ترجمة وتحرير: نون بوست
دعا رئيس وزراء سنغافورة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التجارة الحرة وحماية المصالح العالمية المشتركة، محذرًا من انتقال “فوضوي” نحو عالم ما بعد الهيمنة الأمريكية.
وفي مقابلة بمقر إقامته الرسمي، أكد لورانس وونغ أن العالم يمر بمرحلة انتقالية كبرى قد تستمر لعقد كامل قبل أن تتضح ملامحها. وأضاف: “لا شك أن هذه المرحلة ستكون فوضوية وغير متوقعة، إذ تتراجع أمريكا عن دورها كضامن للاستقرار العالمي، ولا توجد دولة أخرى قادرة على ملء هذا الفراغ، أو ترغب في ذلك”.
وأشار وونغ إلى أن سنغافورة، التي استفادت بشكل كبير من العولمة والتعددية في مرحلة ما بعد الحرب، لا يمكنها أن “تنتظر الأحداث أو تأمل بأن تسير الأمور بشكل جيد تلقائيا”، مؤكدًا ضرورة التحرك الفوري “لبناء روابط تجارية جديدة والحفاظ على زخم التجارة الحرة. لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، لكننا سنقوم به مع دول تشاركنا الرؤية ذاتها”.
لورانس وونغ، الموظف الحكومي السابق الذي تحول إلى السياسة وتولى رئاسة الوزراء العام الماضي، تحدث قبيل اجتماعين إقليميين مهمين الأسبوع المقبل، هما قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا في ماليزيا، ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية، ومن المتوقع حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القمتين.
تُعد سنغافورة، كمركز تجاري عالمي، من أكثر الدول تأثرًا بتقلبات التجارة العالمية الناتجة عن رسوم “يوم التحرير” التي فرضها ترامب هذا العام. ورغم حصولها على أحد أدنى المعدلات بنسبة 10 بالمئة، فإن معظم جيرانها في جنوب شرق آسيا فُرضت عليهم رسوم تصل إلى 19 بالمئة، ما يهدد سلاسل الإمداد المعقدة في المنطقة.
وأشار وونغ إلى مبادرة “شراكة مستقبل الاستثمار والتجارة” التي تضم سنغافورة والإمارات ونيوزيلندا، كمثال على قدرة الدول الصغيرة على توحيد جهودها لتعزيز التجارة الحرة. وأضاف أن هناك فرصة أيضًا لربط الاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المكونة من 10 دول في اتفاقية تجارة حرة، رغم أن معظم الاتفاقيات السابقة بين دول أوروبا وجنوب شرق آسيا كانت ثنائية، قائلاً: “نرى في هذه الخطوات فرصًا جديدة لإحياء التجارة”.
وتابع: “نحن في عالم يزداد فيه انسداد النظام العالمي، لكننا نسعى للحفاظ على شرايين التجارة مفتوحة ونحاول خلق مسارات جديدة”.
وأكد رئيس وزراء سنغافورة على ضرورة بناء نظام جديد متعدد الأطراف، مشددًا على أن أجندة “أمريكا أولًا” التي تتبناها إدارة ترامب ليست ظاهرة مؤقتة.

وقال: “إنها تعكس تحولًا أوسع في الثقافة السياسية والمجتمع نفسه.. شعور بأن أمريكا لم تستفد من النظام العالمي الذي أسسته، وليست مستعدة للقيام بجهد كبير للحفاظ عليه”.
ووصف وونغ اقتصاد سنغافورة بأنه “الكناري في منجم الفحم”، مشيرًا إلى تردد الشركات في الاستثمار والتوظيف نتيجة تأثير الرسوم الجمركية. وأضاف: “لأننا منفتحون للغاية ومعرضون للتأثيرات الخارجية، فنحن أول من يتأثر عن حدوث أزمات في الخارج. لم نشعر بذلك في النصف الأول من العام… لكننا بدأنا الآن نشعر ببعض التباطؤ”.
وقد نما اقتصاد سنغافورة بنسبة 2.9 بالمئة في الربع الثالث مقارنة بالعام السابق، لكن النسبة انخفضت مقارنة بـ4.5 بالمئة في الأشهر الثلاثة السابقة.
وقال وونغ إن التأثير الأولي للرسوم الجمركية لم يكن بالقدر الذي كنا نخشاه، إذ قامت الشركات بتقديم الطلبات مسبقًا قبل سريان الرسوم، بينما ساهمت الابتكارات التكنولوجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي في دعم الاقتصاد.
ورغم تمتع سنغافورة بأحد أدنى معدلات الرسوم، فإنها معرضة لتأثيرات كبيرة في قطاعات الأدوية وأشباه الموصلات، وهما من أكبر صادراتها إلى الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تسبب الرسوم المفروضة على إعادة التصدير، والمصممة لاستهداف البضائع الصينية، ضررا اقتصاديا باعتبار سنغافورة واحدة من أكبر مراكز إعادة الشحن في العالم.
وقد تعرضت قدرة البلاد على الحفاظ على علاقة وثيقة مع الصين، شريكها التجاري الأكبر، بالتوازي مع تحالف أمني وسياسي قوي مع الولايات المتحدة، لضغط غير مسبوق منذ تولي ترامب السلطة.
وتسعى الصين منذ الإعلان عن الرسوم الأمريكية إلى تعزيز نفوذها في جنوب شرق آسيا، حيث قام الرئيس شي جين بينغ بزيارة عدة دول في المنطقة هذا العام. ومع ذلك، يرى وونغ أن الصين لا تستطيع حاليًا، ولا يبدو أنها ترغب في تعويض الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في النظام العالمي.
وأضاف: “لا تزال [الصين] دولة ذات دخل متوسط تواجه تحديات داخلية جسيمة، لذلك لم يظهر بعد زعيم جديد للعالم، ونحن نعيش مرحلة انتقالية فوضوية يصعب فيها التنبؤ بما هو قادم”.
أشار وونغ إلى أنه يزور الصين باستمرار لفهم كيفية تطورها، مضيفًا: “صعود الصين أثار قلقًا واسعًا في مناطق عدة من العالم، ليس فقط لأنها قوة صاعدة هائلة، بل لأنها قوة تعتمد نموذجًا اقتصاديًا ونظامًا سياسيًا مختلفًا”.
وأكد وونغ أن سنغافورة ستواصل الحفاظ على علاقات قوية مع القوتين العظميين، لكنه أقر بصعوبة البقاء على الحياد في قضايا حساسة مثل الرقابة الأمريكية على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين.
وتُتهم بعض الشركات التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها بتسهيل نقل الرقائق الأمريكية إلى الصين بطرق غير مشروعة.
وقال وونغ: “فيما يتعلق بالولايات المتحدة، وضعنا ترتيبات قوية تتيح للحكومة الأمريكية التحقيق مع الشركات المعنية في سنغافورة إذا رغبت في ذلك”. وأضاف: “سنطبق ترتيبات مماثلة مع دول أخرى إذا رغبت في الحصول على المعاملة ذاتها فيما يتعلق برقابة الصادرات، لأن الرقابة على الصادرات لم تعد مقتصرة على أمريكا فقط”.
المصدر: فاينانشال تايمز