مع أذان المغرب، يعلو صوت المدفع في العديد من المدن التونسية، ليعلن عن حلول موعد الإفطار، صوت يترقبه الصغار والكبار على حدّ سواء كل يوم طيلة شهر رمضان المعظم، حتى أصبح الإفطار لا يحلو إلا بسماعه.
“المدفع ضرب، المدفع ضرب”
رغم ما عرفه المشهد الرمضاني في تونس من تغيرات كبيرة، بعدما كان يتميّز سابقًا بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية عديدة، بقي مدفع رمضان وفيًا لعادات سكان البلاد في هذا الشهر الفضيل، حيث يعتبره كثيرون وحدة قياس زمني لإعلان الإفطار والإمساك وعند بداية رمضان وعيد الفطر.
ويعتبر صوت المدفع من أهم الطقوس الرمضانية التي اعتاد عليها سكان تونس منذ قرون، إذ يضفي على أيام هذا الشهر العظيم رونقًا خاصًا، فهو يرتبط بذكريات جميلة لكل صائم، فمن خلاله يعلن موعد فك الصيام وحلول موعد الإفطار الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر بعد يوم صيام مليء بالعبادات والأعمال الخيرية.
يمثل مدفع رمضان أحد أهم العادات التي دأب عليها التونسيون
مباشرة عند الأذان، تسمع صوت المدفع، لتشاهد بعد ذلك الصغار يركضون بين الأزقة والأحياء، وهم يصرخون “المدفع ضرب، المدفع ضرب”، أي تمَّ إطلاق البارود في الهواء وحان وقت الإفطار، وطلقة المدفع عبارة عن كبسولة محشوة بالبارود تطلق في الهواء، وتتميز بدويها الهائل الذي يسمع على بعد كيلومترات، وينتظره الكبار قبل الصغار.
ويقول يسري، أحد سكان مدينة الحمامات السياحية جنوب تونس العاصمة لنون بوست: “سماع دوي المدفع في رمضان، يبقى من الأجواء الرمضانية المحببة إلينا”، وتابع “صحيح أن الزمن تغير والتكنولوجيا أصبحت مسيطرة على كل شيء إلا أن صوت المدفع يبقى له وقع خاص في آذاننا، وعند كل من اعتاد سماعه في هذا الشهر الكريم”.
سكت في بعض المدن وبقي في أخرى
رغم كل ما يعنيه للتونسيين وما يمثله لهم، سكت “مدفع رمضان” في العديد من المدن خاصة في مدينة القيروان التي يطلق عليها الفقهاء “رابعة الثلاث”، أي أنها تحتلّ المرتبة الرابعة بعد مكة والمدينـة المنورة والقدس الشريف، والقيروان أقـدم وأول مـدينة إسلامية اختارها القائد العربي “عقبة بن نافـع” لتكون قاعدة لنشر الإسلام في المغرب العربي.
والمدفع القيرواني موروث حضاري عريق بدأ مع العثمانيين، انطلق مع الباي المشير أحمد باي، وكان يطلق مع حلول شهر رمضان ثلاث طلقات إعلانًا بحلول شهر رمضان وثلاثًا أخريات ليلة العيد، ثم أضيف إليها إطلاق طلقة عند الإفطار وطلقة أخرى عند الإمساك.
وسكت أيضًا في مدينة بنزرت شمال تونس، حيث ذهب الصوت وبقي هيكل المدفع عند مدخل سيدي سالم، المنطقة المطلة على ضفاف المتوسط، معروضًا للزينة ومذكّرًا السكّان المحليين بعاداتهم في هذا الشهر الفضيل، عندما كان لرمضان جو خاص، ورونق كلما سُمِعَ دوي المدفع.
وفي مدينة صفاقس جنوب البلاد، منذ حادثة انفجار مدفع رمضان سنة 2010، وتسببه في وفاة مهندس البلدية وجرح جنديين آخريين، سكت المدفع ولم يسمع له صوت من حينها، ورغم إسكاته في هذه المناطق، يبقى “مدفع رمضان” حيًا في الذاكرة الشعبية للتونسية، حيث يمثّل جزءًا من التراث الوطني المتوارث عبر الأجيال، ويعتبر زينة رمضان وأيقونته.