ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
لا تزال تصريحات أوباما بشأن التقدم المحرز في حملته ضد تنظيم داعش غير مقنعة للعديد من الملاحظين والمتابعين لشأن الشرق الأوسط، ففي يناير، ادعت وزارة الدفاع الأمريكية قتلها 6000 جندي من هذا التنظيم، إلا أن هذه الإحصائيات فقدت بريقها في الشهر التالي، عندما تم الإعلان عن انضمام 5000 مقاتل أجنبي منذ أكتوبر لنفس التنظيم، وفي فبراير، في ميونيخ، خلال مؤتمر الأمن، ادعى جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، أن التحالف تسبب في “القضاء على نصف” قادة هذه الدولة الزائفة، إلا أن هذا البيان فقد مصداقيته، ففي أوائل أبريل، وقبل شهر من تمكن التنظيم من السيطرة على الرمادي، أعلن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه “في العراق، تم إيقاف ديناميكية داعش في الكثير من الأماكن، مع تدهور قدراته إلى حد كبير، كما تم القضاء على العديد من قادته”.
كما أعلنت إدارة أوباما أن تنظيم داعش فقد السيطرة على العديد من المناطق في العراق وسوريا، إلا أن عودة هذا التنظيم وبقوة على ساحة المعارك يجعلنا نفهم موقف المشككين في الإستراتيجية الحالية للقوات الأمريكية، وقدرتها على تحقيق الأهداف التي أعلن عنها أوباما، والمتمثلة في كسر وهزيمة هذا التنظيم الإرهابي.
صراع داخلي
ومع ذلك، وقبل السيطرة على الرمادي، كانت الأخبار القادمة من سوريا والعراق عن حالة تنظيم داعش تتحدث عن وجود صراع داخلي في هذا التنظيم:
– في فبراير ومارس، أكدت صحيفة أسوشيتد برس، وصحيفة واشنطن بوست، ومجلة الإيكونوميست، وجود تفكك داخل تنظيم داعش، وهذا الانفجار الداخلي يعود بالأساس إلى الانشقاق وإعدام المقاتلين الأجانب، مع الاستياء المتزايد للسكان المحليين أمام العنف، وعدم قدرة التنظيم على توفير الخدمات اللوجستية، وخدمات الدولة الأساسية.
– ذكرت صحيفة الجارديان أن رئيس تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، أُصيب بجروح خطيرة يوم 18 مارس أثناء الهجوم على منطقة نينوى على الحدود العراقية السورية، وأوضح مسؤولون من الجيش الأمريكي لديلي بوست، أن الضربة الجوية لم تستهدف زعيم داعش، وأنه ليس لديهم “سبب للاعتقاد بأن من قُتل كان البغدادي” مع نفيهم لتقارير الوكالة الإيرانية للأنباء؛ التي أعلنت أن البغدادي تم علاجه في مستشفى إسرائيلي قبل مصرعه، ولكن هذا لم يمنع نيوزويك من التأكيد أن البغدادي كان في حالة خطيرة، وأن الهيكل التنظيمي لداعش أُصيب بالذعر، وأنه يتم حاليًا اختيار زعيم جديد لهذا التنظيم.
– في أوائل شهر مايو، اعتبرت العديد من وسائل الإعلام والخبراء أن سيطرة المتمردين السوريين على إدلب هو دليل على تفاقم الصراعات الداخلية التي تهز نظام بشار الأسد، وهو دليل على بداية النهاية، هذه النهاية التي باتت وشيكة، خاصة مع السخط المتزايد للأقليات غير السنية.
ولكن بعد سقوط الرمادي ونشر تسجيل جديد بصوت البغدادي، فإن مثل هذه السيناريوهات تبدو سخيفة، ومن الضروري تحليل آثارها على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ لأنه لا يهم ما سيحدث بعد شهر أو عشر سنوات، لكن الضروري في الأمر أن إدارة أوباما (ومن سيخلفها) تشعر بالقلق إزاء عواقب الحملة الحالية، إذا كانت تأمل في ترجمة النجاحات العملية ضد تنظيم داعش إلى انتصار إستراتيجي وتجنب “النجاح الكارثي”.
التدخل الإيراني في الشأن العراقي
يمكن تفسير سيطرة تنظيم داعش في العراق بسبب التوتر الطائفي، الذي تفاقم نتيجة السياسات الكارثية لرئيس الوزراء نوري المالكي، والتي تبناها بعد رحيل القوات الأمريكية في عام 2011، هذه التوترات التي تفاقمت بعد الحرب الخاطفة التي أطلقها تنظيم داعش في شمال وغرب البلاد في يونيو، مع انهيار الجيش العراقي النظامي، ووصول الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي أصبحت أول قوة مسلحة في العراق.
ولم يتوان عملاء إيران في تعزيز قبضتهم على المجال الأمني العراقي مع قيام هذه القوات، التي يقودها ضباط إيرانيون، بعمليات تطهير عرقي عنيفة في المناطق التي سبق لتنظيم داعش وأن سيطر عليها، لتصبح هذه المجازر محفزة للسنة للانضمام لتنظيم داعش في العراق، مفضلين الرضوخ للتعصب السلفي لتنظيم داعش، على التعرض للاضطهاد من قِبل الميليشيات الموالية لإيران.
