مشاهد الاحتفالات التي عمت قطاع غزة مساء البارحة بانتصار المقاومة الفلسطينية في حرب “العصف المأكول”، قابلها حديث عن “فشل استراتيجي” لنتنياهو الذي منح حماس “إنجازًا”، في الجانب الإسرائيلي الذي كان يخوض حرب “الجرف الصامد”.
وفي أول حديث للإذاعة الإسرائيلية بعد الاعلان عن التهدئة، رأت زعيمة حزب “ميرتس” اليساري الإسرائيلي، زاهافا غلؤون، أن الحرب التي شنتها بلادها على قطاع غزة “فشل استراتيجي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو”.
وأضافت غليؤون في حديثها للإذاعة أن “هذه الهدنة وصلت في وقت متأخر جدًا، وشروطها تثبت بصورة نهائية أن عملية الجرف الصامد هي فشل استراتيجي لنتنياهو، الذي خرج إلى الحرب بدون أهداف، وأنهاها وهو يمنح حركة حماس إنجازًا على حساب سكان الجنوب”.
مؤكدة أنه “الآن اتضح أن معاناة سكان إسرائيل المستمرة لأسابيع، فُرضت عليهم من قبل حكومة غير مسئولة وبدون أي تفكير سياسي أو نظر للمدى البعيد، وبدون أية نتائج”.
من جهته قال “داني ياتوم” رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق، إن “حماس احتفلت وكذلك غزة، لأنه كان هناك الكثير بيد إسرائيل تستطيع فعله ولم تفعله”.
وفي حديث للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أضاف ياتوم “كان بالإمكان أن تكون نتائج المعركة غير التي شاهدنا لكن ذلك لم يحدث”.
أما رئيس بلدية عسقلان شمالي الأراضي المحتلة “إيتمار شمعوني” فقد قال: “لماذا لا نتحدث بصراحة، حماس تنظيم قوي، ويستطيع أن يحتفل .. وضعنا في أزمة، حماس امتلكت الصواريخ وحافظت عليها، وقاتلتنا من الأنفاق، وتسببت في إرباكنا، لم نحقق نصرًا عليهم”.
وفي حديث للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي أضاف شمعوني: “سنقول في الأيام القادمة بأن حماس هي من حدد المعركة والتهدئة، كنا نتلقى منها ولم نسمع من قيادتنا توجيهات إدارة حياتنا في الحرب”.
وفي معرض رده على سؤال للقناة حول احتفالات غزة، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي “موتي أولمز”: “لقد حققنا ضربات قوية ضد حركة حماس، وعززنا قدرتنا على الردع”، وذلك قبل أن تقاطعه مذيعة الأخبار قائلة “من أجل ذلك قامت حماس في الدقيقة الأخيرة بقتل مواطن إسرائيلي”.
وخلصت القناة العاشرة في تناولها لصورة المشهد، إلى أن “حماس احتفلت بنصر هي تراه، لأن إسرائيل لم تصل إلى سلاحها، ومقاتليها قتلوا جنود النخبة الإسرائيليين في معارك طويلة، كما أنهم أغلقوا أجواء إسرائيل، وأدخلوا المواطنين إلى الملاجئ، بالإضافة إلى أنهم أحدثوا إرباكًا في أداء الحكومة والمجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية (الكابينت) خلال فترة الحرب”.
وكان أحد سكان البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، قد نشر قبل أيام مقطع فيديو وهو يسكب على رأسه حمولة “جرافة” من “روث الحيوانات” في رسالة وجهها إلى نتنياهو، احتجاجًا على “انعدام الأمن في في البلدات الجنوبية، واستمرار إطلاق الصواريخ الفلسطينية”.
من جهة أخرى، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن “إنجاز القيادة السياسية في المواجهة العسكرية الأخيرة مع قطاع غزة كان هزيلاً جدًا”، متخوفة من أن “تكون الحكومة الإسرائيلية قد مهدت الطريق للجولة التالية في لبنان أو في غزة، بدلاً من التمهيد لإزالة التهديد من غزة”.
