ترجمة وتحرير: نون بوست
رفعت منظمة حقوقية مقرها المملكة المتحدة دعوى في أرمينيا ضد رجل أعمال – يُعتقد أن له صلات بالإمارات العربية المتحدة – واتهمته بارتكاب جرائم حرب مرتبطة بمؤسسة غزّة الإنسانية.
وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة في بيان، إنها تقدمت بشكوى إلى النائب العام في أرمينيا تطالب بإجراء تحقيق عاجل مع ديفيد بابازيان، وهو مواطن أرميني يُقال إنه يرأس مجلس إدارة المؤسسة.
وفي عدة رسائل اطلعت عليها «ميدل إيست آي»، شددت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة على وجود “أدلة ووثائق ذات مصداقية” تُشير إلى احتمال تورط بابازيان أو تسهيله ممارسات تُصنّف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزّة.
وتعرضت المؤسسة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل لانتقادات واسعة بسبب آلية توزيع الغذاء التي يشرف عليها الجيش الإسرائيلي في غزّة المحاصرة، إذ اتهمتها منظمات مثل “أطباء بلا حدود” بتكريس “الجوع والتجريد من الإنسانية”.
وقد قُتل ما لا يقل عن 1800 فلسطيني، وأصيب أكثر من 13,500 آخرين، أثناء حصولهم على الطعام أو انتظارهم المساعدات في مواقع المؤسسة أو في طريقهم إلى مراكزها.
في عدة مناسبات، نفت مؤسسة غزّة الإنسانية وقوع أي قتلى في مواقعها، مؤكدة أن أرقام الأمم المتحدة حول عدد القتلى من بين طالبي المساعدات “غير صحيحة ومضللة”.
وجاء في الدعوى: “هذه الخسائر تثير مخاوف جدية بشأن الإطار التشغيلي للمؤسسة وإمكانية تورط قيادتها في تسهيل أو تمكين ممارسات تُعد جرائم بموجب القانون الدولي”.
وحسب الدعوى، فإن المؤسسة مسجلة في كل من ولاية ديلاوير الأمريكية وجنيف السويسرية. وذكرت شبكة “سي بي إس نيوز” في وقت سابق من هذا العام أن بابازيان مدرج في وثائق التسجيل السويسرية كأحد ثلاثة مديرين للمؤسسة.
وتزعم المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة أن بابازيان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة في سويسرا، وهو أيضًا عضو مؤسس في مجلس إدارة الكيان الأمريكي، وتضيف أن هذه الهياكل المزدوجة تشكل جزءًا من “نمط متعمد للإخفاء الإداري والاحتيال” لإخفاء عمليات اتخاذ القرار ومصادر التمويل.
الروابط التجارية مع الإمارات
لعب ديفيد بابازيان (43 عامًا) دورًا محوريًا في عدة مشاريع تجارية بالشرق الأوسط، وأسهم في تأسيس روابط تجارية بين أرمينيا والإمارات.
وبصفته الرئيس التنفيذي لصندوق المصالح الوطنية الأرميني في الفترة من 2019 حتى 2024، أبرم صفقات استثمارية كبرى، من بينها شراكة في مجال الطاقة الشمسية بقيمة 174 مليون دولار مع شركة “مصدر” للطاقة المتجددة الإماراتية.
وقد اعتُبر المشروع في حينه علامة فارقة في العلاقات بين أرمينيا والإمارات. ولم تتضمن شكوى المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة أي اتهامات بسوء السلوك المتعلق بهذه الصفقة، لكن علاقات بابازيان التجارية الدولية، وخصوصًا مع الإمارات، تعكس التأثير الذي جلبه معه إلى مؤسسة غزة الإنسانية والاتصالات التي من المحتمل أن يكون أقامها في أبوظبي، التي أصبحت حليفًا مهمًا لإسرائيل في السنوات الأخيرة.
في عام 2023، أعلن بابازيان في منشور: “يسعدني أن أعلن أن صندوق المصالح الوطنية الأرميني، يمكنه أيضًا اعتبار أبوظبي منزله الثاني بعد باريس”.
كما شغل بابازيان منصب رئيس مجلس إدارة شركة فلاي أرنا، شركة الطيران الوطنية الأرمينية التي أُغلقت لاحقًا. كان مقر الشركة في يريفان، وكانت مشروعًا مشتركًا بين العربية للطيران الإماراتية وصندوق المصالح الوطنية الأرميني. وتعمل العربية للطيران من مطار الشارقة الدولي.
