منذ ظهور تسريب لأعضاء المجلس العسكري وهو يتشاورون في تدبير أمر اعتقال الرئيس السابق محمد مرسي واحتجازه بصورة تبدو قانونية، عقب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013 من خلال إنشاء سجن خاص له في قاعدة بحرية، حتى لا يطعن أحد ويتهم السلطات الجديدة باختطافه، بالإضافة لاتهامه في العديد من القضايا الملفقة، حتى لا يتم إخلاء سبيله بأي حال من الأحوال.
هذه الترتيبات في حينها تُظهر نية هذا النظام العسكري في استخدام القضاء للتخلص من شبح الرئيس السابق الذي يطاردها، إذ يرى الجنرال السيسي وحاشيته الجديدة في الحكم أن بقاء ذكر محمد مرسي حتى ولو من خلف القضبان، كفيل بعدم طي صفحته، خاصةً وأن للرجل مؤيدين حتى الآن يطالبون بعودته كرئيس شرعي منتخب، وينزلون إلى الشوارع بصفة شبه يومية منذ الانقلاب عليه للاعتراض على سجنه من قبل النظام.
عقب إلقاء القبض على مرسي وتنحيته بالقوة من منصبه، سارع النظام لاتهام الرئيس السابق في 5 قضايا، أبرزهم قضية أحداث الاتحادية التي أُعيد فتحها بعد الانقلاب واتهم فيها مرسي فقط دون إحالة أحد من المعارضة المحرضة للأحداث، ودون أن تنظر المحكمة إلى 8 قتلى ينتمون إلى تيار الرئيس قتلوا في نفس الأحداث، فقد رفضت المحكمة إدراج هؤلاء القتلى في القضايا، أو استدعاء شهود نفي، وتم تحميل الرئيس وبضع من مساعديه القضية كاملةً، وتم الحكم عليه فيها بعشرين سنة مشددة في 21 أبريل الماضي.
يبدو أن هذا الحكم لم يكن كافيًا لدى النظام لإغلاق صفحة مرسي للأبد ووضعه في السجن ليقضي عشرون عامًا، فما زالت محاكماته الأخرى مستمرة في قضايا اتهم فيها بالتخابر مع دولة قطر، والأخرى إهانة القضاء المصري.
حتى جاء اليوم حكمًا لتصفية الرجل بأدوات قضائية يقضي عليه بالإعدام في قضيتين، قضية اقتحام السجون المعروفة باسم “وادي النطرون”، والقضية الأخرى التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، ليحكم بالإعدام مع مرسي على 106 من قيادات الإخوان في قضية وادي النطرون، و15 آخرين في قضية التخابر مع حركة حماس.
هذه القضايا مفرغة تمامًا من أي مضمون قانوني، وهي نموذج لما يمكن تسميته المنتج السياسي لما يريده النظام بأدوات قضائية لحفظ ماء الوجه، فقضية التخابر مع حماس وفقًا لمحاضر التحقيقات فإنها تتهم الرئيس السابق ومن معه بتهمة التخابر منذ عام 2005 إلى عام 2012 بأدلة ساقتها تحريات لأمن الدولة فقط، هذا وتناست المحكمة أن محمد مرسي كان مرشحًا للرئاسة في 2012 وأن أوراق ترشح الرجل كانت خالية تمامًا من أي تهمة جنائية، ولم يكن مطلوبًا على ذمة أي قضايا، فكيف قبلت لجنة الانتخابات أو سمحت الجهات السيادية في مصر بترشح شخص متهم بالتخابر لدى جهة أجنبية، بل لم يكتف الرجل بالترشح فقد وصل بالفعل للمنصب الأول في مصر تحت مرأى ومسمع من الجميع.
كذلك نفس الأمر مع قضية وادي النطرون واقتحام السجون، كيف لم تظهر أدلة إدانته إلا بعد الإطاحة به من الرئاسة عبر الانقلاب العسكري، والقضية في أدراج المحاكم بالفعل منذ 2011، أي أن استدعاء مرسي في هذه القضايا مثير للسخرية من رداءة أسلوب هذا النظام في تلفيق القضايا.