وأضاف الافتتاحية التي كتبها “ناحوم برنياع” أنه: “كان يمكن أن نسجل إنجازًا بعد أسبوعين من بدء العملية العسكرية في غزة حينما لم تكن الأثمان التي دفعناها مرتفعة جدًا، أما بعد خمسين يومًا فيمكن أن نأسف فقط وأن نأمل الخير في المستقبل”.
وأكد أنه ليست الزعامة فقط هي التي لم يحصل الإسرائيليون عليها، بل لم يحصلوا أيضًا على الشفافية والصدق، “فلم توجد سوى خطب عصماء ووزير دفاع يزم شفتيه خامدًا، بعد بضع سنوات سيُطرح في مسابقة معلومات عامة سؤال: من كان وزير دفاع إسرائيل في فترة عملية الجرف الصامد؟ ولن ينجح المجيبون في التخمين حتى ولا مقابل مليون شيكل”.
أما المحلل “سيفر بلوتسكر” فقد أكد في كلامه الذي نشر في ذات الصحيفة أن “عملية الجرف الصامد ستخرج فتح من المسرح الفلسطيني، على عكس ما يعتقد بعض السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بأنّ حماس ستتنحى عن القطاع وتسلمه لأبو مازن، بعد انتهاء عملية الجرف الصامد”.
وقال بلوتسكر: “أنا أصغر من أن أتنبأ إلى أين تتجه حماس، لكنني أبيح لنفسي أن أتنبأ إلى أين تتجه فتح، إنها تتجه إلى مغادرة المسرح الفلسطيني، فعملية الجرف الصامد ركلتها وطيرتها عنه” على حد قوله.
ورد على بعض بعض الساسة والعسكريين الإسرائيليين يعتقدون بأن حماس منيت بضربة فظيعة، ولم تحصل على شيء، وهي ضعيفة كما لم تكن قط، وستضطر إلى التخلي عن حكمها لغزة، وقد خرج أبو مازن وحكومته من القتال منتصرين، بقوله إنهم مخطئون، ومضيفًا: “لكن رأيي مختلف ومتشائم، فرأيي هو أن نتيجة الجرف الصامد هي بدء نهاية فتح – إن لم تكن نهاية نهايتها -، وسيكون أبو مازن الخاسر الأكبر من الصورة التي انتهى القتال عليها”.
وأضاف: “فليست حماس هي التي ستتنحى كي تنقل مقاليد حكم غزة إلى السلطة الفلسطينية، بل سيضطر أبو مازن ورجاله قريبًا إلى التنحي والتخلي عن لذائذ الحكم الفلسطيني”.
وشدد سيفر على أنّ إسرائيل أخطأت في تصورها العام للحرب على غزة، مشيرًا إلى أنّ النتيجة كانت أن حماس صمدت خمسين يوما – وحدها – أمام قوة إسرائيل العسكرية المتفوقة، وكان أبو مازن وفتح ينظران إلى غزة من بعيد ويجريان بين العواصم والفنادق، وبذلك فقدا شرعية حكمهما في نظر الفلسطينيين، وفي نظر المعتدلين والطامحين إلى السلام أيضًا.
وأضاف أنّ فتح أصبحت منظمة لا صلة لها بالواقع، عاجزة، باهتة في أيام المعركة كما في أيام التسوية، ولن تحكم غزة وستخسر الضفة أيضًا، وستصبح السلطة الفلسطينية سلطة حماس.
أما صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فقد قالت على صفحتها الرئيسية: “بعد 7 أسابيع من حرب غزة، حماس:1، إسرائيل 0”.
وقال المحلل الإسرائيلي “باراك رافيد”: إن كل ما أراده نتنياهو انتهاز أي فرصة للهروب من غزة، وهذا ما قام به على أرض الواقع، حيث قام بوقف إطلاق النار بلا نقاش رسمي، وبلا تصويت، ومن خلال اتصالات هاتفية مقتضبة مع أعضاء الحكومة الأمنية.
