لم يكن الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي بالضخامة التي روّجت لها القيادة الإيرانية، إذ لم يرقَ إلى مستوى الضربات الإسرائيلية التي استهدفت البنية العسكرية والمنشآت النووية الحساسة في عمق إيران.
ورغم أن طهران امتصت الصدمة وزادت من نوعية ضرباتها في الموجة الثانية من هجومها الذي طال مواقع حساسة في أنحاء “إسرائيل”، إلا أن حجم الرد ما زال دون مستوى التكافؤ العسكري، وهذا ما تدركه إيران، لذلك حرصت على أن يبقى ردّها ضمن حدود محسوبة، في رسالة غير مباشرة مفادها أنها منفتحة على التفاوض لاحتواء التصعيد.
وبينما تصرّ “إسرائيل” على الاستمرار بالتصعيد بنفس الوتيرة، يطفو على السطح أسئلة ملحة حول قدرات القوة الجوية الإيرانية ومدى فاعليتها في الصمود أمام الهجمات الإسرائيلية. نستعرض في هذا التقرير ملامح هذه القوة، ونقف على نقاط ضعفها، مع استعراض أبرز الأسلحة التي تشكّل عماد استراتيجيتها العسكرية.
مقاتلات قديمة وجاهزية محدودة
“كانت القوة الجوية الإيرانية في يوم من الأيام من الأقوى في العالم، إلّا أنها اليوم لم تعد سوى مجرد ظل باهت لما كانت عليه في السابق بسبب عقود من العقوبات التعجيزية”، هكذا لخص كايل ميزوكامي، الباحث المختص بشؤون الدفاع والأمن القومي الأمريكي مستوى سلاح الجو الإيراني.
إذ تقلصت الأسلحة الجوية الإيرانية حتى غدت تشكيلةَ طائرات حربية، مجموعة من دول مختلفة، تقادم بها الزمن وباتت مشكوكًا في كفاءتها، ما يعني أن البلاد أصبحت بالكاد قادرة على تأمين مجالها الجوي وليس بإمكانها الصمود أمام منافسيها الإقليميين.
وفقًا لتقرير أعدته “رويترز”، لا يملك سلاح الجو الإيراني سوى بضع عشرات من الطائرات الهجومية العاملة، بما في ذلك الطائرات الروسية والنماذج الأمريكية القديمة التي حصلت عليها قبل الثورة الإيرانية عام 1979.
كما أكدت دراسة رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية إلى أن القوات الجوية الإيرانية لا تزال تعتمد بشكل رئيسي على طائرات مقاتلة متقادمة تعود صناعتها إلى حقبتي الستينيات والسبعينيات، وهو ما يجعل قدراتها التكنولوجية في هذا المجال متأخرة بفارق كبير عن خصومها الإقليميين الذين يمتلكون أساطيل مجهّزة بأنظمة قتالية غربية حديثة ومتطورة.
ورغم مساعي طهران المستمرة إلى تعزيز أسطولها، إلا أنها لطالما ما اصطدمت بالعقوبات الأمريكية، فعلى سبيل المثال، أعلنت مرارًا إتمام صفقة مقاتلات Su-35 الروسية، لكن لا تزال الطائرات خارج الخدمة الإيرانية بسبب الضغوط الأمريكية على موسكو.
أبرز مقاتلات الأسطول الجوي الإيراني
“إف-14 توم كات” (أميركية): الطائرة الأهم تاريخيًا لدى إيران، إذ وردت من حقبة الشاه، وهي طائرة اعتراضية ثنائية المحرّك تتمتع بصواريخ “AIM-54 Phoenix” بعيدة المدى، لكنها قديمة وتواجه صعوبات في الصيانة.
“ميغ-29 Fulcrum” (روسية): دخلت الخدمة في التسعينات وهي طائرة متعددة المهام لكن طرازها قديم نسبيًا.
“إف-4 فانتوم II” (أميركية): طائرة قاذفة تعمل نحو 40 منها في الخدمة، أجيالها تعود إلى الستينات، لكن خضعت بعض نسخها للصيانة.
“إف-5 تايغر II” (أميركية): مقاتلة خفيفة دخلت إلى إيران بكميات كبيرة بعد الثورة 1979، بقي من أسطولها نحو 60 طائرة نشطة.
مقاتلات محلية الصنع: طوّرت إيران نسخًا مصغّرة من “إف-5” مثل طائرات “صاعقة”، وحوالي 12 طائرة منها “كوثر” و”آذرخش”، وتُؤكد إيران أن هذه الطائرات تصنع محليًا بالكامل، ولكنها ببنية تقنية قديمة نسبيًا، مخصصة أساسًا للتدريب والمهمات البسيطة.
