زادت حدة التوترات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والدول الأوربية، وآخرها دولة السويد بعد هجمات باريس الأخيرة، حيث استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير السويدي في تل أبيب احتجاجًا على تصريحات أطلقتها وزيرة خارجية السويد ربطت فيها بين تزايد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وصفت الخارجية الإسرائيلية تصريحات الوزيرة السويدية بأنها معادية وصادمة ووقحة، وذلك وفق ما نقلته صحيفة جيروزالم بوست العبرية، حيث صدرت تصريحات وزيرة خارجية السويد ردًا على سؤال صحفي موجه إليها يتحدث عن قتال مجموعات من الشباب السويدي في صفوف داعش، وكانت إجابتها: “من الواضح أن لدينا سبب للقلق، ليس فقط في السويد ولكن في جميع أنحاء العالم، لأن هناك الكثير من التطرف. مرة أخرى، نعود إلى الشرق الأوسط فنحن لسنا الوحيدون. الفلسطينيون يرون أنه لا يوجد مستقبل لديهم. يجب علينا إما أن نقبل بحالة اليأس تلك أو خيار اللجوء إلى العنف”.
ومن جانبها صرحت السفارة السويدية في إسرائيل محاولة تخفيف حدة التصريحات المتبادلة بين البلدين قائلة بأن السويد تدين كافة أشكال الإرهاب، وتصريحات الوزيرة لم تربط بين أحداث باريس وإسرائيل، بينما ردت الخارجية الإسرائيلية قائلة بأن محاولات الربط هذه بائسة مضللة للرأي العام، كما رأت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الوزيرة السويدية متحاملة ضد إسرائيل ومعادية لها ويظهر ذلك دائمًا في تصريحاتها.
الجدير بالذكر أن تدهور العلاقات الإسرائيلية السويدية سابق لهذه الحادثة، حيث تعود هذه الاحتكاكات إلى تاريخ صعود رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي لسدة الحكم، والذي أكد في أول خطاب له أمام البرلمان السويدي أن بلاده عازمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك منذ عام.
ومنذ ذلك الحين ولم تكف المناوشات بين وزارة الخارجية في السويد والإسرائيليين خاصة بعد كل تصريح لوزيرة الخارجية السويدية متعلق بالقضية الفلسطينية، حيث أبدت الوزيرة امتعاضها من طريقة رد إسرائيل على اعتراف السويد بالدولة الفسلطينية، معبرة أن هذه الطريقة تخطت كل الحدود الدبلوماسية، مشيرة إلى أن حديث الإسرائيليين بهذه الصورة يُزعج الجميع بما فيهم الأمريكيين، مؤكدة حرص السويد على السلام في فلسطين بين طرفي الصراع، إلا أن تصريحات إسرائيل ضد السويد عدوانية للغاية.
تجددت تصريحات الخارجية السويدية التي تنتقد سياسات الاستيطان الإسرائيلية، وانتقدت مرارًا الانتهاكات بحق الفلسطينيين، وهو ما يُثير غضب الإسرائيليين دومًا، وكانت وزيرة الخارجية السويدية “مارغوت فالستروم” أرجأت زيارة لها إلى إسرائيل لأجل غير مسمى عقب هذه التوترات، والتي ردت عليها إسرائيل بالسحب السفير الإسرائيلي من استكهولم قبل أن يعود بعد شهر واحد.
هذا وتعتقد الأوساط السياسية الإسرائيلية أن السويد تقود اتجاهًا داخل الاتحاد الأوروبي متشددًا تجاه إسرائيل، منذ اقتراح سويدي سابق بموجبه يعترف الاتحاد الأوروبي بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
هذه أحد أبرز التوترات القائمة بين إسرائيل وعدد من الدول الأوربية والتي تتضاعف في الأوانة الأخيرة، وبالتحديد بعد إعلان أكبر ثاني محكمة بالاتحاد الأوروبي رفع اسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” من قوائم الإرهاب الأوربية، كذلك مع ظهور انتقادات متكررة من الاتحاد الأوربي بسبب تعثر الجهود نحو إرساء عملية السلام في فلسطين بين الجانبين الفسلطيني والإسرائيلي.
كذلك أدى قرار البرلمان الأوربي بالإجماع الذي اعترف بالدولة الفسلطينية إلى إثارة سخط شديد في الأوساط الإسرائيلية التي اعتبرت أن هذه الخطوات تشكل خطرًا على العلاقات الأوربية الإسرائيلية، بسبب تشكيل سلسلة الإجراءات هذه التي تدعم الفسلطينيين ضغطًا قويًا على إسرائيل.
هذا الأمر استدعى أن تطالب إسرائيل من الولايات المتحدة وساطة أمريكية للتخفيف من حدة هذه التوترات، مما دفع وزير الخارجية الأمريكي إلى جولة أوربية بهدف التقريب بين وجهات النظر الأوربية الإسرائيلية بعد تدهور العلاقات بين الجانبين.
هذا ومن بين الدول الأوربية التي اعترفت بدولة فلسطينية شكلية كانت دول السويد وإسبانيا وفرنسا وأيرلندا وبريطانيا والبرتغال والتشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا ومالطا، وهو ما شكل ضغطًا سياسيًا على إسرائيل التي رأت أن هذه الخطوات تصب في مصلحة العنف والإرهاب.
يُعزز من هذه التوترات الأخيرة قرار محكمة إسبانية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و6 مسؤولين حكوميين إسرائيليين سابقين وحاليين، على خلفية قضية مجزرة أسطول الحرية 2010، حيث صدرت الأوامر لقوات الأمن الإسبانية باعتقال نتنياهو بمجرد وجوده على الأراضي الإسبانية، أو أي شخص من الموجه ضدهم الدعوى.
شملت مذكرة التوقيف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك، ووزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان ووزير الشئون الاستراتيجية السابق والدفاع حاليًا موشيه يعالون، ووزير الداخلية السابق إيلى يشاي ونائب الأميرال مارون إليعازر الذي كان مسؤولاً عن العملية، وقد أكدت الخارجية الإسرائيلية أن هذه المذكرة “استفزازية” بحسب ما صدر من تصريحات على لسان المتحدثة باسم الخارجية.
تزامنت عملية التدهور في العلاقات الأوربية الإسرائيلية مع عملية صعود التيارات الاشتراكية الديمقراطية في العديد من بلدان الاتحاد الأوربي مع تراجع نجم تيار اليمين الداعم لإسرائيل، إذ أن هذه التيارات المحسوبة على اليسار تتخذ موقفًا من الاحتلال الإسرائيلي وممارساته كثيرًا ما أبدته إبان تواجدها في المعارضة، وبعد وصول الكثير منها إلى الحكم ترجمت المواقف الأيديولوجية لها إلى أفعال كثيرًا ما أثارت غضب الإسرائيليين.
هذا ويعول الإسرائيليون في هذه الأونة على إعادة صعود اليمين المتطرف الداعم لإسرائيل في أوروبا كرد فعل على الهجمات الإرهابية التي تجتاح العواصم الأوربية، وكذلك موجة اللاجئين المرتفعة القادمة من الشرق الأوسط، وتعمل أوساط إسرائيلية في أوروبا على دعم هذا التيار المعادي للمهاجرين دعمًا سياسيًا في محاولة لتصديره في السلطة مجددًا تلافيًا لحالة التوتر الحالية التي تسود العلاقة مع الكثير من دول أوروبا.