في صباح العشرين من أكتوبر، أنهى وزير الدفاع اليمني الفريق رُكن محسن محمد الداعري جولاته الميدانية التي استمرت قرابة شهرين، جاب خلالها الجبهات والمناطق المحرَّرة من صعدة على تخوم الشمال إلى سواحل سقطرى أقصى الجنوب، مرورًا بسهول مأرب وصحارى الوديعة ومرافئ المخا. جولة تحمل في ظاهرها رسالة معنوية عن يقظة الدولة وسط غبار الحرب، لكنها في جوهرها تكشف هشاشة السيطرة العسكرية وتعدد الولاءات التي تثقل جسد وزارة الدفاع.
من المنطقة العسكرية الخامسة في حجة (تابعة لوزارة الدفاع) إلى محاور صعدة (تديرها السعودية)، تابع الوزير استعدادات القوات النظامية، قبل أن ينتقل إلى مأرب والجوف لمراجعة جاهزية الوحدات في المناطق الثالثة والسادسة والسابعة، وهي محاور ما تزال تمثّل العمود الفقري للجيش الوطني في الشمال. لاحقًا، اتّجه الداعري إلى الجنوب، حيث زار قوات “درع الوطن” في الوديعة بقيادة القيادي السلفي العميد بشير المضربي، وهي تشكيلات تنشأ بغطاء رسمي لكنها تعمل فعليًا ضمن إشراف سعودي مباشر.
وفي الشرق الأقصى، تفقد وحدات المهرة وسقطرى، قبل أن يختم جولته في الساحل الغربي بلقاء قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، وألوية العمالقة بقيادة اللواء عبدالرحمن المحرمي، وهما قوتان ممولتان من الإمارات، رغم أن قائديهما يحتلان مناصب رفيعة داخل هيكل الشرعية.
تبدو الصور المرافقة للزيارة أنيقة ومليئة بالتحية والانضباط، لكن خلف العدسات يبرز واقع آخر، جيش رسمي منهك، وقوات ميدانية تتحرك وفق إيقاع متناقض بين نفوذ الرياض وأبوظبي.
ففي الوقت الذي تبقى فيه بعض المناطق العسكرية الشمالية تحت عباءة الوزارة، تُدار جبهات الجنوب والساحل الغربي عمليًا بقرار من القوى الإقليمية التي تمتلك التمويل والسلاح، لتتشكّل خارطة عسكرية تتقاطع فيها خطوط الولاء بين الدولة والتحالف.
على الصعيد الداخلي، ربما أنّ الوزير أراد أن يبعث رسالة صمود إلى جنوده ومواطنيه، بأن الدولة لم تغب بعد، وأن مؤسساتها لا تزال قادرة على الحضور الميداني، ولو في الحد الأدنى.
لكن المسافة بين الرمزية والواقع ما زالت واسعة. فالقوات الأكثر فاعلية ميدانيًّا لا تخضع لقيادةٍ موحّدة، والقرارات المركزية نادرًا ما تصل إلى خطوط المواجهة. أما الجيش الوطني اليمني، فبين قلة الموارد وتآكُل الدعم يجد نفسه في موقع هشٍّ بين قوى تمتلك السلاح والتمويل والسيطرة الميدانيّة.
ويبقى المواطن اليمني هو الخاسر الأكبر من هذا الانقسام، فالتعدّد العسكري يعني تعدّد المرجعيات، وضعف الأمن، وتآكُل الخدمات. والجولة مهما كانت صورها زاهية، تُظهر أن رمزيّة الدولة تسبق قوتها، وأن بناء جيشٍ واحدٍ يحتاج إلى تسويةٍ سياسيةٍ عميقةٍ توازن بين المصالح الإقليمية والطموح الوطني.
دلالات الزيارة
جولة وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن محمد الداعري إلى الوحدات والتشكيلات العسكريّة تكشف عن حقيقة مزدوجة في الوضع العسكري اليمني، فمن جهة تؤكد قدرة القيادة الرسميّة على فرض خطوط تنسيق وإشراف موحدة بين تشكيلاتٍ متعددة الولاءات، ومن جهةٍ أخرى تكشف عن تبايناتٍ حقيقيةٍ في الولاءات والارتباط المؤسسي، إذْ إن بعض التشكيلات لا تربطها بالوزارة سوى صلات تنسيقيّة، لكنها جميعًا تشترك في الهدف الاستراتيجي المعلن وهو مواجهة الميلشيا الحوثية وحماية المناطق المحرّرة.