وسخر رافيد من طريقة نتنياهو بوقف إطلاق النار، قائلاً: “نعم، بهذه الطريقة أقرت حكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو في أغسطس 2014 اتفاق وقف إطلاق النار مع منظمة إرهابية، إنه نفس بنيامين نتنياهو الذي خاض الانتخابات قبل خمسة أعوام، بعد عملية الرصاص المسكوب، ببرنامج عمل يعتبر أن المهمة في غزة لم تنته وبأن حكم حماس ينبغي أن يدمر وبأنه الوحيد القادر على إنجاز ذلك”.
وأضاف: “سلوك نتنياهو خلال خمسين يومًا من القتال في غزة سلط الضوء على الهوة القائمة بين تصريحاته ووعوده من جهة والواقع من جهة أخرى، رئيس الوزراء، الذي كان الأكثر صخبًا والأعنف في تصريحاته ضد حماس أنهى المواجهة مع هذه المنظمة وهي في أضعف أوضاعها، فكل ما أراده هو تحقيق وقف لإطلاق النار بأي ثمن، وحينما لاحت الفرصة لم يتأخر في اغتنامها، ثم لاذ بالفرار”.
وشدد على أنّ “المقترح المصري لوقف إطلاق النار، والذي قبلته إسرائيل يوم الثلاثاء، لم يقدم إنجازاً واحدًا، الشيء الوحيد الذي استطاع المتحدث باسم رئيس الوزراء أن يفاخر به هو أن الاتفاق حرم حماس من أي إنجازات، حيث رفضت مطالبها المتعلقة بالميناء البحري وبالمطار وبدفع الرواتب، إلا أن كل هذه المطالب ستثار من جديد خلال المفاوضات مع حماس والتي ستستأنف في القاهرة الأسبوع القادم”.
ونوه إلى أنّه ومقابل هدوء غير محدود، وافقت إسرائيل على فتح المعابر الحدودية مع قطاع غزة حالاً أمام المساعدات الإنسانية وعلى توسيع منطقة الصيد في البحر إلى مسافة ستة أميال بحرية، كما وافقت إسرائيل على السماح حالاً بإدخال مواد البناء لإعادة إعمار غزة دون أي ضمانات، سواء من مصر أو من حماس بإنشاء آلية رقابة تضمن أن الإسمنت والحديد لن يستخدم في إعادة تأهيل مشروع الأنفاق”.
وكشف رافيد أنّ “المقترح المصري لم يشتمل على أي تصريح، ولو بالإشارة الضمنية، يخص متطلبات إسرائيل الأمنية، ولم يرد فيه أي ذكر لنزع سلاح القطاع، ولا لإعادة التسليح ولا لقضية الأنفاق، حينما تقرأ الوثيقة المصرية الهزيلة التي وافق عليها بنيامين نتنياهو فإنك لا تملك إلا أن تستنتج بأن مسودة مبادرة جون كيري، التي رفضتها الحكومة بازدراء وبطريقة قاربت ما يشبه الإهانة بحق وزير الخارجية الأمريكي، تبدو فجأة كما لو كانت مقترحًا في غاية الروعة”.
وشدد على أنّ “هذه الاتفاقية – وهي الثالثة التي يوقعها نتنياهو مع حماس منذ أن استلم رئاسة الوزراء عام 2009 – لا تضمن حتى إعادة إسرائيل إلى نقطة البداية مع قطاع غزة، كل ما أراده نتنياهو هو العودة إلى الوضع القائم الذي بات بالنسبة له أيديولوجيا شخصية، أما في الواقع، فقد تقهقرت إسرائيل”.
وكان الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي قد توصلا يوم أمس الثلاثاء، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي اعتبرتها فصائل المقاومة الفلسطينية انتصارًا، وأنها “حققت معظم مطالب المعركة مع إسرائيل”.
وتتضمن الهدنة، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الإعمار.
