ترجمة وتحرير: نون بوست
في لحظةٍ ما، بينما كنت أطلب من نظام الذكاء الاصطناعي الجديد من غوغل أن يشرح لي بالتفصيل كيف أصبح خبيرًا في مراقبة الطيور في حيي وأستخدم في الوقت نفسه أداتها الجديدة لصناعة الأفلام باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج رسوم متحركة لكلبي الصغير البالغ وزنه أربعة أرطال وهو يحارب الجريمة، أدركت أمرًا ما: إمّا أن غوغل يمرّ بأزمة منتصف العمر، أو أنني أنا من يمر بها. وربما الاثنان معًا.
منذ إطلاق “تشات جي بي تي” أواخر سنة 2022، بدا غوغل وكأنه في حالة ذعر علني، لكن الأمور أخذت منحى أكثر جدية في الخريف الماضي، حين أطلقت “أوبن إيه آي” محرك بحث “تشات جي بي تي” — خدمة بحث ذكية تُعد منافسًا مباشرًا لغوغل. وفي الأسبوع الماضي،أعلنت غوغل خلال مؤتمر المطوّرين عن مئة تحديث جديد تمحور أغلبها حول الذكاء الاصطناعي. وفجأة، ظهرت سردية جديدة: عملاق البحثيمرّ بأزمة منتصف العمر “مذهلة” على حدّ وصف أحد خبراء القطاع.
أمضيت الأسبوع الماضي أُجرّب أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة من غوغل ويمكنني القول بثقة إن الشركة تقف بين حافة الأزمة وممكنات المجد. وقد تمرّ سنوات قبل أن نعرف أي الطريقين ستسلك.
هيمنت غوغل خلال السنوات الخمس عشرة الماضية ليس فقط على طريقة استخدامنا لشبكة الإنترنت بل على وجودها نفسه من خلال قطاعَي البحث والإعلانات. ومع تغلغل الذكاء الاصطناعي في كل زاوية من تجربتنا الرقمية، لم يعد واضحًا أي شركة ستقود المرحلة القادمة، ولا كيف سنتفاعل معها. وما يبدو مؤكدًا أننا لن نستمر في كتابة كلمات مفتاحية في محرك بحث كما نفعل اليوم.
اليوم، إذا أردت العثور على شيء ما على الإنترنت، تكتب بعض الكلمات المفتاحية في غوغل، تختار رابطًا أزرق تعتقد أنه يحتوي على المعلومة التي تبحث عنها، وتضغط عليه. وتتنافس الشركات على هذه الكلمات لتظهر إعلاناتها أمام المتصفّحين، مما يمول قطاع الإعلانات الذي تقدر قيمته بمليارات الدولارات لدى غوغل.
كما تساهم نقرتك في تحقيق عائدات للناشرين، ومنهم موقع “فوكس”، من خلال الإعلانات المعروضة على مواقعهم، والتي تدير غوغل الكثير منها. وقد أصبحت غوغل قوية إلى درجة أن قاضيين فيدراليين أصدرا حكمًا مؤخرًا بأنها تمارس احتكارًا غير قانوني، وهي الآن بانتظار قرار حول احتمال تفكيكها.
مع تمدّد الذكاء الاصطناعي ليطال كل زاوية من تجربتنا الرقمية، لا يزال من غير الواضح أيّ شركة ستُهيمن على العصر القادم، أو كيف ستكون طريقتنا في التفاعل معه. لكن الحكومة قد لا تكون التهديد الأكبر لهيمنة غوغل. فقد بدأ الذكاء الاصطناعي في العامين الأخيرين يهدد البنية الأساسية للويب، إذ يتزايد اعتماد الناس على أدوات ذكية مثل “تشات جي بي تي” و”بيربلكسيتي” للحصول على المعلومات.
تستخلص هذه الأدوات البيانات من المواقع الإلكترونية وتقدّمها في شكل ملخص منسق. وقد أصبح هذا تهديدًا فعليًا لغوغل، إلى درجة أن عددعمليات البحث في متصفّح سفاري انخفض في شهر نيسان/أبريل لأول مرة على الإطلاق. كما تراجعت حصة غوغل في سوق البحث إلى أقل من 90 بالمئة لأول مرة منذ عشر سنوات، في ظل تنامي استخدام أدوات البحث المعززة بالذكاء الاصطناعي. ولا يُساعد في هذا الوضع أيضًا انتشار تطبيق تيك توك.
وقد أدركت غوغل حتمية هذا التحول قبل عدة سنوات، وبدأت تحاول إعادة ابتكار نفسها. ففي عام 2023، أطلقت ميزة “إيه آي أوفرفيوز”، وهي خلاصة لنتائج البحث تُولّدها نماذجها اللغوية المتقدمة “جيميناي”.
وفي وقت سابق من هذا العام، طورت غوغل هذه الفكرة من خلال إطلاق “إيه آي مود“، وهو تجربة بحث جديدة تعتمد على الحوار مع روبوت ذكي، مدعوم كذلك بنظامها اللغوي ذاته “جيميناي”، ويشبه كثيرًا أدوات الدردشة الأخرى المنافسة مثل “تشات جي بي تي” و”بيربلكسيتي”.
وقد أعلنت الشركة الأسبوع الماضي أن “إيه آي مود” سيكون متاحًا لجميع المستخدمين في الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة — ما عليك سوى البحث عن زر لامع على الجانب الأيمن من مربع البحث مكتوب عليه “إيه آي مود”.
