وقّعت وزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي وبلديته في القدس اتفاقية وصفت بـ “الإستراتيجية” لنقل مقر الوزارة والكليات العسكرية وبعض البنى التحتية الأمنية إليها، في خطوة نحو عسكرة المدينة المحتلة والإمعان في تهويدها وسلب حقوق الفلسطينيين فيها.
هذه الخطوة طرحت منذ سنوات لكنها انتقلت من أدراج التخطيط إلى التنفيذ الآن مع توقيعها بين وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس ورئيس بلدية المدينة موشيه ليون.
وتتخذ سلطات الاحتلال هذه الخطوة في خضم تصعيد عسكري في القدس والضفة الغربية وتنامي الحديث عن “ضم” الأخيرة، والعمل على إلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. فما أهداف هذه الخطوة؟ وماذا تغير في واقع المدينة المحتلة؟

بنود الاتفاق الجديد
1. إنشاء “مجمع الدفاع” الرئيسي
أبرز ما نص عليه الاتفاق هو إنشاء “برج دفاعي” من 30 طابقًا عند مدخل المدينة يستوعب مكاتب وزير جيش الاحتلال ورئيس الأركان وأقسام هيئة الأركان العامة وهيئات أخرى، وبذلك تنتقل تلك المكاتب من مجمع “الكرياه” في “تل أبيب” إلى القدس.
البرج سيجمع أيضًا مكاتب أجهزة أمن الاحتلال المختلفة لـ”زيادة التنسيق بين المؤسسات العسكرية والأمنية”.
وخلف لغة “الإدارة” و”التنسيق”، يرى الفلسطينيون أن هذه الخطوة تعني المزيد من البوابات والمراقبة والحواجز وازدياد الانتهاكات، ما يحد من حركة المقدسيين داخل مدينتهم ويضعهم أمام تهديد دائم.
2. مركز البحث والتطوير والبنية التكنولوجية
يشمل الاتفاق إقامة مجمع لإدارة البحث والتطوير للأسلحة المتقدمة في وزارة جيش الاحتلال بالقرب من البرج، مع بنية تحتية تكنولوجية متطورة لـ”جذب الكفاءات” من قطاع التكنولوجيا العالية وتحويل القدس إلى مركز لما أطلق عليه “الابتكار العسكري”.
هذه الخطوة تهدف بحسب وسائل إعلام عبرية إلى “دمج شبكات الشركات الناشئة مع الاحتياجات الأمنية واستقطاب المواهب الشابة” للمدينة المحتلة، لكنها تعني في الواقع تعزيز منظومات السيطرة على الفلسطينيين والزيادة في نشاطات مراقبتهم وتتبعهم.
3. إنشاء متحف لجيش الاحتلال
سيُبنى “متحف وطني” لجيش الاحتلال قرب حديقة النباتات بالمدينة بحانب معهد مانديل القيادي، بهدف جمع ما يسمى “التراث العسكري الإسرائيلي” و”تعزيز البعد الرمزي لوجود الجيش في القدس”.
ويعكس المشروع محاولة لمأسسة روايات تاريخية مُختلقة لجيش الاحتلال تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من القدس عبر الإيحاء زورًا بأن المدينة جزء من “التراث اليهودي” المزعوم.
4. تحديث مكتب التجنيد ونقل الكليات العسكرية
تتضمن بنود الاتفاق نقل مكتب التجنيد الحالي من شارع رشي في القدس إلى موقع آخر يجري فيه استقبال المجندين بصورة “متطورة وآمنة”، كما ستُنقل الكليات العسكرية من معسكر غليلوت في هرتسليا إلى المدينة المقدسة.
ويُسهل الموقع الجديد الوصول إلى الكليات العسكرية عبر وسائل النقل العامة ويُتوقع أن يخدم مئات الطلاب العسكريين ويرفع من مستوى النشاط في الأحياء المجاورة، وفق “يسرائيل هيوم“، وهو ما يعني جثوم جنود الاحتلال على الشوارع والأحياء المقدسية وتحويل المدينة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية.
5. مشاريع استيطانية للعسكريين
الجزء الأخطر يكمن في تقديم الاتفاق مشاريع استيطانية لجنود الاحتلال وعائلاتهم في القدس، في خطوة تعزز كتلة استيطانية عسكرية بالمدينة.
ومن شأن هذه الخطوة أن تبقي وجود جنود الاحتلال بشكل دائم واعتيادي في المدينة المقدسة، مع ما يرافق ذلك من ازدياد التضييق على الفلسطينيين.