كذلك تشمل الصيد البحري انطلاقًا من 6 أميال، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الآخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار.
وأظهر هذا الاتفاق انقسامًا بين الوزراء في الحكومة الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، دون أن يكون وضوح حول تأثير ذلك على مستقبل الحكومة الإسرائيلية.
وقال وزير العلوم “يعقوب بيري”: “لا يوجد حل عسكري للصراع وما نحن بحاجة إليه هو الذهاب إلى حل سياسي”.
وأضاف لإذاعة الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الأربعاء “آمل أن الحكومة التي أنا عضو فيها أن تكون قادرة على القيام بذلك”.
وبدورها قالت “تسيبي ليفني” وزيرة العدل ورئيسة الفريق الإسرائيلي المفاوض: “فقط الوقت سيثبت ما إذا كان ما تحقق كان كافيًا لردع حماس ولتحقيق هدوء طويل”، وأضافت: “من المهم منع حماس من إعادة التسليح وإيجاد جبهة سياسية مع المعتدلين”.
وكانت الإذاعة الإسرائيلية العامة قد أشارت إلى أن 4 وزراء من أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشئون السياسية والأمنية (كابينت) الثمانية يعارضون الاتفاق وهم وزير الخارجية “أفيغدور ليبرمان”، وزير الاقتصاد “نفتالي بينت”، وزير الإعلام “غلعاد اردان”، ووزير الأمن الداخلي “يتسحاق أهرونوفيتش”.
ويتألف المجلس الوزاري المصغّر من 8 أعضاء: رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، وزير الخارجية “أفيغدور ليبرمان”، وزير الدفاع “موشيه بوغي يعلون”، وزير المالية “يائير لابيد”، وزير الأمن الداخلي “يتسحاق أهرونوفيتس”، وزيرة العدل “تسيبي ليفني”، وزير الاقتصاد “نفتالي بنيت”، ووزير الإعلام “جلعاد أردان”.
ولفتت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن وزير الاقتصاد “نفتالي بنيت” طلب من نتنياهو عقد جلسة للمجلس الوزاري لبحث موضوع وقف إطلاق النار، غير أن نتنياهو رفض ذلك.
وذكرت أن نتنياهو “حصل على رأي قانوني من المستشار القضائي للحكومة “يهودا فاينشتاين” يتيح له اتخاذ القرار بقبول وقف إطلاق النار دون عقد مثل هذه الجلسة”.
وفي هذا الصدد، وجه “أوري أرئيل” وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، انتقادات حادة إلى طريقة اتخاذ القرار بشأن وقف إطلاق النار، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي “علينا أن ننهي المهمة، لا أدري كيف أجاز المدعي العام للحكومة القرار بدون التئام الحكومة”.
وحول اتخاذ القرار دون عقد اجتماع للحكومة، نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية على موقعها على الإنترنت موافقة إسرائيل بالاقتراح المصري لوقف إطلاق نار طويل المدى”، كما نقلت عن مسئول إسرائيلي لم تذكر اسمه أنه “تم إطلاع وزراء الحكومة على القرار، ووفقًا لرأي قانوني فإن لا حاجة لتصويت وزراء الحكومة على القرار”.
ومن جهته، انتقد “عوزي لانداو” وزير السياحة الإسرائيلي، “الأداء الإسرائيلي” خلال الحرب على غزة، وقال للإذاعة الإسرائيلية العامة إن “إسرائيل دخلت المعركة بتردد وانجرّت وراء التحركات القتالية وخلقت انطباعًا وكأنها تريد الهدوء بكل ثمن وكأنها غير مستعدة لخوض القتال، إن هذا التصرف يمس بقدرة الردع الإسرائيلية بشكل خطير ويلحق بإسرائيل ضررًا طويل الأمد”.
واعتبر لانداو أن “إسرائيل لم تفلح أيضًا في الاستفادة من الدعم الدولي الكبير الذي حصلت عليه في بداية العملية”.