ترجمة وتحرير: نون بوست
في صباح أحد الأيام الماضية، تلقّى مسؤول مالي سابق في شركة إيلون ماسك للذكاء الاصطناعي “إكس إيه آي”، رسالة إلكترونية مثيرة للقلق من أليكس سبيرو، محامي إيلون ماسك المعروف بشراسته.
وجاء في رسالة سبيرو: “لقد علمنا بأنك ارتكبت عدة انتهاكات لالتزامات السرية في شركة “إكس إيه آي”. نرجو منك التوقف فورًا”.
وجاء رد المسؤول مقتضبًا وحادًّا: إهانة صريحة لسبيرو.
ويأتي هذا الخلاف ضمن دعوى قضائية أمريكية رفعتها “إكس إيه آي” ضد منافستها “أوبن إيه آي”، مطوّرة روبوت الدردشة “تشات جي بي تي”، حيث اتهم ماسك الشركة بسرقة أسرار تجارية وممارسة منافسة غير عادلة.
قد تبدو إجراءات ماسك القانونية تصرّفًا اعتياديًا من ملياردير معروف بكثرة التقاضي، لكنها تعكس تصاعد حرب المواهب في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتحول السباق نحو “الذكاء الفائق” إلى معارك قضائية تتسم بالحدة والعداء المتزايد.
وتخوض شركات كبرى مثل ميتا وغوغل و“إكس إيه آي” و“أوبن إيه آي” صراعًا شرسًا على استقطاب المواهب النادرة، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق في الرواتب والعقود، التي تصل أحيانًا إلى مئات ملايين الدولارات.
وأطلق ماسك سلسلة دعاوى ضد الموظفين الذين غادروا شركته، والتي تطور حاليا روبوت الدردشة “غروك” لمنصة “إكس”، متهمًا إياهم بالانتقال إلى “أوبن إيه آي” وسرقة تقنيات “إكس إيه آي”.
في الدعوى القضائية ضد “أوبن إيه آي”، اتهم ماسك المدير المالي السابق ومهندسين اثنين، هما زوتشين لي والبريطاني جيمي فريتور، بالانشقاق والانضمام إلى “أوبن إيه آي” وأخذ معلومات قيّمة معهم.
وجاء في وثائق القضية: “من الواضح أن “أوبن إيه آي” ستفعل أي شيء عند تهديدها من منافس متفوّق، بما في ذلك الاستيلاء على التقدّم التقني، ورموز المصدر، وخطط الأعمال”.
وقد نفت “أوبن إيه آي” تلك الاتهامات، مؤكدة أن ماسك يشن “حملة ترهيب”.
كما رفعت شركة ماسك دعوى منفصلة ضد لي، متهمةً إياه بنقل ملفات من “إكس إيه آي” ومحاولة “طمس الأدلة”. وقد أصدر قاضٍ أمريكي الشهر الماضي أمرًا مؤقتًا يمنعه من الانضمام إلى “أوبن إيه آي”.
وامتدت المعركة القضائية إلى المحاكم البريطانية بعد أن رفعت شركة ماسك دعوى ضد فريتور أمام المحكمة العليا في لندن.
وكشفت وثائق المحكمة أن شركة التكنولوجيا الأمريكية رفعت دعوى قضائية ضد جيمي فريتور، أحد أوائل 50 موظفًا في الشركة، تطالب فيها بمبلغ 200,000 جنيه إسترليني، متهمة إياه بـ”التصرف بأسرار الشركة من خلال النسخ والاحتفاظ والكشف أو أي استخدام غير مشروع”.
وحسب الملفات الأمريكية، يُزعم أن فريتور قام بتنزيل كود المصدر الخاص بشركة “إكس إيه آي” عبر خاصية “إير دروب” على حاسوبه المحمول قبل يوم من استقالته.
وقال محامو فريتور، من مكتب “ترافرز سميث”، إن قراره كان “متهورًا ومؤسفًا”، لكنهم “ينفون بشدة” أن يكون قد حاول استخدام الكود لصالح “أوبن إيه آي”، مؤكدين أنه حذف جميع البيانات منذ ذلك الحين. تم التواصل مع فريتور ومحاميه للتعليق، ولا تزال الملاحقة القضائية مستمرة.
السلاح المفضّل
تأتي هذه المعارك القانونية في إطار مساعي إيلون ماسك، الذي ارتفعت ثروته الأسبوع الماضي إلى 500 مليار دولار، لوقف هجرة كبار الموظفين من إمبراطوريته التجارية، بما في ذلك تسلا.
