ترجمة وتحرير: نون بوست
مع تصاعد تعريفات ترامب الجمركية خلال الأشهر الأخيرة، ازداد أيضًا عدد العروض الغامضة التي تتلقاها بعض الشركات الأمريكية، والتي تقدم حلولًا لتجنب هذه الضرائب.
تواصلت شركات شحن، معظمها مقرها الصين، مع شركات أمريكية تستورد الملابس وقطع السيارات والمجوهرات، مقدمة عروضًا تؤكد قدرتها على إلغاء التعريفات الجمركية.
وجاء في أحد الرسائل الإلكترونية المرسلة إلى مستورد أمريكي: “يمكننا تجنب التعريفات الجمركية المرتفعة المفروضة على الصين، وقد قمنا بذلك مرات عديدة في السابق.”
وجاء في رسالة إلكترونية ثانية: “تغلّب على التعريفات الجمركية الأمريكية”، مع وعد بتحديد سقف للتعريفات عند “نسبة ثابتة قدرها 10 بالمائة. وأضافت: “اشحن دون قلق”.
وقالت رسالة أخرى: “أخبار سارّة! تم أخيرًا إلغاء التعريفات الجمركية!”
وتعكس هذه العروض، التي تنتشر عبر الرسائل الإلكترونية وكذلك في مقاطع فيديو على تيك توك ومنصات أخرى، موجة جديدة من الأنشطة الاحتيالية، وفقًا لما أفاد به عدد من التنفيذيين في الشركات ومسؤولين حكوميين. فمع الارتفاع الحاد في التعريفات الجمركية الأميركية على المنتجات الأجنبية خلال الأشهر الأخيرة، تزايدت الحوافز لدى الشركات للبحث عن طرق للالتفاف عليها.
وتصف الشركات الصينية التي تروّج لهذه الخدمات أساليبها بأنها حلول قانونية. مقابل الرسوم، تعرض الشركات طرقًا لإدخال المنتجات إلى الولايات المتحدة بتعريفات جمركية أقل بكثير. لكن خبراء يؤكدون أن هذه الممارسات تُعدّ أشكالًا من الاحتيال الجمركي، إذ قد تعمد الشركات إلى تعديل المعلومات المتعلقة بالشحنات المقدَّمة إلى الحكومة الأمريكية بهدف الحصول على رسوم أقل، أو تقوم بنقل البضائع إلى دولة أخرى تخضع لرسوم جمركية أدنى قبل شحنها إلى الولايات المتحدة، وهي حيلة تُعرف باسم “إعادة الشحن“.
وقالت إدارة ترامب هذا الشهر إنها ستركز بشكل أكبر على مكافحة الاحتيال التجاري، بما في ذلك التهرب من التعريفات الجمركية. كما تحاول الإدارة إقناع دول أخرى بتعزيز جهودها في تطبيق القوانين، بما في ذلك خلال محادثات تجارية مع فيتنام والمكسيك وماليزيا. ولكن العديد من الشركات الأمريكية ترى أن حجم الأنشطة غير القانونية بات يفوق قدرة هذه الحكومات على مواجهتها.
وتُكلّف هذه المخططات الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات سنويًا من عائدات التعريفات الجمركية، بحسب مسؤولين ومديرين تنفيذيين. كما أنها تترك الشركات الملتزمة بدفع التعريفات في حالة من الإحباط الشديد والقلق من الوقوع في موقع مالي غير متكافئ أمام المنافسين غير النزيهين.
وتشير التقارير إلى أن هذه المخططات تكلف الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات سنويًا من عائدات التعريفات، وتترك الشركات الشريفة التي تدفع الضرائب في موقف ضعيف ومُحبَط أمام المنافسين غير النزيهين.
وقال ديفيد راشد، الرئيس التنفيذي لشركة “بلووز”، وهي شركة قطع غيار سيارات ناشدت الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسات التجارية غير العادلة من قبل منافسيها: “إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، فإن أولئك الذين يرغبون في الغش سيواصلون الانتصار في هذه الساحة”.