الطائرات المسيرة تعيد تشكيل معادلات الصراع
تعد المسيرات نقطة قوة بارزة لإيران، فقد أثبتت فعاليتها في الحروب غير التقليدية، ويُنظر إليها في البلاد على أنها أداة للتعويض عن ضعف القوة الجوية التقليدية ومنح قدرات عسكرية جديدة.
حسبما ورد في تقرير لمعهد “Rusi” البريطاني المتخصص في الدراسات العسكرية والاستراتيجية، فمنذ ثمانينات القرن الماضي بدأت إيران تطوير صناعة المسيّرات، بعدما فُرضت عليها حزمة من العقوبات الدولية أثرت بقوة على جيشها، فلم يعد بإمكانها تطوير ترسانتها العسكرية، ما دفع طهران للاستفادة من البدائل الرخيصة التي يمكن تصنيعها محليًّا.
تعد الطائرات المسيرة الخيار الأمثل للإيرانيين، كونها ليست كبيرة جدًا وكلفتها منخفضة، بالإضافة إلى سهولة تجهيزها للإقلاع خلال وقت قصير، ورغم أنها تعتبر بطيئة نسبيًا، فيمكنها التحليق وفق مسارات مبرمجة مسبقًا باستخدام إحداثيات محددة، و بارتفاعات منخفضة يصعب رصدها.
ويشير تقرير في موقع “بلومبرغ” إلى أهمية المسيرات الإيرانية في ميزان قواها العسكرية وفي تغيير معادلات الصراع دوليًا، حيث أكد عن قيام تكنولوجيا المسيّرات الإيرانية بإعادة تعريف الحرب العالمية، مشيرًا إلى أن إتقان إيران لحرب المسيرات ذات التقنية المنخفضة نسبيًا يشكل مخاطر جديدة عاجلة على استقرار الشرق الأوسط، كونها تمكن الدول من توفير عملتها الأجنبية لتمويل صناعتها الدفاعية، وتعزيز تحالفاتها الإستراتيجية.
أبرز المسيرات الإيرانية
“مهاجر 6”: تنتمي لعائلة طائرات “مهاجر” المزودة بقنابل جوية ذكية، يبلغ شعاع عملياتها نحو ألفي كيلومتر، وقادرة على حمل 40 كيلوغرامًا من القنابل الذكية، كما تبلغ سرعتها نحو 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها التحليق 12 ساعة متواصلة على ارتفاع 18 ألف قدم.
“شاهد 136”: مسيرة انتحارية بعيدة المدى يمكنها التحليق لفترة تصل إلى ما بين 16 و20 ساعة متواصلة، ما يتيح لها بلوغ مدى تشغيلي يُقدَّر بحوالي 4 آلاف كيلومتر ولديها رأس حربية تزن 50 كيلوغرامًا من المتفجرات، ذاع صيتها أثناء الحرب الروسية على أوكرانيا.
“كامان 22”: هي أول طائرة بدون طيار قتالية ذات جسم عريض، مصنوعة محليًا في البلاد، وقادرة على حمل جميع أنواع الذخائر، ويمكنها التحليق أكثر من 24 ساعة على بعد 3 آلاف كيلومتر، يبلغ مداها حوالي 3000 كيلومتر ويمكنها حمل 300 كغم من المتفجرات.
“غزة” أو “شاهد 149”: المسيرة الإيرانية الأحدث، وأول مسيّرة مزودة بمحرك توربو مروحي، يمكنها الطيران 35 ساعة متواصلة وبارتفاع 35 ألف قدم تبلغ سرعتها 350 كيلومترًا في الساعة، وقادرة على حمل 500 كيلوغرام من المتفجرات.
عماد الردع الإيراني في غياب التفوق الجوي
تعد الصواريخ البالستية أحد أقوى وسائل إيران في هجماتها ضد “إسرائيل”، فهي صاحبة أكبر ترسانة صاروخية في الشرق الأوسط، حيث يقدّر عدد الصواريخ الباليستية قريبة ومتوسطة المدى بأكثر من 3 آلاف صاروخ وتعتبر الدولة الوحيدة التي طورت صاروخًا يبلغ مداه نحو ألفين كيلو متر.
ونظرًا لأن الصواريخ تعد بديلًا جيدًا في حال تعرض المطارات للتهديد أو في حال صعوبة تحقيق التفوق الجوي، فإن إيران اعتمدت على تطوير برنامج صواريخها الباليستية وكذلك الصواريخ المتعددة، كهدف استراتيجي لها، لمواجهة القوة الجوية المتطورة لخصومها.
أبرز الصواريخ الإيرانية
“خيبر” أو “خرمشهر 4”: أطول مدى لصاروخ تملكه البلاد حتى الآن، حيث يصل إلى ألفي كيلومتر أي يطال معظم دول الشرق الأوسط و”إسرائيل”، يعمل بالوقود السائل ويحمل رؤوسًا حربية تزن أكثر من طن.