وهكذا فإنه لا يمكن تحقيق النجاح على تنظيم داعش في العراق من دون وضع حد للتجاوزات التي تقوم بها المليشيات الموالية لإيران، وعدم السكوت على التدخل الإيراني في الشأن العراقي، فطهران لها نفوذ كبير وفعلي في بغداد، مثلما هو الحال في لبنان عبر حزب الله، وسيكون السنة العراقيون دائمًا عرضة للتطرف، ودعم الجماعات السلفية لضمان حمايتهم من المليشيات الشيعية.
تنظيم القاعدة هو المستفيد
في صورة نهاية كل من تنظيم داعش والنظام السوري، فإن المستفيد من الوضع الجديد ستكون جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والتي ترؤس اليوم التحالف الأقوى في مناهضة نظام الأسد، علمًا وأن تنظيم داعش يعادي الأنظمة العربية المحلية التي يعتبرها مرتدة، كما أنه يقاتل الشيعة واليزيديين والمسيحيين، في حين لا تزال جبهة النصرة تسعى لتحقيق الهدف الأول لتنظيم القاعدة، وهو معاداة الغرب.
في سبتمبر الماضي، بررت إدارة أوباما ضرباتها على خلية لتنظيم القاعدة في سوريا، على أساس المعلومات التي تفيد أن هذه الخلية “في المراحل النهائية من التخطيط لهجمات كبيرة ضد أهداف غربية بما في ذلك على الأراضي الأمريكية”، وفي أبريل الماضي، اُعتقل أحد ساكني ولاية أوهايو، عبد الرحمن الشيخ محمود، بعد اتهامه بأنه مُرسل من قِبل جبهة النصرة، لتنفيذ هجمات ضد أهداف عسكرية أو أمنية في الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى درجة الهمجية التي تميز بها تنظيم داعش، يمكن اعتبار جبهة النصرة أنها أكثر عقلانية، حتى إنه أصبح من الممكن التعامل معها من قِبل الحكومات السنية المستاءة من إحجام أوباما في تسليح وتدريب المعارضة السورية المعتدلة، كما أنه من الممكن أن تزداد الحالة سوءًا، إذا تهاوي كل من تنظيم داعش أو نظام الأسد ليبقى تنظيم القاعدة وحده المسيطر على الساحة السورية.
خليفة البغدادي
يمكن أن يمثل التغيير على رأس تنظيم داعش خطرًا أكبر مما عليه الحال اليوم، فإذا ما اعتبرنا أن البغدادي يعمل من أجل إقامة الخلافة الإسلامية من دون أن يكون هناك أي تعاون مع تنظيم القاعدة، إلا أنه، وبحسب مجلة نيوزويك، نقلًا عن مستشار للحكومة العراقية، فقد تم تعيين أبو علاء العفري كبديل مؤقت للبغدادي، وخليفته في صورة وفاته.
علمًا وأنه في أبريل 2010، وبعد وفاة كل من أبي أيوب المصري وأبي عمر البغدادي، أراد بن لادن أن يكون العفري أميرًا لتنظيم القاعدة في العراق، وبالتالي فإن هذا الأخير سيعمل من أجل المصالحة مع تنظيم القاعدة بما في ذلك جبهة النصرة، وهكذا فإن المقاتلين الأجانب المنتدبين من طرف تنظيم داعش سيعملون مستقبلًا لتحقيق أهداف تنظيم القاعدة، الذي يريد تدمير الغرب لتزداد الأمور سوءًا.
وحتى من دون هذه المصالحة، فإن العفري، على ما يبدو، هو من أتباع أبي مصعب السوري، المنظر الأيديولوجي لتنظيم القاعدة، الذي ينادي “بالجهاد بدون قيادة”؛ هذا الجهاد الذي يرمي إلى تكوين خلايا مستقلة تعمل من خلال كسب المعرفة التكتيكية اللازمة عبر الإنترنت للقيام بالهجمات الإرهابية.
وقد أثبت تنظيم داعش قدراته المذهلة في استخدام الشبكات ووسائل الإعلام الاجتماعية، على غرار تويتر والفيسبوك واليوتيوب وغيرها لنشر رسائله، وإذا ما تم استخدام هذه القدرة لتنظيم حملة إستراتيجية من الهجمات ضد أهداف غربية، مثل الهجوم الذي وقع في بومباي سنة 2008، أو الهجوم على مركز التسوق ويست جيت في نيروبي، فسنشهد وقتها زيادة في الخطرالذي تشكله “الذئاب المنفردة”.
عودة المقاتلين الأجانب
قدّرت الاستخبارات الأمريكية، في فبراير، أن 20 ألف مقاتلًا أجنبيًا من 90 دولة قد انضموا إلى صفوف تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا أو العراق، ووفقًا ليوروبول، فإن ما يقرب من 5000 أوروبي يحارب اليوم في صفوف تنظيم داعش، بما في ذلك 2000 فرنسي وبريطاني، وبحسب دراسات سابقة فإن 1/9 المقاتلين يصبحون في نهاية المطاف إرهابيين عند عودتهم إلى بلدانهم، وهذا يعني أن أكثر من 2000 إرهابي سيكونون دون رقيب مع انهيار تنظيم داعش.
