تتجه المواجهات الإسرائيلية الإيرانية يومًا بعد يوم نحو مزيد من التصعيد غير المنضبط ببوصلة المقاربات، وربما يغرد هذا التصعيد نسبيًا خارج إطار التوقعات التي رسمتها التطورات والمؤشرات الأخيرة، والتي كانت بمعظمها تشير إلى اقتراب المعركة من فصلها الأخير، إلا أن الوقائع المتسارعة تؤكد أننا ما زلنا في بدايتها، وأن الحديث عن نهاية مبكرة لها لا يزال سابقًا لأوانه.
قد شنت إيران دفعة صاروخية بنحو ما بين 20- 30 صاروخًا باتجاه مناطق واسعة من “إسرائيل”، فجر 19 يونيو/حزيران الماضي، أسفرت عن إصابة 137 إسرائيليًا، بحسب وسائل إعلام عبرية، فيما أظهرت العديد من مقاطع الفيديو الانفجارات والدمار الكبير الذي طال المباني المستهدفة في بئر السبع.
تعد الرشقة الصاروخية الأخيرة، وهي الرابعة عشر منذ بداية المعركة، هي الأكبر خلال 48 ساعة الماضية، وربما الأكثر تأثيرًا، فيما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية أن الهدف كان مقر قيادة واستخبارات الجيش الإسرائيلي، وهي المنشأة التي تضم آلاف الجنود وأنظمة القيادة الرقمية، وعمليات الحرب السيبرانية، ومنظومات القيادة والسيطرة والاستخبارات والاستطلاع والمراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي.
المستشفى كان مخصصاً لإسعاف جنود يقاتلون في #غزة.. صاروخ إيراني يتسبب في انهيار مبنى في مستشفى سوروكا pic.twitter.com/hcH3lRM3wz
— نون بوست (@NoonPost) June 19, 2025
يأتي هذا التصعيد في وقت يتبنى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابًا مٌهينًا للقيادة الإيرانية مطالبًا إياها بالاستسلام كشرط لإنهاء الحرب، والتخلي تمامًا ونهائيًا عن مشروعها النووي، والإذعان للشروط الأمريكية على طاولة المفاوضات، وهو ما قوبل برفض معلن وصريح من المرشد الإيراني على خامنئي الذي هدده الرئيس الأمريكي ضمنيًا حين قال إنه يعرف مكانه وأن استهدافه ليس مسألة صعبه لكنه يرجئها في الوقت الراهن.
أعاد الهجوم الأخير الزخم مرة أخرى للعمليات الإيرانية بعد فترة تراجع نسبي، فيما حمل رسالة واضحة للأمريكي والإسرائيلي معًا بشأن قدرة طهران على الصمود والمضي قدمًا في مسار التصعيد حتى أخر رمق كما أوضح المرشد، هذا في الوقت الذي لا زال تدرس فيه واشنطن خيارات الانخراط المباشر في تلك الحرب وسط انقسامات داخلية بشأن هذا القرار، فيما صعدت تل أبيب من تهديداتها للرد على تلك الضربة.
وفي آخر الإحصاءات، أعلنت القناة 12 الإسرائيلية أن الصواريخ الإيرانية منذ بدء الحرب في 13 يونيو/حزيران الجاري أدت إلى مقتل 24 وإصابة 838، وتسببت بإجلاء نحو 5 آلاف شخص من منازلهم.. .. فهل يعجل هذا التصعيد الأخير من حسم ترامب لقراره؟
طهران: تحول تدريجي في استراتيجية التصعيد
تتبنى طهران منذ بداية المواجهات مع “إسرائيل” استراتيجية عسكرية متأرجحة بين التصعيد والتهدئة، حيث بدأت يومها الأول بزخم مكثف بلغ نحو أكثر من 200 صاروخ ومسيرة تم إطلاقها على دفعات في ليلة واحدة، ثم سرعان ما تراجع هذا الزخم بتقليل مستوى الرشقات الصاروخية في الأيام التالية، حيث تباينت بين 50 – 30 – 20 صاروخًا على مدار الأيام التالية، وصولا إلى العملية الأخيرة والتي شهدت إطلاق نحو 30 صاروخًا مع احتمالية توجيه ضربات إضافية على مدار اليوم.
