في عام 1989، أُنشئت شركة “غازبروم”، أكبر شركة استخراج للغاز الطبيعي وواحدة من أكبر الشركات في العالم، عندما حولت وزارة صناعة الغاز في الاتحاد السوفيتي نفسها إلى شركة، مع الحفاظ على سلامة كل أصولها، وفي وقت لاحق، تمت خصخصة جزء من الشركة، ولكن في الوقت الحالي، تسيطر الحكومة الروسية على أغلب أصول الشركة.
نظريًا تتحكم شركة “جازبروم” العملاقة في 25% من الغاز الطبيعي الذي يغذي أوروبا، أمَّا عمليًا فالسياسي يختلط بالاقتصادي، فشركات مثل “جازبروم” و”لوك أويل” تعد أحد أهم أسلحة روسيا ورأس حربتها في معركتها مع الغرب، أمَّا أوكرانيا فأحد أهم ساحات حربها، وإغلاق هذه “الصنابير” يجمَّد قلب أوروبا بردًا وخوفًا من أن تظل موسكو “بعبعًا” يستغل الطاقة للي ذراعه.
لكن الخوف من الغاز والنفط الروسي يثير القلق لدى المستهلكين والمنتجين على السواء، فموسكو ترفض الانضمام إلى الدول المنتجة للنفط “أوبك”، لكنها انضمت إلى منتدى لمنتجي الغاز، الأمر الذي جعل المراقبين في حيرة من فك طلاسم قطاع الطاقة الروسي.
إمبراطور الغاز
دعونا نلقي نظرة سريعة على الغاز الروسي، فروسيا تتربع على عرش احتياطات الغاز العالمية، وتمتلك أكبرها بما يقارب 1.7 تريليون قدم مكعب؛ أي ما يعادل ربع احتياطات الغاز الموجودة على مستوى العالم، ويعتمد الاقتصاد الروسي على صادرات الغاز، وكثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ترسل روسيا 76% من صادراتها من الغاز إلى أوروبا التي تعتمد لشكل كبير على الغاز الروسي لتلبية ما يزيد على ثلث احتياجاتها من الغاز.
شهد عهد بوتين تحول الغاز إلى جزء من السياسة الخارجية لروسيا سواء بالضغط أو المكافأة، وتحول من بضاعة إلى مصدر للسياسة الخارجية
سمحت هذه الحقيقة لروسيا باستخدام احتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي كسلاح ناعم لإدارة النفوذ السياسي في محيطها الجغرافي، وهي سياسة يعود تاريخ بدايتها إلى الفترة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، فإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية زمن الاتحاد السوفيتي لم تتوقف حتى في ذروة الحرب الباردة، وخلال الحقبة السوفيتية شمل الاحتكار جميع الدول التابعة سابقًا للاتحاد السوفيتي، حتى بات 35% من كل الثروة في روسيا تتركز بيد مئات الأفراد على خلاف الولايات المتحدة، حيث يتشارك 3 مليون شخص نفس الحصة من الثروة.
أحدثت القلة المتنفذة خللاً في اقتصاد روسيا، لدرجة أن صادرات النفط والغاز باتت تمثل أكثر من 50 من إيرادات الموازنة الروسية و70% من مجموع الصادرات الروسية، ومع ظهور فلاديمير بوتين كرئيس روسي حالي “ورئيس للوزراء سابقًا” شهد تحول الغاز إلى جزء من السياسة الخارجية سواء بالضغط أو المكافأة، وتحول الغاز من بضاعة إلى مصدر للسياسة الخارجية.
في عهد بوتين تحول الغاز إلى كل شيء بالنسبة للاقتصاد والسياسة الروسية، ولم يعد هذا السائل الأزرق مجرد بضاعة بل أصبح معادلاً للتعاون الإيجابي، وبما أن القسم الأكبر من أوروبا يستهلك الغاز الروسي فعليه أن يتحاور مع موسكو ويتفهمها ويتفق معها، ويجب أن يجري الحديث بلغة يفهمها الطرفان, لذلك أصبح الغاز في السنوات الأخيرة ليس معادلاً للتعاون فحسب بل ولغة جديدة للحوار، وأصبح بوتين شخصيًا المبادر الأول في صياغة لغة الغاز في شؤون السياسة الدولية، وكذلك يشكل اليوم أداة حقيقية للتأثير على الموقف الدولي في العديد من دول أوربا وآسيا وعلى الأقل في روسيا.
“غاز بروم” تشبه إحدى مؤسسات السلطة منذ أن أصبح مديرها أليكسي ميللر، الصديق المقرب للرئيس الروسي
وتؤكد روسيا يومًا بعد آخر أن أحد المرتكزات الأساسية لسياستها الخارجية يتمحور حول عنصر الطاقة بكل روافده وأشكاله، وليس مصادفة أن أعلن بوتين نفسه في عام 2005، أن عام قيادة روسيا لمجموعة الثماني الكبار سيكون “عام الطاقة” في العالم، فموسكو التي فقدت السيطرة على دول حلف وارسو والاتحاد السوفيتي السابقين اكتشفت أنها مضطرة لإستخدام آليات جديدة في الحفاظ على ما تبقى بعد إنهيار الكتلة الشرقية بالكامل، ونضمام غالبية أعضائها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بينما تفكر البقية في كيفية حصولها على عضوية هاتين المؤسستين الدوليتين المؤثرتين.
“غاز بروم”.. أكبر من مجرد شركة
كانت المعادلة التي فرضتها موسكو ببساطة مفادها أنه إذا كانت هذه الدول غير راغبة في دفع الثمن المالي أو السياسي الذي يطلبه الكرملين مقابل الطاقة، فإن شركتها الحكومية العملاقة “غاز بروم” سوف تغلق صنابير الغاز بكل سهولة لتقطع الحياة عن المناطق المغضوب عليها روسيًّا، وعلى الفور.
أصبحت “غاز بروم” وسيلة سياسية كانت تستخدمها الإدارة الروسية في السابق في الضغط على الجيران السوفيت السابقين من أجل عدم الإنسحاب من “رابطة الدول المستقلة”
في واقع الأمر، أصبحت شركة الغاز الكبرى “غاز بروم” تشبه إحدى مؤسسات السلطة منذ أن أصبح مديرها أليكسي ميللر، الصديق المقرب للرئيس الروسي منذ كان يعيش في مدينة سانت بطرسبورغ (مسقط رأس فلاديمير بوتين)، ولديها قناة تلفزيونية وشركة نفطية ضخمة، بل وأصبح لها جهاز دبلوماسي يجري محادثات مع قادة الدول الأخرى.
ويرى كثيرون من المراقبين إن الرئيس بوتين هو أول مسئول في حقيقة الأمر يهتم بشركة “غاز بروم”، ومن ثم أصبحت الشركة وسيلة سياسية كانت تستخدمها الإدارة الروسية في السابق في الضغط على الجيران السوفيت السابقين من أجل عدم الإنسحاب من “رابطة الدول المستقلة” وأصبحت تستخدم اليوم ضد من تصفهم بأنهم ارتكبوا الخيانة” وفقًا لمصطلحات المحللين الروس.
تتحكم شركة “جازبروم” العملاقة في ربغ الغاز الطبيعي الذي يغذي أوروبا
وبحسب ما جاء في كتاب “القيصر الجديد: بزوغ عهد فلاديمير بوتين” للمؤلف ستيفن ستيفن لي مايرز، يتخذ بوتين شخصيًا القرارات المتعلقة بـ”غاز بروم”، ويرجع هذا الاهتمام الفائق بشركة واحدة من قِبل الشخص الأول في الدولة إلى اعتماد الموازنة الفيدرالية الروسية على 20% من إيراداتها على “غاز بروم”، ورأسمال هذه المؤسسة وحدها يشكل 35 % من قيمة الأسهم المتداولة في سوق المال الروسية، حيث وصل حجم عائدات الشركة مثلاً عام 2008 من التصدير 64 مليار دولار، رغم أن ثلثي الغاز المستخرج لدى الشركة تبقى في روسيا وتعزز اقتصاد البلاد.
