تعرّض حافظ الأمن، محمد علي الشرعبي، للقتل مُؤخّرًا على يد مجموعة إرهابية مُتكوّنة من ثلاثة أنفار في منطقة “الفحص” من ولاية زغوان لينضاف لقائمة الخسائر البشرية التي تدفعها تونس في حربها على المجموعات المُتطرفة.
حادثة دفعت الأمنيّين عبر نقاباتهم للمطالبة بالسّماح لهم بحيازة أسلحتهم خارج أوقات العمل بهدف الحماية الذاتية من أخطار الجماعات الإرهابية التي أعلنت قوات الأمن التونسيّة من جيش وشرطة وحرس وطني كأهداف دائمة.
طلب أسال كثيرًا من الحبر بين مُساند و مُعارض، لكنّه انتهى بالقبول، حسب ما سربته مصادر مطّلعة من داخل وزارة الداخلية، إذ تمّ تعميم منشور للوحدات الأمنية مُمضى من طرف وزير الداخلية، لطفي بن جدّو، يقضي بالسماح للأمنيين بحيازة أسلحتهم شريطة تقديم عون الأمن الراغب في ذلك لمطلب للوزارة تنظر فيه الأخيرة ثُمّ تُجيب بالإيجاب أو بالرفض.
حيازة الأمنيين لسلاحهم خارج أوقات العمل في تونس كان مسموحًا ومُطبقًا في إطار القانون عدد 70 المؤرخ في 6 أغسطس 1982 والذي ينص على أن “وحدات الأمن الداخلي حتى في خارج أوقات العمل تظل قائمة بمهامها ويمكن دعوتها للتدخل والسيطرة على موضوع ما وحماية المواطن والممتلكات العامة والخاصة”، إلا أنه تمّ تجميد العمل به على إثر حادثة أقدم فيها عون أمن على قتل صديقته في أحد النُزل بالعاصمة في تسعينات القرن الماضي.
الدّاعمون لهذا القرار قالوا إنه بات من الضروري تمكين أعوان الأمن من أسلحتهم حتى يكونوا قادرين على التصدي إلى مُحاولات الغدر والاغتيال وبأنّ طلب نقابات الأمن هو طلب مشروع يفرضه الوضع الحالي للبلاد مع مُحاربتها للإرهاب، حيث صرح الأزهر العكرمي، القيادي في نداء تونس، بأن “شهيد المؤسسة الأمنية، محمد علي الشرعبي، لو كان حاملاً لسلاح لبقي على قيد الحياة”، كما أضاف “لو كنت عون أمن في الحرس الوطني أرفض العمل دون السلاح الفردي خلال ساعات العمل”.
من جهة أخرى، تمّ تقبل هذا القرار بتحفّظ شديد ارتكز على مُعطيين اثنين: فأما الأول فيتعلّق بمخاوف من إساءة أعوان الأمن لأسلحتهم، خاصة وأن فترة التسعينات شهدت حوادث مُتفرقة استعمل فيها الأمنيّون أسلحتهم لارتكاب جرائم قتل لا علاقة لها بعملهم إما لمشاكل شخصية أو تحت تأثير الكحول وبالتّالي قد نتحول إلى إرهاب من نوع ثان، ويرى مُراقبون أن أحد أهم أسباب نجاح ثورة تونس وسلميتها هو عدم انتشار السلاح في البلاد على عكس ما سيُصبح عليه المشهد بعد هذا القرار.
وأمّا الثّاني، فيتعلّق بملف الإرهاب نفسه؛ فأعوان الأمن بحيازتهم الأسلحة سيُصبحون “مغنمًا” أثمن لهؤلاء الإرهابيين بتحول الهدف من عملية الاغتيال أو الذّبح من زهق لروح “أحد أعوان الطّاغوت” كما يُصورون، إلى زهق روح والتّمكّن من سلاحه؛ وبالتّالي نحن إزاء تحفيز لهم ولسنا إزاء ردع، بالاضافة إلى أنّ هذا القرار سيُحول منازل الأمنيّين إلى مواقع للرصد باعتبار وجود أسلحة داخلها؛ وهو ما سيجر عائلاتهم إلى دائرة الخطر وبالتالي زدنا الطّين بلّة.
عندما بحثنا عن تجارب مُقارنة لدُول يسمح فيها القانون للأمنيين بحيازة أسلحتهم وخاصّة الإطار القانوني الذي استعملته هذه الدول لترشيد استعماله كي لا يتحول إلى مصدر خطر؛ وجدنا أن فرنسا تسمح لأمنييها بهذا لكن وفق هذه الشّروط:
- حمل السلاح خارج الخدمة مقيد جغرافيًا بالمنطقة التي يعمل فيها أو بالطريق الرابطة بين منزله ومكان عمله.
- في المنزل، يجب حفظ السلاح وجميع لوازمه في مكان خاص وبعيد عن متناول الأطفال والغرباء.
- يجب على العون تسليم سلاحه إذا كان منقطعًا عن العمل لمدة أطول من أيام الراحة العادية.
- يمكن سحب السلاح من العون من طرف أحد مسؤوليه إذا كان يمثل خطرًا على الغير.
- يخضع الأعوان لدورات تكوينية حول أهمية السلاح وكيفيه استخدامه لتجنب الأخطاء.
- يُسلم السلاح مرفقًا بحقيبة تُفتح برقم سري للحفاظ عليه في المنزل بأمان.
- كل مخالفة لشروط الاستعمال أو الحفظ تُعرِض العون للعقاب الصارم.
تمكين أعوان الأمن من أسلحتهم قد يُكثِف العمليات الإرهابية ضدهم ولميزة الغدر التي يتمتع بها الجناة، قد يستحيل استعمال السلاح قبل فوات الأوان.
قرار مُتسرّع قد تُبيّن الأيام مدى خطورته، وطالما أنّه أصبح أمرًا واقعًا، ضروري أن تتجه الوزارات المعنية إلى تحديث تشريعاتها بخصوص هذا الملف عبر قانون يُحدّد بدقّة من يحق له حيازة سلاحه وتحت أيّ شروط بالإضافة إلى تنظيم دورات تأهيليّة سواء على الصعيد التقني أوالنفسي حتى لا تتوجه فوهة هذه المسدسات نحو المدنيّين الآمنين.