بعد أيام من الهجمات والقصف المتبادل بين الهند وباكستان، توصلت الدولتان إلى هدنة “هشّة” بوساطة من واشنطن، وضعت حدًا لأعنف مواجهة بين الدولتين النوويتين منذ عام 1999، ولكن بعد ساعات قليلة فقط على صدور إعلان وقف إطلاق النار الكامل والفوري، تبادلت إسلام أباد ونيودلهي الاتهامات بانتهاك التهدئة بعد قصف متبادل بين الجانبين.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتوصل فيها الدولتان الجارتان النوويتان إلى هدنة تحت نار الاتهامات، فقد اتسم تاريخهما بمزيج معقد من الصراع ومحاولات المصالحة، وشكّلت اتفاقيات ومحادثات سلام وقمم رئيسية علاقتهما الأكثر تعقيدًا، لكنها غالبًا ما تداخلت مع فترات من التوترات والنزاعات المتصاعدة، ولم يحقق سوى القليل منها النتائج المرجوة.
في نهاية سلسلة من المقالات التي تناولت العلاقات الهندية الباكستانية، نتتبع مسار محاولات ومبادرات السلام التي جرت بين الهند وباكستان على مر العقود، وأسباب فشلها، والعقبات الرئيسية التي تحول دون التوصل إلى تسوية دائمة، وصولًا إلى فرص دفع البلدين نحو علاقات أكثر براغماتية وتعاونًا، والدروس التي يمكن استخلاصها للمستقبل.
مزيج معقَّد من الصراع والمصالحة
تشتهر الهند وباكستان بصراعهما المستمر، بل ودخولهما في حروبٍ من حينٍ لآخر، فمنذ الاستقلال عن بريطانيا وتقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، تعاونت الدولتان وحققتا السلام مراتٍ عديدة، حتى كانتا قد حلّتا تقريبًا جميع مشاكلهما الثنائية، باستثناء كشمير، بحلول عام 1964.
حتى في قضية كشمير المتنازع عليها حتى اليوم، اقتربت الدولتان من التوصل إلى حلٍّ على الصعيدين الثنائي وعبر الأمم المتحدة، وتعاونتا حتى في أوقات الحرب ضمنيًا، لكن من المفارقات أن حتى الهنود والباكستانيين لا يتذكرون هذا التاريخ ولا يستلهمون منه العبرة.
في البداية، وعقب الحرب الهندية الباكستانية عامي 1947 و1948 (حرب كشمير الأولى)، وقّع الممثلون العسكريون للهند وباكستان “اتفاقية كراتشي” لعام 1949، التي أوقفت العنف مؤقتًا في منطقة جامو وكشمير من خلال إنشاء خطٍ لوقف إطلاق النار أشرف عليه أعضاء لجنة فرعية تابعة للأمم المتحدة.
في العام التالي، وقّع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ونظيره الباكستاني لياقت علي خان “اتفاقية لياقت-نهرو”، وتُعرف أيضًا باسم “اتفاقية دلهي” نسبة إلى المكان التي وُقّعت، وهدفت المعاهدة الثنائية إلى توفير إطار عملٍ لمعاملة الأقليات وضمان حقوقهم في البلدين المتجاورين بعد التقسيم وتجنب حربٍ أخرى بينهما.
بعد ما يقرب من عقدٍ من المفاوضات، وُقّعت في كراتشي من قِبل نهرو والرئيس الباكستاني أيوب خان في 19 سبتمبر/ أيلول 1960، معاهدةُ مياهِ نهرِ السند، بوساطة البنك الدولي، لتوزيع مياه الأنهار الستة التي تشكل حوض السند بين البلدين، بحيث تكون مياه الأنهار الشرقية (سوتليج وبياس ورافي) متاحة للاستخدام غير المقيّد للهند، وتحصل باكستان على المياه من الأنهار الغربية (السند وجيلوم وتشيناب).
