ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما نشر توني بلير العام الماضي كتابًا إرشاديًا للقادة المنتخبين حديثًا، كان من بين نصائحه أن يعتنوا بإرثهم السياسي وهم في المنصب، وهو أمر قال إنه أهمله خلال السنوات العشر التي قضاها كرئيس وزراء لبريطانيا.
يسعى بلير اليوم لاغتنام فرصة جديدة لصياغة إرثه، في منطقة شغلت تفكيره وأثقلت كاهله منذ أن دعم حرب جورج دبليو بوش على العراق قبل 22 عامًا. ومع توليه دورًا محوريًا في خطة الرئيس ترامب الجديدة لإنهاء الحرب في غزة، قد يتمكن بلير من إعادة تشكيل إرث شوهته تجربة العراق ولم تُنقذه الفترة المخيبة كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط بعد مغادرته مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت.
تعد فرص نجاحه ضئيلة للغاية، حيث إن استمرار ترامب في لعب دور الوسيط السلمي أمر يصعب التنبؤ به. وإذا ما اندفع بلير إلى غزة في دور الحاكم الاستعماري، فإن المراقبين يحذرون من أن ذلك سيؤدي إلى تأجيج التوترات. وبدلًا من إنهاء الحرب، قد يجد نفسه عالقًا في قلب صراع جديد يصعب حله.
تعكس أجزاء كبيرة من خطة ترامب أفكارًا وردت في الوثيقة التي أعدها توني بلير من 21 صفحة لتحقيق السلام في غزة، بما في ذلك تشكيل مجلس انتقالي رفيع المستوى سيكون بلير أحد أعضائه. وقد وضع بلير هذه الخطة على مدار الأشهر الماضية، وكان مرشحًا لتولي دور قيادي فيها، وفقًا لمصادر مطلعة على سير العملية. لكن في تطور مفاجئ خلال اللحظة الأخيرة، تولّى ترامب بنفسه منصب رئيس المجلس.
قال الرئيس ترامب يوم الإثنين، عقب لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متحدثا عن بلير بأنه: “رجل جيد، جيد جدًا”، لكنه لم يذكر شيئًا عن مسؤولياته أو مساهماته في الخطة.
إذا نجحت الخطة، وهو احتمال ضعيف نظرًا لاستمرار تباين المواقف بين إسرائيل وحماس، فإن بلير سيكون من بين أبرز المسؤولين عن تنفيذها. يُعد ذلك تحولًا لافتًا في مسيرة سياسي متقاعد يبلغ من العمر 72 عامًا، حصد بعد ترك منصبه ثروة كبيرة من تقديم الاستشارات للحكومات والبنوك وجهات أخرى في قضايا مثل القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي، ولا يزال شخصية مثيرة للجدل في قضايا الشرق الأوسط.
ينسجم هذا الدور تمامًا مع طموحات بلير كرجل دولة.
يقول ديفيد ساترفيلد، الدبلوماسي الأمريكي الذي شغل منصب المبعوث الخاص لإدارة بايدن للشؤون الإنسانية في غزة خلال عامي 2023 و2024: “توني يعمل على هذا الملف منذ زمن طويل، حيث يطرح أفكارًا، أحيانا تُقابل بالرفض، لكنه يريد الاستمرار في المحاولة”.

خلال إدارة بايدن، سافر بلير إلى الإمارات لإقناع قادتها بخطة لما بعد الحرب في غزة. وبعد الانتخابات الرئاسية، انتقل من الضغط على وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، الذي ساهم في تطوير الخطة التي أعلن عنها الرئيس يوم الإثنين.
قال ساترفيلد، الذي يشغل حاليًا منصب مدير معهد بيكر للسياسات العامة في جامعة رايس بمدينة هيوستن: “إنه يؤمن بإمكانية التوصل إلى حل، ولم يكن يومًا بعيدًا عن هذا الملف”.
رفض مكتب بلير التعليق على الخطة.
قلة من الناس لديهم مؤهلات رئيس الوزراء السابق في التعامل مع النزاعات المعقدة. ففي عام 1998، ساهم في مفاوضات اتفاق الجمعة العظيمة، الذي أنهى عقودًا من العنف في أيرلندا الشمالية. يقول حلفاء بلير إن تلك التجربة التي نال فيها ثقة الجمهوريين الأيرلنديين والاتحاديين على حد سواء، ستكون ذات قيمة كبيرة في السعي نحو تسوية بين إسرائيل وحماس.
تقول مونيكا ماكويليامز، الأكاديمية والسياسية السابقة التي شاركت في مفاوضات اتفاق الجمعة العظيمة، والتي واجهت تحديات مشابهة لتلك المطروحة في غزة، من قضايا الحكم إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة، إن “توني بلير أدرك أن التسوية تتطلب أخذا وعطاء، وليس الأخذ فقط”.
لكن ماكويليامز تضيف: “كنت كثيرًا ما أتساءل إلى أي مدى استفاد بلير من تجربة أيرلندا الشمالية بعد قراره الكارثي بالتدخل في العراق”.

