ترجمة وتحرير: نون بوست
قال محللون ومسؤولون عرب لموقع “ميدل إيست آي” إن دول الخليج ترى طرفين خاسرين في الصراع بين إسرائيل وإيران.
فبعد أن نجت دول الخليج من الأعمال العدائية دون أضرار تذكر، أصبح قادة الخليج الغني بالطاقة الآن في وضع يسمح لهم بالاستفادة من المزايا النسبية التي تمتعت بها إسرائيل والجمهورية الإسلامية.
شكلت مشاهد الدخان الذي يتصاعد من طهران تغييرًا بالنسبة للقادة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين كانوا قبل بضع سنوات فقط يتصدون للطائرات المسيرة والصواريخ التي تطلق عليهم من حلفاء إيران، الحوثيين في اليمن.
استغلت الطائرات الحربية الإسرائيلية ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية، واغتيل جنرالات الحرس الثوري الإسلامي، ودُمرت منصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومصانع الأسلحة، وبلغت الحرب ذروتها بقصف الولايات المتحدة منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الإيرانية.
وهذا هو الجانب الذي يركز عليه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون في تفاعلاتهم مع الصراع، بحسب ما قاله ثلاثة مسؤولين عرب لموقع “ميدل إيست آي”.
ولكن للمرة الأولى منذ جيل كامل يتمكن الحكام العرب من رؤية كيف تواجه إسرائيل جيشًا تقليديًا.
توقف الزحف الإسرائيلي
قال أحد المسؤولين العرب في إحدى العواصم العربية الرائدة لموقع “ميدل إيست آي” في تقييمه لمجريات الحرب: “لقد أظهر الإسرائيليون روحًا قوية في دعم جيشهم… كانوا شجعانًا. إلا أن الجبهة الداخلية في إسرائيل لم تستطع تحمل أكثر من أسبوعين من الضربات الصاروخية”.
وتحدث موقع “ميدل إيست آي” مع مسؤولين يمثلون ثلاث عواصم عربية لإعداد هذا المقال، وقال جميعهم إن التقييم في أروقة السلطة في بلدانهم هو أن إسرائيل هي أول من أبدت استعدادها لوقف إطلاق النار أولًا بعد أن استنفدت قائمة أهدافها العسكرية ورأت أن الجمهورية الإسلامية لا تتجه نحو الانهيار.
وقال بدر السيف، الأستاذ في جامعة الكويت، لموقع “ميدل إيست آي”: “كان بنيامين نتنياهو في صعود حتى الآن. بالطبع، أظهرت إسرائيل تفوقًا عسكريًا على سماء إيران. لكن إيران أوقفت التعديات الإسرائيلية وردّت عليها. لقد تحطمت صورة إسرائيل التي لا تُقهر بدفاع جوي لا تشوبه شائبة”.
يقول الخبراء إن إدراك هشاشة إسرائيل أمرٌ مهم لفهم كيفية تعامل حلفاء الولايات المتحدة العرب مع إسرائيل مستقبلًا؛ فقد يمنحهم ذلك نفوذًا أكبر على إسرائيل، بما في ذلك الدول التي طبّعت العلاقات معها عام 2020 بموجب اتفاقيات إبراهيم.
وقال المسؤولون العرب لموقع “ميدل إيست آي” إن الأمر نفسه ينطبق على طهران؛ حيث يتوقعون أن يعرض قادة الخليج استثمارات على طهران، ولا يستبعدون زيارات رفيعة المستوى في الأشهر المقبلة.
في أبريل/ نيسان الماضي، زار وزير الدفاع السعودي وشقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طهران.
ورغم تصريحه بأن البرنامج النووي الإيراني قد “فُجّر بالكامل”، يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته ستستأنف المحادثات مع إيران، وتقول إيران إن برنامجها النووي “تضرر بشدة”.
وعلى أي حال، دعمت دول الخليج المحادثات النووية، وقد يزداد نفوذها في طهران أكثر الآن، بحسب ما قاله مسؤولون عرب لموقع “ميدل إيست آي”.