ويرى المحلل السياسي أمين المشولي، رئيس فرع حزب العدالة والبناء بمحافظة تعز جنوب غرب البلاد، أن جولة الوزير الداعري تمثّل رسالة قوية للداخل والخارج مفادها أن كلّ التشكيلات العسكريّة ترى في وزير الدفاع قائدها الموحد، رغم احتفاظ كلٍّ منها بمسرح عمليّاته الخاصّ.
ويقول المشولي في تصريح لـ ”نون بوست”: “هذه الزيارة، بزاوية 360 درجة، ليست مجرد تحركٍ ميداني فحسب، وهي تأكيد عملي على وحدة القيادة العسكريّة وتماسكها، ورسالة بأن الجيش الوطني والتشكيلات المنضوية تحت لوائه تعمل بتناغم رغم تنوعها الميداني”.
ويضيف: “اللافت في هذه الجولات أن جميع التشكيلات ظهرت في حالة قتالية ممتازة من حيث التدريب والتسليح والانضباط، وهي رسالة واضحة للمليشيات الإرهابية بأن يوم الخلاص قادم لا محالة، فقد أحاطت الزيارات بمناطق انتشار المليشيات كما يُحيط السوار بالمعصم”.
ويختتم المشولي تصريحه بالقول: “الجيش الوطني اليوم جاهز تدريبًا وتسليحًا ومعنويات، والجواب ليس ما يُقال أو يُسمع، بل ما يُرى على الأرض، وما ستذوقه المليشيات من إرادة وقوة رجال القوات المسلحة”.
أما الصحفي السياسي عبدالله دوبله، فيرى أن زيارات وزير الدفاع لم تقتصر على الوحدات التابعة رسميًّا للوزارة، وشملت أيضًا قوات وألوية متنوّعة الولاء السياسي والعسكري، مثل قوات العمالقة، وطارق صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات درع الوطن.



ويعتبر دوبله أن هذه الخطوة تعبّر عن حالة سياسية واقعية ومنسجمة مع المرحلة الحالية، رغم أنها ليست طبيعية من منظور الدولة والمؤسسة العسكرية الموحدة.
ويقول دوبله لـ “نون بوست”: “هذه التشكيلات تمثّل أطرافًا سياسية وعسكرية لها حضور داخل الدولة ومجلس القيادة الرئاسي، رغم أنها لم تُدمَج بعد في الجيش اليمني الموحد، ومن هذا المنطلق، يجد وزير الدفاع نفسه مسؤولًا عنها بحكم الواقع السياسي، فيُضفي عليها شرعية مؤقتة وضرورية لإدارة التوازن القائم”.
ويضيف: “هذا الوضع، وإن بدا طبيعيًا في سياقه المرحلي، لا يمكن أن يستمر في حال عودة الدولة لوضعها الطبيعي واستعادة بنيتها المؤسسية، لكنه في الوقت نفسه يعكس توازنات اللحظة الراهنة التي تفرض التعامل بمرونة مع القوى الفاعلة على الأرض ضمن مظلة الشرعية”.
فشل دمج القوات
في مايو 2022، أعلن مجلس القيادة الرئاسي اليمني تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية العليا برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، في خطوة وُصفت بأنها حجر الأساس لإعادة بناء مؤسسة الدفاع بعد سنوات من التمزق والانقسام. ضمّت اللجنة 59 عضوًا من كبار الضباط وقادة المناطق العسكرية، وأسندت إليها مهمة إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ودمج التشكيلات المختلفة ضمن إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
جاء تشكيل اللجنة استجابة لمخرجات مشاورات الرياض التي أعقبت اتفاق 2019 بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي تعهّد بإنهاء الازدواج العسكري وتوحيد القيادة، غير أن الواقع الميداني كان أكثر تعقيدًا من النصوص، إذ تتحكم في الجنوب والساحل الغربي تشكيلات مدعومة من الإمارات، مثل قوات العمالقة والمقاومة الوطنية، فيما تعمل وحدات درع الوطن بإشراف سعودي مباشر، وهو ما جعل مهمة الدمج تتجاوز قدرة أي لجنة دون توافق إقليمي شامل.
