تحتضن مدينة شرم الشيخ المصرية، الاثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، القمة الدولية المزمع عقدها بناء على دعوة الإدارة الأمريكية، لبحث مستقبل وقف إطلاق النار في غزة، وترتيبات إنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال في قطاع غزة منذ أكثر من عامين.
تأتي القمة، التي تعد واحدة من أكثر القمم أهمية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد أيام قليلة من إعلان التوصل إلى اتفاق على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، تمهيداً لوقف الحرب بشكل تام، استنادًا إلى الخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بضمانة كل من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب الولايات المتحدة.
وكانت الرئاسة المصرية قد أعلنت مساء السبت، الحادي عشر من الشهر الجاري، عن استضافتها لتلك القمة التي من المتوقع أن يشارك فيها زعماء وممثلو 20 دولة، وتنعقد تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام”، موضحة أنها تهدف إلى “إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي”، مضيفة أنها تأتي في ضوء رؤية الرئيس الأميركي “لتحقيق السلام في المنطقة، وسعيه الحثيث لإنهاء النزاعات حول العالم”.
زخم دولي كبير
تحظى القمة بزخم دولي كبير، ربما يكون الأكبر منذ عقود طويلة، حيث يتوقع حضور العديد من القادة والزعماء من مختلف دول العالم، إلى جانب عدد من المسؤولين الأمميين الدوليين، الأمر الذي يمنح هذا الاجتماع ثقلا سياسيًا استثنائيًا.
ومن أبرز المشاركين الذين أكدوا حضورهم القمة التي يترأسها بشكل مشترك الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
كما أشارت وسائل إعلام تركية إلى مشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان، فيما من المتوقع حضور كل من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف، والمسستشار الألماني فريدريش ميرز.
وقد وسعت الولايات المتحدة قائمة المدعوين بشكل ملحوظ، حيث أضافت إسبانيا، واليابان، وأذربيجان، وأرمينيا، والمجر، والهند، والسلفادور، وقبرص، واليونان، والبحرين، والكويت، وكندا، وفق ما ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي الذي نقل عن مصادر أن دعوة وجهت إلى إيران أيضاً، وإن أفادت وسائل إعلام إيرانية عدم حضورها، مع توقع مشاركة قادة أو وزراء خارجية من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وقطر والإمارات والأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية وباكستان وإندونيسيا.
اللافت هنا غياب طرفي الصراع عن مراسم توقيع الاتفاق، حيث اكدت حركة حماس عل لسان بعض قياديها أنها لن تشارك في تلك القمة، وأن الأمر سيقتصر على “الوسطاء”، فيما لم يصدر بعد أيّ إعلان بشأن مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القمة، فيما نقل “أكسيوس” عن مسؤول أميركي، أن من غير المتوقع حضور نتنياهو في الوقت الحالي. فيما غابت السلطة الفلسطينية عن التمثيل كذلك.
ماذا يريد ترامب من هذه القمة؟
على الرغم من إعلان التوصل إلى اتفاق المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في غزة ودخوله حيز التنفيذ، كان بإمكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاكتفاء ببيان رسمي لتمرير الاتفاق، لكن سعيه الحثيث لعقد “مراسم عالمية” ضخمة في شرم الشيخ، بحضور وتوقيع زعماء وقادة دوليين، أثار عاصفة من التساؤلات والتحليلات حول دوافعه الحقيقية.
إن شخصية ترامب، التي تجمع بين الوضوح الصادم والغموض التكتيكي، تجعل من الصعب تحديد نواياه بدقة، لكن يمكن تحليل دوافعه لعقد هذه القمة الحساسة من منظورين أساسيين: الدافع الشخصي (النرجسية السياسية) والدافع الاستراتيجي (توظيف الدبلوماسية).
يمثل الدافع الشخصي لترامب محركاً أساسياً لعقد القمة، حيث يسعى إلى توظيف هذا المحفل الدولي لتحقيق مكاسب ذاتية عميقة، فبعد أن كان يُؤمّل نفسه بالحصول على جائزة نوبل للسلام، والتي ذهبت للفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، يرى الرئيس الأمريكي في إنجاز غزة فرصة ذهبية لـ “تجميل المشهدية” وتصدير صورة “رجل السلام المخلص” أمام الرأي العام العالمي، فالقمة بالنسبة له بمثابة حفل تتويج غير رسمي لدوره كوسيط حاسم.