على عكس غيرها من المعاهدات، التزم البلدان باتفاقية تقاسم المياه حتى في أوقات العداء، وواصلتا البحث عن حلٍّ دبلوماسي للقضايا الجوهرية العالقة، فعندما توفي نهرو في نوفمبر/ تشرين الثاني 1964، كان الشيخ عبد الله، الزعيم الأبرز لسكان وادي كشمير، في باكستان حاملًا رسالة من رئيس الوزراء الهندي، في إطار المفاوضات الجارية مع باكستان بشأن كشمير، لكن هذه المفاوضات توقفت بعد وفاة نهرو.
ولم تضمن المعاهدات التي وُقّعت حتى ذلك الحين سوى سلامٍ مؤقتٍ بين الجارتين، إذ اشتعلت التوترات حتى تصاعدت إلى حربٍ شاملة عام 1965 انتهت بتوقيع رئيس الوزراء الهندي لال بهادور شاستري والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان “اتفاقية طشقند” في أوزبكستان، لإنهاء الحرب الهندية الباكستانية.
لكن هذا الإعلان لم يمنع نشوب حربٍ أخرى، ففي عام 1971، خاضت الهند وباكستان حربًا ثالثة قصيرة على شرق باكستان، حيث ساعدت القوات الهندية الإقليم على الاستقلال عن باكستان، مما أدى إلى تأسيس دولة بنغلاديش الحالية.
بعد هذه الحرب، وفي 2 يوليو/ تموز 1972، وقّع الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ورئيسة الوزراء إنديرا غاندي “اتفاقية شيملا”، لإنهاء الأعمال العدائية ووضع خطةٍ شاملةٍ للعلاقات السلمية، وكان بموجبها على البلدين اتخاذ تدابير لضمان عدم انتهاك خطِّ السيطرة الذي قسّم كشمير إلى منطقتين إداريتين.

التزمت الدولتان بتسوية خلافاتهما عبر المفاوضات السلمية، إلا أن الاتفاقية لم تُسهم كثيرًا في حلِّ النزاعات، ففي عام 1989، استغلت باكستان حركة مقاومة ناشئة في الشطر الهندي من كشمير لتقويض السيطرة الهندية، مما أدّى إلى تجدُّد التوترات وبدء عقودٍ من العنف الطائفي.
ورغم محاولة البلدين تدشين عهدٍ جديدٍ من العلاقات الثنائية من خلال هذه الاتفاقية، اتخذ الصراع بُعدًا جديدًا في عام 1974 مع إدخال الأسلحة النووية، مما زاد من مخاطر أي مواجهة، ففي ذلك العام، اختبرت الهند أول سلاحٍ نووي لها، مما أشعل سباقَ تسلُّحٍ نوويٍّ شهد وصول باكستان إلى نفس المرحلة بعد عقدين من الزمن.
اضطر ذلك البلدان النوويان إلى توقيع اتفاقيةِ عدمِ الاعتداء النووي التي تحدد كيفية التعامل مع الأسلحة النووية لمنع الهجوم على المنشآت النووية للطرف الآخر، ومنعت المعاهدة الثنائية الموقعة عام 1988، بين رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي ونظيرته الباكستانية بينظير بوتو، الدولتين من شنِّ هجومٍ مفاجئ، أو مساعدةِ قوةٍ أجنبيةٍ على الهجوم على المنشآت والمرافق النووية لبعضها البعض، ودخلت حيز التنفيذ في 1991.
وعلى الرغم من إعادة الالتزام بخطِّ السيطرة، اندلع النزاع حول منطقة نهرِ سياشين الجليدي في كشمير، الذي شهد قتالًا شديدًا وقاسيًا منذ عام 1984، واستولت عليه الهند كجزءٍ من “عملية ميغدوت”، ولا يزال الصراع على المنطقة التي تمثل أعلى ساحةِ قتالٍ في العالم مستمرًا حتى اليوم، حتى فاق عددُ الجنود الذين قتلهم البردُ الشديدُ والانهياراتُ الجليدية عددَ الذين قُتلوا برصاص العدو.
