لا بد من أنك تستخدم المصعد في حياتك اليومية بشكل مستمر ولا شك أنك اعتدت على الصوت الذي يخبرك بأن باب المصعد وصل إلى الطابق العاشر مثلًا أو أن الباب سيغلق في حال صعودك عليه بالفور، أو عند استخدامك لخدمة تحديد الموقع “جي بي اس” والتي تساعدك على الوصول إلى أي مكان تريده عن طريق مساعد رقمي يحدد لك الاتجاهات الصحيحة لوجهتك.
وليس من الغريب أن تتحول هذه التقنيات البسيطة إلى تفاصيل اعتيادية في عصر التكنولوجيا العملاقة. ولكن هل انتبهت يومًا لصوت هذه المساعدات الصوتية وتساءلت لماذا تتكلم هذه الآلات بصوت أنثى وليس ذكر؟
ومن أقرب وأشهر النماذج على هذه المساعدات الصوتية هي “سيري” التي أطلقتها شركة آبل عام 2010 والتي يمكنها الاتصال أو كتابة رسالة نصية أو إرسال بريد الكتروني عن طريق أمر صوتي منك، كما يمكنها تحديد المقاهي القريبة مثلًا أو اخبارك بحال الطقس اليوم. كما تعد سيري من أنجح الآلات الذكية في العصر الحديث خاصة أن هناك الملايين من الناس الذين يجرون محادثات يومية معها وكأنها شخص حقيقي. هذا بحسب ما قاله نورمان وينارسكي المشارك في تأسيس وتصميم سيري.
وفي زمن التطور المستمر والتنافس التكنولوجي الكبير بين الشركات العالمية، عملت شركات جوجل وأمازون ومايكروسوفت على تطوير مساعدات رقمية تحمل خصائص ومزايا متطورة وذات خيارات متنوعة وأكثر جاذبية للمستخدمين، ومنها أمازون أليكسا وكرواتنا وجوجل هوم وجميعها تتحدث بصوت أنثى.
وتبعًا لشركة جارتنر للأبحاث التكنولوجية فأن 35.6 مليون أمريكي يستخدم هذه المساعدات الصوتية شهريًا وهي نسبة قابلة للارتفاع في السنوات المقبلة، كما أنها تتوقع أن ربع الطلبات المنزلية ستتم من خلال مساعدي الصوت في عام .2019
لماذا استخدمت التكنولوجيا صوت الأنثى واستغنت عن المذكر؟
لإيجاد الإجابة الشافية على هذا السؤال لابد من التوجه إلى علم الأحياء، فالدراسات العلمية تثبت أن الناس يميلون إلى صوت المرأة أكثر من الرجل ويجعلهم يشعرون بنوع من الرضى عند تعاملهم مع المرأة أكثر من الرجل.
هذا ويقول البروفيسور كليفورد ناس في جامعة ستانفورد “علمتنا الأجهزة الرقمية الكثير عن العلاقات البشرية وأهمها أن العقل البشري يفضل صوت الأنثى عن الذكر، ولإيجاد صوت محبب لدى الناس كان من الأفضل أن نختار صوت امرأة وليس رجل”. ويضيف “يبدأ هذا التفضيل منذ وجود الإنسان في الرحم، حيث توضح الأبحاث أن الأجنة تتجاوب أكثر مع صوت الأم، وتكاد تعدم ردة فعلها عند سماعها لصوت والدها”.
في ألمانيا عندما استخدمت سيارة “بي أم دبليوم” من الفئة الخامسة في أواخر التسعينيات صوت أنثى كمساعد رقمي داخل السيارة، إلا أن الشركة تلقت عدد كبيرة من المكالمات التي رفضت أن تحصل على التوجهات من صوت امرأة
أما الإجابة الأخرى التي يذكرها ناس فهي في عام 1920 بدأ الكتاب المسرحيين ومؤلفي سيناريوهات الأفلام بالترويج للروبوتات التي تتحدث بصوت مذكر على أنها آلات غاضبة ومدمرة وقاتلة، ومنذ ذاك الحين ابتعدت الشركات التكنولوجية عن استخدام صوت الرجل كمساعدات رقمية في العصر الحديث لما تركته من أثر على سيكولوجية الجمهور.
