لم تكن سوريا يومًا منتجًا رئيسيًا للغاز، لكن موقعها الاستراتيجي منحها دورًا محوريًا في معادلة الطاقة الإقليمية، وأدخلها في صراع أوسع حول ممرات وخطوط الإمداد، فمنذ منتصف القرن العشرين، شكّلت معبرًا رئيسيًا لخطوط النفط والغاز، وكان أبرزها خط كركوك-بانياس، الذي نقل نفط العراق إلى البحر المتوسط.
مع توسع اكتشافات الغاز في الخليج وشرق المتوسط خلال العقود الأخيرة، ازدادت أهمية سوريا كممر لنقل الغاز نحو أوروبا، سواء عبر شبكة الأنابيب المتجهة إلى تركيا شمالًا، أو عبر موانئ الساحل السوري غربًا.
لكن لم يتمكن نظام الأسد من استثمار الموقع الحيوي لسوريا في مشاريع الغاز الإقليمية، وأدّت سياساته وفساده البنيوي وهيمنة الاعتبارات السياسية على القرارات الاقتصادية إلى تهميش البلاد عن خريطة مشاريع الغاز الكبرى، لتظل مجرد معبر ثانوي غير مستثمر، وتضيع بذلك فرص استراتيجية كان من شأنها أن تعزز الاقتصاد الوطني.
وابتداءً من عام 2011، دخل قطاع الغاز السوري مرحلة تراجع حاد بفعل الحرب التي دمّرت البنية التحتية وأدّت إلى انخفاض الإنتاج، فضلًا عن سيطرة قوى محلية ودولية على حقول ومرافق الطاقة.
ثم جاء سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، ليشكل نقطة تحوّل مفصلية، خاصةً مع رفع العقوبات الدولية عام 2025، إذ انفتح أمام سوريا فرص جديدة تُرجمت إلى مذكرات تفاهم واتفاقيات أولية مع أطراف عربية وتركية وأذربيجانية وأمريكية.
لقد ركزت الإدارة الجديدة، مباشرة عقب سقوط النظام السابق، على قطاعي الغاز والنفط باعتبارهما أولوية استراتيجية. ومؤخرًا، أصدر الرئيس أحمد الشرع مرسومًا بإنشاء وزارة الطاقة، من خلال دمج وزارات النفط والثروة المعدنية والكهرباء والموارد المائية في كيان واحد، بما يتيح إدارة موحدة ومتكاملة لمصادر الطاقة، ويحد من التشتت الإداري، ويوحد الخطط الاستثمارية، ويُرشد النفقات.
في إطار هذه الجهود، تمكنت سوريا من تصدير أول شحنة نفط خام منذ 14 عامًا، في خطوة رمزية تشير إلى عودتها إلى سوق الطاقة الدولية. كما تعمل الحكومة على تنويع مزيج الطاقة بين النفط الخام، والغاز الطبيعي، والطاقة الكهرومائية والمتجددة، إلى جانب الاستفادة من واردات الغاز من العراق وأذربيجان.
كميات تكفي 5 ملايين أسرة بالكهرباء.. اللحظات الأولى لبدء تدفق الغاز الأذربيجاني إلى #سوريا عبر #تركيا. pic.twitter.com/IWqeSXx6jX
— نون سوريا (@NoonPostSY) August 2, 2025
مع ذلك، يبقى نجاح هذا المسار مرهونًا بقدرة الدولة الجديدة على ضبط الأمن على كامل الجغرافيا السورية، وتعويض النقص في الكفاءات المحلية، فضلًا عن بناء شراكات إقليمية ودولية متوازنة. وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن للاتفاقيات الغاز الأخيرة أن تتحول إلى ركيزة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي والسياسي في مرحلة ما بعد الحرب، أم أن التحديات الداخلية، والتجاذبات الإقليمية والدولية، ستظل تعرقل أي نهوض حقيقي؟
صعود الغاز في سوريا
بدأت أعمال التنقيب عن الغاز في سوريا عام 1934، في شمال شرق البلاد، وتبعتها حفر أول بئر استكشافية عام 1939، وكان الاكتشاف الأبرز في حقل كراتشوك عام 1956، تلاه حقل السويدية سنة 1959، ثم حقل الرميلان عام 1962. ومع وصول أول شحنة نفط إلى ميناء طرطوس عام 1968، دخلت سوريا فعليًا مرحلة الإنتاج النفطي.
