خارطة هجمات داعش في سوريا: ماذا يكشف عام 2025 عن عودة التنظيم؟

شهد عام 2025 تحولًا ملحوظًا في نشاط تنظيم الدولة في سوريا، إذ استعاد جزءً من حضوره الميداني، مستفيدًا من التحولات السياسية والأمنية في البلاد، ويكشف مسار نشاطه خلال هذا العام عن تطور تدريجي في قدراته العملياتية وأسلوب هجماته.

ففي الربع الأول من عام 2025، انحصرت عمليات داعش في نطاق محدود، كاغتيالات فردية وإطلاق نار مباشر، وهي مرحلة أولية خصصها لإعادة بناء خلاياه، ورصد البيئة المحلية وجمع المعلومات الميدانية دون انخراط واسع في الاشتباك.

ومع الربعين الثاني والثالث، بدأ منحنى نشاط داعش بالتصاعد، فتوسع في استخدام العبوات الناسفة والكمائن، وازدادت هجماته على صهاريج النفط والموارد الحيوية، مع ارتفاع ملحوظ في مستوى التنسيق بين خلاياه، وقد شكلت مناطق الرقة ودير الزور والحسكة بؤر النشاط الأكثر دقة وتأثيرًا خلال هذه الفترة.

أما في الربع الرابع، فقد بلغ التنظيم مرحلة تطور تكتيكي متقدم، إذ نفذ هجمات مركبة تجمع بين العبوات الناسفة والأسلحة الرشاشة والقذائف، مع اعتماده غرفة عمليات مرنة قادرة على تنفيذ ضربات نوعية في عدة مواقع بوقت واحد.

يعكس مسار داعش في سوريا عام 2025 قدرته على الانتقال من مرحلة الانكماش والتشتت إلى تركيز تكتيكي أكبر، واستغلاله الفجوات الأمنية، خاصة في شمال وشرق سوريا. وانطلاقًا من هذه الديناميكيات، يقدم “نون بوست” قراءة تحليلية شاملة لمسار نشاط داعش في سوريا خلال عام 2025.

عقد من التقلبات

الربع الأول: إعادة تموضع هادئة 

شهد الربع الأول من عام 2025 نشاطًا منخفضًا ومتفرقًا لداعش في سوريا، مع تركيز عملياته في ريف دير الزور الشرقي، تحديدًا في مناطق البصيرة، ذيبان، الشحيل، المكمان، أبو خشب، الكسرة، الشعفة، غرانيج، الحوايج، جرذي، الخرافي، ورويشد. كما امتدت بعض العمليات إلى مناطق حضرية محددة في الرقة، مثل حديقة البستان، ونقاط حدودية وإدارية في الحسكة، مثل حميس، الشدادي، ضبيعة، والقامشلي.

اعتمد داعش في هذه المرحلة على تكتيكات منخفضة التكلفة ومرنة، أبرزها الاغتيالات الفردية بالمسدس، الهجمات الرشاشة على الدوريات والآليات، ونصب الكمائن وإحراق الحواجز، واغتنام الأسلحة، وأحيانًا أسر وقتل عناصر قسد، بينما غابت الهجمات الانغماسية والتفجيرات الانتحارية.

ركز داعش بشكل كبير على استهداف عناصر وقيادات قسد، إلى جانب الاستهداف الثانوي لاستخبارات قسد، وأسفرت عمليات داعش هذا الربع عن خسائر بشرية تتراوح بين 10–15 قتيل، وخسائر مادية شملت تدمير الآليات وإحراق الحواجز.

تعكس طبيعة هجمات هذا الربع اعتماد داعش على نموذج “الكمون الهجومي”، حيث يحقق ضربات خاطفة منخفضة التكلفة لإضعاف خصمه دون مواجهة مباشرة. كذلك تظهر تكتيكات مثل اغتيالات المسدس في البلدات، ضرب الآليات، ونصب الكمائن على الطرق الريفية، قدرة داعش على جمع معلومات دقيقة عن تحركات خصومه، وتحركه بين السكان واستغلاله ثغرات أمنية في نقاط ثابتة.

كذلك تكشف الهجمات المتتابعة في أيام متقاربة، خصوصًا في ريف دير الزور، عن رغبة داعش في إظهار حضور مستمر واختبار سرعة استجابة قسد، وهو ما كشف هشاشة تلك الدوريات واعتماد قسد بشكل كبير على نقاط ثابتة أكثر من الانتشار الديناميكي.

عمليات داعش في سوريا خلال الربع الأول من عام 2025

استراتيجيًا، مثّل هذا الربع مرحلة إعادة بناء داعش لشبكاته بعد فترة من الركود النسبي، مع نشاط مكثف في جمع المعلومات واختبار ردود فعل الخصم، وهي خطوات مهدت لعمليات أوسع وأكثر تنسيقًا في الربع الثاني.

الربع الثاني: تكثيف العمليات وضرب الاقتصاد واللوجستيات

شهد الربع الثاني من عام 2025 ارتفاعًا واضحًا ومنتظمًا في نشاط تنظيم الدولة مقارنة بالربع الأول، مع تركيز العمليات بشكل مكثف خلال أبريل ومايو، وقد شكل أبريل ذروة عمليات الربع الثاني، حيث تم تنفيذ هجمات مركزة على آليات وقيادات قسد.

امتدت العمليات على مدار أبريل ومايو واستمرت بوتيرة ثابتة في يونيو، مع توسع تدريجي في نطاقها الجغرافي. حافظ داعش على مركز ثقله في دير الزور وريف الحسكة وخاصة مناطق ذيبان والمكمان، لكنه وسع نشاطه شمالًا إلى الرقة، وجنوبًا إلى حوران، كما برزت الحسكة كمسرح لعمليات ذات طابع لوجستي، بينما ظل ريف دير الزور بؤرة الهجمات الأكثر قوة.

كانت أغلب عمليات داعش هذا الربع تستهدف عناصر وقيادات قسد، إضافة إلى استهداف الموارد اللوجستية مثل الصهاريج وآليات النفط، وهو توسع واضح مقارنة بالربع الأول، حيث كان التركيز على الاشتباكات الفردية والكمائن المحدودة. كذلك بعض عمليات داعش في هذا الربع شملت عناصر من الجيش السوري.

تكتيكيًا، تطور أداء التنظيم بشكل لافت مقارنة بالربع الأول، إذ اعتمد على الهجمات الرشاشة بوتيرة أعلى، والعبوات الناسفة لاستهداف الآليات والصهاريج، مع استمرار الاغتيالات الفردية في المناطق الحضرية، وتكرار العمليات في مواقع مثل ذيبان والمكمان. وكما يتضح، فإن الهجمات التي نفذها داعش ضد القيادات والموارد الحيوية اتسمت بدرجة عالية من الدقة الاستخباراتية.

عمليات داعش في سوريا خلال الربع الثاني من عام 2025

أسفر تصعيد داعش في الربع الثاني عن خسائر بشرية ومادية أكبر لدى قسد وكذلك الجيش السوري، بجانب تدمير آليات وصهاريج النفط وتعطيل الحركة على بعض الطرق الرئيسية، ما يشير إلى سعي التنظيم لضرب القدرات الاقتصادية واللوجستية، وليس فقط العناصر العسكرية.

وبالمقارنة مع الربع الأول، يمثل الربع الثاني مرحلة تكثيف وتصعيد واضح، فقد انتقل داعش من الكمائن المحدودة والضربات الفردية إلى استهداف أوسع يشمل الموارد الحيوية، مع قدرة أكبر على تنفيذ هجمات متزامنة. كما تعكس هذه المرحلة تطورًا تكتيكيًا ملموسًا وتنظيمًا أكثر تماسكًا، وهو ما مهد لمرحلة عملياتية أعلى في الربع الثالث.

الربع الثالث: الذروة التكتيكية وعودة الهجمات النوعية

شهد الربع الثالث من عام 2025 (يوليو–سبتمبر) تصاعدًا واضحًا في حجم عمليات داعش ونوعيتها مقارنة بالربعين الأول والثاني، فقد ارتفعت كثافة الهجمات وظهرت عمليات جماعية ونوعية استهدفت مقرات ومواقع استراتيجية، إلى جانب استمرار الاغتيالات الدقيقة للأفراد والقيادات، وهذا التحول عكس توجهًا نحو تكتيكات هجومية أكثر جرأة وتطورًا خلال هذا الربع.

واصل داعش استهداف الآليات والصهاريج كما فعل في الربع الثاني بهدف تعطيل شبكات النقل والإمداد، خصوصًا في الرقة ودير الزور. ميدانيًا، بقيت مناطق الشحيل، محيميدة، ذيبان، والمكمان مركز الثقل للعمليات المكثفة، مع امتدادها إلى الجرذي والهجين، ما يشير إلى استمرار التنظيم في نفس نقاطه الميدانية.

تكتيكيًا، اتسم الربع الثالث بتنوع أكبر في الأسلحة المستخدمة، بدءًا من الرشاشات والمسدسات، مرورًا بالقذائف الصاروخية والعبوات الناسفة والقنابل اليدوية. كما شهد هذا الربع توسعًا في الاغتيالات والكمائن، مع اعتماد أكبر على المعلومات الاستخباراتية، وهو تطور ملحوظ مقارنة بالربع السابق.

عمليات داعش في سوريا خلال الربع الثالث من عام 2025

برز خلال هذا الربع نمط جديد من الهجمات تمثل في عمليات الاقتحام المباشر للمقار، مثل هجوم 28 سبتمبر شرق دير الزور، ما يشير إلى ارتفاع مستوى الثقة والجرأة، ومن حيث النتائج، فقد ارتفع عدد القتلى والإصابات مقارنة بالربع الثاني.

تشير حصيلة الربع الثالث، التي ارتفعت إلى نحو 20 عملية شهريًا مقابل 10 في الربع الثاني و5 في الربع الأول، إلى دخول داعش مرحلة أعلى من الفعالية الميدانية، مع دلائل واضحة على وجود غرف عمليات صغيرة ومنسقة مكنت التنظيم من التخطيط لعمليات أكثر تعقيدًا وتطورًا.

الربع الرابع: هجمات أكثر تنوعًا

شهدت الفترة الممتدة من 1 أكتوبر حتى 28 نوفمبر 2025 نشاطًا مكثفًا ومنتظمًا لداعش، وتركزت الهجمات بشكل شبه يومي أو كل بضعة أيام. كان التركيز على استهداف آليات قسد، الحواجز، الصهاريج، وشملت العمليات الجديدة في نهاية نوفمبر استهداف مرشحين للانتخابات وعناصر من النظام القديم والجديد في حماة وحمص، ما يعكس انتقال التنظيم إلى مرحلة ضغط عسكري مستمر وتمدد جغرافي خارج مناطقه التقليدية.

تكتيكيًا، اتسمت عمليات هذا الربع بتنوع واسع، شمل إطلاق النار المباشر على الأفراد (جواسيس أو قيادات) والآليات، والكمائن المركزة ضد الحواجز والدوريات، وتفجير العبوات الناسفة على الطرق، واستخدام القذائف الصاروخية ضد نقاط محددة. كما شهد الربع الرابع عمليات مزدوجة ومتزامنة في نفس اليوم، مثل 7 و15 و20 أكتوبر، ما يشير إلى وجود غرف عمليات صغيرة قادرة على التخطيط المسبق وإدارة ضربات متتابعة.

أما ميدانيًا، فقد تمحور نشاط داعش حول مناطق محيميدة، ذيبان، والشحيل، مع امتدادات متفرقة إلى بعض قرى الرقة والحسكة، بجانب نشاطه الجديد في حماة وحمص، كذلك تكرر استهدافه للمواقع ذاتها أكثر من مرة، مع تركيز مكثف على استهداف الصهاريج والموارد الحيوية.

عمليات داعش في سوريا خلال الربع الرابع من عام 2025

بشكل عام، يعكس الربع الرابع تصعيدًا في تنوع العمليات مقارنة بالأرباع السابقة، مع تطور أكبر في التخطيط ومرونة تكتيكية بارزة، إضافة إلى استخدام متنوع للأسلحة بين الرشاشات والمسدسات والعبوات والقذائف، وتنفيذ ضربات مركزة ومتكررة في مناطق استراتيجية، مع قدرة واضحة على استمرار داعش في الضغط العسكري دون مخاطر عالية على عناصره.