وبات واضحًا أن التنوع في تلك الاستراتيجية مرهون بالأهداف التي تسعى طهران لتحقيقها، حيث كان الهدف في اليوم الأول إحداث حالة من الارتباك والفوضى وإثارة القلق والرعب في صفوف الإسرائيليين، ودفع الملايين نحو الملاجئ، وإجبار السلطة الإسرائيلية نحو إعلان حالة الطوارئ القصوى واستنزاف مواردها في التجييش العسكري، وذلك من خلال الاعتماد على سياسة الكم، صواريخ كروز وباليستية ومسيرات.
وما أن تحقق هذا الهدف، انتقلت طهران إلى المرحلة الثانية حيث الاستهداف النوعي والدقيق لمواقع استراتيجية ذات قيمة عسكرية وأمنية لوجستية، وذلك عبر صواريخ أكثر قوة وأعلى تقنية وأقوى تدميرًا، وهي الصواريخ الفرط صوتية التي لا يمكن لأنظمة الدفاعات الجوية الإسرائيلية اسقاطها.
أبرزها “خرمشهر” و”سجيل” و”قاسم” و”عماد” و”فتاح” و”زلزال” والتي تتراوح سرعتها ما بين 11 ماخ و15 و16 ماخ، والتي تبلغ سرعتها 15 ألف كيلومتر في الساعة، فيما تصل مداها لنحو 1400 كيلومتر، وتتجاوز حمولتها 4600 كيلوغرام ورأسها الحربي ألف كيلوغرام، ولها قدرات معتبرة في اختراق الدروع الدفاعية الصاروخية، وتحقيق إصابات مباشرة في المباني المحصنة خرسانيًا.
وتبرهن طهران من خلال تلك الاستراتيجية نسف القراءات والتقديرات الإسرائيلية الأمريكية بشأن تراجع الزخم الصاروخي اليومي منذ بداية المواجهة، وما يحمله ذلك من دلالات على تآكل القدرات الإيرانية واقتراب إلقائها بالمنديل الأبيض، مؤكدة على أن المسألة غير مرتبطة بالعدد قدر ماهي مرتبطة بالتأثير والهدف المنشود.
وفي تعليقه على هذه الضربة قال الحرس الثوري الإيراني إنه طالما حذر من كل أجواء الأراضي المحتلة باتت مكشوفة ولا وجود لأي مكان آمن فيها، مضيفا أن منظمات إسرائيل الصاروخية والدفاعات الجوية باتت غير جدوى، وأن جسد الكيان لم يعد قادرًا على تحميل الضربات الاقتصادية المقبلة.
ويحمل هذا الهجوم ردا قويا على دعوات الاستسلام التي وجهت لإيران مؤخرا، فيما يبدو أن طهران أدخلت تقنيات جديدة تزيد من فشل منظومات الرادار في رصد هذه الصواريخ، وبحسب محللين فنحن أمام نوع جديد غير معروف من الصواريخ يمكنه إعماء منظومات الدفاع، لافتين أن الأهداف التي تم ضربها، ومنها مستشفى الوحدة العسكرية في مدينة بئر السبع ومبنى البورصة الإسرائيلية، اختيرت بدقة كبيرة لكي تؤكد أن كافة الأهداف الأمنية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية باتت تحت النار.
وبعيدًا عن التأثير المباشر لتلك الضربات فإن استهداف المؤسسات النوعية سيعزز بشكل أو بأخر عدم استقرار الداخل الإسرائيلي، وسيزيد من مأزق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي بات مطالبا بتقديم إجابات عن الطريقة التي استعد بها لحماية شعبه قبل أن يدخل حربا مع إيران، التي تهيمن بصورة واضحة على سماء “إسرائيل” وتدفع الملايين من سكانها للاختباء داخل الملاجئ بالأيام.