فمنذ سبعينيات القرن العشرين، بدأ قطاع الغاز والنفط في سوريا يشهد صعودًا تدريجيًا، حيث انتقلت البلاد من كونها منتجًا هامشيًا إلى لاعب متوسط الأهمية في سوق الطاقة الإقليمية.
في هذا السياق، منحت الحكومة، في منتصف السبعينيات، عقود تقاسم إنتاج الغاز لشركات أجنبية مثل شل، وتوتال، وبيكتن، ما أدى إلى اكتشافات جديدة، خاصة في دير الزور والحسكة. ونتيجة لذلك، ارتفع الإنتاج إلى أكثر من 250 ألف برميل يوميًا بحلول عام 1988، ثم واصل صعوده ليبلغ نحو 600 ألف برميل يوميًا في منتصف التسعينيات، مسجلًا ذروته عام 1996 عند 620 ألف برميل يوميًا.
ساهمت عائدات النفط، منذ منتصف الثمانينيات، في إنقاذ الاقتصاد السوري من أزمة حادة عقب توقف الدعم المالي العربي بسبب تحالف النظام مع طهران في حربها ضد العراق، إذ وفّرت هذه العائدات ما بين 1.5 و2 مليار دولار سنويًا، وأصبحت مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة.
من السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، كان إنتاج الغاز محدودًا، لكنه غطّى الاستهلاك مع فائض بسيط، ثم ارتفع تدريجيًا خلال التسعينيات ليصل ذروته حوالي 6 مليارات م³ سنويًا عام 2005–2008. ومع العقد الأول من الألفية، دخلت شركات أجنبية جديدة لتطوير حقول الشاعر وجيهار، مما أدى إلى ارتفاع إنتاج الغاز من حوالي 6 مليارات م³ عام 2008 إلى 10.8 مليارات م³ عام 2010، قبل أن يتراجع قليلًا إلى 8.7 مليارات م³ عام 2011.
ويُظهر الجدول التالي، بوضوح، الطابع الدولي لقطاع النفط والغاز السوري قبل الثورة السورية، وكيف أن أغلب الإنتاج كان يتم عبر شراكات مع شركات أجنبية كبرى، بجانب أن معظم الإنتاج الكبير كان يخرج من حقول الرميلان (الحسكة)، والفرات (دير الزور).
جميع المشغلين في قطاع النفط والغاز في عام 2011 (برميل/يوم)
المشغل | الشريك/الشركة الأم الأجنبية | بلد الشركة الأم | الموقع | الإنتاج (برميل/يوم) |
الشركة السورية للنفط (SPC) | — | — | الحسكة والرقة | 195,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | شل + توتال | هولندا/بريطانيا + فرنسا | وادي الفرات (دير الزور) | 92,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | — | — | وادي الفرات | 21,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | سينوبك Sinopec | الصين | جنوب الحسكة | 20,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | غَلف ساندز Gulfsands | المملكة المتحدة | شمال شرق الحسكة | 24,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | CNPC | الصين | شمال شرق الحسكة | 12,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | IPR | الولايات المتحدة | وادي الفرات | 4,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | INA | كرواتيا | غرب تدمر | 9,000 |
الشركة السورية للنفط (SPC) | تات نفت Tatneft | روسيا | جنوب وادي الفرات | 2,000 |
الإجمالي | — | — | — | 387.000 |
المصدر: بيانات وزارة البترول والثروة المعدنية.
وفي عام 2008، بدأ تشغيل خط الغاز العربي، الذي نقل الغاز المصري عبر الأردن إلى سوريا، مع خطط لتمديده من سوريا إلى تركيا، وصولًا إلى أوروبا. كما أبرمت سوريا، في عامي 2009 و2010، مذكرات تفاهم مع كل من تركيا وأذربيجان، بهدف ربط شبكات الغاز، وتعزيز موقعها كممر إقليمي للطاقة.