أهداف عسكرية أمنية
يزعم الاحتلال أن الاتفاق يهدف إلى “تحويل القدس لمركز قيادة ونشاط أمني رئيسي بدلًا من الاعتماد على تل أبيب المهددة بالصواريخ وحدها”.
يسرائيل كاتس قال إن المؤسسة الأمنية “تعلن اليوم بوضوح أن القدس تصبح بيتًا للمجالات المركزية لنشاطنا”، وفق وصفه، موضحًا أن هذه الخطوة تأتي لتعزيز الجهوزية في وقت تمر فيه “إسرائيل” بحروب متتالية، وفق قوله.
رئيس بلدية الاحتلال موشيه ليون وصف الاتفاق بأنه “لحظة مهمة ستقوي القدس وتضعها في طليعة الأمن الوطني”، وفق تعبيره.
فيما أكد مدير عام وزارة جيش الاحتلال أمير برعام أن “الأمن القومي يعني أيضًا وجود مدينة القدس قوية ومتطورة” وفق تعبيره.
بدورها، حذرت حركة حماس، من أن مخططات الاحتلال تهدف إلى عسكرة مدينة القدس وتهويدها وتكريسها بالقوة كعاصمة مزعومة له.
وقال القيادي بالحركة محمود مرداوي، في بيان إن “الاتفاقية دلالة خطيرة على تحويل القدس إلى مركز عسكري وأمني متقدم، وتعميق الطابع الاحتلالي للمدينة، وفرض وقائع جديدة تستهدف هويتها العربية والإسلامية”.
وحذر من أن “هذه الخطوات تمثل جزءًا من مخطط شامل لتهويد القدس وتغيير معالمها الديمغرافية، وتشديد الخناق على أهلها الفلسطينيين، عبر مزيد من المصادرة والعزل والتهجير، وربط مستقبل المدينة بالمؤسسة العسكرية للاحتلال”.
وقد عدت محافظة القدس، الاتفاقية خطوة تصعيدية “ضمن سياسات الضم والتهويد الممنهجة، مما يزيد التضييق على المقدسيين، ويهدد النسيج الاجتماعي والهوية العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة”.
أبعاد سياسية
بعيدًا عن الاعتبارات العسكرية، يحمل الاتفاق رسائل سياسية واضحة، ففي إعلان التوقيع شدد كاتس على أن “القدس تُبنى وتتطور وتزداد قوة كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل والشعب اليهودي، وهذا هو أفضل رد على أعدائنا”، وفق تعبيره.
يبيّن هذا الخطاب أن نقل مقر وزارة الجيش ومؤسساتها إلى القدس ليس مجرد خطوة إدارية، بل فعل تحاول “إسرائيل” من خلاله ترسّيخ سيادتها المزعومة على المدينة، وخاصة أن موشيه ليون اعتبر إقامة البنى الدفاعية “تصريح واضح بالقوة والالتزام والثقة”.
كما تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد حملات جيش الاحتلال في الضفة الغربية وتزايد خطاب ضمها في الائتلاف اليميني الحاكم. لذلك، يُنظر إلى الخطوة على أنها جزء من سلسلة إجراءات تهدف إلى القضاء على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
كيف يؤثر هذا على حياة الفلسطينيين؟
يتوقع أن تؤثر الخطوة الإسرائيلية على حياة المقدسيين وأن تؤدي إلى تغييرات كبيرة بالقدس المحتلة، ومن ذلك:
- جذب آلاف الجنود يوميًا وازدياد النشاط العسكري العدواني ضد الفلسطينيين في القدس.
- توسع القاعدة الاستيطانية اليهودية في أحياء قريبة وازدياد رقعة الاستيطان داخل المدينة المحتلة.
- تغيير الطابع العمراني والسكاني في القدس المحتلة وتعزيز الطابع الأمني الإحلالي في أحيائها.
- تحول مساحات داخل المدينة إلى مناطق تدريب عسكري، ما يؤدي إلى زيادة مراقبة الفلسطينيين ويضيف قيودا على حركتهم.
- احتمالات تزايد الصدامات مع أهل القدس الذين يرون في مشاريع الاحتلال تهديدًا لحياتهم وممتلكاتهم.
ومن هنا، لا يمكن قراءة الاتفاق كإجراء إداري لـ”تعزيز التنسيق” كما تروج “إسرائيل”، بل كخطوة محسوبة لعسكرة القدس الشريف وتحويلها إلى ما يشبه الثكنة، بما يرسّخ الاحتلال كمنظومة مؤسسية ويعمّق الاستيطان والتهويد، مع ما يرتبط بذلك من سلب أراضي الفلسطينيين وحقوقهم والتضييق عليهم.