منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السوري السابق، في 8 من ديسمبر/كانون الأول 2024، تصدّرت مسألة التحول من عقلية الثورة إلى عقلية بناء الدولة والقانون تصريحاتِ الإدارة السورية الجديدة، وأكد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عدة مراتٍ أن البلاد تحتاج إلى تأسيس دولةٍ تقوم على القانون والمؤسسات لضمان استقرارٍ مستدام.
وشدّد الشرع على ضرورة نقل العقلية من العمل الثوري إلى بناء الدولة، معتبرًا أن مستقبل سوريا يعتمد على إرساء أسس الحوكمة والعدالة، كما قال إن “سوريا دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع”، وذلك عقب اشتباكاتٍ في الساحل السوري، بين عناصر من وزارة الدفاع وفلول النظام السابق، في مارس/آذار الماضي.
هذه التأكيدات على بناء “دولة القانون” سبقت الإعلان الدستوري في سوريا، الذي صادق عليه أحمد الشرع، في 13 من مارس/آذار، لكن “الإعلان” تعرّض لعدة مخالفاتٍ وتجاوزاتٍ أثارت جدلًا حول جدية الالتزام بمضامينه.
الإعلان الدستوري الذي يتكوَّن من 53 مادة، ويُحدِّد مدة المرحلة الانتقالية للبلاد بـ5 سنوات، اعتبره الشرع أنه “تاريخٌ جديد لسوريا”، لكن انتقاداتٌ طالته من منظمات حقوقية وإنسانية بأنه يمنح صلاحياتٍ واسعة للرئيس، ويُركِّز الحكم في يد السلطة التنفيذية، وقد يُقوِّض استقلالية القضاء.
يرصد “نون بوست” في هذا التقرير أبرز مخالفات الإعلان الدستوري، وأبعادها القانونية والسياسية، ويستعرض آراء خبراء وقانونيين حول تأثيرها على سيادة القانون، وعلى ثقة الجمهور بالعملية السياسية في سوريا.
مرسومان مثار جدل
في 9 من يوليو/تموز 2025، أصدر الشرع مرسومَين، الأول رقم “113” نصّ على إحداث صندوقٍ سيادي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ونصّ المرسوم الثاني رقم “114” على تعديل قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021.
قانونيون وحقوقيون انتقدوا إصدار المرسومَين، معتبرين أنهما يُخالفان الإعلان الدستوري، لأن الرئيس محظورٌ عليه سنّ القوانين والتشريعات.
تعقيبًا على مرسوم تعديل قانون الاستثمار، قال المحامي ميشال شماس إن المرسوم يُخالف الإعلان الدستوري، إذ يحظر الإعلان الدستوري على الرئيس سنّ قوانين أو تشريعات، ويعتبر المرسوم “باطلًا مطلقًا”.
واعتبر الحقوقي والباحث محمد صبرا، في منشورٍ له، أن صدور المرسوم ليس مجرد خطأ قانوني يمكن تلافيه أو تجاوزه، بل هو تعبيرٌ فجّ عن عدم الإيمان بمبدأ سيادة القانون، والتي يُمثّلها الآن الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية.
وبغضّ النظر عن مضمون المرسوم، فإنه لا يجوز للرئيس إصدار تشريعات أو تعديل تشريعات، لأن الإعلان الدستوري حرّمه من هذه السلطة، وفق صبرا.
وذكر الحقوقي أنها ليست المرة الأولى لانتهاك الإعلان الدستوري وهدم مبدأ سيادة القانون، معتبرًا أنها مؤشراتٌ بالغة الخطورة للمسار الذي تسير فيه الدولة في المرحلة الانتقالية، والتي تحتاج بشكلٍ أكثر إلحاحًا إلى ضرورة احترام القوانين والنصوص التي أقرّتها السلطة التنفيذية نفسها.
الدكتور في الاقتصاد، كرم شعّار، اعتبر أن مرسوم إحداث الصندوق السيادي يسمح للرئاسة التصرّف بممتلكات القطاع العام والاستثمار بمعزلٍ عن الوزارات أو السلطة التشريعية، قائلًا إن عدم خضوع الصندوق للمساءلة من أحد، وعرض تقاريره المالية على الرئاسة فقط، يُعدّ أمرًا غير مفهومٍ وغير منصفٍ للسوريين.
وتنصّ المادة “26” من الإعلان الدستوري على أن يتولّى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستورٍ دائم، وإجراء انتخاباتٍ تشريعية جديدة وفقًا له.
وتنصّ المادة “30” على أن يتولّى مجلس الشعب المهام التالية:
-
اقتراح القوانين وإقرارها.
-
تعديل أو إلغاء القوانين السابقة.
-
المصادقة على المعاهدات الدولية.