“إيه آي مود” هو طريقتي لتعلّم مراقبة الطيور منذ أسبوع. فبدلاً من إدخال كلمات مفتاحية في صندوق البحث التقليدي من غوغل، بدأت أطرح استفسارات معقدة وأتلقى تقارير مفصلة. من خلال موجه من ثلاث جمل فقط، قدّم لي “إيه آي مود” نصًا يحتوي على ما يقارب 600 كلمة.
تضمن التقرير تسع روابط فقط للمصادر، ولم أكن بحاجة للنقر على أي منها، لأن الروبوت الذكي كان قد لخّص مضمونها سلفًا. وبعد قليل من البحث، أدركت أن أحد المصادر الأساسية في هذا الملخص كان دليلًا للمبتدئين حول مراقبة الطيور كتبته زميلتي في فوكس، آلي فولبي.
لكن هذه التجربة في البحث، كما هو الحال مع روبوتات المحادثة الأخرى، ليست دائمًا رائعة. فالتقنية تعتمد على نماذج لغوية ضخمة، وهيعرضة لما يُعرف بـ”الهلوسات”، أي إنتاج معلومات غير دقيقة، مما يجعل هذه الأدوات الجديدة في البحث غير موثوقة في كثير من الأحيان.
ومع ذلك، فإن أسلوب الذكاء الاصطناعي في الكتابة يكون مقنعًا لدرجة أنك لا تشعر دومًا بالحاجة إلى التحقق من صحة النتائج. وقد بدأت المواقع الناشرة تلاحظ تراجعًا كبيرًا في عدد الزوّار القادمين من غوغل، مع اتجاه المزيد من الناس لتجاوز الويب وطلب المعلومات مباشرة من روبوتات الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال تجربتي في تعلّم مراقبة الطيور، تبيّن لي أن هذه الطريقة أسرع. ولنكن صادقين، ليس كل ما نجده عبر الروابط الزرقاء دقيقًا بنسبة مئة في المئة أيضًا. ربما هكذا سيبدو مستقبل البحث، والأكيد أنه لن يكون قائمًا على قائمة من الروابط الزرقاء.
من المقلق بالنسبة لي أن أعترف بأنني أحب غوغل الجديد. وأتوقع أن أرى المزيد منه قريبًا. ضمن موجة الإعلانات الأخيرة التي ركّزت على الذكاء الاصطناعي، أطلقت غوغل أيضًا “جيميناي” ضمن متصفّح كروم، وهو أداة تمكّن المساعد الذكي من رؤية ما تراه على صفحة الإنترنت. (وهذه الميزة متوفرة حاليًا فقط لمشتركي باقات غوغل المتقدمة للذكاء الاصطناعي أو لمستخدمي النسخ التجريبية من كروم).
يمكنك أن تطرح أسئلة حول ما هو موجود على الصفحة، أو أن تطلب من “جيميناي” تلخيص المقال. ويمكن للأداة حتى تحليل مقاطع الفيديو على يوتيوب في الوقت الحقيقي. ويمكن التفكير في هذه الميزة باعتبارها نسخة أكثر تخصيصًا مما يفعله “إيه آي مود” الجديد على مستوى الويب بأكمله — ويبدو أنها ستكون مفيدة.
ربما يكون هذا هو الشكل الذي سيبدو عليه مستقبل البحث، ومن شبه المؤكد أنه لن يتضمّن قائمة من الروابط الزرقاء. وعلى الرغم من أنك ستظل قادرًا على استخدام تجربة البحث التقليدية لبعض الوقت، فإن الكم الكبير من الإعلانات الأخيرة التي أطلقتها غوغل يشير بوضوح إلى أن كل شيء يتجه نحو الذكاء الاصطناعي.
وقد عكست العناوين الإخبارية حجم هذا التحوّل. ففي تغطيته لمؤتمر مطوّري غوغل، قال كيسي نيوتن من “بلاتفورمر”: “كل شيء يتغيّر، وكل شيء طبيعي، ومخيف، ومريح في الوقت نفسه“. أما محلل التكنولوجيا بن تومسون، فقد أعلن “وفاة الويب المدعوم بالإعلانات” بفضل غوغل. وعبّر جون هيرمان من مجلة “نيويورك” عن الأمر بلهجة أكثر حدة قائلاً: “غوغل يدفن الويب حيًا“.
في الأيام الأولى للإنترنت، المليئة بالفوضى، اكتسبت غوغل شعبيتها من خلال تبسيط مهمة العثور على المعلومات، كما أشار جيفري أ. فاولر من صحيفة “واشنطن بوست”. أما هيمنتها في المستقبل القائم على الذكاء الاصطناعي، فهي أبعد ما تكون عن المضمون.
وربما تظهر شركة ناشئة جديدة تبسّط الأمور مجددًا، وتقدّم لك روبوتًا ودودًا يشرح لك ما تحتاج، ويحجز لك رحلاتك، ويصنع لك أفلامك. وفي هذه الأثناء، سأواصل محاولتي لتحسين الرسوم الكرتونية التي يصنعها الذكاء الاصطناعي لكلبي الصغير الذي يقاتل الجريمة، متسائلًا: متى سيبدأ كل هذا في أن يبدو حقًا “مذهلًا”؟
المصدر: فوكس