشكل كبير ردًا على تعليق الحكومة الهندية للمادة 370 من الدستور الهندي، حينها، قسّمت حكومة ناريندرا مودي كشمير الخاضعة للإدارة الهندية إلى منطقتين اتحاديتين – جامو وكشمير – وأخضعتها لسيطرة اتحادية مباشرة، وفرضت حملة قمع استمرت شهورًا، ما أدَّى إلى تجريد كشمير من وضع الحكم شبه الذاتي، وتوسيع حقوق ملكية الأراضي والوصول إلى حصص الوظائف التي ترعاها الحكومة ليشمل غير المحليين.
ومنذ إلغاء المادة 370، مُنح غير الكشميريين تصاريح إقامة للاستقرار في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، ومهَّدت هذه الخطوة الطريق لحرمان السكان المحليين من فرص هم بأمس الحاجة إليها، ما أثار مخاوف من أن الحكومة الهندية تسعى إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ذات الأغلبية مسلمة جذريًا.
ومع ذلك، لم تكن هذه الجماعة المسلَّحة معروفة على نطاق واسع في منطقة كشمير قبل هجوم باهالغام الأخير، الذي أعلنت مسؤوليتها عنه ومعارضتها لمنح تصاريح إقامة لـ”الأجانب”، وقالت في رسالة على تطبيق “تيليجرام”: “نتيجةً لذلك، سيُوجّه العنف نحو من يحاولون الاستقرار بشكل غير قانوني”، وهذا يُرجّح أن يكون تدفق “الأجانب” هو المبرر للهجوم.
على الرغم من أن الهجوم استهدف السيَّاح، وليس السكان الوافدين حديثًا الذين اتخذوا من كشمير موطنًا لهم، إلا أن اختيار الجماعة لتطبيق “تيليجرام” لإعلان مسؤوليتها لم يُفاجئ مسؤولي الأمن، إذ لا تزال “جبهة المقاومة” تُعرف أحيانًا باسم “الجبهة الافتراضية” داخل جهاز الأمن في كشمير.
من هنا نشأت هذه الجماعة التي تبلورت أولًا من خلال نشر الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدَّى إلى زيادة كبيرة في عمليات التجنيد، لكن في نواحٍ أخرى، اعتمدت الجماعة على أساليب أكثر تقليدية، وعاد مقاتلوها الوافدون الجدد على الساحة إلى أساليبهم المجربة والمختبرة، حيث أُخفيت الوجوه مرة أخرى، وانخفض عدد الهجمات، لكن شدتها ازدادت.
ويُمثل اسم “جبهة المقاومة” تحولاً عن الجماعات المتمردة التقليدية في كشمير، والتي تحمل معظمها أسماءً إسلامية، ومن خلال ذلك، يُفترض أنها تهدف إضفاء طابع محايد (أي غير ديني)، مع تركيز مصطلح “مقاومة” في الاسم على النضال من أجل القومية الكشميرية.
ومع ذلك، تُصرّ الحكومة الهندية على أنها فرع – أو مجرد واجهة – لجماعة مسلحة أخرى تتخذ من باكستان مقرًا لها، وهي “لشكر طيبة”، وتلقي باللوم على باكستان في دعم التمرد المسلح في كشمير، وهو ما تنفيه إسلام آباد، التي أدانت الهجوم الأخير، ودعت إلى إجراء تحقيق “محايد”.
وخلال مسيرتها القصيرة، كانت الجماعة مسؤولةً عن العديد من الهجمات التي استهدفت المدنيين وقوات الأمن والسياسيين في المنطقة، وبدأت بحلول عام 2020 بتحمل مسؤولية هجمات محدودة، واستخدم أعضاؤها – الذين كانوا ينتمون إلى مجموعة من الجماعات المتمردة المنشقة – بشكل متزايد الأسلحة الصغيرة، مثل المسدسات، لتنفيذ عمليات قتل مستهدفة، بما في ذلك اغتيال أفراد أمن متقاعدين وأشخاص متهمين بالتجسس.
