ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما كان الإرهاب الجهادي ولا يزال في دائرة الضوء، حيث تأكد أنه سبب أكبر مخاوف المجتمعات الغربية. ولكن الواقع مختلف تمامًا، فالحقيقة مخفية ومحمية أيضًا.
يطغى مفهوم كلاسيكي ومتحيز إلى حد ما عن الإرهاب يعتبر أي هجوم فردي قائم بالأساس على دافع ديني عملًا إرهابيًا. ولكن كيفية التعامل مع الإرهابي تختلف: فإذا كان منفذ الهجوم مسلمًا يُطلق عليه آنذاك نعت “الإرهابي”، أما إذا كان أبيض البشرة ومن أصول غربية تتغير الصفة إلى “مرتكب مجزرة”.
حسب موسى بوركبة، من مركز برشلونة للدراسات الدولية، هناك “شرعية بطيئة ولكن أكيدة لاستخدام العنف من قبل أفراد ينتمون إلى اليمين المتطرف”. تؤكد مؤشرات الإرهاب العالمي لسنة 2019، أن هذا النوع من الهجمات قد تضاعف بنسبة 320 بالمئة في السنوات الخمس الماضية (بحصيلة 1156 جريمة عنف مع 838 ضحية في سنة 2018 في الغرب)، بيد أن وسائل الإعلام لا تغطي سوى الأخبار المتعلقة بالهجمات الجهادية في أغلب الأحيان.
إن تفسير تضاعف هذا النوع من العمليات الإرهابية يعود جزئيا إلى الشرعية التي تروج لها الأحزاب السياسية نفسها والخطابات التي تحرض على كراهية الأجانب وكراهية المثليين، وكراهية الإسلام، وهذا سلاح ذو حدين. ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، قُتل 17 شخصًا في سنة 2017، وارتفع العدد إلى 26 شخصًا في العام التالي ووصل إلى 77 شخصًا في سنة 2019.
رجل يؤدي الصلاة أمام الزهور التي وضعت لإحياء ذكرى ضحايا الهجمات على المساجد
في إسبانيا، وقع اكتشاف 309 حالة اعتداء بدافع كراهية الأجانب خلال سنة 2016 فقط. وفي سنة 2019، وقعت عدة هجمات إرهابية معادية للأجانب ضد مراكز القاصرين الأجانب غير المصحوبين، وتم اعتقال قناص هدد باغتيال رئيس الوزراء بعد تعقبه من خلال موقع “فوكس” للدردشة، وتم على إثر ذلك تفكيك ورشة عمل سرية لتصنيع المتفجرات وتخزين الأسلحة.
وقعت إحدى أكثر الهجمات بروزًا في أوروبا خلال السنوات الأخيرة في النرويج، استهدف معسكر شباب حزب العمال، ونفّذه النازي أندرس بريفيك في سنة 2011، وأسفر عن مقتل 77 شخصًا وإصابة 151 آخرين. من المهم هنا تسليط الضوء على إحدى الخصائص الملفتة للانتباه لهذا النوع من الإرهاب: مثلما وثّق هتلر سيرته الذاتية في كتاب “كفاحي”، كتب بريفيك بيانًا شرح فيه أسباب هجومه استنادًا إلى نظرية “أسلمة أوروبا” بسبب اليسار متعدد الثقافات.
من بين الأمثلة الأخرى على التأثر بهذا النوع من الإرهاب، هجوم مسجد كرايست تشيرش في سنة 2019 الذي راح ضحيته 49 شخصًا. وقد نشر مرتكب الهجوم، برينتون تارانت، عبارة مستوحاة من أقوال وأفعال “القائد” بريفيك لتبرير فعلته: “نظرية مؤامرة الاستبدال العظيم”.