وفي ذات التمجيد الشخصي الذي ينشده، يحرص ترامب على تصوير نفسه على أنه القادر على إبرام “صفقات عظيمة” وحل النزاعات المعقدة التي عجز عنها الرؤساء السابقون، إذ توفر قمة شرم الشيخ المنصة المثالية لتأكيد هذه السردية، حيث يسعى لجمع أكبر عدد ممكن من القادة للإطراء على خطته وتمجيد مقترحه، مقدماً نفسه كـ “الإمبراطور الذي أنهى الحرب” التي شكلت صداعاً مزمناً للضمير العالمي لعامين كاملين.
أما على المستوى الاستراتيجي فيحاول الرئيس الشعبوي تأكيد القيادة الأمريكية دوليًا، وإظهار قوة ونفوذ الدبلوماسية الأمريكية تحت إدارته، كدليل على أن “أمريكا أولاً” لا يعني الانعزال، بل يعني فرض الحلول الجريئة والناجحة، كما حاول الترويج خلال حملته الانتخابية.
وبعيداً عن الأضواء الشخصية، تخدم القمة أهدافاً سياسية استراتيجية لترامب في مواجهة تحدياته الداخلية والخارجية، حيث توظيفها كأداة قوية لتكميم أفواه المنتقدين الذين وجهوا له سهام الهجوم بتهم دعم الحرب وتأييد الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، فاستثمار هذا الزخم الدبلوماسي يسمح له بإسكات الانتقادات وإضافة رصيد إيجابي ضخم لسجله السياسي، وتحويل الاتهامات إلى إشادة بدوره في تحقيق السلام.
لماذا لم يحضر نتنياهو؟
على الرغم من الزخم الدولي غير المسبوق الذي يحيط بـ “قمة شرم الشيخ للسلام”، الهادفة إلى تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، كان الغياب الأبرز عن مراسم التوقيع هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
هذا الغياب، الذي تزامن مع إعلان حركة حماس عدم مشاركتها، فتح الباب واسعاً أمام التكهنات، واعتُبر مناورة سياسية معقدة تهدف إلى الموازنة بين متطلبات الدبلوماسية الخارجية وحسابات البقاء داخل ائتلافه الحكومي الهش.
أولاً: التناغم مع الخطاب الداخلي وتجنّب صورة “المتنازل“
يدرك نتنياهو أن ظهوره شخصياً في احتفالية دولية كبرى بمناسبة “إنهاء الحرب” سيتعارض مع خطابه الداخلي الذي ما زال يؤكد أن أهداف الحرب “لم تتحقق بعد”، فبالنسبة لجمهوره اليميني، لا تُعدّ الهدنة الحالية سوى “استراحة تكتيكية” أو مرحلة أولى تهدف إلى إطلاق سراح الأسرى، لا نهاية رسمية للصراع مع حماس.
فالظهور في قمة بهذا الحشد الكبير، تحت عنوان السلام الشامل، وسط تصفيق القادة الدوليين، كان سيضعه في تناقض مباشر مع خطابه التعبوي الموجه للداخل الإسرائيلي، وهو ما حرص على تجنبه بالغياب عن هذا المحفل رغم زخمه.
كما اختار نتنياهو الغياب استباقاً لأي أزمة داخلية قد تعصف بائتلافه اليميني المتطرف، فشركاؤه في الحكومة، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يرفضون أي خطوة يمكن أن تُفسَّر كتنازل أو نهاية رسمية للحرب، ومن هنا فإن حضوره لحفل التوقيع كان سيُعتبر استسلاماً سياسياً في نظر هذه الأطراف، وربما يُشعل أزمة قد تُسقط حكومته في لحظة حرجة.
ثانياً: استئثار ترامب بالأضواء وتجنّب ضغوط “اليوم التالي“
من زاوية أخرى، يخدم غياب نتنياهو العلاقة الاستراتيجية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فمن خلال الابتعاد عن المشهد، سمح للرئيس الأمريكي النرجسي بأن يتصدّر المشهد الإعلامي بوصفه “صانع السلام” — وهو لقب يسعى إليه بشدة في ظل الطموحات الشخصية المتكررة بنيل جائزة نوبل للسلام.
