بينما عانت الكثير من الدول الغربية من فشل سياساتها تجاه سوريا، بدت روسيا دومًا واحدة من أكثر اللاعبين تماسكًا فيما يخص الأزمة السورية، حتى وإن قارنّاها بإيران، والتي خسرت على أقل تقدير سمعتها الإقليمية، لاسيما وهي ضالعة في دعم نظام الأسد بشكل مباشر على الأرض.
بيد أن الزلزال السوري بدأ يصل أخيرًا إلى روسيا، إذ قام مسلحون إسلاميون في جروزني، عاصمة الشيشان، بقتل 20 شخصًا في حادث إطلاق رصاص حي؛ لتنطلق صافرة إنذار وصول داعش ومثيلاتها إلى شمال القوقاز بعد بضع سنوات من قبضة موسكو المحكمة على المنطقة.
بالإضافة لذلك، يُعَد سقوط سعر النفط إلى 65 دولارًا هو الآخر صفعة على وجه روسيا وإيران، لا تخلو من نظريات مؤامرة توجه أصابع الاتهام إلى تلاعبات السعودية للضغط على البلدين، لاسيما روسيا التي يعاني اقتصادها أصلاً من العقوبات جراء الأزمة في أوكرانيا، والتي تشهد عملتها هبوطًا شديدًا.
كل تلك العوامل قد تشي بتغيّر في موقف موسكو من الأزمة السورية في المرحلة المقبلة.
من المهم للغاية أن نفهم تفاصيل الرؤية الروسية للأزمة في سوريا، إذ اعتقد الكثير من المحللين الغربيين في بداية الصراع أن بوتين لا يهتم إلا بقاعدته في طرطوس وتجارة السلاح مع النظام السوري، في حين أن الحسابات الروسية كانت جيوإستراتيجية بحتة، فرُغم أن تركيا والسعودية وقطر اضطلعتا بالأدوار الرئيسية في مساندة الثورة، إلا أن روسيا مقتنعة تمامًا أن الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة، هي المحرّك الرئيسي، وهو ما يعني أنها ترى سوريا بعدسة علاقاتها المتوترة مع الغرب بشكل كبير.
من المنظور الدولي، تشعر روسيا بغدر كبير حيال ما فعله الغرب في ليبيا، ومساهمة حلف الناتو في إسقاط نظام القذافي، وتعتقد أن الولايات المتحدة تسعى لنفس الهدف في سوريا؛ وهو ما يجعل بوتين عازمًا على وضع سوريا كخط أحمر في لعبة السياسة الدولية، بل وتدشين سياسة مفادها منع تغيير الأنظمة عن طريق المساعدة الغربية الواضحة كما جرى في أوكرانيا أيضًا.
رُغم ذلك، لا يبدو أن موسكو تغاضت تمامًا عن الحسابات الإقليمية، حيث تقول “فيتالي ناومكين” مديرة معهد الدراسات الشرقية في جامعة موسكو، إن الاعتراضات والضغوط الإسرائيلية المتكررة أثنت موسكو عن إرسال صورايخ إس 300 للنظام السوري، كما لاتزال القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع الخليج، لاسيما وعلاقات الخليج مع الولايات المتحدة تهتز لأسباب كثيرة، أضف إلى ذلك أن العلاقات بين روسيا وتركيا لاتزال متينة رُغم الخلافات الواضحة في سوريا.
اشتد دعم بوتين لنظام الأسد في عام 2011 بشكل كبير، خاصة حين اندلعت موجات احتجاجية ضد بوتين في موسكو؛ وهو ما خلق مخاوف بأن يكون سقوط الأسد السهل داعمًا معنويًا للمعارضة الروسية، إلا أن هذه الاحتجاجات هدأت مؤخرًا إثر ارتفاع شعبية بوتين بعد الاستحواذ على شبه جزيرة القرم.
تُعَد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أيضًا صاحبة كلمة في المسألة السورية، إذ إنها تهتم لمصير مسيحييّ سوريا وخطر تصاعد الجهاديين عليهم، وهم الجهاديون الذين لا تخشى موسكو منهم فقط داخل سوريا، بل وتخشى وصولهم إلى المسلمين في بلادها، والذين يمثلون 14٪ من سكانها، وتلك المسألة تحديدًا يبدو أنها قد تكون في صالح روسيا، إذ إن صعود داعش قد يقرّب بعض المواقف الغربية من رؤيتها الداعمة لاستمرار نظام الأسد في مواجهة الجهاديين، والتوصل لتسوية الأزمة عبر المفاوضات.
مؤخرًا، دعا “ميخائيل بوجدانوف” إلى مؤتمر في موسكو بين النظام السوري والمعارضة كخطوة أولى للعودة إلى مسار جنيف 2 الذي توقف في فبراير الماضي، ورُغم أن بوتين ليس قريبًا في الحقيقة كما يبدو من الأسد بشكل شخصي، إلا أن مطلب سقوط الأسد بشخصه مرفوض تمامًا في موسكو، إذ إنه يعني ببساطة قبول تغيّر النظام والخضوع لشرط غربي وفتح الباب أمام تعزيز موقف الجهاديين.
حتى يصل الغرب للتنازل عن هذا الشرط، لا يبدو أن الأزمة الاقتصادية ستضع قيودًا على الموقف الروسي في هذه النقطة سوى فيما يخص الدعم المادي لنظام الأسد، حيث رفضت موسكو مؤخرًا منح مليار دولار طلبها النظام الذي يعاني ماليًا، لاسيما وراعيه الأول الإيراني يعاني أيضًا من صعوبات اقتصادية.
بيد أن موسكو لاتزال قادرة على التكفّل بالمصاريف البسيطة التي قد يحتاجها الأسد، خاصة إذا ما ضعف موقفه بشدة، فسوريا منذ سنوات وهي شريك غير مكلّف بالنسبة لموسكو، وهي تقف الآن بوجه تكرر السيناريو الليبي والأوكراني كما يعتقد بوتين، دون أن يمس ذلك سمعة روسيا الدولية كما يحدث مع إيران.
في عام 2015، وباقتصاد يزداد ضعفًا وخطرًا من تصاعد الجهاديين في الشام قد يصل في أي وقت إلى شمال القوقاز، قد تخضع روسيا لضغوط مرحلية تغيّر بها بعض مواقفها، ولكنها لن تتخلى على الأرجح عن إستراتيجيتها الأساسية الرافضة لرحيل الأسد.
المصدر: ميدل إيست آي