تكثر في ذهن الأطفال أسئلة كبيرة عن الله والخلق والحياة والآخرة، ونتساءل كيف نشرح للطفل شيئًا عظيمًا مثل وجود الله أو معنى العبادة بلغة يفهمها وأسلوب يقربه منها، فالطفل حين يقول “لماذا لا نرى الله؟” أو “من خلق الله؟” يعكس فطرته السليمة التي تبحث عن المعنى وراء الأشياء.
توضح لنا خبرات التربويين أن أفضل طريقة للإجابة تكون في الاستعانة بما يعرفه من تجاربه اليومية، مثل ما يراه في المدرسة أو ما يختبره في اللعب أو ما يلاحظه في الطبيعة. تمامًا كما نعلم الطفل معنى الصدق عبر حكاية، أو معنى التعاون عبر لعبة جماعية، يمكن أن نشرح له قضايا الإيمان الكبرى من خلال أمثلة بسيطة وملموسة.
يقدّم الباحث في التربية الإسلامية ومدير أكاديمية البناء، الأستاذ محمد الأشقر، في هذا التقرير مجموعة من الأجوبة المناسبة لليافعين (8 – 12 عامًا)، متضمنًا بعض الأفكار الجوهرية في تكوين عقل الطفل المسلم مثل: مركزية معرفة الله، ومركزية الجزاء والعقاب، ومركزية اليوم الآخر. كما يشير إلى أهمية الاعتماد على ضرب الأمثلة والقصص والتشبيهات وتجسيد المعاني المجردة، لما لذلك من أثر في تثبيت المعلومات وترسيخها وتبسيطها.
يأتي هذا التقرير ضمن ملف “كيف أحكي لطفلي عن..؟”، الذي نستضيف فيه مجموعة من الخبراء والمتخصصين للإجابة عن أسئلة الأطفال حول قضايا حياتية متنوعة، تشمل الخلافات الزوجية، والتعامل مع المال والأجهزة الذكية، وبناء الصداقات، وفضولهم حول الدين.
كيف نعرف أن الله موجود رغم أننا لا نراه؟ ولماذا لا يمكننا رؤية الله عز وجل؟
مقدمة تأسيسية
تساعد الحواس الإنسان على تحصيل جزء من المعرفة، وليس المعرفة الكاملة، فالمعرفة أوسع بكثير من نطاق الحواس الخمس، وهذه الحواس قد تخطئ أحيانًا في وصولها إلى المعرفة.
مثال واقعي توضيحي
لو وضعنا قلمًا في كأس زجاجي مملوء بالماء، سترى أعيننا القلم وكأنه منكسر داخل الكأس، لكن عند رفعه يتبيّن أنه مستقيم بلا انكسار. إذن، نلاحظ هنا أن النظر، وهو إحدى الحواس، قد أخطأ في تكوين المعرفة، وبناءً عليه لا يمكننا الوثوق بالحواس بنسبة 100% دون مراجعة.
إسقاط الفكرة على السؤال
إذا كانت عيوننا لا ترى الله، لا يعني ذلك أن الله غير موجود، فالعين تخطئ أحيانًا، بل وكثيرًا. وأصلاً حواسنا الخمسة محدودة، فالإنسان لا يرى ما خلف يده، ولا ما وراء الحائط، ولا يسمع كلام الناس في شارعه، ولا يستطيع لمس الأوكسجين في الهواء، وهكذا. ويبقى السؤال الآن: إذن، كيف نعرف أن الله موجود؟
دليل منطقي بأسلوب قصصي
حين نرى آثار أقدام على الشاطئ، هل نستطيع القول إن الآثار تكونت بالصدفة أم هناك من مشى هنا وهذه آثار مسيره على الشاطئ؟. ولو طلبت منك أمك أن تشتري كيلو طماطم، فهل يمكن أن تطير الطماطم فجأة إلى الكيس ثم تعود إلى يدك؟! لا، فهذا مستحيل، إذ لا بد من طرف فاعل يقوم بالفعل. وهكذا الكون، بدقته ونظامه وترتيبه، هو دليل واضح على وجود فاعل ومؤثر نسميه نحن المسلمون: الله عز وجل.