كما تسعى القمة إلى بلورة رؤية لما يُعرف بـ “اليوم التالي للحرب”، أي مستقبل الحكم في غزة وإمكانية إطلاق مسار سياسي طويل الأمد نحو حل الدولتين، ويرى نتنياهو أن هذه الملفات يجب أن تُدار خلف الأبواب المغلقة عبر مفاوضات غير مباشرة يقودها فريقه الأمني، لا عبر منصة دولية مفتوحة تتضمن ضغوطاً علنية من قادة العالم، لذلك، آثر الغياب كي لا يُجبر على تقديم مواقف محددة في قضايا حساسة قد تُقيّد حركته السياسية لاحقاً.
ثالثاً: توسيع مساحة المناورة للمفاوضات القادمة
يرى نتنياهو أن إرسال وفد للتوقيع، دون حضوره الشخصي، يمنحه مساحة مرنة للمناورة داخلياً، إذ يمكنه لاحقاً الادعاء بأن البنود الحساسة — مثل نزع سلاح حماس أو صيغة الإدارة المستقبلية لغزة — لم تُحسم بعد، وبالتالي لا تُلزم القيادة السياسية العليا بما تم التوصل إليه في القمة.
في المحصلة، يمكن التعامل مع غياب نتنياهو عن قمة الشيخ كـ “مناورة مزدوجة”، فهو من جهة أرسل وفده للمشاركة والتوقيع على المرحلة الأولى، لضمان الإفراج عن الأسرى والحصول على الغطاء الأمريكي الضروري لاستمرار التنسيق السياسي والأمني، ومن جهة أخرى تجنّب الظهور في مشهد “السلام” الذي قد يُفسَّر كتنازل أمام خصومه في الداخل.
أي أهمية يمكن للقمة أن تمثلها؟
قمة بهذا الزخم وتلك المشاركة الدولية الكبيرة لاشك وأنها تهدف لتحقيق العديد من الأهداف التي تخدم العنوان الذي عقدت تحته “قمة شرم الشيخ للسلام”، من أبرزها:
تثبيت الاتفاق وضمان استمراريته.. تسعى القمة التي يشارك فيها قادة أكثر من عشرين دولة لتحويل الاتفاق من مجرد صفقة ثنائية إلى التزام دولي متعدد الأطراف، مما يوفر غطاءً وضمانة أمنية وسياسية لتنفيذ بنود الاتفاق، ويصعّب على الأطراف المعنية (إسرائيل وحماس) التراجع عنه لاحقاً.
تنفيذ كامل مراحل الاتفاق.. تأتي القمة لاعتماد المرحلة الأولى التي دخلت بالفعل حيز التنفيذ وتتضمن انسحاب إسرائيلي تدريجي من محيط غزة، تبادل الأسرى والرهائن، زيادة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة، وفي الوقت ذاته تفتح باب النقاش للتباحث حول بقية المراحل التي على رأسها هوية السلطة الجديدة المزمع أن تدير القطاع.
كما أن دعوة مجموعة واسعة من الدول (بما في ذلك دول عربية وإسلامية بارزة، ودول أوروبية وآسيوية) تهدف إلى إضفاء شرعية عالمية على الاتفاق وتأكيد أن المجتمع الدولي “سئم من القتال ويريد إنهاء الدمار والمعاناة”، مما يزيد من حجم المحفزات لتنفيذ بقية المراحل.
دعم حلفاء أمريكا في المنطقة.. أحدثت حرب غزة شروخا متفاوتة في جدار العلاقات بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط، بسبب الدعم الأمريكي المطلق لحرب الإبادة وتجاهل أي مقاربات عربية أو إسلامية، ومن ثم يحاول ترامب تلطيف الأجواء عبر تكريم جهود الوساطة المصرية والقطرية على وجه التحديد.
ألغام في مسار التسوية
المثير للقلق أن الاتفاق الذي دُعي قادة أكثر من 20 دولة لحضور مراسم التوقيع عليه غير مكتمل البنيان، وأن المسكوت عنه أضعاف ما هو معلن، حيث تجاهل الملفات الأكثر جدلا والتي كانت سبب الخلاف الرئيسي على طاولة المفاوضات طيلة الأشهر الماضية.