“سجيل”: صاروخ أرض-أرض، ويحتوي على محركين يعملان بالوقود الصلب، يتراوح مداه بين 2000 -2500 كيلومتر، يمكنه قطع أكثر من 17 ألف كيلومتر في الساعة، يبلغ وزنه قرابة 23 طنًا، بينما تزن رأسه الحربية نحو 650 كيلوغرامًا.
“الحاج قاسم”: صاروخ باليستي يتكون الصاروخ من 8 كتل بوزن 7 أطنان ويبلغ مداه 1400 كيلومتر، قادر على حمل رأس حربية بوزن نصف طن من المتفجرات، يمكنه التحرك بسرعة 12 ماخ ويضرب الهدف بسرعة 6 ماخ، وتزعم طهران أن دقته أقل من 10 أمتار.
“فتّاح”: أول صاروخ باليستي إيراني فرط صوتي، يبلغ مداه 1400 كيلومتر، وسرعته تتراوح بين 15-13 ماخ قبل إصابة الهدف (الماخ الواحد يساوي 1224 كيلومترًا تقريبًا)، يستغرق الصاروخ 400 ثانية (حوالي 6 دقائق) من الإطلاق حتى إصابة الهدف، قادر على التخفي واجتياز أنظمة الرادار وهو يعمل بالوقود الصلب.
الدفاع الجوي يعترض ولكن..
بحوزة إيران شبكات دفاع جوي متعدّدة الطبقات، قادرة على رصد وتتبع الأهداف وتدميرها على ارتفاعات وأبعاد متعددة ومتنوعة تمزج بين أنظمة روسية قديمة ومحلية حديثة، تتوزع هذه الأنظمة على ما يقارب 3500 قاعدة للدفاع الجوي، أبرزها منظومة “باور 373″ بعيدة المدى و”خرداد 15”.
لكن إصابة الأهداف الإسرائيلية لمواقع سيادية وحساسة في إيران، شكك في قدرة منظومة الدفاع الجوي لدى طهران، وفي هذا السياق يذهب الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إلى أن إيران تفتقر قدرات ردع جوية فاعلة ما أتاح لـ”إسرائيل” هامش مناورة واسع، الأمر الذي شجع تل أبيب على توسيع نطاق الهجمات لتشمل منشآت نووية حساسة كموقعي نطنز وفوردو.
ويرى الدويري أن “إسرائيل” تواصل تنفيذ عملياتها العسكرية في العمق الإيراني بحرية شبه مطلقة، وسط غياب أي قدرة حقيقية لدى الدفاعات الجوية الإيرانية على صد الهجمات، مؤكدًا أن نقطة الضعف التاريخية في بنية الجيش الإيراني تتمثل في سلاح الجو، سواء من حيث كفاءة الطائرات أو قدرات منظومة الدفاع الجوي.
تكتيكات لاختراق الدفاعات الإسرائيلية
بين رغبتها في استعادة الهيبة وحرصها على تجنب تصعيد يجرّها نحو حرب شاملة قد تدمرها، تسعى إيران إلى اعتماد تكتيكات هجومية تضمن لها هذين الهدفين، وتزيد من قدرتها على الصمود أمام هجمات “إسرائيل”.
الإغراق: تعتمد هذه الإستراتيجية على إنهاك أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية واستنزاف قدراتها الأساسية عبر إطلاق موجات متزامنة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، حيث يُبنى هذا التكتيك على مبدأ بسيط: لكل منظومة دفاع جوي لها سقف معين من الطاقة التشغيلية.
تشتيت أنظمة الدفاع: إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ المتنوعة في آن معًا نحو “إسرائيل”، يشتت أولويات أنظمة الدفاع بين أهداف متعددة، مما يزيد من فرص إصابة الأهداف بدقة أعلى.
فعالية الرؤوس المناورة والصواريخ الفرط-صوتية: تعتمد إيران في بعض صواريخها المتطورة، على رؤوس قتالية تُعرف باسم الرؤوس المناورة قادرة على تغيير مسارها أثناء عودتها إلى الغلاف الجوي، بما يعوق قدرة أنظمة الدفاع الجوي على اعتراضها.
كما تستخدم إيران في هجماتها ضد “إسرائيل”، صواريخ فرط-صوتية مثل “فَتّاح-1″، التي تحلّق بسرعات هائلة تتراوح بين ماخ 13 إلى ماخ 15، ويمكنها تغيير اتجاهها أثناء الطيران، مع وقت إنذار قصير جدًا، وهو ما يقلل من فعالية أنظمة الدفاع الجوي في التعامل معها.