وهذا ما أرهق كاهل وكالات الاستخبارات الأوروبية في تتبع جميع الإرهابيين المحتملين، وهو أيضًا ما يفسر فشل المخابرات الفرنسية مثلًا في التصدي لمجزرة شارلي إيبدو في يناير، بالرغم من أنه سبق الكشف عن علاقة مرتكبي هذه المجزرة مع الإرهابيين في اليمن منذ سنة 2011، وبالتالي، فإنه عند انهيار تنظيم داعش دون أن يكون هناك تخطيط عن كيفية رصد ووقف، ومقاضاة أو سجن كل هؤلاء الجهاديين العائدين إلى أوطانهم، فإن الوضع سيزداد سوءًا.
ومع كل هذا فإنه يجب القضاء على هذا التنظيم الوحشي الذي يهدد العالم ويعمل على تنمية التطرف والطائفية، مع تهديده للدول الغربية وللأنظمة في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة أصلًا، كما يقوم هذا التنظيم بأعمال همجية على غرار عمليات الإعدام الجماعي، وقطع الرؤوس، والاغتصاب.
تزايد الخطر
أصبح تنظيم داعش أحد الأسباب الرئيسة للفوضى التي تهز المنطقة، والقضاء عليه أصبح شيئًا ضروريًا، ولكنه غير كاف لحماية أمن الولايات المتحدة، فكما هو الحال في لعبة غولف، فلا يكفي إطلاق الكرة، ولكن يجب أيضًا التنبؤ بمسارها، وهكذا فإن نجاح السياسة الخارجية الأمريكية يتطلب الرصد والتفكير المستمر، وإلا فإن نجاح العمليات العسكرية لن يُترجم إلى انتصار إستراتيجي.
ولن يتم تحقيق الانتصار الإستراتيجي إلا بعد معالجة جذور الغضب السني وأسباب دعم الجماعات السلفية، وبعبارة أخرى، يجب معالجة التدخل الإيراني في المنطقة، والتجاوزات التي يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه ضمن الحملة الموجهة ضد تنظيم داعش، خلاف ذلك، فإن الدعم السني سيتحول إلى ممثلي تنظيم القاعدة، ما سيؤدي إلى تفاقم المخاطر على الولايات المتحدة وحلفائها.
الإجراء الواجب اتخاذه على المدى القصير
نجحت الإدارة الأمريكية في مقاومة الأعمال الدعائية، وفي التصدي للدعم المالي لتنظيم داعش، ولكن يبدو أن هذه الإدارة كانت تعمل دومًا من أجل تحقيق الانتصارات على المدى القصير، من دون الأخذ بعين الاعتبار العواقب الإستراتيجية طويلة الأجل.
وقد أكد مدير وكالة المخابرات المركزية، جون برينان، أننا سنحتاج لعشر سنوات للتغلب على تنظيم داعش، وقال “المبعوث الخاص” لأوباما في التحالف ضد تنظيم داعش، الجنرال جون ألين، إن هذه الحرب ستستمر طويلًا بعد العودة إلى الحياة المدنية، وإذا كانت كل هذه الاحتمالات قابلة للتحقيق، فإن طريقة تعامل إدارة أوباما من دون الأخذ بعين الاعتبار بالآثار الجانبية لهذا الصراع ضد هذا التنظيم الإرهابي، يوحي بأن هذه الإدارة تتعامل مع المشكلة بدون مسؤولية، ومن دون التفكير بجدية في إستراتيجية عامة وحقيقية.
وقد تمكنت هذه الإدارة من الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي، من دون ضمان إعادة البناء الوطني بعد انتهاء الصراع، حتى أصبحت ليبيا اليوم ملاذًا للإرهابيين القادرين على مهاجمة أوروبا، كما التزمت هذه الإدارة بوعودها من خلال انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ولكنها لم تخطط من أجل تجنب ترك البلاد في فوضى طائفية؛ التي ستمثل تهديدًا أكبر على سلامة الولايات المتحدة، كما أجبرت هذه الإدارة إسرائيل وفلسطين على استئناف المفاوضات التي لم يرغب فيها كل من الخصمين، ومن دون التفكير في عواقب فشلها في نهاية المطاف.
وسبق لأوباما أن أوضح في لقائه مع مجلة نيويوركر، خلال العام الماضي، أنه يأمل في رؤية إيران جزءًا من “التوازن الجيوسياسي الجديد” في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقابلة مع توماس فريدمان، سخر مرة أخرى من أولئك الذين ناشدوه لقيادة الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات المذكورة أعلاه، قائلًا إنهم يريدون ببساطة “أن تذهب الولايات المتحدة هناك للقيام بشيء ما”، والمشكلة أن أوباما يريد اليوم وببساطة “القيام بشيء ما”، من دون التفكير ولو للحظة في عواقب أفعاله على المدى الطويل.
المصدر: صحيفة سلايت الفرنسية