باشرت اللجنة أعمالها في منتصف 2022، وأجرت مشاورات مع قيادات الوحدات المختلفة لجمع البيانات وإعداد ما عُرف لاحقًا بـ”مصفوفة الهيكلة”. وفي مطلع 2024، رفعت مشروع “الهيكل الجديد للقوات المسلحة” إلى رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، الذي صادق عليه رسميًا ووجّه وزارة الدفاع بالتنفيذ. تضمّن المشروع إعادة توزيع نطاقات المسؤولية في المناطق العسكرية، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة للمنتسبين، ونظامًا للبصمة العسكرية، إلى جانب إصلاحات مالية وإدارية.
لكن سرعان ما اصطدم التنفيذ بجدار الواقع السياسي، فالتباين بين الرياض وأبوظبي حول أولويات السيطرة في الجنوب، وارتباط بعض القادة بتمويلات مستقلة، وغياب آليات تنفيذية حازمة، كلها عوامل شلّت قدرة اللجنة على فرض قراراتها. كما ساهم ضعف الثقة بين القوى المحلية، والخشية من فقدان النفوذ، في إجهاض أي تقدّم حقيقي في ملف الدمج.
اليوم، وبعد أكثر من عامين على التشكيل، لا تزال اللجنة قائمة على الورق أكثر من الميدان؛ فالمؤسسة العسكرية ما زالت منقسمة فعليًا بين ولاءات متعددة، والقرارات الصادرة عنها لم تتجاوز حدود الإدارات المركزية. ومع أن عملها مثّل محاولة نادرة لبناء جيش وطني موحّد، فإنها كشفت في الوقت ذاته عمق التصدعات الإقليمية والمحلية التي تمنع ولادة مؤسسة عسكرية يمنية واحدة، وتترك البلاد في حالة فراغ أمني مفتوح على كل الاحتمالات.
ويعلّق الصحفي السياسي عبدالله دوبله على هذا الواقع لـ”نون بوست”: “الفشل ليس فشل اللجنة، إنما فشل القوى السياسية، إذ إن الولاءات متعددة والمشاريع مختلفة، وهناك قوى تتبع المجلس الانتقالي (المدعوم إماراتيًا)، ولديه مشروع انفصالي واضح غير منسجم مع القوى الوطنية والمشروع الوطني نفسه ومشروع الدولة الواحدة، ولديه أجنداته الخاصة”.
ويشير دوبله إلى أنه “من الطبيعي ألا يُسلّم أحد بالسِّلم بسهولة، وهذا مسار طبيعي؛ بقاء الانتقالي محتفظًا بقواته، كما هو الحال مع قوى أخرى، يعود لدور القوى المتدخلة من الخارج في محاولة الإمساك بزمام الأمور، ولا يوجد طرف سيخرج عن السياق”.
ويردف: “المرحلة التي نحن فيها كيمنيين، تعدد الأطراف سياسيًا وعسكريًا، أجدها سياقًا طبيعيًا للمرحلة. صحيح أنها ليست مثالية، لكنها واقعية، والتحول إلى جيش وطني واحد يحتاج إلى تطور سياسي، وهذا التطور لن يأتي إلا باستعادة الدولة كاملة”.
وفي سياق متصل، يُعبّر المواطن مراد باكازم من محافظة أبين جنوبي اليمن، عن معاناة السكان اليومية نتيجة الانقسام الأمني وغياب سلطة موحدة، قائلًا لـ”نون بوست”: “نحن في أبين نعيش حالة فوضى دائمة، كل منطقة لها نقطة تفتيش تابعة لقوة مختلفة، وكل قوة لها قوانينها الخاصة. أحيانًا نُوقف في طريق واحد أكثر من أربع مرات، وكل جهة تسأل: من أين؟ وإلى أين؟ وكأننا غرباء في بلدنا”.