نصب تذكاري مؤقت لضحايا إطلاق نار جماعي في مركز وول مارت التجاري، تسبب في مقتل 22 شخصًا في 3 آب/ أغسطس
أدت هذه الأحداث وصعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا في السنوات الأخيرة إلى تأجيج هذه الموجة من العنف ضد المثليين وكراهية الأجانب وكراهية النساء. في ألمانيا وحدها، تم ارتكاب 1054 حالة عنف من قبل يمينيين متطرفين في سنة 2017. وفي المملكة المتحدة وإيطاليا، حدثت هجمات بالأسلحة النارية والسكاكين ضد السياسيين، إلى درجة ارتكاب جريمة قتل في حق النائب البريطاني جو كوكس في سنة 2016. كما وقعت هجمات ضد المهاجرين والمثليين نفذها أعضاء الجماعات الفاشية الجديدة مثل حركة “كاسا باوند”، حليف حزب الشمال الإيطالي، أو حركة المقاومة الشمالية في السويد.
أصبحت فرنسا في السنوات الأخيرة، أكثر دولة أوروبية وقعت فيها هجمات إرهابية، ناهيك عن أنها تحولت إلى بؤرة للإرهاب اليميني المتطرف. من جهتها، شهدت الولايات المتحدة خاصة في ظل إدارة ترامب موجة من هذا النوع من العنف (39 من أصل 48 حالة وفاة ناتجة عن العنصرية وتفوق البيض). ينضاف إلى ذلك، الهجوم المعادي للسامية الذي نفذه روبرت باورز في كنيسة بيتسبرغ في سنة 2018، الذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا. لم تسلم كندا من هذا النوع من الهجمات، حيث قُتل ستة أشخاص في هجوم على مسجد في كيبيك في سنة 2017.
حفز هذا الاتجاه المتطرف ولادة تنظيم الدولة وانتشاره في الغرب من خلال التطرف وتجنيد الأفراد لتحويلهم إلى مجاهدين. صدمت هذه الأحداث المجتمعات الغربية، وزادت من القلق والكراهية تجاه المهاجرين وخاصة العرب، وعززت الخطاب القومي. ساعد هذا الأمر الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة للتقدم وكسب الأصوات خلال انتخابات سنة 2019: تصدرت سويسرا القائمة بنسبة 29 بالمئة من الأصوات، والنمسا بنسبة 26 بالمئة، والدنمارك بنسبة 21 بالمئة، فرنسا وألمانيا بنسبة 13 بالمئة، وإيطاليا بنسبة 17 بالمئة، وإسبانيا بنسبة 10 بالمئة (حزب فوكس).
ملصقات وصور على جسر لندن تخليدا لذكرى ضحايا تفجير 12 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2019
بالنظر إلى التغطية الإعلامية الواسعة للهجمات الجهادية، أظهرت بيانات 2018 أن الواقع مختلف تماما: بلغت هجمات اليمين المتطرف 17.2 بالمئة مقابل 6.8 بالمئة للهجمات الجهادية. عادة ما يُشار إلى هذا النوع من الهجمات باسم هجوم “الذئاب المنفردة”، وهو تعبير مضلل نظرًا لأنهم يتحركون في نطاق تعليمات محددة من قبل مجموعة معينة، والتي على الرغم من أنها لا توجه لهم بشكل مباشر، إلا أنها جزء من حركة أيديولوجية عالمية. في هذه المرحلة، تتضح أهمية الإنترنت في نشر الإرهاب، وهي التي بينت العلاقة بين بريفيك وتارانت وبين حزب أوغار سوثيال وحزب الشمال الإيطالي.
من بين الخصائص المشتركة بين الجهاديين والنازيين الجدد، استخدام الإنترنت كمنصة رئيسية تدعم التطرف الذاتي. فالوصول إلى كمية هائلة من المعلومات والنظريات التي تلتزم بمُثُلها يعزز الاقتناع بأن الطريقة الوحيدة المفيدة والفعالة هي العنف. هناك نقطة أخرى مشتركة وربما أكثر أهمية بسبب خطورتها، وهي ما يمكن أن نطلق عليه “مرآة أفغانستان”.