كما أن تحريات الأمن الوطني ذكرت أن جماعة الإخوان بالتعاون مع حماس كانت تعمل لمصلحة أجندة إسرائيلية لهدم الدول العربية، وتناسى ضابط الأمن الوطني للحظات أن الكلام غير متناسق منطقيًا فحركة الإخوان المسلمين وذراعها الفلسطيني حماس لديهم من العداء مع دولة إسرائيل ما يكفيهم لنفي تلك التهم، لكن النظام لن يهتم بمثل هذه التفاصيل التي تبدو مضحكة لدى الكثيرين، ففي النهاية الهدف هو التخلص من مرسي بشكل قانوني.
اتهمت المحكمة حركة حماس بالتسلل عبر الحدود وتنفيذ أعمال تخريبية في مصر، والسيطرة على الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة، رغم أن شهادات قيادات بالمجلس العسكري أبرزهم اللواء محمود حجازي قائد الجيش الميداني الثاني آنذاك واللواء سامي عنان رئيس الأركان آنذاك، التي أكدت أن الجيش قام بحماية الحدود أثناء الثورة ولم يستطع أحد التسلل أثناء اشتعال الأحداث حسب شهادة اللواء محمود حجازي، وكذلك أكد عنان أنه لم ترده معلومات بتسلل أي من عناصر حزب الله أو حماس إلى داخل مصر كما تقول التحقيقات.
وما يزيد الأمر غرابة وتأكيدًا لعبث القضايا أن المتهمين من حركة حماس في هذه القضية والمحكوم عليهم بالإعدام هم بين شهيد وأسير في أيدي الاحتلال، من بينهم “محمد سمير أبو لبدة” المتوفي عام 2005، و”محمد خليل أبوشاويش” المتوفي في عام 2007، وكذلك “حسام الصانع” أحد شهداء حرب غزة 2008 أي قبيل أحداث الثورة المتهم فيها بثلاث سنوات، وكذلك اتهام “تيسير أبو سنيمة” في نفس القضية، وقد تم اغتياله في 2009.
وكذا الأمر بالنسبة لرائد العطار أحد أعضاء حركة حماس والذي توفي في 2014، والأسير “حسن سلامة” المعتقل لدى سلطات الاحتلال منذ عام 1996 والمحكوم عليه بـ 48 مؤبد لدى دولة الاحتلال، أبت السلطات المصرية إلا أن تحكم عليه بإعدام في مصر رغم أنه لم يبرح سجنه منذ 19 عامًا، لكن كل شئ مباح طالما في سبيل التخلص من الرئيس السابق مرسي، ولو بهذه الطريقة العبثية.
وزارة الداخلية في غزة عقبت على هذا الأمر حينما فُتحت القضية منذ عام، وأكدت أن ضباط الأمن الوطني في مصر لم يبذلوا أي مجهودًا كافيًا للتلفيق، فالأسماء الواردة بالقضية 6 منهم بين شهيد وآسير، و9 منهم أسماء لا وجود لها في الواقع وإنما تشابه أسماء مع بعض عناصر الحركة، و5 آخرين لا وجود لهم في السجل المدني الفلسطيني ادعت التحقيقات أنهم فلسطينيون مقمين بغزة، كما أكدت الوزارة أيضًا حينها أن نصف الأسماء الفلسطينية الواردة في القضية لم تسجل لها أي تحركات سفر خارج قطاع غزة من قبل.
وفي قضية التخابر، كانت بعض الأحراز عبارة عن مجرد برقيات تهنئة من رموز سياسية حينما نجح أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب لعام 2005 تحت سمع وبصر حكومة مبارك آنذاك، كذلك اعتبرت المحكمة أن لقاء عقد بين محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب عام 2005 مع وفد دبلوماسي أجنبي، لهو من دلائل التخابر، رغم أن اللقاء تم برعاية وزارة الخارجية المصرية، نظرًا لكون الكتاتني عضوًا بمجلس الشعب.