ظلّت تداعيات حرب العراق تلقي بظلالها على مسيرة بلير بعد مغادرته المنصب. في اليوم الذي تنحّى فيه عن رئاسة الوزراء عام 2007، تم تعيينه مبعوثًا خاصًا للرباعية الدولية، وبدأ حينها مساعيه لإصلاح القضية الجوهرية في الشرق الأوسط، بين إسرائيل والفلسطينيين.
من داخل غرف فندق “أمريكان كولوني” في القدس الشرقية، انكبّ بلير على عدة ملفات مثل تفكيك الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية وبناء اقتصاد فلسطيني أكثر حيوية.
لكن تاريخ بلير في العراق أثار حوله الشكوك في المنطقة، ولم يتمكن من التخلص من الانطباع السائد لدى الفلسطينيين بأنه منحاز لإسرائيل. بدلًا من أن تكون قوة دافعة للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، غالبًا ما كانت الرباعية مجرد مراقب في تلك المحادثات.
مع ذلك، يظل بلير فخورًا بعمله في الشرق الأوسط. ففي مكاتب “معهد توني بلير للتغيير العالمي” في لندن، يحتفظ بصورة موقّعة تجمعه بجون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق، يشكره فيها على جهوده. عندما تنحّى عن منصبه كمبعوث للرباعية عام 2015، لم يعد بلير يلعب دورا مؤثرا في عملية السلام التي كانت شبه متوقفة.
يقول خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، والذي ألّف دراسة نقدية عن الرباعية الدولية عام 2012، إن الفلسطينيين كانوا سعداء بالتخلص منه.
وأضاف: “والآن، هل سيقفز بالمظلة في غزة متقمصًا دور الحاكم العام أو المفوض السامي لهذا المشروع الاستعماري؟ هذا لن يكون مقبولاً على الإطلاق”.

يرى محللون أن تجربة العراق ينبغي أن تكون بمثابة تحذير لتوني بلير. فالسلطة المؤقتة التي يتصورها هو والرئيس ترامب في غزة، تحمل حسب قولهم العديد من سمات “السلطة المؤقتة” التي أنشأتها الولايات المتحدة في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين.
وبسبب افتقارها للشرعية لدى الشعب العراقي، فشلت تلك الحكومة الانتقالية في تحقيق الاستقرار، وانزلق البلد إلى دوامة من العنف. ولا تزال تلك الحكومة تُذكر أساسًا بسوء الإدارة المالية وانفصالها عن الشعب العراقي، مما دفع كثيرين إلى وصفها بالإدارة الاستعمارية المتعجرفة.
تحاول خطة بلير لإنشاء “السلطة الدولية الانتقالية في غزة”، والتي حصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخة منها، تفادي بعض العوائق السابقة. وتنص الخطة على تأسيس سلطة تنفيذية فلسطينية تتولى تقديم خدمات مثل الصحة والتعليم والأمن. كما تشير إلى ضرورة التنسيق بين الحكومة المؤقتة والسلطة الفلسطينية في الملف الحساس المتعلق بنزع سلاح الجماعات المسلحة.
يوم الإثنين، رحّب بلير بخطة الرئيس ترامب، واصفًا إياها بأنها “جريئة وذكية”. وقال في بيان إن قرار ترامب بتولي رئاسة ما يُعرف بـ”مجلس السلام” يمثل “إشارة قوية على الدعم والثقة بمستقبل غزة”.
لكن ترامب أوضح أنه لا يعتزم الانخراط في إدارة يومية للخطة، ما يعني أن العبء الأكبر سيقع على عاتق بلير، الذي يعمل معهده في نحو 40 دولة حول العالم، من بينها السعودية، ويضم بين مموليه الملياردير لاري إليسون، أحد رموز وادي السيليكون، والمعروف بمواقفه المؤيدة بشدة لإسرائيل.
لطالما أكد بلير التزامه بالقضية الفلسطينية. وقد أخبر زملاءه مؤخرًا أنه ينظر إلى غزة منذ عام 2005، حين استضاف مؤتمرًا في لندن عقب انسحاب إسرائيل من القطاع، باعتبارها نموذجًا أوليًا لدولة فلسطينية مكتملة.

قال روبرت دانين، الدبلوماسي الأمريكي الذي عمل مع بلير ضمن اللجنة الرباعية، وكان مستشارًا له لفترة طويلة، إن رئيسه السابق “يمتلك خبرة واسعة في تحريك البيروقراطيات والحكومات”، لكنه أعرب عن شكوكه بشأن مدى التزام الأطراف الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالمضي قدمًا في هذا المسار على المدى الطويل.
وأضاف: “الكثير من الأطراف تريد ببساطة المضي قدمًا. ما تم طرحه هو جدول أعمال طموح للغاية، وتنفيذه سيتطلب جهودًا هائلة”.
المصدر: نيويورك تايمز