في يناير/ كانون الثاني 2024، تم فصل بابازيان من منصبه في صندوق المصالح الوطنية الأرميني وسط مزاعم بسوء الإدارة. ووصف رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان لاحقًا أداء الصندوق بأنه “فشل” و”فضيحة”.
وفي مايو/ أيار 2024، بدأت فلاي أرنا إجراءات التصفية بعد موافقة الحكومة الأرمنية على حل الصندوق، أحد المساهمين المشتركين فيها.
وتزعم المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة أن بابازيان، من خلال منصبه في مؤسسة غزة الإنسانية، “لعب دورًا رئيسيًا في التصميم والاعتماد والإشراف على تنفيذ نموذج عملياتي لتوزيع المساعدات أدى إلى أضرار كبيرة بالمدنيين”.
وتشير المنظمة في ملفها القانوني إلى أن المؤسسة “تأسست لخدمة الأهداف الاستراتيجية للحرب كما حددتها الحكومة الإسرائيلية”، ما أدى إلى تقويض عمل وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.
وأضافت المنظمة: “منذ المراحل المبكرة للحرب على غزة، بدأ الاحتلال بشيطنة جهود الإغاثة الإنسانية… وقد أصبح واضحًا أن الهدف الأساسي كان تفكيك العمليات الإغاثية المستقلة”.
وتشير الدعوى إلى أن بابازيان كان “على دراية تامة” بتقارير الهيئات الأممية التي وثقت أعمال إبادة جماعية، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح، ومع ذلك استمر “سعيًا وراء مكاسب مالية قذرة”.

كشف تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس ونُشر في 3 يوليو/ تموز أن مقاولين أمريكيين يعملون تحت إشراف مؤسسة غزة الإنسانية استخدموا الذخيرة الحية وقنابل الصعق ورذاذ الفلفل ضد فلسطينيين يسعون للحصول على الطعام.
واستند التحقيق إلى شهود عيان وأدلة مصورة، بالإضافة إلى شهادات مقاولين وصفوا عمليات المؤسسة بأنها “شديدة الخطورة ودون رقابة”، وأنها تُدار بواسطة “حراس مدرّبين تدريبًا ضعيفًا ويتصرفون دون محاسبة”.
وفي وقت لاحق، كشف الضابط الأمريكي المتقاعد أنتوني أغيلار، الذي عمل في إحدى مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، في مقابلات صحفية، بأن القوات الإسرائيلية كانت مستعدة لإطلاق النار على الأطفال، وأنه شاهد جنودًا إسرائيليين ومقاولين عسكريين أمريكيين يطلقون النار على مدنيين فلسطينيين عزّل.
وفي شكواها، أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة أن جنسية ديفيد بابازيان تضعه ضمن الولاية القضائية الأرمينية بشأن الجرائم التي ارتكبها في الخارج، مشيرة إلى التزامات أرمينيا بموجب اتفاقيات جنيف، واتفاقية الإبادة الجماعية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي صادقت عليها أرمينيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وجاء في الدعوى: “سلوك السيد بابازيان… يستوفي شرط المشاركة القانونية ويجعله مسؤولًا جنائيًا بموجب القانون الأرميني والقانون الجنائي الدولي”.
وأضافت: “ينص القانون الجنائي الدولي على مساءلة الأفراد، ليس فقط الفاعلين المباشرين، بل أيضًا من يخطط أو يحرض أو يسهل أو يمكّن من ارتكاب هذه الجرائم بأي شكل آخر”.
وأكدت المنظمة أنها قدمت أدلة، تشمل تقارير أممية، ومراسلات داخلية، وسجلات مالية، إلى النيابة الأرمينية، مطالبة بفحص جميع المواد المتعلقة بدور بابازيان في المؤسسة، وإذا وُجدت أدلة كافية، اتخاذ الإجراءات القانونية.
وتقول الشكوى: “محاكمة ديفيد بابازيان ستُظهر التزام أرمينيا بالعدالة والقانون الدولي”، مضيفة أن محاسبته ستؤكد التزام أرمينيا بمنع الإفلات من العقاب عن الجرائم الجماعية.
واتصل موقع “ميدل إيست آي” بالنيابة العامة الأرمينية ومؤسسة غزة الإنسانية للتعليق، لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت النشر، فيما رفض بابازيان الإدلاء بأي تعليق.
المصدر: ميدل إيست آي