تم استقطاب مسؤولين وفرق كاملة من موظفيه مقابل مبالغ ضخمة. تفيد التقارير بأن ميتا عرضت أكثر من مليار دولار لاستقطاب باحث واحد من شركة “ثينكينج ماشين” الناشئة في وقت سابق من هذا العام. رفض الباحث العرض، بينما وصفت ميتا الادعاءات بأنها “سخيفة”.
كما أنفقت شركة زوكربيرغ مليارات الدولارات لجذب أبرز مهندسي الذكاء الاصطناعي من الشركات المنافسة واستقطاب فرق كاملة من الشركات الناشئة لقيادة مختبرات “الذكاء الفائق” تحت قيادة ألكسندر وانغ، المدير السابق لشركة “سكيل إيه آي”.
وفي المقابل، تفاخر ماسك باستقطاب مهندسين من ميتا للانضمام إلى “إكس إيه آي” “دون الحاجة إلى رواتب أولية ضخمة”.
رغم مشاركته في تأسيس وتمويل “أوبن إيه آي”، دخل ماسك في نزاع طويل ومرير مع المؤسس سام ألتمان منذ أن غادر الشركة الناشئة في 2018، وتبعه آخرون منذ ذلك الحين.

وحسب الوثائق القضائية، غادر ثمانية من كبار المسؤولين التنفيذيين والمهندسين شركة “إكس إيه آي” للانضمام إلى “أوبن إيه آي”. كما انضم مسؤولون كبار مثل ديفيد لاو، الرئيس السابق لتطوير البرمجيات في تسلا، إلى فريق ألتمان.
وفي ظل المنافسة المتصاعدة بين روبوتي الدردشة المتنافسين “تشات جي بي تي” و”غروك”، اتهم ماسك ألتمان بسلوك مضاد للمنافسة، وحاول إحباط جهود الشركة لتحويل أعمالها إلى نموذج ربحي، فيما تنفي “أوبن إيه آي” وألتمان تلك الادعاءات.
وانتقد بعض موظفي ماسك السابقين ميله السياسي نحو اليمين وتدخله في الانتخابات، بينما أبدى آخرون صعوبة في مجاراة أخلاقيات عمله المتطرفة.
وقال روب كيل، كبير المحامين سابقا في “إكس إيه آي”، إن هناك “فجوة واضحة بين رؤيتنا ورؤية ماسك للعالم”، مضيفًا أنه اضطر للاختيار بين “العائلة والعمل”.
وأعلنت ليندا ياكارينو، الرئيسة التنفيذية السابقة لمنصة “إكس”، الصيف الماضي عن استقالتها.
مع ضخ مبالغ ضخمة في الحرب على المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، يتوقع المحامون المزيد من النزاعات. وقالت سارة تيشلر، من مكتب “بيك ريد ريدن”، إن دعاوى الأسرار التجارية أصبحت “السلاح المفضل” في نزاعات الموظفين بالولايات المتحدة، مضيفة أن البنود التقليدية الخاصة بعدم المنافسة صعبة التطبيق في كاليفورنيا.

تقول “أوبن إيه آي” في إحدى الوثائق القانونية إن القضية ضدها لا تتعلق فعليًا بالأسرار التجارية.
ويوم الخميس، وصفت “أوبن إيه آي” الدعاوى القضائية التي رفعها ماسك ضد الموظفين المستقيلين بأنها “تنمّر على موظفيه السابقين”.
وزعمت الشركة أن بعض الاستقالات “تزامنت مع سلسلة من الحوادث هذا الصيف”، عندما قدم روبوت “غروك” إجابات معادية للسامية. ولم ترد “إكس إيه آي” على طلبات التعليق.
وفي بيان لها، قالت الشركة: “للتوضيح، أوبن إيه آي لا تحتاج ولا ترغب في الحصول على أسرار أي جهة، وخاصة أسرار إكس إيه آي”.
وأضافت: “هذه الدعوى تهدف بوضوح إلى خلق ضجة إعلامية لتخويف وتهديد الموظفين الذين مارسوا حقهم في المغادرة والعمل في أماكن أخرى في مجال الذكاء الاصطناعي، ومحاولة ردع المزيد من الموظفين عن الانتقال من إكس إيه آي”.
وأشار البيان إلى أن حرب الذكاء الاصطناعي أدت إلى “فرار موظفي إكس إيه آي”.
المصدر: تلغراف