يتنفس المسافر الأردني القادم من الضفة الغربية الصعداء عندما يصل إلى جسر الملك حسين، حيث تنتهي رحلة العذاب وأيام الانتظار التي يتسبب بها الاحتلال الإسرائيلي في استراحة أريحا التي تعتبر بوابة فلسطين إلى العالم.
فقد ينتظر المسافر 3 أو 4 أيام في الاستراحة ليتمكن من حجز دور له بهدف السفر إلى الأردن، الذي يقدم كل التسهيلات اللازمة ويعمل على إنهاء كل الإجراءات وإنجاز المعاملات بأقصى سرعة، تسهيلا على المسافرين من الضفة الغربية والتخفيف من معاناتهم، في حين يبقى الاحتلال هو سبب كل البلاء.
فمما لا شك فيه أن جسر الملك حسين أو جسر اللنبي كما يطلق عليه الإسرائيليون، يشهد كثير من المعاناة والشكوى من قبل المسافرين الأردنيين القادمين من الضفة الغربية، سواء كانوا رسميين أو مواطنين عاديين، وذلك إثر المعاملة الإسرائيلية التي لا تراعي الحقوق الإنسانية، التي قد تصل إلى حد التوقيف والاعتقال.
الزميلي: قرار اعتقالي من قبل الاحتلال ما هو إلا “حركشة بالحكومة الأردنية”
وقد كان أحدث نموذج لمعاناة الأردنيين القادمين من الضفة، ما حدث مع نائب الأمين العام لجمعية الكشافة والمرشدات الأردنية منذر الزميلي، حيث أوقفه الاحتلال الإسرائيلي في سجن بيت تكفا الإسرائيلي، لدى خروجه من الأراضي الفلسطينية عبر جسر الملك حسين، ثم اقتادته إلى تل أبيب للتحقيق معه.
وكان الزميلي الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس اللجنة الكشفية العربية، قد دخل الأراضي الفلسطينية على رأس وفد كشافة أردني رسمي، للمشاركة في الأسبوع الوطني الفلسطيني الذي أقيم للاحتفال بحصول الكشافة الفلسطينية على عضوية المنظمة الكشفية العالمية.
الزميلي الذي تحدث إلى “أردن الإخبارية” اعتبر أن قرار اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا “حركشة بالحكومة الأردنية”، لأن الاحتلال “لم يعتقله إثر تهمة، في حين لم يجد القضاء الإسرائيلي أي مبرر لاعتقاله، لذلك أصدر قرارا بالإفراج عنه فورا”.
الزميلي: الاحتلال قام بتعصيب عيني وقدمي أثناء الاعتقال لكنه لم يقدم على إيذائي
وقال الزميلي متعجبا: “لا أدري ما السبب الذي أدى لاعتقالي، فقد دخلت الأراضي الفلسطينية ومكثت وتجولت فيها، ولم يعترض طرقي أحد، لكن فيما يبدو أن بلاغا أو وشاية وصلت الاحتلال عني فحدث ما حدث”.
موضحًا إلى أن “الاحتلال قام بتعصيب عينيه وقدميه ورجليه أثناء الاعتقال لكنه لم يقدم على إيذائه نهائيا”، منوها إلى أن “التحقيق كان عاديا جدا ولم يتطرق إلى أي من الاتهامات الخطيرة، كالتعامل مع التنظيمات العسكرية أو ما شابه”.
وأكد الزميلي على أن “الاتصالات الأردنية مع الجانب الإسرائيلي بهدف الإفراج عني لم تتوقف بداية من مكتب الملك عبد الله الثاني، مرورا برئاسة الوزراء ووزارة الخارجية وكل ذلك بالتنسيق مع مكتب الأميرة بسمة، إضافة إلى منظمة الكشافة العربية والعالمية، علاوة على فرع الكشافة في الضفة الغربية ونادي الأسير الفلسطيني، الذي لم يأل جهدا في سبيل الإفراج عني”.
وصلت ذروة هذه الأزمة بعد ما نشرته الصحافة الإسرائيلية الأسبوع الماضي من تهديد تل أبيب لعمان بوقف اتفاقية مشروع ناقل البحرين إذا ما استمرت في رفضها بعودة طاقم السفارة
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني فقد “مددت محكمة بيت تكفا الإسرائيلية، توقيف الزميلي مدة 8 أيام، بدعوى استكمال التحقيق معه، فيما وجهت له تهمة المشاركة في نشاط ضد أمن المنطقة”. وقال النادي في بيان صحفي صدر عنه، إن “محكمة بيت تكفا منعت الزميلي من لقاء محاميه”.
ويأتي هذا التعسف الإسرائيلي بحق رئيس وفد أردني، في ظل توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية منذ حادثة مقتل أردنيين على يد حارس السفارة الإسرائيلية في عمان، حيث اندلعت أزمة بين عمان وحكومة الاحتلال تستمر إلى هذا اليوم، وذلك بعد رفض الأولى عودة طاقم سفارة الثانية، مما أشعل موجة من الغضب بين الحكومتين.