وأوضح رشيد أن المنتجات التي يتم تداولها بطرق غير عادلة تسللت إلى سلاسل التوريد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مضيفًا: “من السهل خداع الناس، لا سيما إذا كانوا يفضلون أن يُخدعوا.”
طالما فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية، كانت هناك دائمًا مخططات للتهرب منها، وكان هذا الأمر قائمًا منذ أن كان المستعمرون الأمريكيون يُهربون البضائع إلى الموانئ التي كانت تحت سيطرة البريطانيين. ولكن مع رفع ترامب للتعريفات الجمركية إلى مستويات لم تُشهدها البلاد منذ قرن، تقول الشركات إن عمليات الاحتيال الجمركي وصلت إلى ذروتها.
ففي شهوره الأولى في المنصب، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمائة على معظم المنتجات عالميًا، بالإضافة إلى 25 بالمائة على الصلب والألمنيوم والسيارات. كما رفع وخفض وعلق التعريفات على دول مختلفة دون سابق إنذار، مما وضع ضغوطًا شديدة على الشركات التي تعتمد على التجارة.
وكانت التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين في أبريل/ نيسان بنسبة ثلاثية الأرقام، قبل أن يخفضها لمدة 90 يومًا، صعبة بشكل خاص على المستوردين. وقد علقت بعض الشركات طلباتها بسبب هذه التعريفات، لكن الضرائب أيضًا أدت إلى موجة من الاحتيال انطلقت من الصين.
وقالت ليزلي جوردان، مصنعة ملابس تعمل في هذا المجال منذ ما يقرب من أربعة عقود، إن المخططات الاحتيالية أصبحت “منتشرة بشكل واسع” في صناعتها؛ حيث تعرض عليها وعلى مستوردين آخرين طرقًا غير قانونية بشكل واضح لتجنب التعريفات الجمركية.
وأضافت أن شركات الشحن الصينية عرضت لسنوات مساعدة مصانعها في تعديل نماذج الجمارك، مؤكدة أن فرصة اكتشافها ضئيلة لأن مسؤولي الجمارك الأمريكيين لا يفحصون حاويات الشحن عادةً، لكنها رفضت ذلك دائمًا. ومع ذلك؛ فإن التعريفات الجمركية تجعل التجارة صعبة على الشركات النزيهة مثل شركتها، مما جعلها مدينة للحكومة بعشرات الآلاف من الدولارات كرسوم استيراد على بعض الشحنات.
وقالت جوردان إن التعريفات الجمركية شجعت “المحتالين الانتهازيين في كل من الصين والولايات المتحدة”، ووضعّت “الكثير من الشركات النزيهة في وضع تنافسي غير عادل.”
وقالت: “الناس لا يستطيعون تحمّل ذلك، إنهم في حالة يأس”.
وقال كوش ديساي، المتحدث باسم البيت الأبيض، إنه “بدلاً من محاولة إيجاد طرق غير قانونية لتجاوز التعريفات الجمركية، سيكون من الأفضل للمصدرين الأجانب أن يحثوا حكوماتهم على التفاوض على اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة”.
ووصف جون فوت، محامي الجمارك في شركة “كيلي دراي ووارن”، الارتفاع في عمليات الاحتيال بأنه “علامة على دخول عصر التعريفات الجمركية المرتفعة”.
وقال إنه تلقى العديد من الأسئلة البريئة من شركات تسأل عما إذا كان بإمكانها استخدام بعض الأساليب لتجنب الرسوم الجمركية. وفي كل مرة تجيب فيها الشركة بـ”لا، هذا يُعد احتيالاً جمركيًا”، يقوم بتسجيل ذلك على لوح أبيض في مكتبه. وحتى منتصف مايو/ أيار، كان قد سجل 11 حالة.
وقال: “إذا بدا الأمر جيدًا لدرجة يصعب تصديقها، فغالبًا ما يكون كذلك.”
تجنب التعريفات الجمركية 101
تفرض الحكومة الأمريكية التعريفات الجمركية بناءً على نوع السلعة وقيمتها المعلنة بالدولار وبلد المنشأ. وهناك عدة أساليب يستخدمها البعض لمحاولة التهرب من هذه الرسوم عن طريق تغيير هذه العوامل.