ووسط مخاوف عالمية بشأن التجارب النووية التي أجراها البلدان عام 1998، وقّع البلدان “إعلان لاهور” في فبراير/ شباط 1999، وتم بموجبه التوصل إلى تفاهمٍ متبادلٍ بشأن تقييد تطوير الترسانات النووية وتجنّب الاستخدام التشغيلي العرضي وغير المصرح به للأسلحة النووية.
ومع ذلك، تقوّضت طموحاتُ استراتيجيةِ الردع في سباقِ التسلح النووي، وتبدّدت الآمالُ المعقودة على “إعلان لاهور” مع اندلاع حربِ كارجيل عام 1999، عندما عبرت القوات الباكستانية خطَّ السيطرة إلى منطقة كارجيل في جامو وكشمير، منتهكةً بذلك دعوةَ الإعلان إلى حلِّ النزاعات سلميًا وتجنّبِ الصراع.
وفي اعترافٍ مفاجئ، أقرّ رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف العام الماضي بأن إسلام آباد انتهكت الاتفاقية التي وقّعها مع رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي، وشكّلت إطارًا شاملًا لمعالجة القضايا العالقة بين الهند وباكستان، قبل أن يُسفر صراع كارجيل عن خسائرَ عسكرية كبيرة وتصاعد التوترات بين الدولتين النوويتين، ومن ثمّ عرقلة عملية السلام وتفاقم انعدام الثقة القائم.
في جوهره، يُمثّل “إعلان لاهور” علامةً فارقةً في العلاقات الهندية الباكستانية، ولحظةً محوريةً كادت فيها الدولتان الجارتان أن تشقّا طريقًا جديدًا نحو السلام، ورغم أن انتهاكه أدّى إلى صراع وانعدام ثقة، إلا أن أهدافه لا تزال قائمة، ففي عام 2017، دعت رئيسة وزراء جامو وكشمير السابقة، محبوبة مفتي، إلى إحياءه.
ورغم الصراع المستمر بين البلدين، لم تكن حالاتُ العنفِ والقصفِ بين البلدين دائمة، فخلال عقدٍ من الصراع (1998 و2008)، أنشأت الهند وباكستان “قنواتِ اتصالٍ خلفية” كادت أن تُفضي إلى حلٍّ لمشكلة كشمير، لولا هجمات مومباي التي شهدتها العاصمة الاقتصادية للهند، والتي أوقعت أكثر من 150 قتيلًا، وأشعلت فتيلَ التوتر بين البلدين، وأجهزت على مسار الحوار بين البلدين.
وبعد سنواتٍ من التصعيد العسكري، توصّل البلدان في عام 2003 إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار على الحدود الفعلية بين البلدين، والمعروفة باسم “خطِّ المراقبة” في كشمير، ووعدت باكستان لاحقًا بوقف تمويل المسلحين في الإقليم إذا ما عفت عنهم الهند في حال تخلّيهم عن التشدد.
ورغم أن كلا البلدين حافظا على وقف إطلاق نارٍ هشٍّ منذ ذلك الحين، إلا أنه لم يحلّ النزاع الأساسي حول كشمير، حيث يتبادل الطرفان إطلاقَ النار بانتظام عبر الحدود المتنازع عليها، ويتهم كلُّ جانبٍ الآخرَ بانتهاك وقف إطلاق النار، ويدّعي أنه يطلق النار ردًا على الهجمات، وهو ما أدّى إلى تقويض الجهود الدبلوماسية من أجل السلام.
جولة جديدة من السلام المتقطع
في مايو/ أيار 2014، علّق الكثيرون آمالًا على أن تسعى الهند إلى مفاوضات سلام هادفة مع باكستان بعد وصول حكومة هندية جديدة إلى السلطة، أقرت القيام بإجراءات متشددة ضد باكستان، وفي الوقت نفسه، أبدت استعدادها للخوض في محادثات سلام، وحضر رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف حفل تنصيب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في دلهي.