لماذا لا نرى الله عز وجل؟
كما أننا لا نستطيع سماع مواء قطة في أسفل بيتنا، ولا رؤية الحجارة خلف الجدار، ولا مشاهدة الدماء والشرايين تحت الجلد، لكننا نؤمن بوجودها، كذلك الله عز وجل لا يمكننا رؤيته، لأن عيوننا ضعيفة وقدرتها محدودة. فالإنسان ضعيف في أشياء كثيرة، وما يهم هو أن نصل إلى الإيمان بالله عز وجل، وإن لم نملك القدرة على إدراك ماهيته.
من الذي خلق الله عز وجل؟
كيف هو مذاق اللون الأحمر؟ ما هو لون صوت أستاذي في المدرسة؟ ما هي رائحة اللون الأسود؟
الأسئلة صحيحة في الشكل ولكنها غير منطقية في المضمون، فمثلاً، اللون ليس له مذاق، والصوت ليس له لون، واللون ليس له رائحة. وأيضًا، سؤال “من خلق الله؟” صحيح في الشكل لكنه غير منطقي، فالله هو الخالق، هو من يخلق الأشياء، وهو غير مخلوق. ليس هناك علاقة بين وجود الله وأن أحدًا خلقه. هذه علاقة غير منطقية.
أمثلة للتوضيح:
(نحتاج في هذا المثال قلمًا وورقة)
لو سألتك: كم قيمة هذا الرقم (0)؟، تمامًا، ليس له قيمة، ضعيف بنفسه لا يستطيع أن يفعل شيء. لو وضعنا بعده 0، كم تصبح قيمته؟، ليس له أي قيمة. لكن لو وضعنا قبله 1 وصار 100، كم صارت قيمة الصفر الأول؟، بالضبط، صارت قيمته عشرة، والصفر الثاني مئة. نلاحظ إذن ما يلي:
كل صفر يأخذ قيمته من الصفر قبله، والصفر الأول أخذ قيمته من الواحد، وكل الأصفار في الحقيقة ليس لها قيمة لوحدها. السؤال الآن: من أين أخذ الواحد قيمته؟ الواحد لا يحتاج إلى أي شيء يعطيه القيمة لأنه قوي بحد ذاته. وكذلك الله عز وجل، الكل يحتاج إليه وهو لا يحتاج إلى شيء. فلا أحد يخلقه ولا أحد يصنعه، مثل (ولله المثل الأعلى) رقم واحد، وكل ما سواه “الصفر”.
هل الله رجل؟
ربما خطر ببالك هذا السؤال لأننا نستخدم مع لفظ الجلالة ضمير (هو) والذي يستخدم عادة للذكور، لأن في اللغة العربية قاعدة تقول: كل شيء ليس أنثى، فاللغة تستخدم معه ضمائر الذكر والرجل. مثلاً: هل الكرسي صبي؟ هل القلم رجل؟ هل الحاسوب ذكر؟ لا، أبداً. الكرسي والقلم والحاسوب ليسوا ذكورًا ولا رجالًا ومع ذلك نستخدم معهم ضمير (هو) وأيضًا ليسوا إناثًا. فالمسألة تتعلق باللغة واستخدامها وليس بحقيقة الله، فالله ليس رجلًا ولا بنتًا، وهو لا يشبهنا في أي شيء.
يجب أن نفهم أننا لا نستطيع أن نتخيل الله، لكن نستطيع أن نصل إليه بعقلنا. العقل يصل إلى الله، لكن لا يمكن أن يتخيله لأن عقلنا لا يستطيع تخيل شيء لم يره أو يعشه من قبل.