-
إقرار الموازنة العامة للدولة.
-
إقرار العفو العام.
-
قبول استقالة أحد أعضائه أو رفضها أو رفع الحصانة عنه وفقًا لنظامه الداخلي.
-
عقد جلسات استماعٍ للوزراء.
ويتّخذ مجلس الشعب قراراته بالأغلبية.
كما تنصّ المادة “31” على أن يُمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن الحدود المنصوص عليها في الإعلان الدستوري، وتنصّ المادة “36” على أن يُصدر رئيس الجمهورية اللوائح التنفيذية والتنظيمية ولوائح الضبط والأوامر والقرارات الرئاسية وفقًا للقوانين.
لا قانون لإطلاق الهوية البصرية
أثار إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا، في 3 من يوليو/تموز 2025، انتقاداتٍ حول شرعية الخطوة وقانونيتها، على اعتبار أنها تُخالف المادة الخامسة من الإعلان الدستوري، والتي تنصّ على أن “دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية، ويُحدَّد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون”.
وجرى الإعلان عن الهوية بحضور الرئيس ووزراء ومسؤولين في قصر الشعب بدمشق، واعتبر الشرع أن الهوية البصرية تُعبّر عن بناء الإنسان السوري، وعن سوريا الواحدة الموحدة، وتُرمّم الهوية السورية.
عضو اللجنة المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري، والدكتور في القانون العام، أحمد قربي، انتقد إطلاق الهوية البصرية لأن هناك “تعدِّيًا من قبل السلطة التنفيذية على اختصاص السلطة التشريعية”، لافتًا إلى ضرورة التراجع عنه من خلال التريث في إقرار الهوية، وترك الأمر للمجلس التشريعي المقبل، مُذكِّرًا بالمادة الخامسة من الإعلان الدستوري بأن “شعار الدولة يُحدَّد بقانون”.
واعتبر المحامي ميشال شماس أن ليس من صلاحية الحكومة الانتقالية صياغة هوية بصرية أو شعارٍ للدولة السورية، إنما من مهام مجلسٍ تشريعيٍّ منتخبٍ من الشعب، فضلًا عن أن الأمر يُخالف الإعلان الدستوري.
“عدم الدستورية”
الدكتور في القانون العام، أحمد قربي، قال لـ”نون بوست” إن أي قرارٍ أو قانونٍ يُخالف نصًّا قانونيًّا أعلى منه درجة يُوصَف بـ”عدم الدستورية”، فمثلًا، في الحالة السورية، حين يوجد مرسوم أو قرارٌ رئاسي يُخالف الإعلان الدستوري، فإن القرار يُوصَف بـ”عدم الدستورية”، وبالتالي فإن الأثر المُترتب عليه هو أن يكون “الإلغاء أو البُطلان”.
وأضاف قربي أن الجهة الموكلة عادةً في هذا الإجراء هي المحكمة الدستورية العليا (الجهة المختصة بالتأكُّد من دستورية القرارات والقوانين)، وإذا كانت غير موجودة، فيمكن لمجلس الدولة أو محكمة النقض، وهي أعلى الجهات القضائية، أن تُعلن عدم دستورية هذا القرار في حال وصل الأمر إليها.
وباعتبار أن القرار المتعلِّق بالهوية البصرية في سوريا “إداري”، فيُوكَل لمجلس الدولة، وبالتالي يمكن لمجلس الدولة أن يُعلن عدم مشروعية قرار رئيس الجمهورية باعتماد الهوية البصرية الجديدة للدولة، لأن الأمر من اختصاص البرلمان.
ويعتقد قربي أن إصرار الرئاسة على إصدار الهوية البصرية واعتمادها، يُؤكِّد على قضيةٍ مهمةٍ جدًّا، وهي عدم تقيد السلطة بدولة القانون، وتَعني “دولة القانون” أن تسير الدولة على قوانين وتشريعات، وليس على أهواء وقراراتٍ فردية أو اعتباطية غير صادرة من مؤسسات، وتُراعي التخصص، وتحترم فصل السلطات.
ولا يختلف الأمر سواء تكرّرت مخالفة الإعلان الدستوري أو كانت لمرةٍ واحدة، فطالما أن الرئاسة تعلم أن الأمر مخالفٌ للإعلان الدستوري، فكان من الأفضل التراجع عن القرار، وتأجيل إعلان الهوية البصرية، وتركها إلى بعد الاعتماد من قبل المجلس التشريعي، وفق قربي.
“تحصين قرارات من رقابة القضاء”
من القضايا التي اعتبرها قانونيون أنها تحمل مخالفةً للإعلان الدستوري، عدم فتح باب الطعن أمام المواطنين على اختيار أعضاء اللجان الفرعية لانتخابات مجلس الشعب، ما يعني تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات من أي رقابة، وهو أمرٌ يُخالف المادة “17” من الإعلان الدستوري.
