هبطت طائرة عسكرية سعودية في عدن، وعلى متنها رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة اليمني، الرئيس اليمني المعترف به دولياً، وكان محاطاً بمسؤولين يمنيين وضباط سعوديين عند نزوله من الطائرة السعودية، وذلك بعد شهر من مغادرته جراء خلافات سياسية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان عسكري وسياسي مدعوم إماراتيًا يسعى إلى تحقيق انفصال الجنوب عن الشمال.
مرت أكثر من ثلاث سنوات منذ أن اتفقت العديد من المكونات السياسية في اليمن على اختيار رشاد العليمي كقائد جديد للبلاد، خلفًا لعبد ربه منصور هادي، الرئيس السابق الذي ترك اليمن يغرق في مستنقع من الأزمات. وعند توليه السلطة، كان كثير من اليمنيين يعتقدون أن العليمي سيكون أذكى وأدهى وأقوى من هادي، وسيتمكن من حسم الحرب سواء عبر المفاوضات أو بالحلول العسكرية.
وثائق جديدة تكشف كيف تستّرت #بريطانيا على مجازر ارتكبتها #السعودية في #اليمن، أبرزها قصف عزاء صنعاء عام 2016 الذي أسفر عن مقتل 155 شخصًا.
📍رغم الأدلة، لم تُحمّل لندن الرياض أي مسؤولية، واستمرت في تصدير السلاح… فهل كان الصمت البريطاني جزءًا من الصفقة؟
📖 القصة الكاملة في هذا… pic.twitter.com/AvRYYMFzlJ
— نون بوست (@NoonPost) March 30, 2025
إلى اليوم، لم تُحسم الحرب سياسيًا أو عسكريًا، ولا تزال التحديات التي تواجه البلاد أكبر وأصعب مما كانت عليه في السابق. ويستمر العليمي في رئاسته لليمن في هذه المرحلة، لكن يبدو واضحًا أنه لن يستطيع الصمود في موقعه أكثر من أيام قليلة إذا قررت السعودية التوقف عن دعمه.
في عدن، حيث يقيم العليمي، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، ويصدر رئيسه عيدروس الزبيدي القرارات ويتحكم بالكثير من الإيرادات، ما يجعل تعامل العليمي مع هذه التحديات صعبًا للغاية.
أصدر الزبيدي في الشهر الماضي عددًا من القرارات خارج الصلاحيات الممنوحة له، حيث قرر تعيين عدد من الأشخاص في مؤسسات حكومية وسيادية، واعتبرها الكثير من المراقبين السياسيين في اليمن تعديًا على صلاحيات القيادة السياسية والحكومية في اليمن.
بعد أربعة أيام من إصدار تلك القرارات، توجه العليمي إلى الرياض للحديث لدى القيادة السعودية عن اعتراضه على مثل تلك القرارات، وفقًا لمصادر سياسية. لم يتصادم العليمي مع الانتقالي بالسلاح أو الجنود، وطلب تشكيل لجنة قانونية لدراسة تلك القرارات، وتوصل الفريق القانوني إلى عدم مشروعية القرارات التي أصدرها الزبيدي.
ماجد الداعري، كاتب صحفي جنوبي ورئيس تحرير مراقبون برس، يرى أن توصيات الفريق القانوني تثبت أن القرارات التي أصدرها الزبيدي غير قانونية، وهذا وهذا أمرٌ محسومٌ. ويضيف: ” لكن المهم والأهم من ذلك هو كيف يمكن إبطال تلك القرارات على أرض الواقع الجنوبي، بعد أن أصبحت الآن سارية المفعول على الأرض ومن الصعوبة جدا إقناع من أصدرها بالتراجع عنها؟”.
تحذير أم تخدير؟
يحظى العليمي بدعم سياسي ومالي من السعودية منذ تعينه في إبريل 2022، لكنه يفتقر إلى الدعم العسكري لإثبات وجوده الفعلي وتثبيت حكمه في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثي. مصدر سياسي في مدينة عدن يصف عودة العليمي على متن طائرة عسكرية سعودية بـ “رسالة تحذير لخصوم العليمي أو خدمة بسيطة لاستمرار تخديره”.
يوضح المصدر لـ “نون بوست” قائلًا: “يمكن تفسير وصول العليمي إلى عدن على متن طائرة عسكرية سعودية بأنه نوع من التحذير للمجلس الانتقالي الذي يحاول تهميش كل الأطراف السياسية في الجنوب، بمن فيهم الحكومة المعترف بها دوليًا. وقد يكون هذا الأمر خدمة بسيطة للعليمي تقدمها السعودية لكي لا يشعر بالخذلان، وهذا يعد نوعًا من التخدير لرئيس بلا سلطة فعلية”.
وفقًا للمصدر، السعودية تثق في العليمي، ولا تنسجم مع الزبيدي، لكنها لا تريد اللجوء إلى الصدام العسكري من أجل الدفاع عن حليفها أو مشروعها.
تمول المملكة العربية السعودية ما تسمى “قوات درع الوطن” في عدن والضالع وأبين وحضرموت، وتتبع مجلس القيادة الرئاسي اليمني، لكنها لم تتصادم عسكريًا مع قوات الانتقالي حتى اليوم
الخبير في الشأن اليمني فرناندو كرفخال، العضو السابق في لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، يقول في تقرير حديث إن غياب الإصلاح الجاد لمجلس القيادة الرئاسي يترك اليمن لمصير الوضع القائم، وإن “المستقبل يبدو قاتمًا في ظل تفشي الخلافات السياسية ومعاناة ملايين اليمنيين جراء انقطاع الرواتب والخدمات الأساسية”.
