كل عشر سنوات تقريبًا يظهر جيل جديد من شبكات الهواتف المحمولة، وقد شهدت شبكات الاتصالات تطورًا كبيرًا منذ أن بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، فإذا ما عدنا إلى الجيل الأول من شبكات الهواتف الخلوية التي ظهرت في حوالي عام 1980، نجد أنها كانت تعتمد على تكنولوجيا التناظر، وعندما وصل الجيل الثاني في عام 1991، بدأت الشبكات تصبح رقمية، وبحلول عام 2001، استبدل الجيل الثالث دائرة التحويل الثقيلة القديمة بمجموعة من المحولات الأكثر فعالية، أما بحلول حوالي عام 2010، فقد اعتمدت شبكات الجيل الرابع على تكنولوجيا الـ(IP) بروتوكول الإنترنت بطريقة كبيرة، وهذا زود للأجهزة النقالة “الموبايل” بإمكانية الوصول الواسع النطاق إلى شبكة الإنترنت، ومن هنا نجد أن كل جيل من الأجيال المتتالية جلب معه نطاقات تردد جديدة وسرعات أعلى وزيادة في التركيز على تدفق البيانات بدلًا من مجرد الاكتفاء بتحسين نقل الصوت.
قد يكون تطوير جيل خامس من شبكات الهواتف النقالة هدفًا صعبًا بعض الشيء، فهناك الكثير من المساومات التي يجب الاتفاق عليها مع واضعي السياسات والمعايير، ولكن مع ذلك، فإن الأمل مايزال موجودًا، حيث أعلن القائمون على مجال التطوير مؤخرًا أن الجيل الخامس سيكون مختلفًا عن باقي الأجيال السابقة، فمن المفترض أن يرقى الجيل الخامس إلى المستوى العالمي بحيث يكون كل المسافرين قادرين على استخدام هواتفهم الشخصية في أي مكان في العالم، من دون حاجة لتبديل بطاقات الـ(SIM) بواحدة أخرى محلية عند الوصول إلى دولة أخرى.
ماذا يمكن أن نتوقع من الجيل الخامس لشبكات الهواتف المحمولة؟
حسنًا في هذه المرحلة، هناك عدد قليل من الأشياء التي يمكن القول إنها ستصبح بالتأكيد من خصائص الجيل الخامس، ولكن أحد تلك الخصائص هي “زمن الاستجابة” – وهو الزمن الذي يتطلبه جهازان ليباشرا بالتواصل مع بعضهما – حيث يشير مشغلو الشبكات أن هذا الزمن سيصل إلى حوالي واحد ميلي ثانية، وهو زمن سريع جدًا إذا ما تمت مقارنته مع سرعة شبكات الجيل الرابع التي نستخدمها اليوم والتي تبلغ حوالي 50 ميلي ثانية، وشبكة الجيل الثالث التي لاتزال مستخدمة على نطاق واسع والتي تصل إلى حوالي 500 ميلي ثانية.
هناك ميزة أساسية أخرى ستكون موجودة في الجيل الخامس لشبكات الاتصالات وهي سرعة نقل البيانات التي ستصل إلى واحد جيجابت على الأقل في الثانية (1Gbps) كبداية، ومن ثم ستزداد الغيغابيتات تدريجيًا في الثانية الواحدة، ومن المتوقع أن يكون مستخدمو الأجهزة المحمولة بحاجة لمثل هذه السرعات إذا كانوا يسعون لتحميل فيديوهات فائقة الوضوح (دقتها ما بين 4k أو حتى 8K) إلى هواتفهم.