لكن استخدام “غاز بروم” في المشروعات الجيوسياسية للكرملين ساهم في تراجع دور الشركة التي أهملت ضرورة دراسة تغيرات السوق، والتحول إلى شركة طاقة شاملة بدلاً من تبذير عشرات المليارات من الدولارات في تنفيذ مشروعات سياسية لا جدوى اقتصادية منها.
داخليًا، يرى بعض المراقبين أن اعتماد الكرملين المتزايد على عائدات النفط والغاز قد يرهن اقتصاد البلاد الذي يعتمد على 40% من عائداته على هذه السلعة، كما أن التركيز على قطاع النفط بشكله الخام أدَّى إلى ضعف الاهتمام بالصناعت التحويلية والاقتصار على صناعات الاستخراج، وهو ما ادَّى إلى تنامي دور الشركات النفطية التي تسيطر على نحو 90% من استخراج النفط والغاز في البلاد.
فقدت أوروبا بأكملها بقرار واحد نصف إمدادات الغاز الروسي إليها، ما تسبب في قطع الكهرباء عن ملايين الأوروبيين
ويرى بعض المحليين أن الاعتماد المتزايد على قطاع الطاقة يشكَّل خطأ وليس خطرًا، لكن القلق في الداخل يتنامي في ألا يستمر قطاع الطاقة في عافيته كثيرًا، فثمة 6 مصافي لتكرير النفط من أصل 25 قد بدأت تظهر عليها علامات الشيخوخة حيث دخلت الخدمة منذ 60 عامًا وتهالكت بنيتها التحتية، بينما أدوات الحفر والتنقيب والأنانيب القديمة السوفيتية لا تزال تغذي البلدان الأكثر تصنيعًا في أوروبا، لكن عاجلاً أو آجلاً سيتوجب استبدالها.
سلاح روسيا الناعم
لا يوجد مكان يتجلى فيه النفوذ الروسي في مجال الغاز الطبيعي عالميًا أكثر من أوروبا، حيث دأبت موسكو على استغلال فقر الطاقة لدى القارة وحاجتها إلى الغاز الروسي، وقد سمحت هذه الحقيقة لروسيا باستخدام احتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي كسلاح ناعم لإدارة النفوذ السياسي في محيطها الجغرافي.
كان ذلك الاعتماد على الطاقة الروسية مصدرًا دائما لقلق صُنّاع السياسة الأوروبيين، مع اندلاع الصدامات السياسية بين روسيا ودول شرق أوروبا، وخاصة أوكرانيا، التي كانت تمر عبرها ثلثا صادرات الغاز الروسي، ولا تستطيع كييف خرق قواعد اللعبة التي فرضتها شركة “غازبروم” التي يسيطر عليها أشخاض مقربون من فلادمير بوتين، لكن سنوات التوتر مع كييف دفعت الكرملين للبحث عن بدائل.
يانكوفيتش زعم أن الأموال اُستنفذت، فوجدت موسكو في ذلك ذريعة لفرض تحول سياسي قُبيل التوقبع على اتفاقية التجارة الحرة مع بروكسل
وأشهرت موسكو سلاحها الناعم في وجه أوروبا مرتين، كانت المرة الأولى في عام 2006، حين انتظرت موسكو بفارغ الصبر نهاية عقد الغاز مع كييف، ثم ضغطت من أجل رفع الأسعار، في حين أمرت “غازبروم” بإيقاف دفق الغاز لعدة أيام مطولة، لحين استجابة كييف لشروطها.
ثم كانت في مطلع عام 2009 على موعد آخر تذكرت خلاله أوروبا بالغة أن مصالحها الطاقوية في قبضة النفوذ الروسي، حينها قررت شركة “غازبروم” قطع إمداداتها للغاز إلى أوكرانيا مجددًا، وفي هذه المرة فقدت أوروبا بأكملها بقرار واحد نصف إمدادات الغاز الروسي إليها، ما تسبب في قطع الكهرباء عن ملايين الأوروبيين ليعانوا من وطأة البرد في منتصف الشتاء الجليدي الأوروبي لمدة 20 يومًا متصلة.