وتشمل المادة “17” ثلاثة بنود، هي: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ وحق التقاضي والدفاع وسلوك سبل الطعن مصونٌ بالقانون، ويُحظر النصّ في القوانين على تحصين أي عمل أو قرارٍ إداريٍّ من رقابة القضاء، والمتهم بريء حتى تُثبَت إدانته بحكمٍ قضائيٍّ مُبرَم”.
وتشكّلت اللجنة العليا للانتخابات بمرسومٍ رئاسيٍّ صدر في 13 من يونيو/حزيران 2025، وعليها أن تُصدر قرارَين على مستوى كل محافظة، وفق ما قاله رئيس اللجنة، محمد طه الأحمد، وهما:
-
تشكيل لجانٍ فرعية، مهمتها اختيار الهيئة الناخبة وفق شروطٍ ومعايير يتمتع بها العضو، بما يتناسب مع عدد المناطق الإدارية لكل محافظة.
-
اقتراح من اللجنة العليا إلى وزير العدل لاقتراح أسماء وتعيين لجان طعون في المحافظات، مهمتها النظر في الطعون بحق أفراد الهيئة الناخبة.
المحامي والحقوقي عارف الشعّال قال عبر “فيس بوك” إن ما يُؤخذ على اللجنة العليا للانتخابات هو عدم فتح باب الطعن أمام المواطنين على اختيار أعضاء اللجان الفرعية نفسها، وبهذا التجاهل، فإن اللجنة العليا تُحصِّن قراراتها وانتخابها لأعضاء اللجان الفرعية من أي رقابةٍ مباشرة أو غير مباشرة.
وأضاف أن انتقاء أعضاء اللجان الفرعية أكثر حساسيةً من انتقاء الهيئة الناخبة، لأن الأولى تتمتّع بنفوذٍ أكبر، وقد تُقصي من تشاء دون معاييرَ موضوعيةٍ واضحة.
وذكّر الشعّال بأن المادة “17” من الإعلان الدستوري نصّت على عدم جواز تحصين أيّ عملٍ أو قرارٍ إداريٍّ من رقابة القضاء، معتبرًا أن إغفال اللجنة العليا حقَّ المواطنين في الطعن بقراراتها يُعدّ تحصينًا غير مباشرٍ لتلك القرارات.
ووفق الشعّال، ينبغي على اللجنة العليا للانتخابات، اتساقًا مع الإعلان الدستوري، أن تطلب من وزارة العدل تشكيل لجنةٍ قضائيةٍ عليا أو مركزية، تكون مرجعًا للنظر في الطعون المقدمة على قراراتها، منعًا لتحصينها.
تواصل موقع “نون بوست” مع المتحدث الإعلامي باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، الدكتور نوار نجمة، للحصول على تعليقٍ حول انتقادات مخالفة اللجنة للإعلان الدستوري في الجزئية المذكورة، ولم يتلقَّ ردًّا حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
“منح العفو والأمان”
في 10 من يونيو/حزيران 2025، خلقت تصريحات عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي في سوريا، حسن صوفان، موجةَ غضبٍ في أوساط السوريين، بعد تأكيده أن المتهم بتنفيذ جرائم حرب بحق المدنيين، “فادي صقر”، “مُنِح الأمان” من قبل القيادة السورية.
وذكر صوفان أن “العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام السابق، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفّذوا جرائمَ وانتهاكاتٍ جسيمة”، قائلًا إن هذه الإجراءات ليست بديلًا عن العدالة الانتقالية، وهي مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شُكّلت بمرسومٍ رئاسيٍّ.
لم يستند صوفان في حديثه إلى مهام لجنة السلم الأهلي، التي تشكّلت وفق قرارٍ صادرٍ من الرئيس السوري، أحمد الشرع، في 9 من مارس/آذار 2025، فهي مكلّفةٌ بثلاث مهامَّ رئيسيةٍ، هي التواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم، وتعزيز الوحدة الوطنية.
وكانت نقابة المحامين – فرع حمص من الكيانات التي انتقدت حديث صوفان، معتبرةً أن تصريحاته مخالفةٌ صريحةٌ للإعلان الدستوري في مادته الـ”49″، والتي جسّدت الحقَّ في إنصاف الضحايا، إذ أكدت النقابة على أن “أولياء الدم والضحايا هم من يقرّرون مصلحتهم، ولا يمكن سلبهم هذا الحق تحت أيّ ذريعة”.