من المقرر أن تلعب تقنيتان أساسيتان معايير الكفاءة ضمن الجيل الخامس، الأولى هي تقنية (MiMo) أي “المداخل والمخارج المتعددة” وهي تستخدم هوائيات صغيرة عديدة لتخديم تدفق البيانات بشكل منفرد، والثانية هي تقنية ضم النواقل التي تعتبر وسيلة فعّالة لزيادة سرعات تحميل الملفات من خلال التقاط الإشارات من أكثر من محطة محلية، عوضًا عن التقاطها من الإشارة الأقوى التي توجد في المنطقة، وعلى الرغم أن أيًا من التقنيتين لا تعتبر جديدة، إلا أنه من المتوقع أن تلعبا دورًا كبيرًا في مساعدة الجيل الخامس بالوفاء بوعده.
نظرًا للنقص العالمي في الطيف الترددي، فإن معظم شركات الاتصالات الخلوية تعمل على مبدأ التقاط الترددات أينما كانت في المكان الذي يستطيعون الوصول إليه، ونتيجة لذلك، فإن من غير المتوقع أن نجد ترددات كبيرة ضمن الطيف الترددي في أماكن متجاورة، ولكن لحسن الحظ، فإن تقنية ضم النواقل لا تسمح فقط لمشغلي شبكات الهاتف النقالة بزيادة معدلات البيانات الخاصة بهم وحسب، لكنها أيضًا تسمح لهم برأب الصدع بين الكتل المختلفة من الطيف، وهذا سيكون أكثر أهمية عندما يدخل الجيل الخامس من شبكات الاتصالات اللاسلكية إلى العالم بعد خمس سنوات أو أكثر من الآن.
الشيء نفسه ينطبق على تقنية الـ (MIMO) حيث إنها تعمل عن طريق بث اثنين أو أكثر من تدفقات البيانات عن طريق اثنين أو أكثر من الهوائيات، كما أنها تجعل هوائيات الاستقبال تعالج كافة الإشارات الواردة إليها بدلًا من مجرد معالجة الإشارة الأقوى بينها.
ولكن كما هو الحال دائمًا، فلابد من وجود عيوب في التقنيات الجديدة، وأحدها هو أن الترددات القصوى التي سيعتمد عليها الجيل الخامس لنقل البيانات يمكن منع نفوذها بسهولة من خلال الجدران وحتى الأشخاص، كما أنه يمكن امتصاصها أيضًا من قبل الغلاف الجوي، – على الرغم من أن تأثير الامتصاص هذا يصبح كبيرًا فقط على مسافات أكبر من 100 متر – ومع ذلك، فمن خلال الوصول إلى ترددات أكبر من 70GHz فإن امتصاص الغلاف الجوي يختفي تمامًا.
هذا كله يدل على أن الجيل الخامس من شبكات الاتصالات اللاسلكية سيحتاج لوجود محطات أقرب إلى المستخدمين من الأبراج الخلوية الحالية، وللتعامل مع احتياجات الجيل الخامس سيكون هناك حاجة لوضع مئات نقاط الوصول المصغرة لملء الفجوات بين المحطات الخلوية الموجودة حاليًا.
أخيرًا، من المغري أن نفكر بأنه حتى عند وصل جميع الأشياء إلى الإنترنت وإضافة الملايين من الأجهزة لتتحادث وترسل رسائلها عبر موجات الأثير، ولكن وصول شبكات الجيل الخامس إلى الاستخدام قد يعني عدم الحاجة إلى تطوير الشبكات الخلوية كون التطور سيصل إلى نهاية المطاف، كون شبكات الجيل الخامس توفر عرض حزمة لا نهائي تقريبًا وهذا ما يهدد بجعل هذا الجيل من الشبكات كما يقول الخبراء النهاية المحتملة للشبكات حيث ستكون جميع الاكتشافات المقبلة في هذا المجال هي عبارة عن تطوير لتحسين أداء الشبكة، ولكن لطالما أثبت التاريخ أن مستقبل الاكتشافات لا يقف عند حدود معينة حيث يجد العلم طريقة لإحباط وتجاوز أذكى وأدهى الاختراعات.
المصدر: إيكونوميست