شبكات الغاز الروسية الأوروبية
بعد عام واحد، صب طموح الشباب الأوكراني في انضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي مزيدًا من الزيت على النار، وفي عام 2010 اُنتخب فيكتور يانكوفيتش المرشح المفضل لموسكو رئيسًا، وقدَّم للناخبين وعودًا بالانضمام إلى أوروبا، لكن بعد 3 سنوات وصلت حكومته لمستويات قياسية من الفساد، وكانت أوكرانيا تدين بأموال كثيرة لأوكرانيا من صادرات الغاز، لكن يانكوفيتش زعم أن الأموال اُستنفذت، فوجدت موسكو في ذلك ذريعة لفرض تحول سياسي قُبيل التوقبع على اتفاقية التجارة الحرة مع بروكسل.
لأكثر من 15 عامًا ظلت روسيا متحالفة مع أوروبا، لكن الأحداث التي ميَّزت عام 2014 أعادت إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، وفي هذا العام ثار الأوكرانيون على يانكوفيتش الذي فر هاربًا بعد اتهامه هو وشرطته بقُتل المئات من المتظاهرين، وكانت موسكو التي أزعجها هذا التحول في الأحداث تفكر في شيء واحد، وهو الحفاظ على احتكارها للغاز في أوروبا، وكانت الخطوة الأولى هي السيطرة على البحر الأسود، ومفتاح هذه السيطرة هو القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول.
على هامش لقاء مع الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي “الناتو”، صعّد ترامب من نبرة هجومه على ألمانيا بشكل غير مسبوق، ووصفها بأنها “أسيرة لروسيا”
ثم نجحت روسيا في ضم شبه جزيرة القرم لكن أعنف مواجهة بنيها وبين الغرب منذ الحرب الباردة لم تنته بل زادت تعقيدًا، ويبرز الغاز الروسي عنصرًا أساسيًا في تحديد اتجاه الأزمة وطريقة إدارتها، فروسيا تعتمد كثيرًا على صادرات الغاز والذي يذهب القسم الأكبر منه إلى الاتحاد الأوروبي، وأوروبا تستورد قسمًا كبيرًا من حاجتها من الغاز من روسيا.
حروب الغاز
بعد صراعات متعددة حول الغاز بين في عامي 2005 و2009 قامت شركة “غازبروم” وشركائها الأوروبيون في عام 2011 بالالتفاف على أوكرانيا من الشمال عبر خط أنابيب يمتد من تحت بحر البلطيق، وقادر على حمل 27.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى ألمانيا، ومنها إلى المرافق والمنازل والشركات المستهلكة للطاقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ويحمل اسم “نورد ستريم“، ويعتزم بوتين إلى الذهاب أبعد من ذلك مع مشروع آخر هو “ساوث ستريم”، والفكرة هي توصيل الغاز في قاع البحر الأسود إلى الأراضي البلغارية، ويراه البعض مشروع سياسي لتوسيع إمدادات الغاز الروسي.
بدا ذلك كفيلاً بإثارة أزمة دبلوماسية لم تتردد أصداؤها داخل أوروبا وحسب، ولكنها عبرت إلى الضفة الأخرى من الأطلسي حيث الولايات المتحدة، ففي يوليو/تموز الماضي لـ 2018، وعلى هامش لقاء مع الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي “الناتو”، صعّد ترامب من نبرة هجومه على ألمانيا بشكل غير مسبوق، ووصفها بأنها “أسيرة لروسيا”، مدعيا أنها تحصل على نسبة 60-70% من احتياجاتها من الطاقة من روسيا، ومُنَوِّهًا أنه “من غير المناسب أن تدفع الولايات المتحدة مقابل الدفاع عن أوروبا في مواجهة روسيا، في حين أن ألمانيا، أكبر اقتصادات أوروبا، تنخرط في صفقات الغاز مع موسكو”.