وأشار كرفخال إلى أن جيران اليمن (دول الخليج) مترددون أيضًا في الإخلال بالوضع الراهن مع تهديد الحوثيين بضرب أراضيهم، ولا يزال إصلاح مجلس القيادة الرئاسي خارج اهتمامات رعاته، بخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
تهديد السعودية بالتصعيد
منذ اندلاع حرب اليمن عام 2015، كانت السعودية ولا تزال الدولة الأكثر تأثيراً على المشهد السياسي والعسكري في اليمن.
منذ مارس 2015 حتى أبريل 2022، كانت المملكة العربية السعودية على رأس التحالف العربي الذي شن ضربات جوية وأرسل قوات عسكرية إلى اليمن بهدف إسقاط جماعة الحوثي التي استولت على السلطة بالقوة في عام 2015.
لم يستطع التحالف العربي إنهاء حكم الحوثي في شمال اليمن بالقوة العسكرية، وتوقفت الحرب وفقاً لهدنة رعتها الأمم المتحدة في عام 2022. جاءت الهدنة لتخفيف عبء الحرب عن السعودية، غير أن اليمن ما زال غارقًا في دوامة الصراع والفوضى. وتحمِّل جماعة الحوثي القيادة السعودية مسؤولية استمرار حالة «اللا سلم واللا حرب» التي يعيشها اليمن اليوم.
مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثي، دعا “النظام السعودي للانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى إنهاء العدوان والحصار والاحتلال وتنفيذ الاستحقاقات الواضحة للسلام، كون ذلك الحل الأقرب لقطع المجال أمام من يستثمر في الحروب بين أبناء أمتنا خدمة لإسرائيل”.
وفي كلمة ألقاها الأسبوع الفائت، أشار المشاط إلى أنهم سيعملون على تطوير قدراتهم العسكرية والارتقاء بها ليتمكنوا من مواجهة كل ما لدى العدو من تقنيات عسكرية حديثة في إطار الاستعداد والجهوزية لأي هجمات عدوانية على اليمن.
يعتقد حسين البخيتي، المحلل السياسي المؤيد لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أن السعودية ليست بريئة من المعاناة التي يعيشها اليمن. يقول البخيتي في منشور على صفحته في فيسبوك: “تكرار القول بأن السعودية تريد السلام وتريد إنهاء الحرب والحصار وكل تبعات عدوانها على اليمن، لكن أمريكا هي من تمنعها. هذا ليس سوى تبرير للسعودية، بل محاولة لعدم تحميلها مسؤولية كل ذلك لكي تستمر بالتهرب…”.
يضيف: “إن إعطاء العدو وقتًا لترتيب أوراقه كي يعتدي عليك يُعد غباءً، فضرب العدو (السعودية) الذي يخرق الهدنة بشكل يومي، هو أفضل وأسرع حل وأقل كلفة بشرية ومادية”.
الأمل المفقود
عبدالكريم، مواطن من مديرية خور مكسر في عدن، يرى أن المسؤولين في الحكومة اليمنية يفكرون في الحفاظ على مناصبهم أكثر من تفكيرهم في تقديم الخدمات للمجتمع وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
يقول في حديثه لـ “نون بوست”: “المسؤول اليمني يقيس نجاحه بمدى انسجامه مع الداعم الإقليمي، الإمارات أو السعودية. إنهم لا يقيسون نجاحهم بتوفير الخدمات، وتحسين المستوى الاقتصادي وانخفاض الأسعار ورضا المواطنين”.
ويضيف: “الداعم الإقليمي يوفّر للسياسيين، مثل العليمي والزبيدي، كل ما يحتاجون إليه المال، والطائرات للسفر، والسلاح. لكن لا توجد أي استراتيجية أو رغبة حقيقية في توفير الماء والكهرباء والرواتب للمواطنين. الدعم الأجنبي للسياسي اليمني هدفه إبقاؤه في الحكم، لا تحقيق الحكم الرشيد، ولهذا ستستمر معاناة الشعب اليمني”.
يعاني أكثر من 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 2.2 مليون طفل مصاب بسوء تغذية حاد.. اليمنيون في مواجهة الموت البطيء
📌التفاصيل كاملة في تقريرنا التالي 👇https://t.co/N79CgEFAI6#اليمن pic.twitter.com/dtqSFDy4jU
— نون بوست (@NoonPost) August 18, 2025
في يوم الثلاثاء، 13 أكتوبر، شهدت مدينة عدن تظاهرة سلمية، شارك فيها المئات من المتظاهرين، وطالبوا بتوفير خدمات أساسية مثل الماء والكهرباء والعدالة، لكن لم يتمكن المتظاهرون من التعبير عن مشكلاتهم وهمومهم بحرية، حيث انتشر أفراد مسلحون يتبعون المجلس الانتقالي الجنوبي، وفرقوا الحاضرين واعتقلوا شخصين.
يقول المواطن عبدالكريم بصوتٍ يملؤه الإحباط إنه فقد الأمل في المسؤولين اليمنيين، لأنهم – على حدّ تعبيره – يعملون بلا رؤية واضحة، ويتبعون إملاءات خارجية، بينما يتجاهلون معاناة الشعب يومًا بعد يوم. ويختم حديثه قائلًا: “تتحاور الأطراف السياسية وتناور وتقاتل من أجل تحقيق أهدافها أو أهداف داعميها الأجانب، والمواطن هو آخر من يفكرون فيه أو يهتمون بمصلحته”.