غير أن سياسات النظام، والاعتبارات السياسية، أضعفت هذه المبادرات، إذ تشير تقارير إلى أن نظام الأسد رفض مشروع خط أنابيب قطر-تركيا عام 2009، في خطوة انسجمت مع الموقف الروسي الساعي للحفاظ على هيمنته في سوق الغاز الأوروبية.
وفي عام 2011، وقّع النظام على اتفاقية إنشاء خط الغاز الإسلامي مع إيران والعراق، وهو مشروع عكس ارتهان النظام لمحاور إقليمية على حساب اندماج البلد في مشاريع أكثر تنوعًا واستقرارًا. وبذلك، لم تستفد سوريا بشكل كامل من موقعها الاستراتيجي، بل ظلت رهينة حسابات سياسية قلّصت فرصها في خريطة الطاقة العالمية.
الغاز بين أيدي المتحاربين
حتى عام 2010، بلغ إنتاج النفط في سوريا نحو 385 ألف برميل يوميًا، صُدّر منه 150 ألف برميل إلى أوروبا، فيما استُخدم الباقي محليًا. ولتغطية الطلب، استوردت البلاد منتجات مكررة، وكميات من الغاز المصري عبر خط الغاز العربي، لكن هذه الواردات تراجعت بين عامي 2010 و2011، وتوقفت تمامًا في عام 2012.
ومع انطلاق الاحتجاجات في مارس/آذار 2011، دخل قطاع الطاقة السوري مرحلة انهيار تدريجي، إذ تضررت خطوط الأنابيب ومحطات المعالجة بالقصف والتخريب، وتوقفت المشاريع التطويرية.
كما أدّت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى انسحاب معظم الشركات الأجنبية، وفقد النظام السيطرة على مناطق الإنتاج شرق الفرات، ما تسبّب بتراجع الإنتاج إلى 10 آلاف برميل يوميًا بحلول عام 2014.
بين عامي 2012 و2013، ومع تصاعد الثورة إلى صراع مسلح، برز واقع نفطي جديد في شرق وشمال سوريا، حيث انتزعت العشائر وفصائل المعارضة السيطرة على الحقول التي كانت تديرها شركات أجنبية سابقًا، وأنشأوا مصافي بدائية في مناطق مثل منبج، ورأس العين، وتل أبيض.
وفي الفترة بين عامي 2013 و2014، سيطر الجيش الحر وجبهة النصرة على معظم الحقول شرق الفرات، قبل أن يستولي تنظيم داعش على أهم الحقول، مثل الشاعر، والتيم، والعمر. ومع نهاية عام 2017، أطاح التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بداعش، واستحوذوا على معظم الحقول في الحسكة، ودير الزور، والرقة.
خلال تلك الفترة، عززت روسيا وإيران نفوذهما في قطاع الغاز والنفط، فقد منح النظام امتيازات واسعة لشركات مثل ستروي ترانس غاز الروسية، وبتروبارس الإيرانية، فيما كانت طهران، منذ عام 2013، تزوّد النظام بـ50–70 ألف برميل يوميًا، كما استورد النظام كذلك نحو 120 ألف برميل يوميًا من العراق.
في الواقع، بعد تدخل روسيا العسكري في سوريا عام 2015، حصلت شركات روسية على عقود لاستكشاف النفط والغاز في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ففي عام 2019، تم توقيع ثلاث عقود نفطية جديدة مع شركات روسية، في إطار اتفاقات مع النظام، تضمنت إجراء الاستكشاف والتطوير في مناطق محددة.
وفي الوقت ذاته، منحت واشنطن شركة دلتا كريسنت إنرجي إذنًا للعمل مع قسد لتطوير حقول نفطية في الشمال الشرقي، لكن إدارة بايدن أوقفت هذا الإعفاء في منتصف عام 2021، ورغم ذلك، واصلت القوات الكردية السيطرة على الحقول الكبرى.