ما يتوقع إنجازه خلال هذه القمة يتعلق بالمرحلة الأولى فقط، تلك التي تتضمن وقف مؤقت لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، دفعة واحدة، والانسحاب الجزئي للقوات العسكرية الإسرائيلية مع البقاء والسيطرة على أكثر من نصف مساحة القطاع.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” كشف أن الصيغة المُسرّبة للاتفاق المزعوم لا تقدم نهاية فعلية للحرب بقدر ما تقدم نهاية دبلوماسية للمرحلة، مؤكدًا أن أكبر الملفات الجدلية قد تم تأجيلها عمداً بدلاً من حسمها، وهو ما يشي بأن هذه الهدنة قد يكون مجرد فسحة لالتقاط الأنفاس وإعادة التموضع، وليس إنهاءً حقيقياً لدائرة العنف التي يحكمها صراع وجودي، فالاتفاق ورغم استجابته للحاجات الملحة الإنسانية والعسكرية، فشل في مقاربة المسائل الجذرية التي أشعلت الفتيل مراراً، كإنهاء الحصار وضمان حق تقرير المصير.
الاتفاق ترك عدة ألغام، مهملة غير محسومة، قابلة للانفجار في أي وقت، أبرزها، سلاح المقاومة (اللغم الأكبر) إذ ترك هذه المسألة دون حسم، ليتحول هذا الملف إلى لغم حقيقي يهدد نسف أي استقرار مستقبلي، كذلك الانسحاب الإسرائيلي.، حيث ستبقى قوات الاحتلال في مناطق استراتيجية وحيوية مثل رفح وبيت حانون ومحور فيلادلفيا، ليبقى السؤال معلقاً: هل تقبل حماس باستمرار السيطرة الإسرائيلية على نقاط تماس حيوية دون تحديد جدول زمني لانسحاب كلي؟
ثم اليوم التالي للحربـ فحكومة نتنياهو تتمسك بألا يكون لحماس أي دور في حكم القطاع، وتتضمن خطة ترامب إسناد السلطة الجديدة لقيادة أجنبية (بما في ذلك ترامب نفسه وتوني بلير)، في المقابل، ترفض حماس أي دور أجنبي، مؤكدة استعدادها للتخلي عن حكم غزة، ولكن فقط لصالح حكومة تكنوقراط فلسطينية بدعم عربي وإسلامي. هذا التضارب في الرؤى يُبقي فراغ السلطة احتمالاً قائماً، ولغماً قابل للانفجار في أي وقت.
هذا بخلاف مسألة قيام الدولة الفلسطينية، وهو الملف الذي ظل معلقاً بين نقيضين، فالدول العربية والإسلامية، والوسطاء تحديداً، تشدد على وجوب أن يؤدي هذا الاتفاق في النهاية إلى دولة فلسطينية مستقلة، غير أن نتنياهو، ووزراء اليمين المتطرف في حكومته، ينفون إمكانية حدوث ذلك، ليتحول هذا الملف من هدف إلى عقبة قد تُجهض الاتفاق من مضمونه في مراحله النهائية.
وفق تلك الألغام القابعة فوق فوهة بركان الانتكاسة، يمكن القول إن اتفاق شرم الشيخ يمثل نموذجاً لـ”السلام المؤجل” الذي يشتري وقتاً ثميناً، لكنه يترك المفاوضات الجوهرية حول السلاح، والسيادة، والمستقبل السياسي معلقة على حافة الهاوية، متروكة لرياح المقاربات المتأرجحة.
هل من ضمانات لإلزام إسرائيل بتنفيذ كامل الاتفاق؟
الهدوء النسبي الذي رافق إعلان المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة لم يقضِ على مخاوف كثيرين من أن تبقى التفاهمات على الورق أكثر منها واقعًا مُلزمًا، الغياب البارز لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن مراسم توقيع ما تم الاتفاق عليه، إلى جانب بقاء نقاشات المراحل اللاحقة مفتوحة على احتمالات متعددة، يثير أكثر من سؤال جوهري حول نوايا الاحتلال والتزاماته القادمة.