لكن بعد فترة وجيزة من التفاؤل وصعود مودي إلى السلطة على رأس حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي، شهدت علاقات إسلام آباد ونيودلهي شدًا وجذبًا وتطورات سلبية حادة، وتوترت في أغسطس/ آب 2014 عندما ألغت الهند محادثات مع وزير الخارجية الباكستاني بعد أن التقى المفوض السامي الباكستاني في الهند بقادة انفصاليين كشميريين في كشمير الهندية.
ورغم وعد مودي بعدم التفاوض حتى تعالج إسلام آباد ما وصفه بـ”الإرهاب العابر للحدود” بشكل مرض، فقد التقى القادة والمسؤولون الهنود والباكستانيون، بمن فيهم مستشارو الأمن القومي، بشكل متقطع، واستؤنفت المحادثات بعد توصل مودي وشريف إلى اتفاق بشأن استئناف عملية الحوار، والتقيا على هامش مؤتمر باريس للمناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وهبطت طائرة مودي في مطار لاهور للقاء نظيره الباكستاني في أول زيارة من نوعها منذ أكثر من 10 سنوات.
وتوقف الزخم نحو محادثات جادة في سبتمبر/ أيلول 2016، عندما هاجم مسلحون قاعدة عسكرية هندية نائية في أوري، بالقرب من خط السيطرة، ليحل التوتر محل التقارب غير المعهود. وتأجلت محادثات وزيري خارجية البلدين كانت مقررة مطلع عام 2018، وألغى مودي زيارته إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد لعقد قمة، ومنذ ذلك الحين لم يحدث أي تقدم في المحادثات بين الجارتين.
بعد أشهر من العمليات العسكرية الهندية التي استهدفت المسلحين والمظاهرات الكشميرية، أعلنت الهند في مايو/ أيار 2018 أنها ستلتزم بوقف إطلاق النار في كشمير خلال شهر رمضان لأول مرة منذ ما يقرب من عقدين. واستؤنفت العمليات في يونيو/ حزيران 2018، وفي وقت لاحق من مايو/ أيار، اتفقت الهند وباكستان رسميًا على وقف إطلاق النار على طول حدود كشمير المتنازع عليها، والذي من شأنه أن يعيد شروط اتفاقهما لعام 2003.
وفي أغسطس/ آب 2019، وبعد نشر عشرات الآلاف من القوات الإضافية والقوات شبه العسكرية في المنطقة، تحركت الحكومة الهندية لإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، ما أدى إلى تجريد كشمير الخاضعة للإدارة الهندية من وضع الحكم الذاتي. واعتبرته باكستان أيضًا ظلمًا فادحًا، وسط مخاوف من أن الحكومة الهندية تسعى إلى تغيير التركيبة السكانية لكشمير ذات الأغلبية المسلمة.
بعد أعوام، تجدد الحديث عن الخلاف بين الهند وباكستان وقوتهما النووية، بعد هجوم مسلح وقع بالقرب من مدينة باهالغام السياحية التي تقع في الجزء الذي تديره الهند في إقليم كشمير في أبريل/ نيسان الماضي. علقت على إثره الهند، محملةً باكستان مسؤولية الهجوم دون دليل، معاهدةَ مياهِ نهرِ السند.
وردًا على ذلك، قررت باكستان ممارسة حقها في تعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع الهند، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر “اتفاقية شيملا” لعام 1972، إلى جانب إجراءات أخرى – مثل إغلاق الحدود وسحب الدبلوماسيين وتعليق جميع أشكال التجارة – نسفت الجهود الدبلوماسية السابقة، وأعادت العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول.