لقد تحوّل قطاع النفط والغاز في سوريا إلى أداة بين قوى الأمر الواقع، ففي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، جرى احتكار الإنتاج والتحكم بعوائده، بينما فرضت هيئة تحرير الشام في إدلب، منذ عام 2018، هيمنتها على سوق المحروقات، من خلال شركة وتد، التي تولّت استيراد الوقود من تركيا، واحتكرت بيع الوقود في إدلب، وحددت أسعاره بنفسها، لكنها ضمنت وصول البنزين، والديزل، وغاز الطهي إلى السكان.
التحولات بعد سقوط النظام
مباشرة بعد سقوط نظام الأسد، قطعت إيران والعراق جميع شحنات النفط إلى سوريا، فيما أوقفت قسد أيضًا إمدادات النفط والغاز التي كانت تزوّد بها النظام السابق، وهو ما أدّى إلى اندلاع أزمة خانقة فاقمت التحديات الاقتصادية والمعيشية.
وفي مايو/أيار 2025، أعلن الرئيس الأمريكي رفع العقوبات، ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة جذبت اهتمامًا دوليًا واسعًا بقطاع الطاقة السوري، فبدأت شركات كبرى، مثل بيكر هيوز، وهانت إنرجي، وأرجنت، إعداد خطة للعودة إلى قطاع الطاقة غرب الفرات، فيما رفعت بريطانيا القيود عن عشر شركات طاقة سورية، ما شجّع شركات مثل أرامكو، وجلف ساندز، وقطر للطاقة، على دراسة العودة.
في هذه الأثناء، جرى تقارب داخلي بين الحكومة الجديدة وقسد، تُوّج باتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، يقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة، وتسليم دمشق السيطرة على الحقول الكبرى في دير الزور، والحسكة، مثل: العمر، والرميلان، والكونوكو.
وفي الوقت نفسه، طرحت قطر مبادرة لتوريد مليوني متر مكعب يوميًا من الغاز إلى سوريا عبر الأردن، ما يتيح إنتاج نحو 400 ميغاواط من الكهرباء، وذلك بالتعاون مع صندوق قطر للتنمية، ووزارة الطاقة الأردنية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وفي يوليو/تموز 2025، استضافت دمشق منتدى استثماريًا سعوديًا–سوريًا، أُعلن خلاله عن صفقات بمليارات الدولارات، من بينها 150 مليون دولار لمشاريع الطاقة المتجددة، كما جرى توقيع مذكرة تفاهم ثنائية للتعاون في مجالات البترول، والكهرباء، والطاقة النظيفة. وبالتوازي، أرسل وفد تقني من أرامكو السعودية لتقييم أوضاع وآفاق إعادة تشغيل حقول النفط في الشمال الشرقي.
وخلال الشهر نفسه، زار الرئيس أحمد الشرع أذربيجان، ووقّع مذكرة تفاهم مع شركة سوكار لتوريد الغاز، تبعها في أغسطس/آب إعلان رسمي عن بدء تصدير 1.2 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الأذربيجاني عبر خط كلس–حلب، الذي أعادت تركيا إصلاحه. وحسب الرئيس الأذربيجاني، فهذه الكمية قابلة للزيادة مستقبلًا.

وقد أعلن وزير الطاقة السوري، محمد البشير، توقيع اتفاقية مع الأردن لزيادة كميات الغاز القطري المار عبر أراضي الأردن إلى سوريا، وأوضح البشير أن وزارة الطاقة السورية وقّعت اتفاقية لتوفير أربع محطات طاقة شمسية داخل سوريا، وسيكون هنالك أيضًا فرصة للشركات العاملة في قطاع الطاقة الشمسية والنظيفة الأردنية للعمل داخل سوريا.
وفي إطار جهود إعادة الإعمار، وُقّعت صفقة استراتيجية، قيمتها 7 مليارات دولار، بين شركات تركية، وقطرية، وأمريكية، لبناء أربع محطات غاز، ومحطة شمسية بقدرة 100 ميغاواط، بحضور الرئيس أحمد الشرع، ومبعوث واشنطن إلى دمشق، توماس باراك. ووصف وزير الطاقة، محمد البشير، الاتفاقية بأنها لحظة تاريخية، ونقطة تحوّل للبنية التحتية المنهارة للبلاد.