لماذا هناك أديان أخرى غير الإسلام؟ وكيف أتعامل مع أصدقائي من ديانات مختلفة؟ وكيف نعرف أن الإسلام هو الدين الحق من بين كل الأديان؟
وجود أديان أخرى غير الإسلام يتعلق بنقطتين:
1- أرسل الله عز وجل قبل نبينا محمد (ص) رسلًا وأنبياء، منهم سيدنا موسى وسيدنا عيسى، وهما النبيان الوحيدان اللذان بقي لهما أتباع إلى يومنا هذا، إذ ارتبطت اليهودية بسيدنا موسى وكتابه التوراة، والمسيحية بسيدنا عيسى وكتابه الإنجيل. ثم أرسل الله سيدنا محمدًا وكتابه القرآن، وأمر جميع البشر، بمن فيهم اليهود والمسيحيون، باتباعه. وكان ذلك لأن الله أراد أن يُدرّب الناس ويتدرج بهم إلى الإسلام، كما يتدرج الطالب في مراحل دراسته من الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية إلى التخصص، وكذلك تدرج البشر في الشرائع حتى وصلوا إلى شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والنقطة الأساسية هنا هي التدرج في هداية الناس إلى الإسلام. وتجدر الإشارة إلى أن في التوراة والإنجيل إشارات وأوامر من الله عز وجل لليهود والنصارى باتباع النبي محمد عند بعثته.
لماذا خلقنا الله؟ وماذا يريد منا في حياتنا؟
خلقنا الله لعبادته، فقال تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. فالله خلقنا وأمرنا بعبادته وجعل العبادة غاية وجودنا والهدف منها. وهنا يجب أن نعرف أن الله لا يستفيد من عبادتنا، ولا تزيد في قوته أو ملكه. ومعصيتنا لا تنقص في ملكه شيئًا. فهو يريد منا أن نعبده لأنه يحبنا ويريد لنا أن ندخل الجنة ونسعد في الدنيا والآخرة.
كيف يرانا الله في كل وقت وكل مكان؟ وكيف يمكن أن يرى جميع المخلوقات؟
نحن اتفقنا سابقًا أن الله لا يشبهنا، وأنه تعالى مختلف عنا ولا نستطيع أن نفهم حقيقته. وكذلك فإن صفات الله عز وجل مختلفة عن صفاتنا، فهو يرى ونحن نرى، ولكن رؤيتنا ضعيفة بينما رؤيته تعالى قوية متكاملة. ونحن يجب ألا نحكم على رؤية الله وسمعه كما نحكم على رؤيتنا وسمعنا. فالله عز وجل القوي القدير يرى كل شيء في كل مكان وكل زمان لأنه ليس ضعيفًا مثلنا.
كيف أكون قريبًا من الله وأنا طفل؟
أولًا يجب أن نتفق أن الله يحب منا كل أفعال الخير بكل أشكالها، ويكره كل أفعال الشر ويريد منا أن نبتعد عنها، وإذا وقعنا في بعضها أن نستغفره منها.
من أكثر الأشياء التي تجعلني قريبًا من الله طاعة والدي ووالدتي وأن أكون بارًّا معهما وأطيع أوامرهما. وهو كذلك يحبني أن ألتزم بالصلاة وأذهب مع والدي إلى المسجد وأحفظ القرآن الكريم. كذلك يحبني الله وأنا في مدرستي أتعلم لأكبر وأفيد الناس مما تعلمته.
إذا كان الله رحيمًا، فلماذا توجد مصائب أو أمراض في الدنيا؟
إذا كان الأستاذ يحب طلابه في الصف ويساعدهم في الدروس ويلعب معهم في وقت الفراغ، فلماذا يوجد في المدرسة امتحانات واختبارات؟ بل وأحيانًا يضع المعلم لبعض الطلاب درجات قليلة جدًا ولا ينجحون في نهاية السنة! ولكن هنا نسأل: هل المعلم لا يحب الطلاب؟ أو المعلم ظالم؟ لا طبعًا، لكن الطالب لم يدرس فلذلك وقعت عليه مصيبة الفشل.
هذا هو السبب الأول لوجود المصائب على الناس أحيانًا، فالله رحيم مع من يستحق الرحمة، ولكن الله قوي شديد العقاب أيضًا. والله خلق الجنة وخلق النار أيضًا، فالله عادل لا يظلم أحدًا.
ولكن هناك مصائب من نوع آخر؛ فأحيانًا المصائب تأتي على المؤمنين الصالحين. الله أخبرنا في القرآن أنه يختبر إيمان هؤلاء ليرى هل يصبرون على المصائب والمحن، أم سيكون إيمانهم ضعيفًا؟ فهو يعاقب المقصرين لينتبهوا إلى خطئهم ويختبر الصالحين ليتأكد من قوة إيمانهم.