ويواصل مراد باستياء: “الناس تعبوا من انقسام الأمن، فبدل أن تكون النقاط لحماية المواطن، أصبح المواطن يخاف منها، لأن الولاء مش واضح والسلطة مش واحدة. ما نريده هو جيش واحد، يحمي الجميع بدون تمييز ولا انتماءات”.
مزايا ومعاناة
تختلف ظروف ومعاشات الجنود في تشكيلات الشرعية اليمنية بشكل كبير بين التشكيلات العسكرية المختلفة، وهو اختلاف ينعكس مباشرة على مستوى الأداء المعنوي والقدرة على الاستمرار في المواجهات. فبينما تحظى بعض القوات بدعم مالي ولوجستي مستمر، يعاني أفراد أخرى من تأخر الرواتب ونقص الإمدادات الأساسية، ما يُفاقم من معاناتهم اليومية ويجعل التضحيات مضاعفة.
ويتسلم الجندي في القوات المحسوبة على التحالف مباشرة مرتبًا قدره ألف ريال سعودي شهريًا، بالإضافة إلى صرف يومي يتجاوز عشرة ريالات. أما الجندي في الجيش الوطني، فيتلقى 60 ألف ريال يمني شهريًا (ما يعادل 150 ريالاً سعودياً)، وغالبًا ما تتوقف هذه الرواتب لأشهر، كما أن الصرف اليومي قليل جدًا. ويواجه خطرًا مضاعفًا في حال إصابته، إذ قد تتعفّن جراحه، وقد تموت أسرته من الجوع إذا قُتل، نتيجة غياب الدعم الكافي.

قائد فصيلة في أحد ألوية العمالقة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قال لـ”نون بوست”: “قواتنا تحظى بدعم مستمر من التحالف العربي، سواء على صعيد الرواتب أو الإمدادات اللوجستية، وهذا الأمر يجعلنا قادرين على التركيز الكامل على مهمتنا في ميادين القتال… والمرتّبات صُرفت بانتظام، والاحتياجات اليومية للأفراد من طعام ووقود وذخيرة متوفّرة بشكل مستمر، ما يُخفّف من الضغوط المادية والمعنوية على الجنود”.
ويردف: “هذا الدعم يتيح لنا تجهيز الفصائل بشكل أفضل قبل أي عملية، ويضمن استقرار الخطوط الأمامية وعدم الانقطاع عن المهام العسكرية. بدون هذا الدعم، من الصعب أن تحافظ أي قوة على الانضباط والكفاءة في ظل ظروف الحرب الصعبة التي نعيشها، لذلك نشعر أن وجود هذا الدعم هو عامل أساسي للحفاظ على معنويات الجنود واستمرارية العمليات”.
من جهته، أشار عمار السامعي، نائب إعلام اللواء 22 «ميكا» ضمن الجيش الوطني، إلى وجود فجوة كبيرة، قائلاً: “هناك فجوة كبيرة، ولا مجال للمقارنة بين ما يُقدّم لمنتسبي محور تعز من إمدادات، وبين ما مُقدّم للتشكيلات العسكرية الأخرى. فجيش تعز يعاني من نقص حادّ في الإمدادات الغذائية والأسلحة وحتى النفقة التشغيلية، حتى إن كثيرًا من الجبهات، ومع انقطاع الرواتب لفترات طويلة، شهدت عزوفًا واسعًا وغادر عدد كبير من الأفراد إلى محاور وتشكيلات أخرى، أملًا في توفير لقمة العيش لهم ولأسرهم”.
ويضيف: “هذا الوضع دفع قيادة الألوية والمحور إلى اتخاذ إجراءات اضطرارية، منها فرض ضريبة محلية كمديونية مؤقتة، وصرفها كحافز نصف شهري للأفراد، في محاولة للتخفيف من معاناتهم. الرواتب في محور تعز التابع لوزارة الدفاع لا تكاد تصل إلى 10٪ مما يتقاضاه نظراؤهم في التشكيلات الأخرى، ومع ذلك فقد توقفت هذه الرواتب منذ خمسة أشهر، بينما تُصرف بصورة منتظمة وشهرية في المحاور الأخرى”.
ورغم هذا الإهمال، أكد السامعي أن الجيش الوطني لا يزال قادرًا على الثبات في وجه العدو والمضي في خطّ المواجهة والاقتحام، قائلاً: “الجيش يمتلك من الإرادة والعزيمة ما يكفي لدحر المليشيا الحوثية الإرهابية وتحرير ما تبقّى من ربوع الوطن، وترسيخ ثوابت الجمهورية”.