ومنذ ذلك الحين، ألقت أجهزة الأمن الهندية القبض على مجموعات متعددة من مسلحي “جبهة المقاومة”، لكن الجماعة نجت ونمت رغم تراجعها مع مقاتليها إلى الغابات في أعلى الجبال، وبحلول عام 2022، كانت غالبية المقاتلين المسلحين الذين قُتلوا في اشتباكات مسلحة في كشمير منتمين إلى الجماعة، وفقًا للسجلات الحكومية.
كما تصدرت الجماعة عناوين الصحف في ذلك العام بعد أن أدرجت أسماء صحفيين كشميريين على ما اسمتها “قائمة اغتيال الخونة”، بزعم تواطؤهم مع السلطات الهندية، ما اضطر 5 منهم على الأقل منهم على الأقل للاستقالة على الفور، نظرًا لتاريخ هذه الهجمات.
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، صنَّفت الحكومة الهندية الجماعة كـ”منظمة إرهابية” بموجب قانون منع الأنشطة غير المشروعة، مشيرةً إلى تجنيد المتمردين وتهريب الأسلحة من باكستان إلى كشمير، وأعلنت مؤسسها، الشيخ سجاد جول، المعروف أيضًا باسم سجاد أحمد شيخ، وهو كشميري يبلغ من العمر 50 عامًا، إرهابيًا، وتم تحديده باعتباره العقل المدبر للهجوم الاخير في كشمير.
جماعة “لشكر طيبة”.. واجهة العمل الخيري
تأسست جماعة “لشكر طيبة” – ويعني اسمها “جيش الصالحين” – التي تدعو إلى “تحرير” كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، في أوائل التسعينيات على يد حافظ محمد سعيد، وأُطلقت كجناح مسلح لـ”مركز الدعوة والإرشاد”، وهي جمعية خيرية في باكستان أسسها سعيد في ثمانينيات القرن الماضي لمقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.
في أواخر التسعينيات، برزت هذه الجماعة كأكبر وأخطر الجماعات المسلحة وأكثرها كفاءة في الإقليم المتنازع عليه، فقد نفذَّت العديد من الضربات ضد أهداف عسكرية ومدنية هندية، واستهدفت القوات الهندية في جامو وكشمير منذ عام 1993، وأعلنت مسؤوليتها عن عدد من الهجمات البارزة في أماكن أخرى في الهند.
وفي حين ركزت الجماعة معظم نشاطها المسلح في جبال الهيمالايا، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى قربه من الهند، إلا أنها نقلت القتال إلى المدن الهندية خارج كشمير، بما في ذلك الهجوم على البرلمان الهندي في دلهي في ديسمبر/ كانون الأول 2001، وسلسلة تفجيرات على خط سكة حديد مومباي في 11 يوليو/ تموز 2006، والذي أسفر عن مقتل 189 شخصًا، على الرغم من أن متحدثًا باسم الجماعة نفى أي تورط لها.
وفي عام 2008، أطلق مسلحون النار على مدنيين في عدة مواقع بمدينة مومباي، مما أسفر عن مقتل 166 شخصًا، من بينهم عدد من الأجانب، وصَّرح أجمل قصاب، المهاجم الوحيد الذي أُلقي القبض عليه حيًا، بأن المهاجمين كانوا أعضاءً في الجماعة، إلا أنه نفى أي تورط له في ذلك الهجوم، وأعدمته الهند عام 2012.
في عام 2002، حظرت باكستان الجماعة، وجمَّدت جميع أصولها، وصنفتها العديد من الدول – من بينها الأمم المتحدة والولايات المتحدة – كمنظمة إرهابية ، وتوسعت العقوبات الأمريكية عليها لتشمل قادة إضافيين ومجموعات واجهة تابعة لها في عام 2014، لكن منتقديها يقولون إنها لا تزال تعمل تحت غطاء واجهات خيرية مثل جماعة “الدعوة” لتجنب العقوبات الحكومية، وتحتفظ بحضور قوي.