تعجيل التدخل الأمريكي
التصعيد الإيراني الأخير وحجم الخسائر التي لحقت بالكيان الإسرائيلي قد يكون من شأنه أن يدفع ترامب إلى التعجيل بقرار الدخول رسميًا في الحرب ومشاركة طيران الاحتلال في استهداف المواقع الإيرانية الموضوعة على بنك أهداف تل أبيب وواشنطن معًا وعلى رأسها المفاعلات النووية، وذلك في ضوء عدد من المحفزات:
– خطاب المظلومية الذي تتبناه دولة الاحتلال والذي اتضح جليًا في حالة البكاء والعويل والتضخيم من عملية استهداف مستشفى سوروكا، وتسليط الضوء على حجم الدمار الذي خلفه هذا الاستهداف عكس المتعارف عليه من تعتيم إعلامي ممنهج منذ بداية الحرب، وهو ما يزيد من الضغوط المفروضة على اللوبي الصهيوني في واشنطن ومن ثم الضغوط المحتمل فرضها على ترامب.
إسرائيل تستنهض العالم وتصرخ : لقد ضربت إيران مستشفي صروكا بمنطقة بئر سبع ، وتعتبر أن ذلك عمل ضد الإنسانيه ، وهنا أود أن أذكّر بالآتي
– إسرائيل التي تتباكي ، هي التي دمرت المستشفيات المدنيه في غزه علي المرضي والمصابين
– هي التي قتلت المصابين بعد أن منعت عنهم الدواء والكهرباء
– هي…— مصطفى بكري (@BakryMP) June 19, 2025
وبعيدًا عن السخرية المثارة بشأن تضخيم تل أبيب من عملية استهداف المستشفى ووصم الإيرانيين بالمستبدين والإرهابيين والحقيرين حسب وصف وزير الرياضة الإسرائيلي، حين يٌقارن ذلك بممارسات جيش الاحتلال في قطاع غزة، حيث استهداف أكثر من 34 مستشفى داخل قطاع غزة منذ بداية الحرب أسفرت عن ارتقاء الالاف من الشهداء، بعضهم قٌضي علي حرقًا، إلا أن الإسرائيلين يجيدون سردية المظلومية ويوظفونها جيدًا في استعطاف المجتمع الدولي واستدرار شفقة الحلفاء.
– القلق من هزيمة الحليف الإسرائيلي ورمزيته كممثل للمعسكر الغربي، خاصة بعد الحديث عن تراجع قدراته التسليحية، لاسيما الصواريخ المضادة والكلفة الباهظة للحرب يوميًا، فيما تشير التقديرات بأن الحرب مع إيران ستكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 28 مليار دولار.
– خشية ترامب من تداعيات فشل تركيع إيران وحسم ملف برنامجها النووي على شعبيته داخليًا، ومستقبل الدعم الذي يحصل عليه من اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، والتيار الداعم لإسرائيل داخل الحزب الجمهوري، وهي السقطة التي ربما يوظفها الديمقراطيون مستقبلا.
أثار هذا الهجوم الاستثنائي حفيظة الإسرائيليين، حيث تبنى المستوى الأول من القيادة الإسرائيلية خطابًا تهديديًا لطهران، بدأه الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي قال إن “ما حدث اليوم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية ولن يردعنا عما نقوم به”، فيما وجه وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس لتصعيد الهجمات على أهداف استراتيجية في إيران.
لافتا أن المرشد الإيراني، على خامنئي يريد تدمير “إسرائيل” ويجب ألا يظل على قيد الحياة، مؤكدًا أنه “لا مفاوضات مع المستبدين”، فيما اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إيران بتعمد استهداف المدنيين وارتكاب جرائم حرب، لافتا أنه لا خطوط حمراء لدى النظام الإيراني وهو ما يتطلب ردًا حازمًا لإزالة كافة التهديدات الإيرانية.
وكان جيش الاحتلال قد أعلن عن قصفه الليلة الماضية مفاعل آراك النووي، أحد أهم المفاعلات النووية في إيران، بجانب استهداف موقعا في مفاعل “نطنز” الذي يستخدم لتطوير أسلحة نووية، والذي يحتوي على معدات متطورة تسهم في تسريع البرنامج النووي الإيراني، بجانب قصف مواقع صناعية عسكرية تابعة للنظام الإيراني شملت مصانع مواد أولية وأجزاء صواريخ باليستية، وأنظمة دفاع جوي ومواقع تخزين صواريخ رادارات ووسائل استشعار تابعة للنظام الإيراني، وفق ما ذكر الجيش الإسرائيلي.