ما الذي يعيق السلام؟
على مر السنين، ساهمت عدة عوامل رئيسية في فشل محاولات السلام وإعاقة الحلول الدبلوماسية بين الهند وباكستان، مشكلةً شبكةً من التحديات التي تجعل تحقيق السلام الدائم والتعاون أمرًا صعبًا في هذه المنطقة المعقدة، ومنها ما يلي.
نزاع كشمير: يمثل النزاع الإقليمي طويل الأمد حول كشمير نقطة خلاف رئيسية وعائقًا كبيرًا أمام الحوار، فكلاهما يطالب بالسيطرة الكاملة على المنطقة، ولا يرغب في التخلي عما يعتبره حقًا لها في هذه الأرض. ولا تزال التفسيرات المختلفة لوضع المنطقة وتاريخ الصراع حولها تؤجج التوترات، وتضعف أي محاولات للسلام، وتؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية بين باكستان والهند، حيث ربطت الأخيرة النضال الأصلي للشعب الكشميري بالإرهاب.
الجماعات المسلحة العابرة للحدود: تمثل الجماعات المسلحة والحرب بالوكالة عبر الحدود سببًا رئيسيًا في تدهور العلاقات بين البلدين. حيث تسهم الهجمات التي وصلت إلى الداخل الهندي أكثر من مرة، والاشتباكات العسكرية على الحدود في تعقيد الوضع، وتقويض الثقة، وإعاقة الجهود الدبلوماسية، وتثير قلقًا كبيرًا في الهند التي دأبت على اتهام باكستان بدعم أو إيواء جماعات مسلحة. وتبعًا لذلك، تتأثر محاولات السلام.
غياب الثقة المتبادلة: هناك مستويات منخفضة من الثقة المتبادلة بين البلدين، حيث ترسخ الهويات الوطنية المتناقضة للبلدين – تأسيس باكستان على المبادئ الإسلامية مقابل القومية العلمانية الهندية – انعدام الثقة الأيديولوجي، مما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقيات سلمية دائمة. ويساهم تاريخ الصراعات وأعمال العنف والخلافات المستمرة وتهم الإرهاب المتبادلة، في إدامة الشك والعداء وضعف الثقة المتبادلة. وهذا يعرقل جهود التواصل، ويصعب الانخراط في حوار بنّاء وبناء علاقات تعاونية.
التعزيزات العسكرية: دخلت كل من الهند وباكستان في سباق تسلح عسكري زاد تفاقم التوترات وخلق شعورًا بانعدام الأمن. وجسد الانتشار النووي انعدام الثقة المتبادلة، ووسع نطاقها، وشكل تهديدًا أكبر من توازن القوى الدبلوماسي. وبالتالي، يمكن لهذا التحشيد العسكري والمعضلة الأمنية في المنطقة أن تصعب على كلا الجانبين الدخول في مفاوضات جادة.
الديناميكيات الداخلية: في الهند، يمكن أن تؤثر الضغوط الداخلية والرأي العام على القرارات السياسية المتعلقة بباكستان، مما يصعب إيجاد أرضية مشتركة. وبالمثل، في باكستان، يمكن لعوامل مثل الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي ونفوذ الفصائل العسكرية أن تؤثر على السياسة الخارجية للبلاد تجاه الهند.
النزاعات المائية: شكلت معاهدة مياه نهر السند، التي تنظم تقاسم موارد المياه بين البلدين، مصدر خلاف في السنوات الأخيرة نظرًا لقيمة الموارد الطبيعية المحدودة وغير القابلة للاستبدال. ويمكن أن تفاقم مشروعات السدود الهندية المستمرة هذه النزاعات المائية، وقد تشعل أخطر صراع نووي في العالم، لا سيما في ظل السيناريو الحالي لتغير المناخ والاحتباس الحراري.
فشل أجندة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك): تقع باكستان والهند وأعضاء رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الآخرين في حلقة مفرغة من إخفاقات الرابطة التي تواجه عقبات في تنفيذ أجندتها لتعزيز السلام والأمن والازدهار منذ تأسيسها عام 1985، مما يحول دون إجراء حوار فعال في المنطقة. وقد تجلى هذا بوضوح عندما انسحبت الهند من القمة الـ19 للرابطة في إسلام آباد، ردًا على ادعائها بتزايد “الإرهاب” بسبب باكستان.