وفي أعقاب الهجوم على بولواما في الشطر الخاضع لإدارة الهند من كشمير عام 2019، أعادت باكستان فرض حظر على جماعة “الدعوة”، وألقت القبض على مؤسسها عام 2019، وهو الآن رهن الاحتجاز لدى الحكومة الباكستانية، ويقضي عقوبة بالسجن لمدة 31 عامًا بعد إدانته بتهمة تمويل الإرهاب، فلطالما أصرَّ على أن نضال الجماعة الدولي يتجاوز كشمير بكثير، ويهدف إلى تفكيك الهند.
وفي 7 مايو/ أيار 2025، شنَّت الهند هجمات صاروخية على عدة مدن في باكستان والشطر الخاضع لإدارتها من كشمير، زاعمة أنها كانت مقرًا لجماعة “الدعوة” الخيرية التي تُصر نيودلهي على أنها واجهة لجماعة “لشكر طيبة”، التي يُزعم أنها تلقت تدريبًا ودعمًا ماليًا من وكالة المخابرات الباكستانية في التسعينيات، مقابل تجنيد وتدريب مسلحين لعمليات في الهند.
وأعلن الجيش الهندي أنه قصف مقر “لشكر طيبة” الواسع في موريدكي قرب لاهور بإقليم البنجاب، بدعوى أن قصاب ومنفذي الهجوم الأخير تدرَّبوا في هذا المعسكر، ومع ذلك، تُصرّ باكستان على حظر جماعة “لشكر طيبة” التي يعتبرها الكثيرون الجماعة الوحيدة القادرة على شن هجوم كبير آخر في الهند لعرقلة تطبيع العلاقات بين البلدين.
ورغم سمعتها بقربها من المخابرات الباكستانية، تبدو العلاقة بين جماعة “لشكر طيبة” والجماعات المسلحة الأخرى والمؤسسات الباكستانية، لا سيما الجيش وجهاز المخابرات الباكستاني، معقدة وغامضة، وما هو أقل وضوحًا هو مدى تورط المسؤولين الباكستانيين، وما إذا كانت “لشكر طيبة” قد مُنحت صلاحيات واسعة للعمل دون مشاركة تفاصيل دقيقة.
في مقال نُشر عام 2012 لمؤسسة كارنيغي للسلام، كتبت الخبيرة في الأمن الدولي آشلي تيليس: “منذ البداية، أصبحت جماعة لشكر طيبة جناحًا مفضلاً للدولة الباكستانية لأن مصالحها المحلية – القتال في أفغانستان والحرب ضد الهند – تقاطعت مع طموحات الجيش الباكستاني نفسه: السيطرة على أفغانستان غربًا وإبقاء الهند في حالة اختلال في الشرق”.
وبينما تنفي باكستان بشدة مزاعم الهند، فإن تسامحها مع الجماعات المرتبطة بجماعة “لشكر طيبة”، رغم سجن حافظ سعيد، يقوض ضماناتها، بما في ذلك “إعادة تسمية” الجماعة إلى جمعية خيرية وصفتها الحكومة الأسترالية، من بين جهات أخرى، بأنها لا تختلف عن “لشكر طيبة”.
حزب المجاهدين.. من السيطرة إلى تضاؤل النفوذ
يعتبر “حزب المجاهدين” الناشط في كشمير أول جماعة مسلحة تضم في صفوفها أعضاءً كشميريين، وكانت طوال تسعينيات القرن الماضي أكبر الجماعات المسلحة الكشميرية المتمركزة في الشطر الهندي من كشمير، وهي اليوم واحدة من الجماعات القليلة التي لا تزال تحتفظ بوجود رمزي في كشمير الهندية، وتقاتل ضد الحكم الهندي في منطقة الهيمالايا.
تأسست الجماعة عام 1989، على يد الزعيم الانفصالي الكشميري محمد أحسن دار، وانبثقت من احتجاجات عام 1988 في كشمير ضد الحكومة الهندية، وبدلاً من الدعوة إلى الاستقلال، تدعو “حزب المجاهدين” إلى السماح لكشمير بأكملها بالانضمام إلى باكستان.
