ترجمة وتحرير نون بوست
لطالما عمل مهرجان كان السينمائي على تصوير التقلبات الجارية في العالم، وأن تزاحم عشرات آلاف العاملين في صناعة الأفلام – ومن بينهم 4700 ناقد سينمائي – كل عام في منتزه كروازيت، يساعدنا أساسًا على أن نفهم وندرك العالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل، بعيون المواهب المخضرمة والشابة والجديدة؛ فمهنة الفنان أساسًا هي مساعدتنا على أن نرى بوضوح الأشياء التي نشعر بها من دون أن نراها بشكل غير واضح.
هذا العام، شارك في المنافسة الرسمية فيلمان سياسيان فقط من أصل 19 فيلمًا، وكلاهما تم منحهما أعلى الجوائز من قِبل لجنة التحكيم التي يرأسها الأخوين كوين، فيلم “Dheepan” للمخرج الفرنسي جاك أوديار، الذي حصد جائزة السعفة الذهبية، في حين حصل الممثل الفرنسي فينسنت ليندون على جائزة أفضل ممثل عن فيلم “”The Measure of a Man للمخرج ستيفان برايز.
فيلم “Dheepan” هو فيلم مشوّق يروي حكاية مقاتل من نمور التاميل يهرب من سريلانكا مع امرأة وفتاة صغيرة، ويدّعون أنهم عائلة، بغية الحصول على اللجوء الإنساني في فرنسا، ولكن يتبين لهم أن حياتهم التي يعيشونها في ضواحي باريس التي يديرها تجار المخدرات، ليست هي بيئة السلام التي كانوا يحلمون بها، ويظهر لهم أنهم تركوا الحرب الأهلية في سريلانكا ليخوضوا غمار حرب أخرى؛ حرب اجتماعية عنيفة على أرض البلد الأوروبي الغني.
أما بالنسبة لفيلم “The Measure of a Man”، فإنه يصور القسوة والوحشية المتزايدة التي تتعامل بها الشركات الكبرى مع القوى العاملة لديها، أو بعبارة أخرى، يُظهر الطريقة التي تسحق بها الرأسمالية الأفراد الأكثر ضعفًا، وماعدا ليندون في دور البطولة، فإن باقي الممثلين هم أشخاص غير محترفين يلعبون أدوارهم الواقعية في الحياة.
الموت بجميع أشكاله
هذا العام، لم تكن السياسة هي الشغل الشاغل للمخرجين، فلم تكن هناك أفلام تصور محنة العيش تحت حكم داعش، ولم يتم تصوير أفلام عن غرق آلاف المهاجرين في البحر المتوسط، كما لم يتم تسليط الضوء على ضم روسيا لأوكرانيا، ولا على عودة التمييز العنصري إلى مدن الولايات المتحدة.
هذا العام استحوذ على مخرجي الأفلام موضوع أكثر تجريدًا، وفي الواقع، إذا كان هناك موضوع واحد يجمع تقريبًا جميع المواضيع التي طرحتها أفلام مهرجان كان لعام 2015، فإن هذا الموضوع هو الموت؛ الموت بجميع صوره وأشكاله، الانتحار (المحاولات الناجحة أو الفاشلة)، الرعاية التلطيفية، القتل، الموت المتوقع للآباء كبار السن أو الموت المروع والمفاجئ للأطفال، موت الحبيب، موت الملك، الموت البطيء لمرضى الشيخوخة، والإبادة الشاملة في معسكر الإبادة في أوشفيتز.
كل هذا الموت، ترافق مع انعدام الرغبة في الحياة في أغلب الأفلام، فسواء في غابة بالقرب من جبل فوجي في اليابان (فيلم Sea of Trees للمخرج غوس فان سانت)، أو في غرفة في مستشفى في روما (فيلم Mia Madre للمخرج ناني موريتي)، أو في منتجع صحي فخم للأثرياء والمشاهير في سويسرا (فيلم Youth للمخرج سورنتينو)، أو في وادي الموت بولاية كاليفورنيا (فيلم Valley of Love للمخرج نيكولوكس)، أو في صين القرن التاسع (فيلم Assassin للمخرج هوسياو سين)، أو داخل وخارج معكسر أوشفيتز (فيلم Son of Saul للمخرج نيميس)، جميع أبطال قصص هذه الأفلام لم يسعوا ببساطة للإفلات من مصيرهم المحتوم.
بعض هذه الأفلام كانت متميزة، بما في ذلك فيلم النقاد المفضل الذي رشحوه للفوز بجائزة السعفة الذهبية، وهو فيلم “Mia Madre” للمخرج موريتي، وهو فيلم يتحدث عن السيرة الذاتية للمخرج حول وفاة والدته، وهي أستاذة باللغة اللاتينية، أثناء انشغاله بالتصوير، حيث ترك هذا الفيلم انطباعات مليئة بالدموع لدى النقاد.
أما الأعمال الأخرى فقد تم انتقادها، وبعضها تم اعتباره سخيف ببساطة، مثل فيلم “Sea of Trees” للمخرج فان سانت، والذي يروي قصة عالم رياضيات أمريكي (الممثل ماثيو ماكونهي) يذهب إلى جبل فوجي في محاولة للانتحار، ليتم إنقاذه من قِبل الأرواح اليابانية التي تسكن هناك.
تشاؤم عالمي
من الملفت كيف استطاعت الأفكار الظلامية لجميع هؤلاء المخرجين العمل مع بعضها البعض في انسجام تام، بحيث اجتمعت جميع هذه الأفلام لتصوير جو من التشاؤم العالمي المطبق، كما لو أنها كانت تصور نوعًا من التعليق المتسامي على الحالة التي يعيشها عالمنا اليوم.
والعنصر الأكثر إثارة للانتباه، هو أن جميع هذه الأفلام لم توفر أي حل خلاصي للعالم الظلامي الذي تصوره، فلم يقدم أي عمل سلوى أو عزاء لواقعنا المرير، ربما باستثناء الأفلام التي قررت معالجة الموت بصورة خيالية، أو في عوالم بعيدة، مثل الفيلم الرائع للمخرج ماتيو غاروني “Tale of Tales”، أو الفيلم السيريالي للمخرج يورغوس لانثيموس ” Lobster”، أو عمل هوسياو سين الجميل “Assassin”، حيث إن العمل الأخير للمخرج التايواني، هو الوحيد الذي أعطى بصيصًا من الأمل في دوامة الظلام التي عاشتها كروازيت هذا العام، حين تحدث عن نضال قاتلة مدربة (الممثلة الفاتنة تشو تشي) للوفاء بعقدها وقتل المستهدفين.
عالم أصبح فيه الخلاص مفهومًا قديمًا ومنسيًا، هذا هو المفهوم الذي صوره لنا مهرجان كان السينمائي في عام 2015؛ لذا، دعونا نأمل فقط أن تكون غلة العام المقبل أقل حزنًا واكتئابًا، والأهم من ذلك، أقل استسلامًا لواقع الموت.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية