في خطوة أثارت الجدل داخل المؤسسة الأمنية، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تعيين سكرتيره العسكري، اللواء رومان غوفمان، رئيسًا لجهاز الاستخبارات الخارجي “الموساد”، خلفا لديفيد برنيع الذي تنتهي ولايته في يونيو 2026.
بعد الإعلان عن اختياره، أعاد الإعلام العبري نشر لقطات من كاميرات مراقبة تظهر غوفمان في 7 أكتوبر 2023 يفر من مقاتلي حركة حماس أثناء إطلاق النار عليه ما أدى إلى إصابته بقدمه. واستخدم الفيديو لانتقاد هروبه من ساحة اشتباك في أخطر يوم بتاريخ الكيان الإسرائيلي. وجرى إحالة هذا التعيين إلى اللجنة الاستشارية للمناصب العليا للمصادقة عليه، بما يضمن استكمال الإجراءات الرسمية المعتمدة.
خلفية وسيرة ذاتية
- ولد رومان غوفمان عام 1976 في بيلاروسيا، وهاجر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعمر 14 عامًا.
- تخصص في العلوم السياسية والأمن الوطني بجامعة حيفا ودرس لفترة في معهد ديني صهيوني.
- بدأ خدمته العسكرية في سلاح المدرعات عام 1995 وتدرج من قائد دبابة إلى قيادة لواء المدرعات السابع.
- خلال عام 2020، عُيّن قائدًا لفرقة الباشان (الجولان) المسؤولة عن الحدود مع سوريا.
- تولى قيادة لواء عتصيون الإقليمي بالضفة عام 2015، وفي صيف 2022 تولى رئاسة مركز لتدريب القوات البرية.
- بعد تعافيه من إصابة 7 أكتوبر، عمل بمكتب منسق أنشطة الحكومة ثم عيّنه نتنياهو سكرتيرًا عسكريًا في مايو 2024.

مواقف وتصريحات جدلية
1. نقد التردد في استخدام القوات البرية
خلال خطاب له عام 2018 أمام هيئة الأركان، حذر غوفمان من أن نمط تجنب استخدام القوة البرية يهدد قدرة الجيش على الحسم، كاشفًا عن توجهه الهجومي واعتقاده بضرورة الحسم البري في مواجهة “الأعداء”، وهو ما يفسر دعمه لاحقًا لإبقاء السيطرة العسكرية على غزة.
2. وثيقة السيطرة العسكرية على غزة
في أبريل 2024، كتب غوفمان وثيقة داخلية تدعو إلى إبقاء مسؤولية جيش الاحتلال عن الأمن والإدارة في قطاع غزة “بعد القضاء على حماس”، إذ اعتبر أن القوة العسكرية وحدها قادرة على منع عودة التنظيمات المسلحة، بينما انتقدت قيادة الجيش الوثيقة، وصرحت بأنها تعكس رأي صاحبها ولا تمثل موقف المؤسسة، فيما اتهم من مسؤولين سابقين بافتقاده للخبرة الاستخبارية.
هذه الوثيقة، إلى جانب الخطاب عام 2018، رسخا صورة غوفمان كضابط يميل إلى فرض حلول عسكرية طويلة الأمد على حساب الحلول السياسية.
3. ورقة “يوم القيامة” حول النووي الإيراني
أثناء دراسته في كلية الأمن القومي (مؤسسة عسكرية لتأهيل القيادات الأمنية العليا) عام 2019، كتب غوفمان مقالا بعنوان “يوم القيامة” طرح فيه فكرة مثيرة للجدل لمواجهة البرنامج النووي الإيراني.
افترض السيناريو أن إيران ستندفع نحو السلاح النووي عام 2025، وأنه بدلا من أن تعمل “إسرائيل” على تدميره بمفردها، فيمكنها أن تنقل رؤوسًا نووية إلى ثلاث دول إقليمية – مصر والسعودية وتركيا – ما يؤدي إلى رد فعل دولي يُجبر القوى الكبرى على التدخل لخلق توازن نووي.
في هذا السيناريو، تتولى الولايات المتحدة رعاية السعودية، بينما ترعى روسيا مصر وترعى الصين تركيا، ويتم تسليح تلك الدول بقدرات نووية. ويتمثل هدف غوفمان هنا في إجبار إيران على التراجع وتوزيع المسؤولية النووية بدل أن تتحمل “إسرائيل” العبء وحدها.
4. حادثة المراهق قرب سوريا
بصفته قائدا لفرقة الباشان على الحدود السورية، وافق غوفمان عام 2020، على إشراك مراهق يبلغ 17 عامًا في حملة تأثير على وسائل التواصل، حيث زوده ضباط استخبارات بمعلومات حساسة لنشرها.
اعتُقل الشاب لاحقًا وبقي محتجزًا 18 شهرًا حتى أسقطت التهم، وأكد غوفمان أنه اعتقد أن المعلومات كانت غير سرية وأنه لم يعرف سنه.
صحيفة يديعوت أحرونوت وصفت الحادثة بأنها مؤشّر على “الجرأة المفرطة” والاستخفاف بالإجراءات الأمنية. وتلقى غوفمان وقتها توبيخًا إداريًا وأصبحت تلك القضية علامة على حدود حكمه وخبرته.
الجدل حول تعيينه
1- المعسكر المؤيد
أعلن نتنياهو قراره بعد “مقابلة عدة مرشحين” مشيرًا إلى أن غوفمان يتمتع بـ”قدرات مهنية استثنائية” وأن دوره كسكرتير عسكري أظهر “معرفته العميقة بالعدو” و”قدراته على التنسيق مع أجهزة الأمن وخصوصًا الموساد”.
وأشاد مكتب رئيس الوزراء بشجاعته في حرب غزة وقدرته على اتخاذ القرارات السريعة، مبينا أنه شارك في عمليات سرية عالية المخاطر نسبت للموساد، بما في ذلك استهداف قادة حزب الله وإيران.
وزعم داعموه أن إجادته للغة الروسية تُمكّنه من التعامل مع موسكو، وأن الجبهات الرئيسية للموساد ليست بحاجة للإنجليزية، الأمر الذي حوّل نقطة ضعفه إلى ميزة، وفق تقديرهم.
مؤيدون آخرون رأوا أن اختيار غوفمان يعكس رغبة نتنياهو في تطعيم الموساد بعقلية عسكرية هجومية بعد سنوات من نهج ديفيد برنيع الحذر، خاصةً بعد عجز الاستخبارات عن توقع هجوم حماس الأخير.
شبّه البعض تعيينه بتعيين مائير داغان عام 2002، الذي جاء من الجيش وأعاد هيكلة الموساد، إذ يأمل نتنياهو في أن يكرر غوفمان هذا التحول. كذلك، حظي تعيينه بتأييد وزراء اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وأعضاء في حكومة نتنياهو أشادوا بسجله القتالي وأفكاره الصدامية.
2- المعسكر المعارض
رغم إشادات نتنياهو، قوبل التعيين بموجة انتقادات من مسؤولين حاليين وسابقين في الموساد والجيش.
- وصف مسؤول أمني سابق التعيين بأنه “محير”، وقال إن غوفمان “يملك سكينًا بين أسنانه لكنه لا يمتلك كلمة إنجليزية واحدة”.
- انتقد المسؤول الذي تحدث لـ”يديعوت“، اختيار شخصا لقيادة الموساد لم يتولى أي منصب استخباراتي سابقا.
- سخر بعض المعلقين من ضعف لغته الإنجليزية، معتبرين أن ذلك قد يضر بالتواصل مع الشركاء الغربيين.
- أشار آخرون إلى أن نتنياهو تخطى مرشحين أوصت بهم قيادة الموساد، وفضّل ولاء غوفمان على الكفاءة الاستخبارية.
- بعض التقارير تحدثت عن اجتماع غير رسمي مع سارة نتنياهو خلال عملية الاختيار، وهو ما نفته الحكومة ووصفته بـ”الخبر المزيف”.
- شبكة كان نقلت مخاوف من موجة استقالات بالموساد بسبب تعيين شخص “من خارج العائلة” يفتقر إلى الخبرة بالعمل الاستخباري.
- يستدعي معارضو تعيينه طرحه السابق بشأن برنامج إيران النووي لأنه يتعارض مع عقيدة “إسرائيل” التقليدية في هذا الملف.
- تستخدم المعارضة حادثة سوريا كدليل على ضعف تقدير غوفمان للمخاطر، بينما يراها أنصاره مثالًا على تفكيره غير التقليدي.
- يرى المعارضون أن هذا التعيين يعكس رغبة نتنياهو في إحكام قبضته على المؤسسات الأمنية وتسييسها وإدخالها بصراعات داخلية.