في سنواتها الأولى، أضفت الجماعة طابعًا رسميًا على هيكلها في يونيو/ حزيران 1990، حيث أقرَّت “دستورها”، وعيّنت يوسف شاه المعروف أيضًا باسم سيد صلاح الدين قائدًا لها، وكان منافسها الأيديولوجي الرئيسي هو جبهة تحرير جامو وكشمير، وهي جماعة مسلَّحة أقدم دعت إلى الاستقلال عن كل من الهند وباكستان قبل أن تُلقي السلاح في منتصف التسعينيات.
تمتلك الجماعة المسلحة الكشميرية المحلية المهيمنة شبكة واسعة من المقاتلين في مقاطعات شوبيان وكولجام وبولواما جنوب الشطر الهندي من كشمير، ولها صلات وثيقة بجهاز المخابرات الباكستاني، كما ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأمير الحرب الأفغاني قلب الدين حكمتيار، حيث تلقى مقاتلو الجماعة في وقت ما تدريبًا في معسكراته في أفغانستان.
في أواخر التسعينيات، عندما سيطرت طالبان على تلك المرافق، انتقلوا إلى معسكرات في منطقة الهزارة وكشمير الباكستانيتين، إلا أنها شهدت انقسامات داخلية، كان أشدها ضررًا عام 2001 عندما أعلن القائد الميداني السابق لحزب المجاهدين في كشمير الهندية، عبد المجيد دار، وقف إطلاق نار من جانب واحد ضد القوات الهندية، ولجأ لتحرير كشمير بالمفاوضات السلمية.
فاجأت هذه الخطوة صلاح الدين، المقيم في باكستان، والمدرج بقائمة “الإرهاب” العالمي، وأدَّى الانقسام إلى اقتتال داخلي، ثم اغتيال “دار” في مارس/ آذار 2003، في حين لا يزال صلاح الدين مسيطرًا على الجماعة، كما يترأس مجلس الجهاد الموحد، وهو تحالف من جماعات مسلحة تهدف إلى دمج جامو وكشمير مع باكستان.
ومع ذلك، أشرف صلاح الدين إلى حد كبير على تآكل صفوف الجماعة المصنفة كـ”منظمة إرهابية” من قِبل الهند والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأصبحت قدرته على مواصلة التمرد موضع تساؤل، وأصبحت الجماعة الآن محصورة في جيوب معزولة قليلة، حيث يتمركز مقاتلوه في مخابئ جبلية بدلًا من القرى التي كانوا يسيطرون عليها سابقًا.
حركة المجاهدين.. مفرخة المسلحين
“حركة المجاهدين” (المعروفة سابقًا باسم حركة الأنصار) هي جماعة أخرى تأسست في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وتمركزت أولاً في باكستان ثم في أفغانستان، وقاتلت الروس سابقًا بقيادة جلال الدين حقَّاني، زعيم “شبكة حقَّاني” المتمركزة في شمال غرب باكستان بالقرب من الحدود الأفغانية، والتي قاتلت ضد قوات حلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان.
تُتهم “حركة المجاهدين” بتنفيذ ما وصفته القوى الغربية بـ”أول عمل إرهابي” في كشمير عام 1995، عندما اختطفت الجماعة – المعروفة آنذاك باسم “حركة الأنصار” – 5 سياح غربيين، ما دفع الولايات المتحدة إلى حظرها، لكنها سرعان ما أعادت تسمية نفسها بـ”حركة المجاهدين”.
كما تتحمل الجماعة – التي تنشط من مظفر آباد، وتدعو إلى توحيد كشمير مع باكستان – مسؤولية اختطاف طائرة ركاب هندية في ديسمبر/ كانون الأول 1999، وشن العديد من الهجمات على القوات والمدنيين الهنود في كشمير.
تتكون الجماعة من مقاتلين مدربين تدريبًا عاليًا ومخلصين، معظمهم في باكستان وكشمير، ولكن أيضًا أفغان وعرب، لكن أساليبها القاسية دفعت داعميها داخل المؤسسة الباكستانية إلى سحب دعمهم تدريجيًا، مما أدَّى إلى تراجع نفوذها.