إذا كانت بنود “المراحل المتقدمة” من الاتفاق لم تُحسَم بعد، فما قيمة التوقيع الذي يشهده القادة في شرم الشيخ؟ أي التزامات سيُطلب من تل أبيب الالتزام بها إذا كانت الصياغات فضفاضة والغموض أقرب إلى الفوضى؟ وماذا إذا رفضت الحكومة الإسرائيلية، وبعد الإفراج عن الأسرى، المضي في إنهاء الحرب وفق المقترحات المطروحة؟ هل توجد آليات ضمان حقيقية تُلزم نتنياهو وحكومته بتنفيذ ما لم تُنجز بنوده بعد؟
هذه الأسئلة ليست نظرية فحسب، بل تتغذى من مؤشرات ميدانية وسياسية ظهرت فور الإعلان عن المرحلة الأولى، فقبيل إطلاق سراح الأسرى، لم يتوان بعض المسؤولين الإسرائيليين عن إطلاق تصريحات تُذكّر بأن المسار الأمني لم ينتهِ بعد.
حيث توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في تغريدة له على حسابه على “إكس” بأن “التحدي الأكبر بعد إعادة المختطفين سيكون تدمير جميع أنفاق حماس في غزة”، مؤكدًا أنه أمر الجيش بالاستعداد لهذه المهمة باعتبارها “الدلالة الأساسية لتطبيق مبدأ نزع سلاح غزة”، وتُعيد مثل تلك التصريحات تعريف ما يُفهم بـ”إنهاء الحرب” من تهدئة مؤقتة إلى استمرار عمليات عسكرية جديدة تحت مسميات مختلفة.
האתגר הגדול של ישראל לאחר שלב החזרת החטופים יהיה הריסת כל מנהרות הטרור של חמאס בעזה באופן ישיר ע"י צה"ל ובאמצעות המנגנון הבינלאומי שיוקם בהובלת ופיקוח ארה"ב.
זאת המשמעות העיקרית של מימוש העיקרון עליו סוכם של פירוז עזה ונטרול חמאס מנשקו.
הנחיתי את צה"ל להיערך לביצוע המשימה.
— ישראל כ”ץ Israel Katz (@Israel_katz) October 12, 2025
المنطق السياسي والعسكري يقول إن غياب التزامات واضحة ومحددة زمنياً يعيدنا إلى واقع مؤلم، هذا المنطق ترسخه تجارب الكثير من الاتفاقات الدولية الناشئة جراء ضغوط ظرفية والتي انتهت كـ”هدن قابلة للتغير” لأن آليات المراقبة والجزاءات كانت ضعيفة أو غائبة.
وبالنظر إلى البيئة السياسية الإسرائيلية الداخلية، حيث يُشكِّل الائتلاف اليميني رادعًا لأي تنازل يُنظر إليه داخليًا بوصفه هزيمة، فإن عدم حضور القائد السياسي الأبرز إلى حدٍّ يحمل دلالات، ليس فقط رمزياً، بل عملياً على أن ملف “ما بعد الإفراج” سيُدار بطرق تحفظ له مساحة المناورة.
أما من يعولون على دول الضمان —مصر وقطر والولايات المتحدة—والتي قدمت نفسها كمرجعيات للمتابعة والتنفيذ، فإنها حتى الآن لا تملك الإرادة التي تؤهلها لتوظيف ما تملكه من أدوات وآليات تمكنها من الضغط على نتنياهو، إذ ترتكز على خطاب رقابي تحذيري أكثر منه أداة ضغط تنفيذية قادرة على فرض التزام فوري في حال التراجع.
وهنا يقف اتفاق شرم الشيخ أمام اختبار حقيقي: هل سيكون مجرد مناسبة دبلوماسية تُسجَّل كحدث بروتوكولي، أم منصة لإطلاق آليات تنفيذية راسخة تَحول الوعود إلى واقع ملموس؟ ومع غياب إجابات قاطعة، يشحذ الواقع السياسي والميداني الأدوات التي يبقى معها السؤال الأصلي عالقًا: هل نُشهد توقيعًا على اتفاق تفصيلي يؤسس لسلام دائم، أم حفلة توقيع تخفي وراءها شروط استمرار دينامية الحرب باسم “المرحلة التالية”؟
الإجابة بطبيعة الحال تحملها الأيام والأسابيع المقبلة التي من المتوقع أن يتبلور فيها المشهد بشكل واضح، حيث سيُختبر الالتزام الإسرائيلي بالاتفاق بشكل عملي، وقدرة ترامب على فرض كلمته، أو على الأقل احترامها، أمام قادة دول سيجدون أنفسهم في مأزق أخلاقي كبير إذا ما ضرب نتنياهو بمخرجات تلك القمة عرض الحائط.