ووصلت ذروة هذه الأزمة بعد ما نشرته الصحافة الإسرائيلية الأسبوع الماضي من تهديد تل أبيب لعمان بوقف اتفاقية مشروع ناقل البحرين إذا ما استمرت في رفضها بعودة طاقم السفارة، مما أثار حنيقة عمان التي ردت بأنها مستعدة للذهاب في المشروع لوحدها، بحسب ما نقلته عن وكالة “الأناضول” مسؤول أردني رفيع المستوى.
الخارجية تعلق على الحادثة
من ناحيته، شدد الناطق باسم وزارة الخارجية محمد الكايد، على أن “طاقم السفارة في إسرائيل تابع توقيف منذر الزميلي أولا بأول”، لافتا إلى أن “السفير وليد عبيدات تأبدى اهتماما بقضية الزميلي إلى أن تم الإفراج عنه”.
تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأردن متكررة، ولم تتوقف عن الاعتقال فقط بل تجاوزت ذلك إلى القتل كما حدث مع القاضي رائد زعيتر في 2014
وقال الكايد لـ”أردن الإخبارية” إن “أعضاء في السفارة الأردنية رافقوا الزميلي إلى جسر الملك حسين واطمئنوا على وصوله إلى الأردن سالما”.
يعلم المراقب أن تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأردن والأردنيين كثيرة ومتكررة، ولم تتوقف عن الاعتقال فقط بل تجاوزت ذلك إلى القتل، كما حدث مع القاضي رائد زعيتر في العام 2014.
وإذا ما ألقينا الضوء على بعض هذه التجاوزات، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل رجل الأعمال الأردني إبراهيم صيام في العام 2015 دون السماح له بلقاء محاميه. واعتقل صيام أثناء توجهه إلى الضفة الغربية للمشاركة في مؤتمر اقتصادي في مدينة رام الله، بدعوة رسمية من رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن. وزعم الاحتلال حينها أن صيام يقيم علاقات مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
اعتقالات متكررة فما السبب؟
كما أقدم الاحتلال على اعتقال مدير العلاقات العامة وشؤون المحسنين في جمعية المركز الإسلامي الخيرية بمدينة المفرق عطا عياش، الذي كان في زيارة اعتيادية إلى بلدته رافات بمدينة سلفيت بالضفة الغربية.
وقضت محكمة إسرائيلية بسجن عياش الذي كان يبلغ حينها 61 عاما، 4 شهور وغرامة مقدارها 30 ألف شيكل بتهمة تقديم خدمات لحركة حماس. وعمل عياش الذي اعتقل في العام 2013، مدة ثلاثة عقود معلما وإداريا في وزارة التربية والتعليم.
مواطن: “انتظر 2 أو 3 أيام في استراحة أريحا للدخول إلى الأردن، بالرغم من حوزتي كل الأوراق والمعاملات اللازمة”
وإذا ما سمعنا إلى معاناة وشكوى المسافرين القادمين من الضفة الغربية إلى الأردن، فإن علاء مسودة الذي يسافر إلى الضفة بين الحين والآخر، يصف شكل المعاناة بقوله “ننتظر 2 أو 3 أيام في استراحة أريحا للدخول إلى الأردن، بالرغم من حوزتي كل الأوراق والمعاملات والثبوتات اللازمة”. وقال مسودة لـ”أردن الإخبارية” إن الإجراءات في الجانب الأردني سهلة وسريعة، لكن الإجراءات الإسرائيلية هي سبب تأخيرنا في الوصول إلى الأردن”.
تحقيقات أمنية وعمليات تفتيش دقيقة
أما أنس جبر فهو الآخر كثير السفر إلى الضفة الغربية، لكنه يشكو بمرارة الإجراءات والانتظار الطويل الذي يصل إلى أيام قبل أن يصل إلى الجانب الأردني على جسر الملك حسين.
فجبر يعتبر أن “مجرد وصوله إلى الجانب الأردني يعني انتهاء المعاناة والمأساة التي تشكلها الإجراءات الإسرائيلية بالرغم من توفر كل الأوراق المطلوبة للسفر”. وأشار جبر إلى أن “كثير من المسافرين الذي ينتظرون في استراحة أريحا على الجانب الفلسطيني، ينامون بين الأشجار والسيارات لأنهم لا يملكون أجرة المبيت في فندق”.
مواطن: “إنها رحلة ذل بمعنى الكلمة خاصة مع وجود النساء والأطفال وكبار السن”
في حين قال رأفت الخواجة الذي اعتاد السفر ما بين الضفة الغربية والأردن، إن المعاناة في استراحة أريحا لا تطاق فالازدحام يكون كبير، والجانب الإسرائيلي يفرض إجراءات سفر طويلة.
وأوضح الخواجة أنه “على المسافر الخروج من منزله في الضفة منذ الساعات الباكرة ليتمكن من حجز دور، إنها رحلة ذل بمعنى الكلمة خاصة مع وجود النساء والأطفال وكبار السن”. ولم ينس الخواجة الإشارة إلى التحقيقات الأمنية وعمليات التدقيق والتفتيش، التي يجريها السلطات الإسرائيلية مع المسافرين التي تأخذ وقتا طويلا من وقت المسافر في ظل درجات حرارة مرتفعة”.
المصدر: أردن الإخبارية