وقالت النقابة إنها تعتبر مشاركةَ الضحايا في مسارات العدالة الانتقالية شرطًا رئيسيًّا لتحقيق العدالة، وإن قرار لجنة السلم الأهلي بالعفو عن “فادي صقر” غيرُ قانونيٍّ، وإطلاقُ سراحِ الضباط العسكريين يُشكّل توغُّلًا على اختصاص الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، ويُخالف أبسط المبادئ القانونية، إذ يجب أن يصدر قرارُ الإدانة أو البراءة من السلطة القضائية.
وتنصّ المادة “49” من الإعلان الدستوري على ثلاثة بنود، منها إحداث هيئةٍ لتحقيق العدالة الانتقالية، تعتمد آلياتٍ فاعلةً تشاوريةً، مرتكزةً على الضحايا، لتحديد سُبُلِ المساءلة، والحقّ في معرفةِ الحقيقة، وإنصافٍ للضحايا والناجين، إضافةً إلى تكريم الشهداء.
“رسائل سلبية سياسية وقانونية”
اعتبر عضو اللجنة المكلّفة بصياغة الإعلان الدستوري، أحمد قربي، أن مخالفة الإعلان الدستوري تُرسل رسائلَ سياسيةً وقانونيةً سلبية، أولها عدم احترامٍ لدولة القانون، وثانيها “الأثر السياسي الأهم” وهو تغوُّلُ مؤسسةِ الرئاسة على اختصاصات السلطة التشريعية.
ولفَت قربي، في حديثه لـ”نون بوست”، إلى ضرورة احترام مبدأَي دولة القانون وفصل السلطات، لأن غيابهما كان له ذكرى سلبية عند السوريين، ويُذكّر بممارسات نظام بشار الأسد وحكم البعث، مضيفًا أن تجاوز هذه السلبيات وخلقَ قطيعةٍ مع إرث ونهج الأسد يتطلّب نقلةً عبر تطبيق مبادئَ كان الأسد ينتهكها بشكلٍ دائم.
المحلل السياسي عبد الكريم العمر يرى أن المخالفات التي طالت الإعلان الدستوري لا تحمل أثرًا سياسيًّا “كبيرًا”، فالبلد تمرّ في مرحلةٍ انتقالية، ومن الطبيعي وجود بعض العثرات والأخطاء في مضامين المراسيم والتعيينات وغيرها.
ولفَت العمر إلى صعوبة المرحلة، معتبرًا أن وجود بعض المخالفات أمرٌ طبيعيٌّ ومُتوقَّع، فالبلد خارجٌ من أتونِ ثورةٍ وصراعٍ دام 14 عامًا، ومنقسمٌ ومُشتّت، وهناك تفاؤلٌ وتفاؤلٌ حذر، وانتقادٌ وخوفٌ وأملٌ كبيرٌ ببناء سوريا.
وقال العمر لـ”نون بوست” إن المخالفات لا يمكن أن تُغيّر ثقةَ الجمهور بالدولة أو القيادة الحالية، إنما تُشكّل المخالفاتُ أو بعضُ الأخطاء دعوةً وحافزًا لتصحيح مكامنِ الخطأ.
وأضاف أن الثقة بين المجتمع والدولة لا تهتزُّ إثر قرارٍ أو مرسومٍ خاطئ، إنما يوجد انتقادٌ إيجابيٌّ لهذه المخالفات، وتذكيرٌ بمواده وبنوده حتى لا يتم الذهاب في خطأٍ آخر في الإعلان الدستوري، ريثما تنتقل سوريا من الحالة الحالية التي تشوبها التوترات (منها اشتباكات الساحل ومواجهات السويداء).
ختامًا.. ٫رغم أن الإعلان الدستوري في سوريا شكّل خطوة أولى نحو إرساء قواعد الانتقال السياسي، إلا أن تكرار التجاوزات والمخالفات في تطبيقه يضع علامات استفهام حقيقية حول مدى التزام السلطة الجديدة بمبدأ سيادة القانون وفصل السلطات. لا تكمن خطورة هذه الانتهاكات في مضمونها فحسب، بل في دلالاتها السياسية والقانونية، إذ تُنذر بانزلاق تدريجي نحو نمط حكم مركزي يُعيد إنتاج ممارسات سابقة كانت سببًا في الانفجار الشعبي عام 2011.
في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ سوريا، يبدو الالتزام الصارم بالنصوص الدستورية، والاعتراف بخطأ التجاوز، شرطًا أساسيًا لترميم الثقة بين الدولة والمجتمع. فدولة القانون لا تُبنى بالخطابات وحدها، بل باحترام القواعد التي أُقرّت تحت عنوان “المرحلة الانتقالية”. وإذا كانت الثورة قد أسقطت حكم الفرد، فإن تجاهل الإعلان الدستوري يُمهّد لعودته من بوابة جديدة.