وقال دبلوماسي عربي لموقع “ميدل إيست آي”: “يحظى الخليج بأذن صاغية في واشنطن. في نهاية المطاف، يبقى هذا هو النفوذ الهائل الذي تتمتع به مع إيران، الاتصال بترامب في منتصف الليل ورده على الهاتف”.
وأبرمت الإمارات وقطر والسعودية صفقات بمئات المليارات من الدولارات مع الولايات المتحدة خلال زيارة ترامب للمنطقة في مايو/ أيار الماضي. في ذلك الوقت، بدا أنهم حصلوا على تنازلات؛ فقد كشف موقع “ميدل إيست آي” أن ترامب أوقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين في اليمن بضغط من السعودية، كما رفع العقوبات عن سوريا.
لم تتمكن دول الخليج من وقف هجوم إسرائيل على إيران، مما جعل الأمر يبدو محفوفًا بالمخاطر.
على الرغم من اختلاف أولويات الإمارات والسعودية وقطر، إلا أن الخبراء يقولون إن أيًا منهم لم يرغب في رؤية الولايات المتحدة تنضم مباشرةً إلى الهجوم الإسرائيلي.
في النهاية، وصف جميع المسؤولين العرب الذين تحدثوا إلى موقع “ميدل إيست آي” الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية بأنها “محدودة” أو “ضئيلة”.
وأفاد موقع “ميدل إيست آي” أن الضربة الانتقامية الإيرانية على قاعدة العديد العسكرية في قطر تم تنسيقها مسبقًا مع دول الخليج.
وقال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط في شركة إيدلمان للشؤون العامة والحكومية، لموقع ميدل إيست آي: “لقد رفعت هذه الأزمة من مكانة قيادة دول الخليج”.
وأضاف: “لقد تمكنوا من لعب دور دبلوماسي خلف الكواليس وتجنب أي هجوم كبير على أراضيهم، وعززوا تعاونهم ليشمل دولًا رئيسية في المنطقة الأوسع، وخاصة إيران وتركيا وإسرائيل”.
تعاطف مع إيران؟
لسنوات، حاولت الولايات المتحدة تجنيد دول الخليج في تحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران.
وكان هذا الطرح جذابًا عندما كان حزب الله يسيطر على لبنان، وبشار الأسد يحكم سوريا، والحوثيون يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية، وبلغ ذروته قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل، عندما حاولت القيادة المركزية الأمريكية إنشاء “ناتو شرق أوسطي” يربط إسرائيل بدول الخليج والدفاع الجوي المصري.
ولكن عندما وقعت المواجهة بين إسرائيل وإيران، ضغط حلفاء الولايات المتحدة العرب على ترامب لوقف الحرب بدلًا من الانضمام إلى الهجوم الإسرائيلي.
تبادلت إسرائيل وإيران إطلاق النار المباشر مرتين في عام 2024، وتلقت الولايات المتحدة بعض الدعم السعودي والقطري للدفاع عن إسرائيل العام الماضي/ لكن إيران هي من خططت لإطلاق صواريخها آنذاك.
كانت هذه الجولة أول معركة مفتوحة بينهما؛ حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية طهران، بينما قصفت إيران مدنًا رئيسية مثل تل أبيب وحيفا.
وأدانت قطر والإمارات والسعودية الهجوم الإسرائيلي على إيران، وحافظت قطر بالأخص على علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تقاسمهما أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.
لكن هذا الصراع شهد ضغطًا علنيًا وسريًا من الإمارات والسعودية من أجل وقف إطلاق النار، وفقًا لما ذكره مسؤولان عربيان لموقع “ميدل إيست آي”.
وقال باتريك ثيروس، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي شغل منصب السفير الأمريكي لدى قطر والمسؤول رفيع المستوى في الإمارات، لموقع “ميدل إيست آي”: “ربما لم يتوقع المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مدى جدية دول الخليج في خفض التصعيد، إنهم يدركون ذلك الآن. والسعودية على رأس تلك القائمة”.