وزير الطاقة محمد البشير يعلن عن بدء المرحلة الأولى من المشروع لتوريد 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً بدعم قطري، ما يرفع إنتاج الكهرباء 750 ميغا واط ويوفر 4 ساعات تشغيل إضافية يومياً.@EMAlbasheir #سوريا pic.twitter.com/6ET48QpwsH
— نون سوريا (@NoonPostSY) August 2, 2025
ثم، في 13 أغسطس/آب، توصلت سوريا والعراق إلى اتفاق لدراسة إصلاح وتشغيل خط أنابيب كركوك–بانياس، فيما بحث وزير الطاقة فرص التعاون في الغاز والكهرباء مع مجموعة كار العراقية، مؤكدًا أهمية الاستفادة من التجربة العراقية في قطاع الطاقة.
كما وقّعت الحكومة السورية مذكرة تفاهم أخرى، بقيمة 800 مليون دولار، مع موانئ دبي العالمية، لتطوير وتشغيل محطة متعددة الأغراض في طرطوس. وإضافة إلى ذلك، التقى الرئيس التنفيذي لشركة غولف ساندز البريطانية بوزير الطاقة السوري، لبحث استئناف العمل في حقول النفط الشمالية الشرقية، المتوقفة منذ عام 2011.
وفي السياق نفسه، أعرب البنك الدولي عن استعداده لدعم جهود إعادة إحياء قطاع الطاقة السوري، وذلك عقب مشاركة وفد رسمي سوري في اجتماعاته الربيعية مع صندوق النقد الدولي.
أتقدم بخالص الشكر والتقدير للبنك الدولي على موافقته الكريمة على المنحة الدولية بقيمة 146 مليون دولار أمريكي، والتي ستسهم في دعم مشاريع استراتيجية، من ضمنها ربط شبكة الكهرباء بين سوريا وتركيا، وسوريا والأردن، بما يعزز أمن الطاقة ويحقق التكامل الإقليمي. pic.twitter.com/xKQRMxNxJ7
— م. محمد البشير (@EMAlbasheir) June 25, 2025
كذلك، في يوم 28 أغسطس/آب 2025، وقّعت سوريا والسعودية 6 اتفاقيات في مجال الطاقة، تشمل التدريب الفني، وتطوير القوى العاملة، وإدارة وتطوير حقول النفط والغاز، بما في ذلك مشاريع الطاقة الشمسية، والرياح، واستكشاف وتطوير حقول الغاز، ومعالجة الغاز الطبيعي.
في الواقع، منذ تولّيه وزارة الطاقة، أطلق البشير خطة شاملة لإعادة تأهيل قطاع الطاقة في سوريا، تشمل الكهرباء، والنفط، والتعدين، وأعلن عن مشروع لتأسيس شركة قابضة لإدارة قطاع الكهرباء، تهدف إلى تحسين ساعات التزويد، التي من المتوقع أن تصل إلى 8–10 ساعات يوميًا. كما كشف عن خطة لإنشاء شركة متخصصة في إدارة ملف التعدين والفوسفات، بهدف استغلال هذه الثروات بشكل أمثل.
في تجسيد للعلاقات التاريخية والأخوية التي تجمع الجمهورية العربية السورية بالمملكة العربية السعودية، جرى اليوم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة والنفط والغاز مع نخبة من الشركات السعودية، بما يمهّد لآثار إيجابية ملموسة على مسار التنمية… pic.twitter.com/nKdmuRl8s4
— م. محمد البشير (@EMAlbasheir) August 28, 2025
على الصعيد الخارجي، يظهر أيضًا سعي البشير إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال الطاقة، خاصة زيارته إلى العراق لبحث إعادة تأهيل خط أنابيب النفط بين كركوك وبانياس، ومحادثاته مع مجموعة كار النفطية العراقية لبحث التعاون في مجالي الغاز والكهرباء. كذلك، فيما يتعلق بالاستثمارات، التقى البشير برجال الأعمال السوريين، مثل أيمن الأصفري، لبحث آفاق الاستثمار في مجالي النفط والغاز.
تُظهر هذه الأنشطة أن وزير الطاقة السوري، محمد البشير، يسعى جاهدًا لإعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا، من خلال تحسين البنية التحتية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.