تمتع زعيم الجماعة فضل الرحمن خليل – القائد الحالي لجماعة “أنصار الأمة” المتهمة بأنها واجهة لحركة المقاومة الإسلامية المحظورة – بنفوذ محدود داخل المعاهد الدينية المحلية في باكستان، وقد دُعي للتفاوض على وقف إطلاق النار في حصار المسجد الأحمر عام 2007 في باكستان، وشوهد أحيانًا على خشبة المسرح مع قادة يقودون حملة ضد إمدادات “الناتو” البرية في باكستان.
“جيش محمد”.. الجماعة العابرة للحدود
أسس مسعود أزهر جماعة “جيش محمد” بعد إطلاق سراحه من سجن هندي مقابل 155 رهينة أُحتجزوا في طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية اختطفها أعضاء جماعة “حركة المجاهدين” التي كان يقاتل سابقًا تحت لوائها إلى أفغانستان في عام 1999.
تتمركز الجماعة في إقليم البنجاب الباكستاني، وتسعى إلى ضم كشمير إلى دولة باكستان، وقد أعلنت مسؤوليتها عن العديد من التفجيرات التي استهدفت القوات الهندية في كشمير، والحكومة الباكستانية، ومختلف الأقليات داخل باكستان في السنوات الأخيرة، حتى أنها أعلنت الحرب على الولايات المتحدة علنًا.
برزت هذه الجماعة عام 2000 لدورها في الهجوم على القلعة الحمراء في دلهي، لكن أنشطتها في كشمير لم تحظَ بدعم شعبي، خاصة بعد هجوم بسيارة مفخخة على المجلس التشريعي لولاية كشمير عام 2001، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 35 شخصًا، جميعهم من المدنيين.
ومثل جماعة مثل “لشكر طيبة”، صنَّف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “جيش محمد” كمنظمة إرهابية، وحظرتها الحكومة الباكستانية عام 2002 بعد أن أُلقي عليها اللوم في هجوم عام 2001 على البرلمان الهندي، وسلسلة من الاعتداءات عام 2002 على مواقع مسيحية في باكستان، كما اتهمتها بمحاولة اغتيال الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف.
ورغم الحظر، تزعم السلطات الهندية أن الجماعة لا تزال تعمل بحريِّة في بهاولبور، بإقليم البنجاب الباكستاني، وأن لديها عدة مئات من المؤيدين المسلحين، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الأتباع، وأنها تحافظ على صلات بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وحركة طالبان، وفقًا لمجلس الأمن الدولي.
وعلى الرغم من أن أزهر اختفى عن الأنظار إلى حد كبير، إلا أنه لا يزال نشطًا بالقرب من بهاولبور، حيث يدير مؤسسة دينية، وقد نعى علنًا مقتل 10 من أفراد أسرته في الغارات الهندية الليلية التي زعمت الهند إنها استهدفت مقر الجماعة “مركز سبحان الله”، وهي مدرسة ديوبندية في بهاولبور.
ورغم الحديث عن صلة الجماعات المسلحة في كشمير بالجماعات العابرة للحدود، ليس من الواضح ما إذا كان لتنظيم القاعدة وجود في كشمير، لكن البعض يجادل بأن العديد من المسلحين النشطين تلقوا تدريباتهم في نفس المدارس أو المعاهد التي درس فيها مقاتلو طالبان والقاعدة، وتلقى بعضهم تدريبًا عسكريًا في معسكرات في أفغانستان التي كانت تحت حكم طالبان.
ولقادة بعض هذه الجماعات المسلحة صلات أيضًا بـ”القاعدة”، فقد وقّع فضل الرحمن خليل، زعيم جماعة “حركة المجاهدين”، إعلان القاعدة للجهاد عام 1998، الذي دعا المسلمين إلى مهاجمة جميع الأمريكيين وحلفائهم، وسافر مؤسس منظمة “جيش محمد” مسعود أزهر، إلى أفغانستان عدة مرات للقاء أسامة بن لادن، ويُشتبه في أن جماعته تتلقى تمويلاً من تنظيم القاعدة، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وهنود.