وأضاف ثيروس: “في الوقت الحالي، هناك تعاطف مع إيران أكثر من أي وقت مضى حتى بين الطبقات الحاكمة، بما في ذلك في السعودية”.
في وقت ليس ببعيد، ربما كانت إسرائيل قادرة على إقناع المملكة بالانضمام إلى هجومها. في عام 2018، قارن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بهتلر وقال إنه يحاول “غزو العالم”.
ثم تورطت السعودية في قتال حلفاء إيران في اليمن. وفي عام 2019، تعرضت منشأتان نفطيتان سعوديتان رئيسيتان للهجوم. في ذلك الوقت، تجاهل الرئيس ترامب الهجوم الذي كان مصدره إيران. وفي السنوات التالية، تحركت السعودية لإصلاح العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
وفي عام 2023، توسطت الصين للتقارب بين الرياض وطهران، وقد صب هذا التقارب في صالح الجميع خلال الحرب؛ فقد ظل مضيق هرمز، الذي تعتمد عليه الصين في شحنات نفطها، مفتوحًا، وارتفعت صادرات النفط الإيرانية رغم الهجمات الإسرائيلية، وعادت منشآت النفط السعودية آمنة مرة أخرى.
وقال سيف، من جامعة الكويت، لموقع “ميدل إيست آي”: “لم يعد الخليج كما كان في عام 2019، نحن [الخليج] نشعر بأننا على حق لأننا لم نشارك في الحرب”.
وقف إطلاق النار في غزة والتطبيع
ينصب التركيز الرئيسي لدول الخليج على تقليل اعتماد اقتصاداتها على عائدات النفط، وقد مضت السعودية قدمًا في إصلاحات اجتماعية متحررة، وتسعى إلى تنفيذ أجندة طموحة لرؤية 2030 تشمل السياحة الفاخرة في البحر الأحمر، وترغب كل من الرياض وأبوظبي في بناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي.
وقال ثيروس لموقع “ميدل إيست آي” إن أحد عناصر التغيير التي تم تجاهلها هو أن التوترات الطائفية التي تغذي التنافس بين السعودية وإيران في مناطق النفوذ مثل اليمن وسوريا قد انحسرت، في الوقت الذي يسعى فيه ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحديث الإصلاحات الاجتماعية.
وقال ثيروس: “الآن وبعد أن تخلى محمد بن سلمان عن الوهابية في المملكة، كُبح الخطاب الصادر عن رجال الدين حول الشيعة، وهذا يُصعّب على إسرائيل أن تستقطب السعودية.“
بل إن الرأي العام في الخليج أصبح أكثر سلبية تجاه إسرائيل بسبب حربها على غزة، حيث قُتل أكثر من 56 ألف فلسطيني؛ فقد كشف استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في الأشهر الأولى من الحرب على غزة أن 96 بالمئة من الناس في السعودية يعارضون التطبيع مع إسرائيل.
وقد أشار ترامب يوم الأربعاء إلى أنه يريد أن يمتد وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران إلى غزة، حيث قال إنه “يتم إحراز تقدم كبير” لإنهاء الحرب.
ويعد إنهاء هذا الصراع شرطًا أساسيًا لأي حديث عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وقد امتنع ترامب، تحت ضغط سعودي، عن الضغط على المملكة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل خلال زيارته للرياض في مايو/ أيار، لكنه قال للسعودية: “ستشرفونني كثيرًا” بالقيام بذلك.
وتقول السعودية إنها بحاجة إلى رؤية إسرائيل تتخذ خطوات لا رجعة فيها نحو إقامة دولة فلسطينية لتطبيع العلاقات، ويقول دبلوماسيون إن الثمن الذي ستطلبه السعودية بعد الحرب بين إسرائيل وإيران سيرتفع.
وقال أحد المسؤولين العرب لموقع “ميدل إيست آي”: “السعودية لديها إدراك جيد جدًا لاتجاهات الشارع العربي، لذا فإنها سوف تصر على شيء جدي”.
المصدر: ميدل إيست آي