التحديات الداخلية والمعوقات الفنية
رغم توقيع سلسلة من الاتفاقيات والمذكرات الإقليمية والدولية لإحياء قطاع الغاز والنفط السوري، وإدماج البلاد في معادلة الطاقة الإقليمية، يبقى الواقع الداخلي عائقًا كبيرًا أمام أي نهضة حقيقية. وتُعد التوترات السياسية الداخلية من أبرز الحواجز أمام إعادة تطوير الطاقة، إلى جانب استمرار الانقسامات في مناطق السيطرة على الإنتاج بين الحكومة وقسد.
كذلك، فإن شبكات النقل والتوزيع، والمعدات التقنية، تعرضت لتفجيرات متكررة خلال سنوات الحرب، ما أدّى إلى توقّف معظمها عن العمل، واحتياجها لإعادة بناء شبه كاملة. كما تضرّرت محطات المعالجة والتوليد، بسبب الإهمال، وغياب الصيانة، وقطع الغيار، ما أدّى إلى انخفاض كبير في كفاءتها التشغيلية.
إضافة إلى ذلك، ترك نزوح وهجرة عدد كبير من المهندسين والفنيين فراغًا في الكوادر المؤهلة، وهذا النقص يصعّب عمليات الصيانة والتشغيل، حتى مع توافر بعض المعدات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الخبرات الأجنبية لم يُعوض هذا النقص بشكل كافٍ، حيث تركز الأطراف الدولية غالبًا على ضمان امتيازاتها الخاصة، أكثر من إعادة تأهيل شامل للقطاع.
ووفقًا لباحثين، تواجه دمشق عدة تحديات رئيسية لزيادة إنتاج الغاز، منها انخفاض الناتج المحلي من النفط ومشتقاته، وتهالك المعدات التقنية. وكقاعدة عامة، لا تستثمر شركات الطاقة في خطوط أنابيب غاز عابرة للحدود بمليارات الدولارات، إذا لم تكن متأكدة من أن دولة العبور ستظل مستقرة وموثوقة خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة، وهي الفترة اللازمة لاسترداد تكلفة خط الأنابيب.

في حين أشار مركز “جسور للدراسات” إلى أن سوريا تواجه عدة معوّقات أمام تحقيق الاستثمار الأمثل في قطاع النفط والغاز، من أبرزها: سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على أكثر من ثلث آبار الغاز تقريبًا، الأمر الذي يحدّ من قدرة الحكومة على إدارة موارد الطاقة بشكل كامل وموحّد.
إذ تتركز أبرز حقول وآبار النفط والغاز السورية في الشرق والشمال الشرقي، الخاضع لسيطرة قسد، بينما تقع مصافي التكرير والمرافق الأساسية في الوسط والساحل، تحت إدارة الحكومة السورية الجديدة. واليوم، تنتج سوريا نحو 110 آلاف برميل يوميًا، معظمها بيد قسد، مقابل 10 آلاف برميل فقط تحت إدارة الحكومة السورية الجديدة.
حتى الآن، ظلّ قطاع النفط والغاز محور توتر بين الحكومة المركزية وقسد. ففي فبراير/شباط، بدأت قسد توريد النفط إلى دمشق كخطوة أولى نحو التعاون، ثم وقّع الطرفان، في مارس/آذار، اتفاقًا لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية، وتسليم السيطرة على الحقول الكبرى في دير الزور، والحسكة. ومع ذلك، لم يُنفّذ الاتفاق بعد، ولم تُسلّم حقول النفط والغاز حتى الآن، بسبب استمرار التوترات المتبادلة.
وهو ما يعكس استمرار تعقيد السيطرة على الموارد الحيوية في البلاد، ويؤكد أن العوامل السياسية، والفنية، والاقتصادية المتشابكة تجعل من إعادة تأهيل قطاع الطاقة مهمة شديدة التعقيد، لا يمكن تجاوزها إلا عبر تنسيق داخلي قوي، يضمن إدارة موحدة، وبناء شراكات دولية متوازنة، تعيد بناء القطاع على أسس أكثر فعالية واستدامة.