تجنبًا لما حدث في العامين 2006 و2009 من أزمة الغاز الروسي، يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إيجاد بدائل عن الغاز الروسي وتعزيز أمن الطاقة لديها
ومع مرور الوقت، تتعمق مشكلات شركة “غاز بروم” الروسية مدفوعة بالتغيرات الجذرية في سوق الطاقة العالمي، ما يفقد الكرملين سلاحه “الأكثر فاعلية” في أوروبا، وتجنبًا لما حدث في العامين 2006 و2009 من أزمة الغاز الروسي، يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إيجاد بدائل عن الغاز الروسي وتعزيز أمن الطاقة لديها، عن طريق استخدام احتياطات الغاز الصخري في جنوب شرق أوروبا وبولندا وإنجلترا، وتعزيز استيراد الغاز الصخري من الولايات المتحدة، كما دعمت أوروبا مشروع خط أنابيب استيراد الغاز من أذربيجان.
وفي خطوات متلاحقة، اقترحت بريطانيا خطة مدتها 25 عامًا لتقليص الاعتماد على الاستيراد وإقامة سوق حر مشتركة للطاقة، أمَّا المجر التي تستورد 80% من احتياجاتها من الغاز الروسي فقد ربطت شبكتها للغاز مع سلوفاكيا لتعزيز أمن إمدادات الطاقة الأوروبية، في حين تتجه إيطاليا التي تستورد 90% من احتياجاتها من الغاز، أكثر من نصفها من روسيا، إلى التركيز على الغاز الليبي، ومع استيراد ألمانيا 35% من الغاز الروسي، اعتبر وزير الاقتصاد الألماني أنه لا بديل منطقيًا عن الغاز الروسي لإمداد أوروبا بالطاقة.
أمًّا الولايات المتحدة فتقوم بالتركيز على استخراج الغاز الصخري، بعد أن دخل الأسواق في العام 2016، وتخطط لإضافة 7 محطات جديدة لتسييل الغاز قبل نهاية العقد الحالي، مع خطط لتعزيز حضورها بين مصدري الغاز المسال، كما تسعى إلى دخول السوق الأوروبية بقوة عبر صفقات الغاز المسال، وتخطط واشنطن لرفع صادراتها من الغاز المسال من نحو 30 مليون متر مكعب إلى نحو 60 مليونًا في غضون ثلاث سنوات.
لكن ذلك لا ينفي أن واشنطن ستكون بحاجة إلى حلفاء من منتجي الغاز الكبار في العالم إن كانت جادة في محاربة نفوذ الطاقة الروسي في أوروبا عبر زيادة تصدير الغاز المسال، وهو ما يفسر طلب نائب وزير الطاقة الأمريكي دان بروليت من قطر، أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، أن تتحدى هيمنة الغاز الروسي في أوروبا، ولفت إلى أن الولايات المتحدة تتباحث مع الدوحة بشأن تزويد أوروبا بالغاز.
وفي مقابل تطور صناعة الغاز المسال في قطر، وأستراليا، والولايات المتحدة وغيرها فإن خطوات روسيا في هذا المجال مازالت متعثرة، فقد توقف مشروع بناء مصنع لتسييل الغاز في “فلاديفستوك” وتثار أسئلة حول بناء الخط الثالث في مصنع ساخالين بطاقة 5 ملايين طن فقط.
وعلى خلفية هذه التحركات، تلقت “غاز بروم” سلسلة ضربات موجعة في الأشهر الأخيرة، ووصلت أولى دفعات الغاز القطري المسال إلى محطة “شفينويتشيه” شمال غرب بولندا في منتصف يونيو/حزيران الماضي بعد أيام من إعلان وارسو نيتها الاستغناء عن العقود طويلة الأجل في واردات الغاز الطبيعي من روسيا، وعدم رغبتها تمديد العقود السابقة مع “غاز بروم”، وتندرج الشحنة ضمن اتفاق بولندي مع قطر لتوريد 5 مليارات متر مكعب من الغاز أي ما يعادل نصف احتياجات البلاد السنوية.
بما أنه من المتوقع أن يزداد استهلاك الغاز الطبيعي المسال على مدى السنوات العشر المقبلة، فهناك فرصة حقيقية للدول المنتجة للغاز لتحل محل روسيا في سوق الطاقة الأوروبي، هنا تأتي قطر، الشركة الرائدة عالميًا في مجال إمدادات الغاز الطبيعي المسال، في وضع مثير للاهتمام للانتقال إلى سوق الطاقة في أوروبا.