وفي عام 2002، اقترح السياسي ورجل الأعمال أمريكي متقاعد دونالد رامسفيلد الذي شغل منصب وزير الدفاع سابقًا أنهم كانوا نشطين، وفي نفس العام طاردت القوات الخاصة البريطانية أسامة بن لادن في جامو وكشمير، وفي عام 2006، زعم تنظيم القاعدة تأسيس جناح له في كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية، واقترح البعض، بمن فيهم وزير الدفاع الأمريكي السبق روبرت جيتس، أنهم ساعدوا في التخطيط لهجمات في الهند.
عقبة في طريق السلام
لا تقتصر الجماعات المسلحة الناشطة في جنة كشمير المحصورة بين ناري الهند وباكستان على ما سبق استعراضه، بل ثمة العديد من الجماعات التي لا تقلق خطرًا عن سابقاتها في شمال باكستان وإقليم البنجاب، من بينها جماعة تركستان بيتاني وحركة طالبان باكستان ومجموعة غول بهادور وجماعة الملا نذير شبكة حقاني، مما يجعل احتوائها وملاحقتها والقضاء عليه تحديًا معقدًا.
يُضاف إلى ذلك قوة المسلحين المذهبيين، مثل الجماعات المسلحة المناوئة للشيعة التي تظهر نفسها على أنها دعاة السلام ـ والحرب أيضًا ـ في تلك الدولة، فمنذ عقدين، نشرت هذه الجماعات أجنحتها بانتظام في مقاطعة بلوشستان، واستهدفت طائفة الهزارة الشيعية التي تعيش هناك.
وأفادت التقارير بظهور جماعة جديدة أخرى هي “حركة إنقاذ كشمير”، بالإضافة إلى الجماعات الأخرى الأقل شهرة “قوة الحرية” و”فرزندان ملت”، في حين يُعتبر “مؤتمر عموم الأحزاب الكشميرية” منظمة تستخدم وسائل معتدلة للضغط من أجل حقوق الكشميريين، ويُعتبر غالبًا وسيطًا بين نيودلهي والجماعات المتمردة.
ومنذ حظرت باكستان هذه الجماعات بالفعل في عام 2006، نُفذت هجمات في كشمير وباكستان تحت ستار آخر كتكتيك لتجنب الكشف مع الحفاظ على نفس القيادة والأيديولوجية، ويُعتقد أن إحدى الجماعات التي تُطلق على نفسها اسم “القانون” أو “لشكر عمر” هي تحالف يضم أعضاء من “جيش محمد” و”لشكر طيبة” وجماعات إسلامية أخرى تتخذ من باكستان مقرًا لها، بما في ذلك منظمة “لشكر جهنكوي” المناهضة للشيعة.
ويقول شجاع نواز، مؤلف كتاب “السيوف المتقاطعة: باكستان وجيشها والحروب الداخلية”، إن المخابرات الباكستانية “فقدت السيطرة بالتأكيد” على الجماعات المسلحة الكشميرية، ووفقًا لقوله، فإن بعض الجماعات التي دربتها المخابرات الباكستانية لتأجيج التمرد في كشمير متورطة في تفجيرات وهجمات داخل باكستان، مما يجعلها أهدافًا للجيش.
وعلى الرغم من الحظر الباكستاني والهندي على النشاط المسلح في كشمير، واستئناف محادثات السلام الرسمية بين البلدين عام 2004، يواصل المسلحون محاولات التسلل عبر الحدود المشتركة، وتعيق هجماتهم التقدم نحو اتفاق مستدام بشأن كشمير، ففي فبراير/ شباط 2005، اتفقت نيودلهي وإسلام آباد على إطلاق خدمة حافلات تاريخية عبر خط وقف إطلاق النار، لكن المسلحين تعهدوا باستهداف الخدمة، كما تم تعليق المحادثات فعليًا في عام 2008 بعد أن اتهمت الهند جهاز المخابرات الباكستاني والسلطات الباكستانية بالتواطؤ في هجمات مومباي.
وعزَّزت سلسلة من الهجمات عبر الحدود على الأراضي الخاضعة للسيطرة الهندية مكانة كشمير كنقطة خلاف رئيسية بين الهند وباكستان، اللتين وُجهت إليهما اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في كشمير، مما أدى إلى تفاقم العداء وانعدام الثقة المتبادل بين الدولتين النوويتين حتى اليوم.