كما هو الحال بالنسبة للجهاديين الذين شاركوا في ذلك الوقت في حرب أفغانستان أو الذين فروا حاليًا إلى سوريا والعراق، فإن أقصى اليمين يتركز في أوكرانيا حيث تتمركز كتيبة آزوف التي تضم مجموعة من المقاتلين الأجانب ومن جميع أنحاء الغرب. وفقًا لمصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن هذه الكتيبة تضم حوالي 17 ألف يميني متطرف من 50 دولة. وعلى غرار تدفقات العائدين من أفغانستان وسوريا والعراق، سيعود هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم الأصلية أكثر عنفًا وحماسًا لتنفيذ هجمات إرهابية، ليصبحوا في النهاية أكثر راديكالية.
في 18 آذار/ مارس 2019، عائلة تضع الزهور على جدار في حديقة كريست تشيرش في نيوزيلندا
بنفس الطريقة، اكتسب الإرهاب اليساري أو الأناركي قوة خاصة في اليونان وإيطاليا وتركيا وفرنسا وإسبانيا. اعتمدت الحركات القائمة على هذه الأيديولوجيا على الاحتجاج الاجتماعي كوسيلة للتجنيد. في تركيا، مثلا، قُبض على 93 شخصا من بين 120 مطلوبًا للعدالة من قبل مكتب المدعي العام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ينتمون إلى جماعة إرهابية يسارية متطرفة حزب “جبهة التحرير الشعبية الثورية”، منهم منفذ الهجوم الانتحاري على السفارة الأمريكية في أنقرة في سنة 2013 التي انتهت بوفاة حارس أمن. في الولايات المتحدة وحدها، تم تسجيل أكثر من 300 هجوم على ضباط إنفاذ القانون من قبل أفراد يساريين متطرفين في عام واحد.
خلال شهر أيار/ مايو، ألقت الشرطة الإيطالية القبض على خلية إرهابية أناركية هاجمت شبكات مراقبة الشرطة وأنظمة إرسال الإشارات التلفزيونية ونظمت أعمال شغب ضد المهاجرين المحتجزين. وخلال سنة 2018 فقط، نفذت هذه الجماعة 34 هجومًا.
في إسبانيا، قُبض على الأناركي غابرييل بومبو دا سيلفا في كانون الثاني/ يناير، وهو يملك سجلا إجراميا يفوق 30 عامًا من السجن. كانت عملية القبض عليه ناجحة بفضل مكالمة هاتفية تم فيها التحقق من ارتكابه للاعتداءات، وقد حوكم بتهمة المشاركة في جرائم إرهابية، قتل، خطف، سطو، ابتزاز، بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات وحيازة أسلحة وذخائر ومتفجرات بشكل غير قانوني. كما واجه بومبو دا سيلفا تهما من قبل الشرطة الإيطالية لعلاقته مع الاتحاد الأناركي الإيطالي.
قوات الأمن تقف لحراسة موقع حادث بالقرب من المكاتب السابقة لمجلة “شارلي إبدو” الفرنسية في باريس، في 25 أيلول/ سبتمبر 2020.
من بين المجموعات الأخرى، مجموعة “سترايت إيدج مدريد” المدافعة عن “شرعية النضال النشط والعنيف ضد النظام الدستوري”، والتي خططت لهجمات متعددة ضد الشرطة ومختلف المرافق، حيث وضعت عبوة ناسفة في بازيليكا ديل بيلار وكاتدرائية المودينا سنة 2013. ألقي القبض أيضًا على مجموعة أخرى في مرسية، إسبانيا، وهي مجموعة مدربة ذاتيًا على صناعة المتفجرات واستخدامها، وتملك كمية هائلة من المواد المتفجرة لتصنيع القنابل منزلية الصنع، التي تم وضعها في أبراج كهربائية وخزانات مياه في مختلف المرافق وعلى مقربة من المناطق السكنية.
بناء على المعطيات السابق ذكرها، وجميع الهجمات الإرهابية التي حدثت في السنوات الأخيرة، يبدو جليًا أن الإرهاب الجهادي ليس الخطر الحقيقي الذي يهدد المجتمعات الغربية.
المصدر: أتالايار