إجراءات سير القضية تنبئ بإنها ليست محاكمة، بل إنها تفتقد لأدنى المعايير الدولية للقضاء، بدءًا منع المحامين من التواصل مع المتهمين، والتعنت في إخراج ورق القضية إليهم، وقد قدم الدفاع طعونًا بالتزوير إلى المحكمة على بعض الأوراق الواردة في القضية، وتجاهلتها المحكمة تمامًا، كذلك تجاهلت المحكمة كافة طلبات الدفاع بندب خبراء فنيين لبحث صحة بعض الأدلة الواردة، لكن كل هذا قوبل من المحكمة إما بالتجاهل أو الرفض، كما أن أوراق القضية نقلت من قاضي التحقيق المختص إلى قاض آخر دون أي مبرر قانوني مما يهدر قيمة التحقيقات الأولية تمامًا وفقا للقانون المصري، وبشكل عام لم تعتمد القضية إلا على تحريات من الأمن الوطني فقط لما تظهر سوى عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عبر الانقلاب العسكري.
كل هذا العوار في هذه القضايا يوضح، كيف يستخدم النظام المصري الحالي القضاء، للتخلص من الأزمة السياسية الواقع فيها، عبر الإطاحة بمرسي من خلال حكم قضائي يقضي بإعدامه، بعدها يعتقد النظام الحالي أن لا توجد ثمة مبررات للحديث عن شرعية رجل ميت في وجهة نظرهم، ذكر ذلك المستشار “عماد أبوهاشم” رئيس محكمة جنايات المنصورة الابتدائية في مداخلة هاتفية على قناة الجزيرة الفضائية في تعقيبه على هذه الأحكام الصادرة بحق مرسي، بأن معلومات وردته من مصر بوجود نية مسبقة للحكم على الرئيس السابق محمد مرسي، وأن تنفيذ الحكم سيكون في فترة وجيزة، حتى ينهي النظام الجدلية الدائرة بين شرعية مرسي وشرعية النظام الحالي، وفق ما تحدث به أبوهاشم.
يذكر أن هاتين القضيتين قد ضمتا أكبر عدد من قيادات الإخوان الذين حكم عليهم بالإعدام، أبرزهم المرشد محمد بديع الذي يعتبر حكم الإعدام هذا هو السابع بحقه، ومحمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق، وعصام العريان، والعجيب هو الحكم على الشيخ يوسف القرضاوي بالإعدام في قضية وادي النطرون رغم أن الرجل لم يكن متواجدًا في مصر أثناء أحداث الثورة من الأساس، وخيرت الشاطر، ومحمد البلتاجي، كما تضمنت قضية التخابر وجود امرأة وحيدة تدعى “سندس عاصم شلبي” والتي كانت تعمل منسقة لوسائل الإعلام الأجنبية في رئاسة الجمهورية إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
أدانت عدة منظمات حقوقية هذا الحكم بالإعدام على مرسي، كانت أبرزهم منظمة العفو الدولية التي وصفت الحكم بأنه “تمثيلية” مستندة لإجراءات باطلة، وعلى صعيدٍ دولي أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحكم الصادر اليوم، في كلمة له أمام حشد جماهيري في مدينة اسطنبول التركية، واصفًا ما يحدث في مصر بأنه يعود بها إلى ما أسماه “مصر القديمة”، وعلى نفس المنوال قال أحمد داوود أغلو رئيس الوزراء التركي في تصريحاتٍ وجهها إلى وسائل الإعلام والغرب الذي وصفها بأنها تدعي الدفاع عن الحرية والديمقراطية، متسائلًا: أين هم حينما يُحكم على ئيس منتخب بالإعدام؟
القضيتين ينبأن بأن السلطات المصرية قد تستخدمهما في التخلص من قيادات الإخوان والرئيس على حدٍ سواء، وذلك من خلال غلاف قانوني يُصدر للواجهة، ما قد ينهي على أي آمال لتسوية قريبة بين النظام ومعارضيه من الإسلاميين في وقتٍ حالي، في الوقت الذي يتوقع فيه البعض ردة فعل غاضبة من الإسلاميين في مصر على هذه الأحكام.