أفُق المستقبل
يرى الباحث والمحلل السياسي اليمني، ومدير قناة بلقيس الفضائية، أحمد الزرقة أن الحديث عن دمج القوات الموالية للتحالف ضمن الجيش الوطني أمر غير ممكن عمليًا في الوقت الراهن، فيقول لـ”نون بوست” بأنه “لا يمكن لأي طرف أن يوافق على دمج قواته أو فصائله المسلحة ضمن قوام الجيش الوطني، لأن الأمر يرتبط بالتبعية والولاء والتمويل، فضلًا عن اختلاف الأهداف والمشاريع السياسية بين المكونات المختلفة”.
ويُضيف أن الخطوات التي أُعلنت عقب نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي ولجنته العسكرية ظلت حبرًا على ورق، رغم أنها نصّت على توحيد الأجهزة العسكرية والأمنية وبناء مؤسسات الدولة، موضحًا أن القرار موجود، لكن إرادة التنفيذ معدومة، ويشير الزرقة إلى أن العوائق أمام الدمج متعددة، وتشمل عوامل خارجية وأخرى داخلية: “من أبرز العوامل الخارجية عدم رغبة الرياض وأبوظبي في دعم مؤسسة عسكرية موحدة، ورغبتهما في بقاء التشكيلات التابعة لهما خارج جسد الدولة، ضمن رؤية تعتبر الجيش الوطني مؤسسة محسوبة على حزب الإصلاح بشكل أو بآخر”.
ويحكي أنه “كما تسعى كل من الدولتين إلى الإبقاء على التشكيلات الخاصة بها لتنفيذ أجنداتها وتحقيق مطامعها في السيطرة على مناطق حيوية من اليمن، بينما لم يُتخذ أي قرار جاد بوجود قوة موحدة قادرة على خوض معركة استعادة الدولة من الحوثيين وأصحاب المشاريع الصغيرة”.
أما داخليًا، فيرى الزرقة أن الأطماع السياسية والمالية، وضعف القرار الوطني المستقل، هي أبرز العوائق فـ”كل فصيل يسعى لتحقيق مكاسبه الخاصة وتمويلاته الخارجية، ولا يمتلك القدرة على رفض إملاءات القوى الإقليمية، بينما تطغى المصالح الشخصية والرغبة في السيطرة على أي تفكير ببناء جيش وطني واحد”.
ويحذر الزرقة من أن “الانقسام يعني استمرار معاناة المدنيين وغياب الصوت الوطني والحقوقي، واستمرار عمليات التجنيد والتحشيد السياسي والعسكري، والجبايات والسجون الخاصة. المواطنون باتوا رهائن فعليين لسلطات الأمر الواقع وممتلكاتهم وحياتهم تخضع لمزاج هذه القوى”.
ويرى أن “الخطر الأكبر هو المزيد من التشظّي والتشرذم وتقسيم المجتمع إلى مربّعات ودويلات متناحرة، ما يجعل كلفة استعادة الدولة مضاعفة مع كل يوم يمر”.
أما عن موقف السعودية والإمارات من الدمج، فيوضح الزرقة أن: “كلا البلدين لديه أهداف متقاطعة أحيانًا ومتكاملة أحيانًا أخرى، لكن كل منهما يحتفظ بقواته الخاصة في اليمن لخدمة مصالحه، لا مصالح اليمنيين. وقد استخدمت الإمارات قواتها في حروب خارج اليمن، فيما جندت السعودية عشرات الآلاف من اليمنيين للقتال على حدودها ضد الحوثيين”.
ويختتم الزرقة تصريحه برؤية قاتمة حول مستقبل الجيش الوطني بأن “استمرار الأمور بهذا الشكل سيؤدي إلى القضاء على الجيش الوطني عبر تجويعه وحصاره وشيطنته، تمهيدًا لإحلال قوات أخرى بديلة عنه، وإذا لم يحدث تحول سياسي حقيقي فإن السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة ستكون الأخطر على بقاء المؤسسة العسكرية الوطنية”.