واشنطن وإعادة تقييم المشهد
على الجانب الأخر، هناك من يرى أن التصعيد الإيراني بهذه القوة وهذا الزخم بعد كل الضربات التي تلقتها طهران على مدار الأيام الخمسة الماضية، تبعث برسالة مباشرة لواشنطن ولجميع حلفائها بأنها لا تزال صامدة ولديها القدرة على البقاء على خارطة المواجهة، وأن خطاب الاستسلام الأمريكي لم يؤت ثماره وعليه ربما يكون ذلك دافعًا لإدارة ترامب لإعادة تقييم المشهد مرة أخرى وإرجاء القرار، في ضوء عدد من المؤشرات:
– تولي الحرس الثوري الإيراني قيادة المشهد بشكل رسمي بعدما أثير بشأن تخلي المرشد عن بعض صلاحياته للهيئة العليا لهذا الفصيل ذو العقلية العنيدة والمتشددة والتي لا تقبل الموائمات ولا المقاربات، وما يبعث ذلك برسالة واضحة من الإصرار على المضي قدما في سياق التصعيد حتى أخر رصاصة، الموت أو الانتصار.
– حالة الانقسام التي تخيم على الأجواء داخل البيت الأبيض وتحول دون حسم ترامب لقراره من المشاركة من عدمها، حيث بدأ مشرعون جمهوريون وديمقراطيون التحرك للحد من قدرة الرئيس على شن حرب بالشرق الأوسط، فيما ذهب أخرون إلى أنه مخالف للدستور الذي يتطلب تصديق البرلمان قبل المشاركة في حرب خارج الحدود وضد دولة لم تعتد على أهداف أمريكية.
ومنذ اليوم الأول لتلك المواجهة يواجه ترامب ضغوطًا شديدة من جناحين متناقضين داخل حزبه، الأول وهو الجناح المتشدد الداعم لنتنياهو والصهيونية بشدة، والذي يدفع باتجاه الانخراط الفعلي في الحرب وتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، أما الجناح الثاني وهو التيار البرغماتي الذي يمثله تاكر كارلسون وستيف بانون، والذي يرى أن المعركة ليست أمريكية ويدعو إلى ترك الإسرائيليين يقاتلون في حربهم بأنفسهم.
– التحذيرات الإقليمية من مغبة انخراط واشنطن المباشر في تلك الحرب، حيث حذرت روسيا رسميًا من التدخل الأميركي بين إيران وإسرائيل، لافتة إلى أن هذا التدخل سيشكل دوامة تصعيد رهيبة، فيما أكدت موسكو على شراكتها مع طهران وفي ذات الوقت علاقات الثقة مع تل أبيب، كما حذرت بكين من تداعيات هذا التصعيد على الاستقرار والأمن الدوليين، مطالبة الجميع باللجوء إلى الحل الدبلوماسي قبل تجاوز الخطوط الحمراء.
– القلق من رد فعل طهران حال الانخراط مباشرة في الحرب، فبحسب ما أفاد مسؤولون أمريكيون مقربون من دوائر صنع القرار، ومطلعون على تقارير استخباراتية ذات موثوقية مرتفعة، فإن إيران جهزت صواريخ ومعدات عسكرية أخرى لتنفيذ ضربات على القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، في حال انضمت الولايات المتحدة إلى الحرب التي تشنّها إسرائيل ضد إيران، وفق ما ذكرت “نيويورك تايمز“.
الصحيفة تقول إن الحرس الثوري الإيراني بدأ فعليًا في حشد أذرعه في المناطق ذات النفوذ الإيراني سواء في العراق أو اليمن أو لبنان، للاستعداد للخطة البديلة حال شنت أمريكا هجومها المتوقع على المنشآت النووية الإيرانية، وأنه في حال شنّت واشنطن هجومًا على منشأة فوردو النووية الإيرانية الرئيسية، فإن ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا ستستأنف على الأرجح هجماتها على السفن في البحر الأحمر، كما يُرجّح أن تحاول الميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا مهاجمة القواعد الأمريكية هناك، وهناك احتمالية أن يلجأ الحرس الثوري الإيراني إلى زرع الألغام في مضيق هرمز في حال وقوع هجوم، في محاولة لمحاصرة السفن الحربية الأمريكية داخل الخليج.