ووفقًا لمختصين في هذا المجال، إحدى الطرق تتمثل في إعلان قيمة أقل للمنتج من قيمته الفعلية. وهذا يؤدي إلى تقليل التعريفات الجمركية التي يجب دفعها، لأنها تُحسب كنسبة مئوية من سعر الاستيراد.

تتمثل خطة أخرى في تصنيف السلعة بشكل خاطئ. فقد يقوم المستورد بإبلاغ الحكومة الأمريكية أن شحنة من القمصان مصنوعة من مادة تخضع لتعريفات جمركية أقل.
وتتضمن الطريقة الثالثة إرسال المنتجات إلى دولة أخرى قبل وصولها إلى الولايات المتحدة للاستفادة من اختلاف معدلات التعريفات الجمركية المطبقة على الدول المختلفة.
وأصبحت هذه الحيلة أكثر ربحية هذه السنة، بعدما رفع ترامب التعريفات الجمركية على الواردات الصينية إلى 145 بالمائة على الأقل، بينما أبقى الضرائب على السلع القادمة من دول مجاورة مثل فيتنام وماليزيا وكمبوديا عند 10 بالمائة فقط. وقد تلجأ الشركات التي تسعى لتجنب التعريفات إلى شحن المنتجات الصينية إلى تلك الدول أولاً قبل إرسالها إلى الولايات المتحدة بمعدل تعرفة جمركية أقل.
وتفرض الولايات المتحدة التعريفات الجمركية بناءً على المكان الذي جرت فيه آخر عملية تصنيع للسلعة. لذلك، من وجهة نظر الحكومة؛ فإن قانونية هذه الممارسة تعتمد على ما إذا كانت الشركة قد أجرت فعلاً خطوة تصنيع مهمة في ماليزيا أو فيتنام. فعلى سبيل المثال، إذا جرى تجميع أجزاء حذاء مصنوع في الصين داخل ماليزيا، فقد يُعتبر الحذاء من الناحية التقنية ماليزيًا. أما إذا تم تصنيع المنتج في الصين ثم شحنه عبر دولة أخرى فقط لإخفاء منشأه؛ فإن ذلك يُعدّ انتهاكًا للقانون الأمريكي.
وأُرسِلت إحدى الإعلانات إلى أحد المستوردين هذا الربيع يروّج صراحةً لهذا المخطط، وجاء فيه: “مسار الشحن عبر ماليزيا: إعادة تحميل في حاويات جديدة داخل ماليزيا بموجب شهادة المنشأ الصادرة عن مصدر ماليزي”، في إشارة إلى “شهادة المنشأ”، وهي وثيقة تُقدَّم إلى الجمارك الأمريكية لتحديد بلد منشأ السلعة.
ويصعب تحديد حجم هذه المشكلة بدقة، إذ من العسير معرفة ما يجري داخل المصانع الأجنبية. ولكن منذ أن بدأ ترامب بفرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية في ولايته الأولى، ارتفع بشكل كبير حجم المنتجات الصينية وقطع الغيار والمواد الخام التي تُصدَّر إلى دول أخرى قبل وصولها إلى الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، في شهر أبريل/ نيسان، انخفضت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 21 بالمائة مقارنة بالسنة السابقة، في حين ارتفعت الصادرات الصينية إلى دول جنوب شرق آسيا بالنسبة نفسها.
وتُرسل الكثير من هذه البضائع الصينية عبر جنوب شرق آسيا، لكن المسؤولين الأمريكيين يركزون بشكل متزايد على الدور الذي تؤديه المكسيك كممر للبضائع الصينية إلى الولايات المتحدة. وقد كشف تحليل أجرته شركة “إكسيجر” لتحليل البيانات أن أكثر من 3000 شركة في المكسيك تعتمد على الشحنات الصينية لتغطية 75 بالمائة أو أكثر من سلسلة إمدادها. وأشار التقرير إلى أن العديد من هذه الشركات هي فروع لمؤسسات صينية مملوكة للدولة، وأن معظمها يبيع منتجاته إلى الولايات المتحدة.رابط الصورة:

المصدر: نيويورك تايمز