وهنا يجب أن نقول إن هذه الابتلاءات نوع من العبادة لله، فعندما يصبر الإنسان على المحن والمصائب يأخذ أجره من الله بحسناتٍ كثيرة، إذ قال تعالى: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”، أي بأجرٍ كثير لا يعلم قدره إلا الله.
ملاحظة مهمة؛ يجب أن نفهم أن الدنيا مكان ابتلاء واختبار، فالله أخبرنا أنها مكان لاختبارنا وليست مكانًا للجزاء والمكافأة. بل إن الجنة هي مكان الجزاء والفرح والسرور الذي لا ينتهي. فالله رحيم يرحمنا ولكن رحمته ضمن هذه الحياة التي خلقها الله باختبارات وابتلاءات. ومن رحمة الله بنا أننا رغم تقصيرنا معه، فهو يطعمنا ويسقينا ويرزقنا.
لقد دعوت الله كثيرًا ولكن لم يحصل ما دعوت به؟
أخبرنا الله في القرآن أنه دائمًا يستجيب دعاءنا بل ويطلب منا أن ندعوه حتى يستجيب لنا. ولكن السؤال الصحيح هنا.. كيف يستجيب الله لنا؟
هناك أنواع كثيرة من استجابة الدعاء، فمثلاً لو كنت طلبت من والدتك أن تعطيك قطعة شوكولاتة، ولكن ماما تعرف أن أسنانك في حالة مرضية والشوكولاتة ستزيد من الألم والوجع، فقالت لك: “لن تأخذ الشوكولاتة اليوم، لكن ستأخذها عندما تصبح جاهزًا ولا تضر أسنانك أبدًا”. كذلك، الله تعالى أحيانًا يؤخر إجابة الدعاء لأننا في الوقت الحالي لسنا في الوضع المناسب لتحقيق مرادنا. هو يعلم بحالنا أكثر منا.
وأحيانًا نطلب من البابا مثلاً أن يأخذنا إلى الطائرة ويرمينا في الهواء ونحن نظن أننا سنطير في السماء مثل العصافير، ولكن هل بابا سيستجيب لنا؟! هل هذا الطلب مفيد لنا أم سيؤدي إلى موتنا؟ كذلك، الله عز وجل أحيانًا لا يستجيب دعاءنا لأنه ليس في الدعاء مصلحة لنا، وسيكون لو تحقق دعاؤنا ضررًا كبيرًا علينا ومشكلة في حياتنا، فيؤخر الله الإجابة إلى يوم القيامة عندما ندخل الجنة، لأن في الجنة ليس هناك ضرر ولا مشكلات. كل ذلك لأنه يعرف حالنا ويعرف ما يناسبنا أكثر منا.
ما هي المعجزات؟
عندما يرسل الله تعالى رسولًا ونبيًا لهداية الناس، فمن الطبيعي أن الناس لا يصدقونه، خاصة أنه يكلمهم في شيء عظيم لا يعرفونه ولم يسمعوا به. إذن، كيف سيصدقونه؟ ما الدليل على أنه رسول من الله عز وجل؟ هنا تأتي المعجزة، وهي شيء يفعله الرسول يعجز (لا يستطيع) غيره أن يفعله، شيء يثبت أنه نبي من الله، والمعجزات كثيرة مثل شق البحر لسيدنا موسى وإحياء الموتى لسيدنا عيسى عليهما السلام.
كيف نفرق بين المعجزة والسحر؟
الساحر لا يدعونا إلى عبادة الله والإيمان به. الساحر ليس كالنبي. فالسحر فيه إيذاء للناس وإلحاق السوء بهم. ويجب أن نعرف شيئًا مهمًا: السحر يقع على مجموعة من الناس، أما المعجزة فهي ثابتة على كل الناس.
في ذات مرة، شق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القمر أمام كفار مكة ليصدقوه برسالته، فقالوا له: “إنما أنت قد سحرت عيوننا”، فقال لهم: “نسأل من يأتي من خارج مكة، هل رأى القمر قد شق؟!” فلما جاء ناس من خارج مكة وسألهم، أجابوه أنهم رأوا القمر قد شق، فهذه معجزة عامة وليست سحرًا خاصًا.