ومما يعكس حالة الارتباك والحيرة الأمريكية تحريك الجيش الأمريكي بعض الطائرات والسفن من قواعد في الشرق الأوسط قد تكون عرضة لأي هجوم إيراني محتمل، بحسب ما ذكرت وكالة “رويترز” التي نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهما إن هذه الخطوة جزء من مخطط لحماية القوات الأميركية.
وأضاف المسؤولان اللذان رفضا ذكر اسمهما أنه تم نقل سفن للبحرية الأميركية من ميناء في البحرين حيث يوجد الأسطول الخامس للجيش الأميركي، بينما نُقلت طائرات لم تكن في ملاجئ محصنة من قاعدة العديد الجوية في قطر، وأضافا “هذه ليست ممارسة غير مألوفة، حماية القوات هي الأولوية”.
يأت ذلك في سياق سيولة عسكرية تشهدها التحركات الأمريكية في الشرق الأوسط، وكانت “رويترز” قد أفادت في وقت سابق بنقل عدد كبير من طائرات التزويد بالوقود إلى أوروبا وأصول عسكرية أخرى إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك نشر المزيد من الطائرات المقاتلة. كما تتجه حاملة طائرات من منطقة المحيطين الهندي والهادي إلى الشرق الأوسط.
يذكر أن هناك ما يقرب من 18 قاعدة وموقعًا عسكريًا أمريكيًا في الشرق الأوسط، أبرزها تلك القواعد الدائمة في البحرين والعراق والأردن والكويت وقطر والإمارات والسعودية، ويقدر أعداد الجنود الأمريكيين بها بنحو 30 ألف جندي، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى ارتفاع هذا العدد عقب التوترات في البحر الأحمر، ليصل إلى 40 ألف جندي منذ أكتوبر/ تشرين 2024، بينما أشارت تقارير أخرى إلى أن الأعداد ارتفعت حاليا إلى نحو 50 ألف جندي أميركي بمن في ذلك الأفراد المتمركزون في القواعد الكبيرة الدائمة أو المواقع الأمامية الصغيرة في جميع الأنحاء بالمنطقة.
احتمالات الذهاب لطاولة المفاوضات
بينما تذهب معظم المؤشرات وفق التطورات الأخيرة إلى صعوبة العودة إلى طاولة المفاوضات، على الأقل في القريب العاجل، هناك رأي أخر يغرد بعيدًا عن هذه السردية، حيث يميل إلى أن وصول التصعيد إلى هذه المرحلة التي اتضح فيها وبنسبة كبيرة رفض طهران للاستسلام والإصرار على المواجهة حتى لو كان مصيرها ذات الذي لاقته أذرعها في لبنان وسوريا، قد يقود في النهاية إلى إجبار الجميع على الذهاب، خيارًا أو قهرًا، إلى مائدة التباحث والتفاهم، وإن كان هذا السيناريو هو الأضعف حاليًا.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نقلت عن مسؤول إيراني وصفته برفيع المستوى، قوله إن إيران ستقبل عرض ترامب لعقد لقاء قريباً، وأن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيقبل بمثل هذا الاجتماع لمناقشة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، على الرغم من رفض المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي للفكرة.
وفي ذات السياق قال ترامب إن طهران أعربت عن رغبتها في عقد اجتماع مع واشنطن، مشيراً إلى أن بلاده “قد تقدم على ذلك”. موضحا أنه لم يتخذ بعد قراراً نهائياً بشأن الخطوات القادمة تجاه إيران، لكنه أعرب عن اعتقاده أنه “لا يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق مع إيران”
ضربة بضربة، ورسالة برسالة، وتصعيد بأخر، معركة تكسير عظام في انتظار من يصرخ أولا.. هذا ملخص المشهد الحالي بين إيران التي تهيمن على سماء إسرائيل، التي تسيطر هي الأخرى بدورها على سماء طهران، وسط حيرة أمريكية مقيدة بمقاربات واعتبارات وحسابات داخلية وخارجية، وتحذيرات دولية من مخاطر الانزلاق نحو حرب مفتوحة قد تتجاوز جغرافيا البلدين الضيقة، ارتباك يفتح الباب على كافة الاحتمالات، ويضع كل الخيارات على قدم المساواة، في انتظار أي منها سيقع عليه الاختيار.