ومن ناحية تاريخية، يقول ناس أن أصوات النساء كانت تستخدم داخل غرف القيادة في الطائرات في الحرب العالمية الثانية وكانت عادة ما النساء تقوم بالرد على المكالمات الهاتفية وهذا ما جعل الناس يعتادون على تلقي المساعدات العابرة من صوت أنثى.
ويوضح أن الاستثناء التاريخي الوحيد كان في ألمانيا عندما استخدمت سيارة “بي أم دبليوم” من الفئة الخامسة في أواخر التسعينيات صوت أنثى كمساعد رقمي داخل السيارة، إلا أن الشركة تلقت عدد كبيرة من المكالمات التي رفضت أن تحصل على التوجهات من صوت امرأة.
ما الذي سيفرضه المستقبل على شركات التكنولوجيا؟
يقول برانت وارد مدير تنفيذي في شركة تصميم صوتية “تعمل الأمازون وغيرها على خلق خيارات أوسع للمستخدم من جانب اختيار أصوات وجنس المساعدات الرقمية، خاصة أن هذه الأصوات ستصبح جزءا مهمًا في حياتنا اليومية” كما يقول إنه يفضل وجود ميزة تتيح للمساعدات الصوتية بقراءة رسائله النصية في السيارة عن طريق تقريب صوت زوجته لهذه الآلات.
هل تعزز هذه الأصوات المؤنثة الصورة النمطية الجنسية؟
في هذا الخصوص تقول ريبيكا زوارخ مديرة مشروع الاتصال والتواصل في جامعة شيكاجو “ليس بالضرورة أن يكون تنميط في هذه التقنيات ولكن لا شك أنها تغذي أفكارًا معينة في عقول الناس عن صوت المرأة وبما أن هذه المساعدات الرقمية هدفها تقديم الخدمة والمساعدة فهي بطريقة معينة تضع المرأة في هذا الإطار بشكل أضيق من الرجل”.
وتضيف “لا يمكن الادعاء أن هذه الشركات التكنولوجية تتعمد التحيز الجنسي، لكن النتيجة لاستخدام صوت المرأة بهذه الطريقة سيعزز النمطية بكل الأحوال، خاصة أن هوليوود قامت بتصوير الروبوتات الذكورية بأنها مخيفة وظهر ذلك واضحًا في أفلام ذا ماتريكس مثلًا”.
إن الناس وجدت صوت الرجل “عملي” أكثر من صوت المرأة ولكن التفضيل الوحيد الذي رجح كفة الميزان لصوت المرأة أن الجمهور يعتبر صوت الأنثى أكثر “ثقة”
في تقرير نشرته “ذا اتلنتيك” تقول الصحفية أدريانا لافرانس “التفسير الأبسط لاستخدام صوت الأنثى في هذه المساعدات التقنية أن الناس تتوقع وجود امرأة في المناصب الإدارية والتنسيقية والسبب في هذا هي الأفكار الاجتماعية”.
وفي دراسة أخرى نشرت عام 2012 على موقع “لايف ساينس”، تقول إن الناس وجدت صوت الرجل “عملي” أكثر من صوت المرأة ولكن التفضيل الوحيد الذي رجح كفة الميزان لصوت المرأة أن الجمهور يعتبر صوت الأنثى أكثر “ثقة”.
مؤخرًا تحاول جوجل تطوير روبوت المحادثات “الماسنجر ام” الخاص بها وفي تصريح خاص لـ “ذا اتلنتك” إن هذا الروبوت لن يكن له جنس محدد، إلا أن صحيفة “ذا نيو يورك تايمز” الأمريكية أشارت إلى هذا الروبوت بصيغة المؤنث وهذا يخلق نوع من الاحتمالية بأن تكون هذه الآلة الذكية مؤنثة.
ولفتح المجال أمام المستخدمين، قامت شركة آبل بإعطاء خيار صوت مذكر لمساعد الصوت الخاص بها “سيري” ليستطيع المستخدم تحويل صوت المساعد الرقمي إلى النبرة التي يفضلها سواء كانت مؤنثة أو مذكرة، إلا أنه من النادر أن يقوم مستخدم بتحويل صوت سيري إلى ذكر خاصة أن اسم سيري هو اسم أنثوي.