غياب آليات فعالة لحل النزاعات: لا توجد آليات فعالة لحل النزاعات بين الهند وباكستان، مما يجعل من الصعب التعامل مع الخلافات بطريقة سلمية. وهذا يؤدي إلى تعقيد المشكلة وزيادة حدة التوتر، حتى عندما تحرز الدبلوماسية السرية أو المبادرات التجارية تقدمًا، فإنها غالبًا ما تعرقل قبل أن تطبق.
الصراع بين الصين والهند: يؤثر النزاع الحدودي بين الهند والصين على طول منطقة الهيمالايا ذات الأهمية الاستراتيجية على العلاقات بين الهند وباكستان، حيث تلعب باكستان دورًا في دعم الصراع. وهذا من شأنه أن يزيد من تعقيد المشكلة، ويؤثر سلبًا على العلاقات، نظرًا لتاريخ الهند المضطرب مع كل من الصين وباكستان.
عوامل إقليمية ودولية: تلعب العوامل الإقليمية والدولية، مثل العلاقات مع الدول الأخرى، والتغيرات في المشهد الدولي، دورًا في التأثير على اتجاهات السياسة الخارجية للهند وباكستان والعلاقات بينهما. وقد يعقد تدخل بعض الجهات الخارجية الفاعلة، مثل الولايات المتحدة والصين، الوضع أحيانًا، ويصعب إيجاد حل سلمي. وقد تتأثر محاولات السلام سلبًا بين البلدين بوجود حلفاء أو منافسين من خارج المنطقة.
إجمالًا، كانت مصادر الصراع بين الهند وباكستان هي نفسها السبب الوحيد لفشل الحل بالوسائل الدبلوماسية. فبعد أن استقرت الدولتان بحدود غير محددة، حرمتا من آفاق السلام، خاصة بعد أن رأى كلا الجانبين أن الحفاظ على ملكية كشمير ضروري لوجودهما. وأظهرت رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي نفسها ككيان حكومي دولي ضعيف مقارنة بثلاث قوى نووية متجاورة.
ومع مراعاة جميع هذه العوامل التي تثير العنف، وتعيق الدبلوماسية، وتديم الصراعات التاريخية بين الهند وباكستان، يتضح أن الاتجاه العام بين البلدين قد اقتصر على مناقشات متقطعة تتعطل بسبب الخلافات السياسية، وانتهاكات وقف إطلاق النار، وهجمات الجماعات المسلحة، وما إلى ذلك، دون التوصل إلى أي نتيجة أو حل عملي.
وكما أشار ستيفن كوهين في كتابه “الصراع على قرن: معضلة الهند وباكستان”، فإن كلا البلدين عالقان في دوامة من العداء، تكسرها محاولات الحوار السطحية بين الحين والآخر، ثم تعودان إلى صراع مستعص تشكلت ملامحه على مدى عقود من الشكوك المتبادلة، وصدمات تاريخية لم تُحل، وروايات وطنية تصور الطرف الآخر على أنه التهديد الوجودي.
ووفقًا لكوهين، يرى كل جانب نفسه ضحية لعدوان الآخر، وقد رسخ كلاهما هذه التصورات في ثقافتيهما السياسية، ومبادئهما الأمنية، وحتى في مناهجهما الدراسية.
لكن المشكلة أعمق من مجرد الدبلوماسية، إذ لا يزال إرث الاستعمار وصدمة تقسيم عام 1947، الذي شرّد أكثر من 15 مليون شخص، وقتل ما يصل إلى مليونين، يلقي بظلاله القاتمة، مع استعصاء الصراع اليوم على الحل كما كان دائمًا، وعلى الأرجح كما سيظل.