من الكمون إلى الضغط المستمر

مع مطلع 2025، بدأ داعش نشاطه بشكل متقطع ومنخفض، تمثل في اغتيالات فردية وكمائن محدودة في دير الزور، الحسكة، وبعض مناطق الرقة، وقد ركز خلال هذه المرحلة على جمع المعلومات الميدانية، واختبار جاهزية شبكاته دون الدخول في مواجهات مباشرة.

الربع الأول (يناير – مارس 2025)

في الربع الثاني (أبريل–يونيو)، شهد نشاط داعش ارتفاعًا ملحوظًا ومنتظمًا، مع تحول تكتيكاته من اغتيالات فردية إلى هجمات شبه يومية تشمل العبوات الناسفة واستهداف الصهاريج والآليات، وامتد نشاطه جغرافيًا ليشمل حوران إلى جانب دير الزور والرقة، ما عكس أكبر توسع له منذ بداية العام. 

الربع الثاني (أبريل – يونيو 2025)

وفي الربع الثالث (يوليو–سبتمبر) صعد داعش بشكل أكبر، ونفذ هجمات جماعية ونوعية على مقار وحواجز، واستخدم أسلحة متنوعة كالقذائف الصاروخية، العبوات والقنابل اليدوية، وظهرت عمليات مزدوجة ومتزامنة في نفس اليوم، ما يشير إلى وجود غرف عمليات قادرة على تنسيق عدة خلايا.

الربع الثالث (يوليو – سبتمبر 2025)

وفي الربع الرابع (أكتوبر–نوفمبر) حافظ داعش على وتيرة عمليات عالية ومنتظمة، مع تركيز الهجمات على القيادات، الحواجز، الصهاريج، الآليات، واستهدف نفس المناطق بشكل متكرر مثل محيميدة، ذيبان، الشحيل والسوسة، إضافة إلى هجمات مزدوجة في نفس اليوم، كما امتد نشاطه جغرافيًا لحمص وحماة.  

الربع الرابع (أكتوبر – نوفمبر 2025)

اعتمد داعش خلال عام 2025 على تنفيذ هجمات نوعية منخفضة التكلفة، مع الانتشار على شكل “بقع توتر”. وخلال هذا العام، أعاد تفعيل جهازه الأمني والاستخباراتي بدرجة أعلى من الكفاءة مقارنة بالعامين السابقين، فيما حافظت بنيته الأساسية على عناصر فاعلة تشمل الجهاز الأمني، وخبرة تصنيع العبوات، ومصادر تمويل مستقرة، وخلايا منتشرة في مناطق مختلفة.

وتشير المعطيات الأمنية في الأسابيع الأخيرة إلى أن نشاط داعش لم يعد محصورًا في دير الزور والرقة والحسكة، بل امتد – وإن بدرجات متفاوتة – إلى محافظات حمص وحماة وحلب واللاذقية، فقد أعلنت الأجهزة الأمنية عن تفكيك خلايا للتنظيم في حلب واللاذقية تحديدًا، بعضها كان يعمل في الدعم اللوجستي، وبعضها الآخر كان يستعد لتنفيذ عمليات.

ورغم أن هذه الخلايا في المحافظات الأربع لا تملك وزنًا ميدانيًا يقارب حضور داعش في الشرق السوري، إلا أن وجودها يعكس حفاظ التنظيم على شبكة قادرة على الحركة خارج نطاقه التقليدي كلما توفرت له الفرصة.

وهذا الامتداد الجغرافي وإن كان محدودًا، يتكامل مع المسار التصاعدي لنشاط داعش خلال عام 2025، إذ انتقل في الربع الأول من عمليات فردية بسيطة إلى هجمات مزدوجة وأكثر تنسيقًا في الربعين الثاني والثالث، قبل أن يصل في الربع الرابع إلى مستوى أعلى من التطور التكتيكي.

هذه المؤشرات تشير إلى أن عام 2026 قد يشهد استمرار هذا المنحى التصاعدي، مع توجه داعش نحو توسيع نطاق الهجمات المركبة وتعزيز حضور خلاياه في ديرالزور والحسكة، إضافة إلى عودة محتملة لعمليات الاغتيال التي قد تطال قيادات مدنية مرتبطة بالنظام الحالي، ولا سيما النواب، كما يُرجح أن يركز داعش على ضرب الموارد الحيوية لإحداث استنزاف اقتصادي متواصل.